سرقة المساعدات بغزة.. خطة إسرائيلية ظاهرها التجويع وباطنها التهجير

خالد كريزم | منذ ١٠ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في ساعات الليل المتأخرة، وتحت غطاء جوي إسرائيلي، تنفذ عصابات مسلحة مجهولة الهوية عمليات اقتحام وسطو على ما تبقى من مخازن ومستودعات غذائية في قطاع غزة.

هذه العمليات التي أعادت تدشينها مجموعات خارجة عن إطار القانون ومتعاونة مع جيش الاحتلال، تأتي اليوم في إطار وشكل جديد عما كانت عليه في السابق، كونها تتزامن مع مخطط إسرائيلي لتجويع الأهالي في القطاع المحاصر.

ومنذ الثاني من مارس/آذار 2025، أطبق جيش الاحتلال الحصار على قطاع غزة وأغلق كل معابره، ولم يسمح بدخول كسرة خبز أو نقطة ماء واحدة، ما أوصل الأهالي إلى حالة مجاعة شديدة القسوة.

وجاءت عمليات السطو والسرقة الأخيرة مع مطلع مايو/أيار 2025، لتكشف عن مخطط إسرائيلي جديد يهدف إلى التخلص من القليل المتبقي في مخازن المنظمات الدولية، والذي كانت تقديرات إسرائيلية تتحدث عن قرب نفاده بالكامل خلال أيام.

سطو وسرقة

وتمكنت تلك العصابات من الاستيلاء على عشرات الأطنان من المواد الغذائية من مستودع يقع في فندق "المشتل" شمال غرب مدينة غزة. 

وكان المستودع مخصصاً لجمعية "مطابخ غزة العزة"، التابعة لرجل الأعمال بشار المصري، والتي افتتحت عام 2024، وتُعنى بتقديم وجبات الطعام لآلاف الفقراء والمحتاجين.

وبدون الإشارة إلى عمليات السرقة، قال المصري في منشور على انستغرام في 5 مايو 2025: "للأسف تم إغلاق المطابخ في الشمال اليوم بسبب نفاد المواد الغذائية، وسنضطر أيضا لإغلاق المطابخ بالجنوب قريباً حيث لم يُسمح لنا بإدخال أي مواد غذائية منذ حوالي شهرين".

وأردف: "نرفض التعامل مع الطروحات الحالية لإدخال وتوزيع المساعدات عن طريق شركات أجنبية كوجه آخر للسيطرة على القطاع. إن تجويع الشعوب جريمة إنسانية مهما كانت الذرائع".

وفي نفس التوقيت، تعرضت المخازن التابعة لبرنامج الغذاء العالمي في مخيم الشاطئ غرب المدينة كذلك إلى هجوم مماثل، علماً بأنها كانت توزع آلاف الوجبات يومياً لسكان الحي.

وبحسب مصادر محلية، داهمت هذه العصابات المدعومة من الاحتلال مخزنا آخر في منطقة الصناعة وسط مدينة غزة، يتبع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".

كما استولوا على مخازن خاصة لتجار ومؤسسات أخرى في حي الشيخ رضوان شمال غزة، وألحقوا أضراراً واسعة بعدد من المخابز والمحال التجارية في منطقتي تل الهوى وحي الرمال جنوب المدينة.

وأيضا تعرضت مخازن في دير البلح وسط القطاع إلى عمليات سرقة وتخريب منظمة لإفراغ المدينة من كل المواد الغذائية المتبقية.

وقالت مصادر محلية: إن تلك العصابات مسلحة ببنادق إم 16 الأميركية، سلمهم إياها جيش الاحتلال لتنفيذ مخطط إفراغ المخازن.

ودفعت هذه السرقات إلى إغلاق ما تبقى من التكيات الخيرية المنتشرة في قطاع غزة، والتي كان القائمون عليها يتلقون المساعدة من المنظمات الدولية لإعداد الطعام للسكان.

وجاء ذلك بعد قصف الاحتلال العديد من التكيات خلال الأسابيع الماضية، ليقضي اليوم على ما تبقى منها عبر العصابات المسلحة.

وتجري هذه السرقات تحت حماية من الطائرات المسيرة الإسرائيلية وخاصة الحديثة والذكية منها مثل نوعي "كواد كابتر" و"سكاي لارك".

وتهدف التغطية الجوية إلى حماية العصابات من قوات التأمين العشائرية والشرطية والحزبية التي تعمل على منع السرقات وضبط الأمن في القطاع.

أين الأمن؟

بعد تصاعد عمليات السرقة، دارت تساؤلات عن أسباب غياب الأمن في قطاع غزة منذ استئناف العدوان على غزة في 18 مارس/آذار بعد هدنة لمدة شهرين.

وقال الصحفي الغزي ياسر محمد: إن الأمن والشرطة موجودون بالفعل ويحاولون الانتشار، لكن الاغتيالات وحماية العملاء والعصابات من قبل مسيرات الاحتلال تحد من تحركاتهم.

وأردف في حديث لـ"الاستقلال": “ينتشر الأمن بملابس مدنية بين الناس خاصة في الشوارع المكتظة والأسواق لمنع السرقات في ظل انتشار الجوع، لكن الأمر يختلف في مناطق محددة”.

ولفت إلى أنه مع دفع الاحتلال العصابات والعملاء إلى نقطة معينة للسطو عليها وسرقتها أو حرقها وتخريبها، تخرج المسيرات مباشرة لحمايتهم وعمل تغطية جوية، مما يمنع عناصر التأمين من الاقتراب من المكان.

ومع كثرة سرقات المخازن، جازف عدد من عناصر التأمين لمنع السطو على المساعدات لكنهم تعرضوا للقصف في عدة حوادث جرت مطلع مايو 2025، مما أوقع عددا من الشهداء والجرحى، خاصة في مدينة غزة.

وفي الثاني من مايو، قالت وزارة الداخلية في غزة:0 إن “قوة تأمين تعرضت لاستهداف مباشر ولأكثر من مرة من قبل طائرات الاحتلال في ساعة متأخرة من مساء الجمعة (نفس اليوم)، أثناء القيام بواجبها في حفظ الأمن في مدينة غزة”.

وأوضحت في بيان أن "الاستهدافات جرت أثناء ملاحقة العملاء والمارقين الذين ينشرون الفوضى والرعب في بعض المناطق والأحياء، ما أدى لاستشهاد ضابط شرطة وطفل وإصابة عدد آخر من القوة الأمنية والمواطنين".

وفي آخر بيان أصدره حول الأمر، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة في 18 أبريل/نيسان استشهاد 748 شخصا من شرطة وعناصر تأمين مساعدات قتلهم الاحتلال "الإسرائيلي، مبينا أنه ارتكب بحقهم 157 جريمة استهداف.

وقالت وزارة الداخلية: “باشرت الأجهزة الأمنية والشرطية إجراءات ميدانية في ملاحقة وقطع الطريق أمام محاولات هؤلاء المكشوفة لإثارة الفوضى وترويع الآمنين”.

وتابعت في البيان السابق الإشارة إليه: “لن نسمح لعملاء الاحتلال بتهديد أمن المواطنين وممتلكاتهم وسنضرب بيد من حديد كل العابثين”.

واتخذت الوزارة خطوات رادعة أخرى، حيث قالت مصادر محلية إنه جرى تنفيذ إعدامات ثورية بحق عدة أفراد تورطوا بالعمالة للاحتلال ونفذوا عمليات سرقة بهدف ضرب الأمن وتعميق المجاعة في غزة.

كما أصدرت وحدة سهم الأمنية التابعة للوزارة أوامر بمنع التجول بدءا من الساعة التاسعة مساء وحتى الصباح من أجل تحديد وملاحقة العصابات والعملاء.

طبيعة المخطط

ولم تكن عمليات السرقة الحالية هي الأولى من نوعها، فقد تعرضت المخازن وشاحنات المساعدات التي كانت تدخل من معبر رفح للسطو خلال الشهور السابقة.

لكن خطورة ما يجري اليوم أنه يأتي في ظل وصول قطاع غزة إلى حافة المجاعة بعد إغلاق المعابر، وبالتزامن مع ترويج جيش الاحتلال لمخطط جديد من أجل توزيع المساعدات يترافق مع حديث عن احتلال دائم ومن ثم تهجير للسكان.

وفي نهاية العام 2024، تحدثت مصادر عبرية عن خطة لتكليف شركة "جلوبال ديلفري كومباني" (جي دي سي) الأميركية، فقط بتغذية الفلسطينيين ونقل المساعدات الدولية لهم، وتطبيع "معسكرات الاعتقال" هناك، عبر تسميتها "فقاعات إنسانية".

وتزامن طرح الخطة مع تعمد الاحتلال تعطيل منظومة الصحة والحياة في شمال قطاع غزة، وفرض واقع إنساني كارثي، مع توقف إدخال المساعدات الغذائية والطبية، بغرض تهجير السكان قسراً، وتهيئة المجال لبدء عمل شركة المرتزقة للتعامل مع من يبقى.

لكن خطة اليوم تبدو أكبر وأعمق حيث تشمل كامل القطاع، خاصة بعد تدشين "محور موراج" جنوب قطاع غزة، والذي يمتد من البحر غربًا حتى شارع صلاح الدين شرقًا، وصولًا إلى آخر نقطة على الحدود الفاصلة بين غزة والأراضي المحتلة وتحديدا عند معبر "صوفا".

يبلغ طول المحور 12 كيلومترًا، ويفصل رفح عن باقي محافظات القطاع، ويبعد حوالي 5 كيلومترات شمالا عن محور "فيلادلفيا" على الحدود المصرية والذي يسيطر عليه الاحتلال منذ مايو/أيار 2024 ويرفض الانسحاب منه.

وسيكون لهذا المحور الذي يفصل خانيونس عن رفح دور في عملية توزيع المساعدات وتهجير الفلسطينيين.

وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي في 6 مايو: إن إسرائيل اعتمدت آلية جديدة بزعم توزيع المساعدات  عبر 3 مراكز في رفح، وحددت من خلالها 70 كغ من الطعام أسبوعيا لكل أسرة.

 وأوضحت أن تلك المراكز ستقام في رفح تحت سيطرة الجيش بين محوري موراج وفيلادلفيا، وأنه سيخضع الغزيين إلى تفتيش دقيق قبل السماح لهم بدخول مناطق توزيع المساعدات.

وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 5 مايو، أن الحكومة قررت المضي قدمًا بتوصية رئيس أركان الجيش إيال زامير نحو تنفيذ عملية واسعة في غزة، للقضاء على حركة المقاومة الإسلامية حماس، واستعادة الأسرى، وفق وصفه.

وزعم نتنياهو أن الجيش الإسرائيلي سينقل السكان غزة لحمايتهم، وأن قواته لن تخرج من أي منطقة تسيطر عليها حتى لا يتكرر أي سيناريو سابق، في إشارة إلى هجمات 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

مضمون تصريحات نتنياهو، أوضحه بشكل أدق وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش الذي قال إن الجيش سيعمل على إنشاء منطقة خالية من حماس في الجنوب، وسينقل الغزيين إلى المساحة الممتدة من محوري موراج وصلاح الدين.

وبين أنه “من هناك سيتم تهجيرهم إلى الخارج، تطبيقًا لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب” التي طرحها في وقت سابق للسيطرة على غزة.

وقالت وسائل إعلام عبرية إن تطبيق الخطة سيبدأ بعد زيارة ترامب إلى المنطقة منتصف مايو لإعطاء فرصة للمفاوضات، وتكثيف الجيش لاستعداداته.

وكان من اللافت طريقة تفاعل الرئاسة الفلسطينية التي تريد العودة إلى حكم غزة مع قضية السرقة، فقد غضت الطرف عن خطط الاحتلال ووجهت أصابع اتهامها إلى حركة حماس.

وقالت الرئاسة خلال بيان في 3 مايو: “ندين عمليات السطو والسرقة التي تنفذها عصابات حماس لمخازن ومستودعات المساعدات الإنسانية بغزة”.

وأردفت: “هذه العصابات كافة معروفة وستكون على رأس القائمة السوداء، لتتم محاسبتها بالمقتضى القانوني في الوقت المناسب”.

ويعني مخطط الاحتلال، إجلاء السكان وتكديسهم في مناطق ضيقة وتوزيع المساعدات عليهم، والبدء في القضاء على كل من يتبقى خارجها عبر تصنيفه على أنه من حماس، ليبدأ بعدها مرحلة تهجير السكان.

وتشكك أوساط إعلامية وسياسية في تل أبيب بإمكانية نجاح الخطة، وذلك بعد فشل خطط شبيهة على مدار شهور العدوان، ومنها مقترح الجنرالات وأيضا لصمود سكان شمال قطاع غزة في السابق ورفضهم المغادرة إلى الجنوب رغم تجويعهم ومنع المساعدات عنهم.