من أوروبا إلى الإمارات وليبيا.. الكشف عن مسار تهريب الأسلحة لمليشيا حميدتي

منذ ٩ ساعات

12

طباعة

مشاركة

يكشف تقرير استقصائي نشره موقع "نيغريتسيا" الإيطالي عن "شبكة دولية غير قانونية لتهريب الأسلحة إلى مليشيا “قوات الدعم السريع” التي تحارب الجيش السوداني منذ أكثر من سنتين.

وبحسب الموقع، فإن عمل هذه الشبكة يمثل خرقا واضحا للحظر الأوروبي على تصدير الأسلحة للسودان منذ عام 1994. 

ويتتبع الموقع مسار هذه الأسلحة من أوروبا إلى الإمارات وليبيا، حتى وصولها إلى الأراضي السودانية، مسلطا الضوء على تورط شركات أوروبية وإماراتية، وتواطؤ دولي يسهم في تأجيج أحد أكثر النزاعات دموية في إفريقيا.

حادثة تهريب معقدة

وسلط التحقيق الضوء على مسؤولية أوروبا في تجارة السلاح، التي تؤجج صراعا أدى إلى أخطر أزمة إنسانية، وربما أصبحت غير قابلة للإصلاح، في السنوات الأخيرة. 

ومن بين الموردين الدين ذُكروا في التحقيق، أُشير أيضا إلى شركة "ليوناردو" الإيطالية.

جدير بالذكر أنها واحدة من أكبر الشركات الإيطالية والعالمية المتخصصة في الصناعات الدفاعية والفضائية والطيران.

وبحسب ما نقله الموقع الإيطالي، فإن المقالات توثق، من خلال فحص دقيق للصور والوثائق وبحث منهجي عن تقاطعات الأدلة والشهادات، عملية تهريب أسلحة أُنتجت في بلغاريا ووُجهت إلى مليشيات قوات الدعم السريع.

وللتحايل على الحظر الأوروبي المفروض على تجارة السلاح مع السودان، المفروض منذ عام 1994 بأشكال مختلفة، استُخدم مستورد إماراتي قريب جدا من رئيس الإمارات، محمد بن زايد آل نهيان. 

ولتعقيد الأمور أكثر، كما وصفها الموقع، كان من المفترض أن تتم عملية التسليم بواسطة مرتزقة كولومبيين نقلوا الشحنة عبر الأراضي الليبية الخاضعة لسيطرة اللواء خليفة حفتر، الحليف الآخر للإمارات في إفريقيا.

وتابع: "لكن الخطة فشلت، إذ بعد عبور الحدود السودانية مباشرة، اعتُرضت القافلة من قبل دورية تابعة للقوات المشتركة، وهي مليشيات من الحركات المسلحة الدارفورية المتحالفة مع الجيش الوطني".

وبحسب ما ذكره الموقع الإيطالي، فقد وجدت هذه الدورية أمامها كمية هائلة من الذخائر، يرافقها أجانب لم تتمكن حتى من تحديد هويتهم أو أصلهم.

وبحسب بيان نُشر على صفحة القوات المشتركة على فيسبوك، فإن القافلة كانت تحمل أيضا أموالا مخصصة لقوات الدعم السريع.

رحلة الكولومبيين

يبدأ تحقيق "فرانس 24" من صور ومقاطع فيديو نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي عناصر من المليشيات الذين اعترضوا شحنة الأسلحة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.

وتظهر هذه الصور بوضوح الصفحات التعريفية لجوازي سفر يثبتان أن حامليهما يحملان الجنسية الكولومبية. 

وبحسب ما نقله الموقع الإيطالي، فإن أحدهما يعود إلى شخص يُدعى كريستيان، وهو مستخدم نشط على وسائل التواصل، وتمكن الصحفيون الاستقصائيون من إعادة تتبع رحلته.

حيث انطلقت الرحلة من مطار شارل ديغول في باريس في 5 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، مرورا بأبوظبي في تاريخ 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، وأخيرا مقطع فيديو لغروب الشمس في منطقة صحراوية. 

وقد حدد موقع "Bellingcat"، وهو -بحسب "نيغريتسيا"- منصة إعلامية بريطانية متخصصة في الصحافة الاستقصائية، الموقع الجغرافي للفيديو بأنه يقع داخل الأراضي الليبية، قرب بلدة الجوف، وهي آخر منطقة قبل الحدود السودانية. 

جدير بالإشارة أن هذه المنطقة تقع تحت سيطرة خليفة حفتر.

ووفقا لتصريحات علي ترايو، مستشار لإحدى الحركات الدارفورية، التي نقلها الصحفيون: "قُتل أو أُسر المرتزقة الكولومبيين عند الحدود الليبية. لقد كانوا خبراء في السلاح، وكانوا هناك لتدريب قوات الدعم السريع".

ومن جانبها، أكدت وسائل الإعلام الكولومبية القصة، حيث نشرت بعد صدور تحقيق "فرانس 24"، شهادات لعدد من العسكريين السابقين تفيد بأن ما لا يقل عن 300 جندي كولومبي جُندوا لتدريب ودعم مليشيات قوات الدعم السريع. 

وأشارت الشهادات إلى نفس مسار الرحلة ونفس أهداف المهمة، وربما نفس نوعية الشحنة التي كانوا مكلفين بإيصالها، بحسب ما ورد عن الموقع الإيطالي.

المورد البلغاري والمستورد الإماراتي

وإلى جانب ذلك، يشير الموقع إلى أن الصور توثق نوع ومصدر الأسلحة أيضا، من خلال رمز دولي مطبوع على الصناديق المستخدمة في النقل، والذي يشير إلى بلغاريا.

وقد نُقشت -بحسب الموقع- رموز أخرى على أجسام القنابل نفسها من أجل التعرف عليها وتتبعها.

ووفقا لخبير في نظام التعريف المستخدم في بلغاريا، فإن الرقم 19 الظاهر على جميع القنابل يشير إلى سنة الصنع، بينما الرقم 46 يدل على اسم الشركة المصنعة، وهي شركة "دوناريت".

وبالفعل، أقر المدير التنفيذي للشركة بأن هذه القنابل من إنتاج "دوناريت"، لكنه نوه إلى أن "الصفقة كانت قانونية تماما"، وأن "أي أسلحة لم تُرسل من شركته إلى السودان على الإطلاق".

في الواقع، يكشف التحقيق أن العقد وُقّع في عام 2020 بين المورد البلغاري "ARM-BG Ltd" وشركة "International Golden "Group، وهي شركة إماراتية. أحد رئيسيها هو فاضل الكعبي (والرئيس الآخر هو الأميركي ويليام كوهين).

وبحسب الموقع الإيطالي، أظهرت التحقيقات أن المورد البلغاري لا يعدو كونه كيانا شكليا أو أكثر بقليل من ذلك، في حين أن المستورد الإماراتي معروف مسبقا بتورطه في توصيل شحنات إلى مناطق خاضعة لحظر.

مجموعة "غولدن" ودور حفتر

ومن جهة أخرى، يستشهد التحقيق بتقرير صدر عام 2013 عن فريق خبراء تابع لمجلس الأمن الدولي بشأن ليبيا، حيث اتُّهمت فيه شركة "International Golden Group" الإماراتية بتهريب أسلحة مصدرها ألبانيا وتسليمها إلى بنغازي، عاصمة المنطقة التي يسيطر عليها خليفة حفتر. 

وقد ورد اسم الشركة وأعمالها غير القانونية أيضا في تقارير الأمم المتحدة لعامي 2016 و2020 و2023.

أما العقد الذي يتناوله التحقيق، فيتعلق بعشرات الآلاف من الذخائر بمختلف أنواعها، وتُقدر قيمته بحوالي 50 مليون يورو.

وفي هذا السياق، يذكر الموقع أن الجزء الرابع من التحقيق يوضح أن الحركات الدارفورية التي تشكل الآن ما يُعرف بـ "القوات المشتركة" كانت قد استفادت سابقا من دعم الإمارات عندما كانت تقاتل ضد حكومة الخرطوم، وأنه حتى في ذلك الحين كانت الشحنات تمر عبر بنغازي.

لكن الظروف التي وُصفت في اعتراض الشحنة، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، لا تترك مجالا للشك بأن الوجهة النهائية لتلك الشحنة كانت قوات الدعم السريع، بحسب ما يؤكده الموقع الإيطالي.

ليس فقط "دوناريت"

وبالنظر إلى الجزء الأخير من تحقيق "فرانس 24"، سيظهر كيف أن شركات أوروبية عملاقة تعمل في المجال العسكري، بما في ذلك الشركة الإيطالية "ليوناردو"، تُعد شركاء تجاريين لـ International Golden" "Group.

جدير بالذكر أنها أصبحت الآن جزءا من مجموعة "إيدج"، وهي "تكتل من الشركات الدفاعية الممولة من الإمارات"، والتي استحوذت عليها في يناير/ كانون الثاني 2024.

ويأتي هذا -وفق "نيغريتسيا"- رغم السمعة السيئة للشركة الإماراتية، حيث نُددت أعمالها في تقارير رسمية من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

السودان والإمارات: التوتر في أقصاه

وبينما تتزايد الأدلة التي تثبت عكس ذلك، يلفت الموقع الإيطالي إلى أن الإمارات لا تزال تصر على نفي أي تورط لها في التجارة غير القانونية للأسلحة لصالح قوات الدعم السريع. 

وفي المقابل، هذه التهمة يدعمها بشكل قوي الجيش السوداني، حيث أعلن مجلس الدفاع السوداني عن "قطع العلاقات الدبلوماسية مع أبوظبي".

وفي بيان له، أفاد وزير الدفاع، ياسين إبراهيم، بأن "المجلس قرر إعلان حالة العدوان ضد الإمارات العربية المتحدة، وقطع العلاقات الدبلوماسية معها، وسحب السفارة والقنصلية العامة السودانية".

مضيفا أن السودان يحتفظ بحق الرد على العدوان بكل الوسائل.

وفي هذا الإطار، يلفت الموقع إلى أن هذه الخطوة جاءت في اليوم الثالث من الهجمات بالطائرات المسيرة التي نفذتها قوات الدعم السريع على أهداف حساسة في مدينة بورتسودان، العاصمة الفعلية.