مخاوف وترقب.. أبرز شروط الصين للانفتاح على الحكومة السورية الجديدة

رأى البعض أن وزير الخارجية السوري يسعى لبناء صداقة حقيقية مع بكين
ما تزال الصين حذرة في التعامل مع الحكومة الجديدة في سوريا، على الرغم من رغبة الأخيرة في إقامة "شراكة إستراتيجية" معها عقب سقوط نظام بشار الأسد.
فعلى هامش زيارته إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك وإلقائه كلمة فيها نهاية أبريل/ نيسان 2025، حاول وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني التقرّب من الصين.
وأفاد موقع "سوهو" الصيني أن الشيباني أعلن من نيويورك رغبته في إقامة "شراكة إستراتيجية" مع الصين، مبينا أنها دعوة "أثارت الجدل في الأوساط السياسية الصينية"؛ إذ عدها بعض المحللين مجرد كلمات دبلوماسية للاستهلاك، فيما رأى آخرون أن الشيباني يسعى لبناء صداقة حقيقية مع بكين.
مع ذلك، أشار الموقع إلى أن الصين "تبدو حذرة إلى حد كبير في التعامل مع الحكومة السورية الجديدة، وهو ما يدعو للتساؤل عن سبب هذا الترقب الصيني في التعاطي مع (الرئيس الانتقالي) أحمد الشرع".

عزلة دولية
ووصف الواقع الصعب الموجود في سوريا بالقول: إن "البلاد عاشت، خلال السنوات الماضية، أوضاعا قاسية، كأنها كانت تمشي على حافة سكين؛ حيث دمرت الحرب الأهلية البلاد وتركتها في حالة يرثى لها، وانهار الاقتصاد بالكامل".
ووفقا للأمم المتحدة، يعتمد أكثر من ثلثي الشعب السوري على المساعدات الإنسانية لمجرد البقاء على قيد الحياة.
وزعم الموقع أن "الأوضاع ازدادت سوءا، بعد أن هدأت نيران الحرب أخيرا؛ حيث يعاني الشعب من نقص حاد في الغذاء".
وأضاف: "علاوة على ذلك، البنية التحتية مدمرة تماما كأنها غربال مثقوب، وأعمال إعادة الإعمار لا تزال مجرد حلم بعيد المنال".
على المستوى السياسي، أوضح أن "حكومة أحمد الشرع الانتقالية تواجه تحديا صعبا للغاية في إثبات شرعيتها".
وبيّن أنه رغم تحول هذه الجماعة (هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني سابقا وأحمد الشرع حاليا)، من فصيل مسلح معارض إلى سلطة تدير البلاد، فإن "الاعتراف الدولي بها لا يزال ضعيفا جدا".
وتابع: "على الرغم من احتفاظ سوريا بمقعدها في الأمم المتحدة، فإنها تحتاج إلى موافقة ودعم القوى الكبرى لتثبت أقدامها كحكومة شرعية".
"ففي السابق، عندما كان الجولاني وجماعته جزءا من المعارضة المسلحة، كانت أهدافهم بسيطة، إسقاط نظام بشار الأسد والسيطرة على الأراضي"، يقول الموقع.
ويكمل: "أما الآن، بعد أن أصبحوا حكومة انتقالية، فإن التحديات تغيرت، عليهم الآن التفكير كدولة: أي إعادة بناء الاقتصاد، وكسر العزلة الدبلوماسية، وإعطاء الشعب السوري بصيصا من الأمل، والأكثر أهمية من ذلك أن عليهم التعاطي مع القضايا المختلفة من منظور وطني".
ولفت إلى أن سوريا "تعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية، سواء كانت عبارة عن غذاء أو أدوية أو أموال لإعادة الإعمار".
واستدرك: "لكن هذه المساعدات أصبحت تتقلص يوما بعد يوم، فالدول الغربية منشغلة بمشاكلها الداخلية، ومشاريع الأمم المتحدة الإنسانية تعاني من نقص حاد في التمويل".
وشدد على أنه "إذا كانت حكومة الجولاني تريد استقرار الأوضاع، فيجب أن يكون من أولوياتها الحصول على الدعم الدولي".
وادعى أن "الحكومة السورية الجديدة تعيش حالة عزلة دولية، فالشرعية لا تُمنح بمجرد إعلانها من جانب واحد، بل تحتاج إلى اعتراف من دول أخرى".
ورأى أنه "رغم نجاح الجولاني وجماعته في إسقاط الأسد بالقوة العسكرية، فإنهم الآن بحاجة إلى مهارات دبلوماسية للتعامل مع المجتمع الدولي، خاصة القوى الكبرى التي يمكن أن توفر لهم الموارد والفرص الضرورية، التي تحتاجها سوريا بشدة".
وشكَّك الموقع في مدى تأثير الدول العربية والإسلامية في المشهد السوري، قائلا: "إن الدعم المقدم من الدول المجاورة في المنطقة، مثل السعودية وتركيا، لا يكفي لتغيير الوضع؛ إذ تقدم هذه البلدان دعما محدودا".
وأردف: "تدرك الحكومة السورية هذا الأمر جيدا؛ إذ إن الاعتماد على جيرانها في الشرق الأوسط وحدهم ليس كافيا".
واستطرد: "أما إيران، فموقفها من الحكومة الجديدة يبقى غامضا ومترددا، وبالتالي، عند النظر إلى المشهد الدولي الأوسع، يتضح أن القوى التي يمكن أن تغير مصير سوريا فعليا هي الولايات المتحدة والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي".
خطوة كبيرة
في هذا السياق، لفت الموقع إلى أن "الحكومة السورية وجهت أنظارها نحو الصين، بعد لقاء هادئ جمع الجولاني بالسفير الصيني (شي هونغ وي) في وقت سابق، في أول اتصال علني بين الجانبين منذ سقوط نظام الأسد".
وأضاف: "أخيرا، وخلال زيارته إلى مقر الأمم المتحدة، سعى الشيباني إلى تعزيز هذا التقارب، حيث التقى بالممثل الصيني الدائم فو تسونغ، وأعرب بشكل واضح عن رغبته في إقامة شراكة إستراتيجية مع الصين".
وعقّب الموقع على تلك المبادرة السورية قائلا: "هذه خطوة كبيرة ومؤثرة، وتظهر بوضوح أن دمشق تسعى إلى الاستفادة من الثقل الدولي للصين لتعزيز مكانتها".
مع ذلك، يعتقد أن "هذا التوجه نحو الصين جاء بعد أن واجهت الحكومة السورية الجديدة صعوبات ورفضا غير معلن من القوى الكبرى الأخرى".
أما عن موقف الدول الكبرى من أحمد الشرع، أفاد الموقع بأنه "مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، عادت سياسة -أميركا أولا- إلى الواجهة، مع عدم إبداء أي اهتمام واضح بشؤون الشرق الأوسط، خصوصا سوريا".
وتابع: "برامج المساعدات التي تقدمها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية توقفت تقريبا، مما يجعل فرص حصول سوريا على دعم مالي كبير من الولايات المتحدة شبه معدومة".
في الوقت ذاته، يقول الموقع إنه "لحسن حظ سوريا، لم يُظهر ترامب أي نية لاتخاذ إجراءات عسكرية ضد حكومة الجولاني، مما يمنحها بعض الهدوء المؤقت، لكنه لا يعني دعما فعليا".
أما موسكو فإن "العلاقة معها أكثر تعقيدا؛ إذ لا يزال بشار الأسد يقيم في موسكو كلاجئ، لكن روسيا من أجل الحفاظ على قواعدها العسكرية في سوريا مستعدة للتعامل مع حكومة الجولاني".
وأردف: "على سبيل المثال، تقدم روسيا بعض المساعدات مثل النفط والحبوب، لكن هذه العلاقة تبدو أقرب إلى صفقة تجارية مؤقتة بدلا من دعم حقيقي ومستدام".
وبخصوص الموقف الأوروبي، رأى الموقع أنه "أكثر غموضا". وأوضح أن "الأوروبيين لا يمانعون من التواصل مع الحكومة السورية الجديدة، بل إنهم يفكرون في تخفيف العقوبات أو تقديم مساعدات إنسانية".
واستدرك: "لكنهم في الوقت ذاته حذرون للغاية، خوفا من أن تكون الحكومة الانتقالية متورطة أو مرتبطة بجماعات إرهابية"، وفق تقديره.

رد بارد
ويعتقد الموقع الصيني أنه "بالنسبة لحكومة الجولاني، تمثل بكين فرصة كبيرة وتحديا صعبا في الوقت ذاته".
"الفرصة تكمن في أن الصين قوة عالمية ذات نفوذ كبير في الشرق الأوسط؛ حيث تتبنى نهجا هادئا لكنه ثابت ومؤثر.
وإذا تمكنت سوريا من بناء علاقة قوية مع بكين، فقد تحصل على مساعدات اقتصادية كبيرة، وتكتسب شرعية دولية أقوى"، وفق الموقع.
بل وتوقع أن "تصبح دمشق جزءا من مشاريع مبادرة الحزام والطريق الصينية في الشرق الأوسط، وهو ما سيؤدي إلى نتائج فورية وملموسة في إعادة إعمار سوريا".
في المقابل، يكمن التحدي في أن "العلاقة بين الصين وحكومة الجولاني لا تزال في بداياتها، وتبدو الصين حذرة للغاية".
وعزا ذلك إلى أن "الصين كانت تتمتع بعلاقات جيدة مع نظام بشار الأسد في الماضي، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الدبلوماسي، وبعد أن أطاحت قوات الجولاني به، أصبحت بكين أكثر حذرا في التعامل مع هذه الحكومة الجديدة".
وهو ما يفسر -وفق الموقع- رد الصين "البارد والتقليدي" على رغبة الشيباني في إقامة "شراكة إستراتيجية" مع الصين.
إذ "كررت الصين تصريحاتها المعتادة: إن الشعبين الصيني والسوري تربطهما صداقة تقليدية، وتدعم بكين السلام والاستقرار في دمشق، وتأمل في تشكيل حكومة شاملة، مع التأكيد على معارضتها الشديدة للإرهاب".
ورأى الموقع أن هذا الموقف "يعكس مخاوف الصين الأساسية من الجولاني؛ حيث إن المجتمع الدولي لا يزال يشكك في علاقة الحكومة الجديدة بالإرهاب"، وفق تعبيره.

شروط صينية
في هذا الصدد، أشار إلى "تقارير صادرة عن مجلس الأمن الدولي أفادت بأن النشاط الإرهابي لا يزال مستمرا في سوريا، وأن بعض الجماعات الإرهابية تحظى بغضّ طرف ضمني من الحكومة الانتقالية".
ورأى أن "منح الحكومة السورية بعض الشخصيات رتبا عسكريا في الجيش السوري الجديد، هي محاولة لتبييض هوياتهم".
وشدد على أن "هذا الأمر يعد خطا أحمر لا يمكن التسامح معه بالنسبة للصين، التي تؤكد دائما أن التساهل مع الإرهاب سيؤدي إلى عواقب وخيمة".
من ناحية أخرى، “بخلاف قضية الإرهاب، تولي الصين أهمية كبيرة للشمولية السياسية في سوريا”، وفق الموقع
وادعى أنه "بعد انتهاء الحرب الأهلية، تحولت الأدوار بين الجيش الحكومي والمتمردين، فهناك عنف انتقامي لا يزال مستمرا".
وتطرق هنا إلى وجود “اشتباكات صغيرة في مناطق متفرقة من البلاد”، مبينة أن "الانقسامات الاجتماعية في سوريا لا تزال عميقة ولم تبدأ بعد في الالتئام".
وحذر من أنه "إذا لم تتمكن الحكومة الانتقالية من إنشاء إطار حكم يرضي جميع الأطراف، فقد تنزلق سوريا مجددا إلى الفوضى".
ورأى أن "هذا السيناريو لا يتماشى مع مصالح الصين، التي تربط الكثير من مصالحها في الشرق الأوسط بالاستقرار الإقليمي".
فالصين لا تشبه الولايات المتحدة التي تتدخل عسكريا في الشرق الأوسط، ولا روسيا التي تعتمد على قواعدها العسكرية للحفاظ على نفوذها.
وأردف: "نهج الصين يعتمد على التعاون الاقتصادي والتوازن الدبلوماسي، فمثلا تركز مبادرة الحزام والطريق في الشرق الأوسط على مساعدة الدول المحلية على تحقيق التنمية من خلال مشاريع البنية التحتية والاستثمارات".
وتوقع أنه "إذا أظهرت سوريا علامات الاستقرار، فإن الشركات والأموال الصينية ستكون جاهزة للاستثمار بسخاء".
مع ذلك، أكد الموقع أنه "حاليا، لم تحل الحكومة بعد المشكلات الأساسية المتعلقة بالأمن والحوكمة، ولهذا تظل الصين مترددة في تقديم دعم كبير".
وخلص إلى أن "مستقبل العلاقة بين الصين وسوريا يعتمد بالكامل على تصرفات حكومة الجولاني".
وأضاف: "تصريحات الشيباني في الأمم المتحدة عن شراكة إستراتيجية تبدو جذابة ومثيرة، لكن الكلام وحده لا يكفي".
واسترسل: "الصين وضعت شروطها بوضوح: يجب أن تكون مكافحة الإرهاب جادة وحقيقية، وأن تكون الحوكمة شاملة وتراعي جميع الأطراف".
وأوضح أنه "إذا استمرت حكومة الجولاني في نهجها الحالي، أو حاولت إجراء تغيير شكلي لعلاقتها مع الجماعات الإرهابية، فمن المرجح أن يبقى موقف الصين فاترا وباردا كما هو".
و"على العكس، إذا أظهرت الحكومة جدية من خلال اتخاذ إجراءات ملموسة، مثل مكافحة الجماعات الإرهابية علنا، أو دفع عملية مصالحة وطنية شاملة، فإن الصين لن تجد سببا لعدم منحها فرصة".
واختتم قائلا: "الصين فتحت الباب، لكن الأمر الآن متروك لحكومة الجولاني؛ إما أن تثبت جديتها وصدق نواياها، أو أنها ستكتفي بمحاولة خداع الجميع بكلمات رنانة دون أفعال"، وفق تعبيره.