أميركيون أعدمهم تنظيم الدولة بسوريا.. كيف بدأت واشنطن رحلة البحث عن رفاتهم؟

"جمعت معلومات عن الرفات من سجناء لتنظيم الدولة بسوريا والولايات المتحدة"
بمساعدة قطرية، بدأت الولايات المتحدة إحياء جهودها القائمة منذ فترة طويلة لاستعادة رفات مواطنين أميركيين قتلوا على يد تنظيم الدولة في سوريا منذ عام 2014.
وتنظر واشنطن إلى سقوط نظام بشار الأسد، وتولي قيادة جديدة لسوريا تعمل على تحسين علاقاتها الدبلوماسية معها، كفرصة سانحة لإنهاء ملف رفات المواطنين الأميركيين الذي لطالما كان أحد الوعود الانتخابية في الولايات المتحدة.

البحث عن الرفات
وفي أحدث تطورات هذا الملف، نقلت وكالة رويترز البريطانية عن مصادر مطلعة في 5 مايو/أيار 2025 قولها: إن بعثة قطرية بدأت البحث عن رفات رهائن أميركيين قُتلوا على يد تنظيم الدولة في سوريا منذ 10 سنوات.
وقطع تنظيم الدولة، الذي سيطر على مساحات شاسعة من سوريا والعراق في ذروة قوته بين عامي 2014 و2017، رؤوس العديد من الأشخاص في الأسر، منهم رهائن غربيون وعلى رأسهم مواطنون أميركيون، ونشر مقاطع فيديو لعمليات القتل تلك بطريقة أقرب إلى أفلام هوليوود.
وقال مصدران للوكالة: إن مجموعة البحث والإنقاذ القطرية الدولية بدأت عملية البحث في 7 مايو 2025 برفقة عدد من الأميركيين.
والمجموعة التي أرسلتها الدوحة إلى مناطق الزلازل في المغرب وتركيا في السنوات القليلة الماضية، عثرت حتى الآن على رفات ثلاثة أشخاص.
وذكر أحد المصدرين -وهو مسؤول أمني سوري- أنه لم تحدد بعد هويات الأشخاص الذين عثر على رفاتهم.
وأشار المصدر السوري إلى أن البعثة ركزت في البداية على البحث عن رفات عامل الإغاثة بيتر كاسيج الذي قطع تنظيم الدولة رأسه في دابق بشمال سوريا عام 2014.
وقال المصدر الثاني: إن رفات كاسيج (26 عاما) من بين الذين يأملون في العثور عليه.
في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 بث تنظيم الدولة على الإنترنت تسجيلا مصورا تضمن لقطات قال: إنها لقطع رأس كاسيج، لكنه أظهر رجلا ملثما واقفا ورأسا مقطوعا مغطى بالدماء ملقى عند قدميه.
وقال عنصر التنظيم الذي كان يتحدث الإنجليزية بلكنه بريطانية "هذا هو بيتر إداورد كاسيج… المواطن أميركي.. أين بلدكم".
ويعرف كاسيج وهو من إنديانا بـ “عبدالرحمن” أيضا وهو الاسم الذي اتخذه بعد اعتناقه الإسلام خلال احتجازه.
وقال والداه من خلال متحدث باسمهما: إن ابنهما اختطف حين كان في طريقه إلى مدينة دير الزور بشرق سوريا في الأول من أكتوبر/ تشرين أول 2013.
وقالت عائلته: إن كاسيج هو جندي سابق كان يؤدي عملا إنسانيا من خلال منظمة “سبيشال إيمرجنسي ريسبونس أند أسيستانس” التي أسسها عام 2012 لمساعدة اللاجئين السوريين.
وكان كاسيج، الشخص الخامس الذي يعدمه تنظيم الدولة وقتها من حاملي الجنسيات الغربية، وذلك منذ إعلان خلافته بسوريا.
وجاء ذلك بعد قتله صحفيين أميركيين اثنين واثنين من عمال الإغاثة البريطانيين.
والصحفيان الأميركيان هما جيمس فولي وستيفن سوتلوف، وقد تأكدت وفاتهما في عام 2014.
كما قُتلت عاملة الإغاثة الأميركية كايلا مولر في الأسر لدى تنظيم الدولة. وقال مسؤولون أميركيون إنه جرى التأكد من وفاتها عام 2015.
وبحسب مصدر رويترز فإن رفات كاسيج وسوتلوف وفولي موجود على الأرجح في منطقة دابق بريف حلب وهي واحدة من "المواقع المركزية" لتنظيم الدولة آنذاك.

"مسرح محتمل"
ويبدو المكان في دابق، وهو عبارة عن تلة متربة تبعد نحو ساعتين بالسيارة عن مدينة حلب، وكأنه موقع حفريات أثرية.
ويعمل العشرات من المحققين باستخدام المجارف وأجهزة الرادار التي تخترق الأرض والفؤوس وفرش الطلاء على إزالة الرمال أثناء بحثهم عن العظام والملابس للعثور على أي دليل على أن تنظيم الدولة ربما دفن ضحاياه فيه.
وقالت ديان والدة جيمس فولي: "نحن ممتنون لكل من يشارك في المهمة ويخاطر بحياته في ظروف ما لمحاولة العثور على رفات ابننا والرهائن الآخرين... نشكر جميع المشاركين في هذا الجهد".
وكان لدى تنظيم الدولة خلية تدعى "قاطعي الرؤوس" (البيتلز) نسبة إلى لهجات أعضائها البريطانية، والتي تولت عمليات اغتيال وتصفية صحفيين وعمال إغاثة أجانب في سوريا.
وأعلنت محكمة فيدرالية أميركية، في 14 أبريل/نيسان 2022، ضلوع المواطن البريطاني السابق من أصول سودانية الشافعي الشيخ، بمقتل الصحفيين جيمس فولي وستيفن سوتولوف، وعاملي الإغاثة بيتر كاسيج ووكايلا مولر، خلال عملهم في سوريا، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية حينها.
اللافت أن اثنين من أعضاء تنظيم الدولة، وهما مواطنان بريطانيان سابقان كانا جزءا من خلية قطعت رؤوس رهائن أميركيين، يقضيان الآن حكما بالسجن مدى الحياة في الولايات المتحدة.
وأثيرت قضية المواطنين الأميركيين القتلى بسوريا عام 2022، حينما ناشد المصور الصحفي البريطاني جون كانتلي، المختطف منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2012، الغرب بدفع فدية لإطلاق سراحه، بحسب رسالة هربت من سوريا، وكشفت عنها صحيفة "صنداي تايمز”، في 16 أبريل 2022.
ولا يزال مصير كانتلي مجهولا، بعدما خطفته خلية "البيتلز" التابعة لتنظيم الدولة.
لكن كانتلي، الذي اعتنق الإسلام في أثناء أسره، شوهد آخر مرة حيا في تسجيل مصور دعائي للتنظيم، سُجل في العراق في ديسمبر/كانون الأول 2016.
في الرسالة، التي هُربت من سوريا عام 2014، وسُلمت إلى عائلة كانتلي، كتب فيها المصور "بالنسبة للسجناء البريطانيين والأميركيين الستة، تطالب المجموعة بمبلغ إجمالي قدره 100 مليون دولار".
وهُربت الرسالة من سوريا من قبل فيديريكو موتكا، عامل إغاثة إيطالي، أفرج عنه بعد أن دفعت إيطاليا خمسة ملايين دولار فدية.
في أواخر عام 2015، أعلنت القوات الأميركية قتل محمد إموازي، في غارة جوية على الرقة، وهو الرجل الذي ظهر في أغسطس/آب 2014 في مقطع فيديو نُشر على الإنترنت، وهو يحمل سكينا يهدد الصحفي الأميركي جيمس فولي.
وينتهي الفيديو بجثة فولي مقطوعة الرأس. ويعتقد أيضا أن إموازي لعب دورا في قطع رؤوس الصحفي الأميركي ستيفن سوتلوف، وعامل الإغاثة البريطاني ديفيد هاينز، والمتطوع البريطاني آلان هينينج، وعامل الإغاثة الأميركي عبد الرحمن كاسيج، والصحفي الياباني كينجي غوتو.

"عمل استخباراتي"
وأمام ذلك، فإن المهمة الجديدة في سوريا بمساعدة دولة قطر، ستكون مبنية على نتائج لسنوات من العمل الاستخباراتي للوصول إلى نقاط يرجح أن تنظيم الدولة دفن فيها جثث قتلاه من الأجانب.
ويشمل ذلك تحليل صور الأقمار الصناعية، واستجواب رهائن تنظيم الدولة الناجين، وإجراء مقابلات مع القادة والعناصر في السجون التي تديرها قوات سوريا الديمقراطية "قسد" بدعم من واشنطن في الحسكة شمال شرقي سوريا.
وقال أحد المصدرين لوكالة رويترز: إن خطط المهمة القطرية نوقشت خلال زيارة إلى واشنطن في أبريل/ نيسان 2025 أجراها رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ووزير الدولة بوزارة الخارجية محمد الخليفي.
وهي زيارة كان هدفها أيضا التحضير لزيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى قطر في منتصف مايو 2025.
ويقود التحقيق شركة استخبارات وأمن تُدعى "مجموعة صوفان"، أسسها علي صوفان، ضابط مكافحة الإرهاب السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي.
ويعمل فريقه، المكون من زملاء سابقين في مكتب التحقيقات الفيدرالي وقسم مكافحة الإرهاب، على القضية نيابة عن عائلات الضحايا الأميركيين.
وتعمل هذه المجموعة بالتنسيق مع مكتب التحقيقات الفيدرالي، لكنها مستقلة عنه.
وجرى إطلاق مهمة الإنقاذ وتمويلها من قبل الحكومة القطرية، التي لم تدخر أي جهد؛ إذ أرسلت فريق بحث وإنقاذ كاملا إلى جانب خبراء الطب الشرعي والأطباء ومحققي مسرح الجريمة وفريق SWAT (هو مصطلح عام لوحدة تكتيكية تابعة للشرطة داخل الولايات المتحدة)، ما يكفي من الرجال والمعدات لملء طائرة نقل عسكرية ضخمة من طراز C-17.
وقال الرائد خالد الحميدي من قوى الأمن الداخلي القطرية في تصريحات صحفية: “أحضرنا كل ما نحتاجه للعثور على الجثث المدفونة ضمن هذه المهمة الإنسانية”.
وأردف: "واصلنا عمليات المسح في المنطقة، وبحثنا في شبكات المياه، وفي كل شبكة أخرى باستخدام المعدات والأدوات اليدوية اللازمة".
وبعد أربعة أيام من الحفر على قمة التل تحت شمس حارقة، عثر الفريق على رفات كامل أو جزئي لأكثر من 12 شخصا، تُرسل الآن لتحليل الحمض النووي.
ولم يتضح بعد ما إذا كان الرفات المُستعاد يعود للرهائن الأميركيين المفقودين أم لضحايا آخرين قتلهم تنظيم الدولة.
وحتى الآن، الفريق متفائل، فهم يعثرون على رفات بشري في قبور ضحلة، والأكثر أهمية من ذلك، أنهم يجدونه حيث كان من المتوقع وجوده؛ إذ إنه إلى جانب مقتل الرهائن الأميركيين يشتبه بضلوع خلية "البيتلز" باختطاف نحو 20 صحفيا وعامل إغاثة في سوريا إبان سيطرته ينحدرون من دول أوروبا وروسيا واليابان، واختفائهم منذ ذلك الحين.
والتزمت الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ فترة طويلة بمهمة العثور على رفات الأميركيين القتلى، كما أن هناك جهودا سابقة متعددة "مع مسؤولين حكوميين أميركيين على الأرض في سوريا للبحث في مناطق محددة للغاية".
إلا أن إطلاق الولايات المتحدة رحلة البحث عن رفات مواطنها على الأرض السورية، يعود لعدد من العوامل، وفق الخبراء.
أولها، تقديم الحكومة السورية الجديدة التسهيلات كافة لإنجاز هذه المهمة.
ثانيا، امتلاك جهاز المخابرات السوري الجديد معلومات عن نشاط تنظيم الدولة ربما تقود لأماكن تحتوي على رفات مواطنين أجانب.
فعندما كان قائدا لهيئة تحرير الشام، خاض الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع معارك ضد تنظيم الدولة ولاحق خلاياه في الشمال السوري خلال السنوات الأخيرة.
ثالثا، سيسهم ملف رفات الأميركيين في دفع جهود دمشق لرفع العقوبات الأميركية على سوريا كونه يبرهن على مدى التعاون في الملفات التي تهم الداخل الأميركي.
المصادر
- بعثة قطرية تبحث عن رفات أمريكيين قتلهم تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا
- In Syria, the search is on for the remains of Americans killed by ISIS a decade ago
- Rout of ISIS in Syria may open door to search for hostage remains
- رسالة مسربة من رهينة بريطاني في سوريا تناشد الغرب لدفع 100 مليون دولار
- US ‘searches for remains of American hostages’ executed by ISIS in Syria