"خطوة غير تقليدية" وسط إقليم مضطرب.. ما أهداف السوداني من زيارة تركيا؟

منذ ١٦ ساعة

12

طباعة

مشاركة

لم تكن زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى تركيا في 8 مايو/أيار 2025 مجرد محطة دبلوماسية تقليدية تُضاف إلى سجل العلاقات الثنائية.

بل يمكن عدها نقطة تحوّل في مسار التقارب العراقي-التركي، خاصة في ظل ظروف إقليمية تزداد اضطرابا يوما بعد آخر، وفق ما ترى وكالة الأناضول التركية.

وقالت الوكالة في مقال للكاتب التركي "حسين أصلان": إنّ إجراء رئيس حكومة دولة مثل العراق لزيارة ثانية إلى أنقرة خلال أقل من عامين يرسل إشارات أعمق من مجرد توقيع مذكرات تفاهم. 

طريق التنمية

إذ جرى توقيع 34 مذكرة تفاهم بين بغداد وأنقرة حتى الآن، منها 10 جديدة خلال هذه الزيارة، وهو رقم ليس بالقليل في حسابات السياسة الخارجية، وفق تقديره. 

وأردف أن "العبرة ليست بعدد الوثائق، بل في نوايا التنفيذ، وفيما إذا كانت هذه المذكرات ستُترجم إلى مشاريع حقيقية على الأرض تخلق فرص عمل للأفراد، وتحسن البنية التحتية، وتعزز الاستقرار". 

ولفت إلى أن الأكثر أهمية من كل ذلك هو سياق الزيارة، فنحن أمام مشهد إقليمي مضطرب: سقوط نظام بشار الأسد، إيران تخوض مفاوضات مفتوحة مع الولايات المتحدة، غزة تحت النار، وسوريا مهددة بتغييرات ديمغرافية وأمنية كبرى. 

في خضم هذه الأوضاع، يبدو أن العراق اختار أن يقترب أكثر من تركيا، ربما لإعادة التوازن في علاقاته الخارجية التي ظلّت لعقود مرتهنة للمحور الإيراني– الأميركي، وفق تقدير الكاتب.

وأضاف: مشروع "طريق التنمية"، الذي يروّج له كعنوان رئيس في الشراكة العراقية– التركية، هو في جوهره أكثر من مجرد مشروع بنية تحتية.

فهو بمثابة إعلان عن رؤية اقتصادية بديلة لطريق الحرير الصيني أو النفوذ الإيراني، وهو محاولة لوضع العراق كممر تجاري إستراتيجي بين الخليج وأوروبا عبر الأراضي التركية. 

ومن هنا تبرز الأهمية الإستراتيجية للزيارة، لا سيما في الملفات الحساسة التي كانت على الطاولة: المياه، الأمن، الاستثمارات، وحتى التعليم والثقافة. 

وخلال مؤتمر صحفي عقده مع السوداني في أنقرة، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن مشروع "طريق التنمية" سيسهم بشكل كبير في استقرار وازدهار العراق والمنطقة برُمتها.

وهذا المشروع هو طريق بري وسكة حديدية تمتد من العراق إلى تركيا وموانئها، يبلغ طوله 1200 كيلومتر داخل البلد الأول، ويهدف إلى نقل البضائع بين أوروبا ودول الخليج.

ودعا أردوغان الدول المهتمة بمشروع "طريق التنمية" إلى المشاركة فيه، واصفا إياه بأنه "إستراتيجي". وشدَّد على أن حكومة بلاده لم ولن تعد استقرار العراق وأمنه منفصلا عن أمن واستقرار تركيا.

رسائل الزيارة

وأشار الكاتب التركي إلى أن زيارة السوداني إلى تركيا ليست مجرد حدث دبلوماسي روتيني، بل يجب قراءتها في سياق محاولة العراق إعادة التموضع إقليميا بعد سنوات من الاضطراب الداخلي والتبعية السياسية. 

فالحكومة العراقية الحالية بقيادة السوداني، تُدرك أن استمرار الانقسام الداخلي والتبعية الخارجية لن يُفضي إلى تنمية ولا استقرار. 

ولهذا يبدو أن بغداد اختارت أن تفتح صفحة جديدة مع تركيا ترتكز على احترام السيادة والتقاطع في المصالح، وفق الكاتب.

وتابع: من المؤشرات اللافتة على هذا التوجه، التركيز على ملف الأمن المشترك. فبينما تطالب بغداد باحترام حدودها وسيادتها، تدرك تماما المخاوف التركية من نشاط حزب العمال الكردستاني. 

لذا فإنَّ إنشاء مركز تنسيق أمني مشترك بين البلدين قد يُشكل معادلة جديدة تضمن المصلحة لكلا الطرفين. لكنّ الشرط الأساسي لنجاح هذه المعادلة هو الشفافية والثقة، وهي عناصر لا تُبنى بين ليلة وضحاها.

وفي أغسطس/آب 2024، قررت أنقرة وبغداد إنشاء مركزين مشتركين للتنسيق الأمني وللتدريب والتعاون بهدف محاربة الإرهاب، واحد في العاصمة العراقية والآخر في مدينة بعشيقة شمالي العراق.

أما من جانب الاقتصاد والتنمية، فلا يخفى على أحد مكانة تركيا كشريك تجاري أساسي للعراق، ولكنّ الاقتصاد العراقي لا يمكن أن ينهض فقط من خلال استيراد السلع التركية. 

فالتحدي الحقيقي يكمن في تحويل هذه الشراكة إلى أداة تنمية داخلية، من خلال تمكين الشركات التركية من لعب دور إيجابي في قطاعات حيوية مثل الزراعة والري.

وخاصة أن العراق يُعاني من أزمة مياه خانقة تهدّد أمنه الغذائي والديمغرافي، وهي أزمة ترتبط بشكل مباشر بإدارة تركيا لمنابع نهري دجلة والفرات.

ولفت الكاتب إلى أنه لا يمكن تجاوز البُعد السياسي الرمزي في الزيارة، خصوصا مع إشراك ممثلين عن المكون التركماني ضمن الوفد الرسمي. 

فهذه الخطوة لا تعكس فقط رسالة طمأنة إلى أنقرة، بل تشير أيضا إلى رغبة بغداد في استعادة زمام المبادرة في تمثيل جميع مكوناتها بفاعلية، وتوحيد الجبهة الداخلية في مواجهة التحديات الخارجية.

في المحصلة، تحمل زيارة السوداني إلى تركيا أكثر من دلالة: فهي رسالة حسن نية، وإعلان عن مقاربة متوازنة، وربما أيضا اختبار لقدرة العراق على لعب دور الوسيط بين القوى الإقليمية المتصارعة، من إيران إلى دول الخليج. 

صعوبات وتوقعات

وأردف الكاتب التركي: في خضم التفاعلات الإقليمية والدولية المتسارعة تبدو العلاقات العراقية-التركية وكأنها تقف عند مفترق طرق؛ بين وعود كبيرة وإرث معقّد من التحديات. 

فعلى الرغم من الإمكانات الاقتصادية والجغرافية والأمنية التي تجعل من التعاون بين بغداد وأنقرة ضرورة إقليمية، فإنَّ الواقع لا يخلو من عقبات قد تُضعف فرص تحقيق شراكة إستراتيجية حقيقية.

ومن أبرز هذه العقبات الوضع السياسي الداخلي في العراق؛ إذ من المقرَّر أن تُجرى الانتخابات العامة في نوفمبر/تشرين الثاني 2025. 

وقال الكاتب: إن هذه الانتخابات قد تفرز مشهدا سياسيا جديدا، وربما غير مستقر، ما من شأنه أن يُعطل تنفيذ الاتفاقات الثنائية أو يضعف الحماسة السياسية لمتابعتها. 

وأكد أن غياب الاستقرار المؤسسي يُشكل تحديا جوهريا أمام أي مشروع طويل الأمد بين الدولتين.

كما أن التنافس الإقليمي والدولي المتزايد في المنطقة يُلقي بظلاله على العلاقات الثنائية، فكل من العراق وتركيا يجد نفسه وسط شبكة معقدة من التحالفات والتجاذبات.

 وقد يكون من الصعب في ظل هذه الأجواء اتخاذ قرارات جريئة تُخرج العلاقة من إطارها التقليدي إلى أفق أكثر شمولا واستقلالا.

ومع ذلك، فإن زيارة السوداني إلى تركيا تُعد فرصة إستراتيجية لإعادة توازن العلاقات، وتحويل التحديات إلى فرص حقيقية. 

فالزيارة تمثل اختبارا لقدرة الطرفين على تجاوز منطق الحسابات الضيقة، والانطلاق نحو بناء شراكة تقوم على الحوار والمصالح المشتركة.

وختم الكاتب مقاله قائلا: ما تحتاجه العلاقات العراقية-التركية اليوم ليس المزيد من النوايا الحسنة، بل رؤية واضحة وعملية تتجاوز الخطابات بحيث تُتَرجَم التفاهمات إلى مشاريع ملموسة.