رافال الفرنسية لن تصمد أكثر من ثلاثة أيام أمام المقاتلات الروسية.. لماذا؟

داود علي | منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بصورة لافتة، تتزايد الانتقادات بشأن مقاتلات "رافال" الفرنسية، سواء على صعيد الخصائص التكنولوجية وقدراتها على منافسة نظيراتها الأميركية والروسية والصينية، أو على صعيد الصفقات التي تتعلق بها مع دول ديكتاتورية.

ومع احتدام السباق العالمي نحو امتلاك مقاتلات الجيل الخامس الشبحية، بدأت الشكوك تحوم حول مدى قدرة "رافال" على الصمود في بيئة قتالية أصبحت تعتمد على التخفي الإلكتروني، والذكاء الاصطناعي، والتفوق الشبكي.

فروسيا بمقاتلتها "سو-57"، والصين بـ"جي-20"، وأميركا بـ"إف-35"، فرضت معايير جديدة في سماء الحروب الحديثة. 

ومع ذلك، تبدو رافال وكأنها تجاهد للحفاظ على حضورها وسط منافسة شرسة تتجاوز حدود السرعة والمناورة إلى ميادين لا تملك فيها فرنسا تفوقا.

وهو ما دفع مراكز أبحاث فرنسية لعقد مقارنات، والتحذير من الاستمرار في نهج الاعتماد على المقاتلة الفرنسية، في ظل التطور الهائل لمقاتلات الدول المنافسة.

صورة قاتمة 

وترسم النتائج التي جمعها خبراء عسكريون، بما في ذلك ضباط سابقون في القوات الجوية الفرنسية، صورة قاتمة لأمة تكافح لمواكبة المشهد المتطور بسرعة للحرب الجوية الحديثة.

ففي 29 أبريل/ نيسان 2025، صدر عن "المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية" ومقره باريس، تقرير يكشف الحقيقة المثيرة للقلق بشأن قدرات فرنسا القتالية الجوية.

وفي قلب هذه الأزمة يقع أسطول المقاتلات الفرنسية، تحديدا "رافال"، الذي لا يزال يعتمد على تكنولوجيا الجيل الرابع في حين يتسابق المنافسون مع التطورات التي تشهدها تكنولوجيا الجيل الخامس.

ومما خلص إليه التقرير أن طائرة رافال التي طالما احتُفي بها بصفتها العمود الفقري للقوة الجوية الفرنسية ورمزا للبراعة الهندسية الوطنية، تظهر الآن ضعفا في عصر تهيمن عليه تقنيات التخفي والحرب الإلكترونية.

وذكر أنه على الرغم من أن طائرة رافال غالبا ما يشاد بها بصفتها واحدة من أكثر المقاتلات متعددة المهام قدرة في جيلها، إلا أنها لم تصمم أبدا لتكون شبحية، وهو عيب خطير في المجال الجوي المتنازع عليه اليوم.

ودخلت رافال التي تعني حرفيا "عاصفة الرياح" إلى الخدمة فعليا عام 2001، بعد رحلة طويلة بدأت في أواخر سبعينيات القرن الماضي، عندما سعت القوات الجوية الفرنسية إلى استبدال أساطيلها من الطائرات ودمجها، لخفض تكاليف التطوير وتعزيز المبيعات المتوقعة.

وشهدت رافال أول رحلة طيران عام 1986، وكان ما يميزها أنها بالكامل من إنتاج شركات فرنسية خالصة، هي "داسو" و"تاليس" و"سافران".

وعزا تقرير "المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية"، إلى أن ثغرات "رافال"، تنبع من قرار إستراتيجي تم اتخاذه في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عندما اختارت فرنسا تحسين المقاتلة متعددة الأدوار، بدلا من الاستثمار في تكنولوجيا طائرة شبح.

حينها كانت المقاتلة فرنسية ثنائية المحرك، بجناح دلتا، متعددة المهام، ومزودة بمجموعة واسعة من الأسلحة، إضافة إلى كونها مصممة لأداء مهام التفوق الجوي، والحظر، والاستطلاع الجوي، والدعم الأرضي، والهجوم العميق، وضرب السفن، والردع النووي.

وفي الوقت الذي كانت تكابح فيه القوات الجوية الفرنسية لتطوير مهام رافال، تقدمت الولايات المتحدة إلى الأمام بطائرة "إف-22 رابتور"، ثم في وقت لاحق بطائرة "إف-35 لايتنينج 2"، الأمر الذي أعاد تشكيل طبيعة الهيمنة الجوية.

لأنه على الرغم من التحديثات المستمرة التي دفعتها إلى فئة ما يسمى بالجيل 4.5، فإن طائرة رافال لا تزال تفتقر إلى التكنولوجيا منخفضة الملاحظة المطلوبة للبقاء في مواجهة الرادارات المتقدمة وأنظمة الدفاع الجوي المتطورة.

ورغم امتلاكها لمنظومة سبكترا (مظلة إلكترونية كاملة لحماية المقاتلة بزاوية 360 درجة)، إلا أن أنظمة الحرب الإلكترونية في رافال لا ترقى إلى ما وصلت إليه "سو-57" الروسية، أو "جي-20" الصينية، اللتان تعتمدان على تقنيات الذكاء الاصطناعي والمجسات متعددة الاتجاهات.

وهو ما أكده تقرير المعهد الفرنسي، الذي ذكر أنه في عصر ينشر فيه الخصوم مثل موسكو وبكين، دفاعات متطورة، قد يجد الطيارون الفرنسيون أنفسهم يطيرون إلى فخ الموت، معرضين لخطر الصواريخ أرض-جو عالية القدرة ومقاتلات العدو من الجيل التالي.

وأورد أن المخاطر تزداد مع قيام موسكو وبكين بتوسيع ترسانتيهما العسكرية بشكل عدواني، خاصة أن روسيا نشرت مجموعة من الصواريخ الأسرع من الصوت، والطائرات بدون طيار المتطورة، وأنظمة الحرب الإلكترونية، في حين تعمل مقاتلة الشبح الصينية "جي-20" على تقليص الفجوة مع نظيراتها الغربية.

لكن واحدة من أخطر المعلومات التي ذكرها التقرير أن تقديرات العسكريين الفرنسيين، تؤكد أنه في حال اندلعت مواجهة بين رافال الفرنسية والمقاتلات الروسية، فإن رافال لن تصمد أكثر من ثلاثة أيام.

والسبب الرئيس في ذلك أنه إلى جانب مسألة التخفي، هناك مشكلة عميقة أخرى تعاني منها رافال، وهي النقص الحاد في الذخائر الموجهة بدقة. 

حيث ستجد نفسها تواجه صعوبة في مواصلة العمليات الجوية، خاصة في ظل عدم امتلاكها مخزونا كافيا من الصواريخ المتقدمة مثل صاروخ "ميتيور" جو-جو بعيد المدى، الذي تمتلكه روسيا والصين.

رائحة كبريت 

كذلك فإن طائرات رافال لها سمعة سيئة في سوق السلاح العالمية، لارتباطها بصفقات عقدتها فرنسا مع أنظمة ديكتاتورية.

ففي 7 فبراير/ شباط 2019 نشر موقع "ميديا بارت" الفرنسي، أن "رافال" مقاتلات ذات سمعة سيئة، خاصة مع أنظمة الشرق الأوسط، وثمة “رائحة كبريت” تلاحق صفقاتها باهظة الثمن.

وتحدث الموقع عن الصفقة مع مصر، التي تضمنت توريد 30 طائرة بغلاف مالي يقارب 5 مليارات يورو، وقال: إن "رافال الموردة إلى القوات المسلحة المصرية، تعاني مشكلات تقنية عدة جعلتها تفقد قدراتها القتالية".

ورجح الموقع الفرنسي أن هذه المشكلات التقنية تسببت في يناير/ كانون الثاني 2019 في حادثة راح ضحيتها الطيار المصري مهدي الشاذلي، في تكتم كبير من السلطات المصرية والفرنسية على الأمر، لكنه ذكر أن أقارب الضحية أكدوا أن الحادثة متعلقة فعلا بتحطم طائرة رافال كان ابنهم على متنها.

وأضاف “ميديا بارت” أن "الهيمنة الغربية غير المشكوك فيها على التفوق الجوي، والتي كانت تشكل حجر الزاوية للأمن العالمي منذ الحرب العالمية الثانية أصبحت الآن تحت تهديد خطير". 

وأكمل: "فرنسا، باعتمادها على طائرات رافال، تتخلف عن الركب بمعدلات مثيرة للقلق، فرغم فعاليتها في العديد من سيناريوهات القتال، تفتقر هذه الطائرة إلى القدرة على الصمود اللازم للصراعات فائقة الشدة، مما يجعلها عبئا في المواجهة".

وكان موقع "لو ديبلومات" الفرنسي، قد نشر تقريرا في 1 مارس/ آذار 2025، سلط فيه الضوء على الأزمات التي يواجهها سلاح الجو الفرنسي عموما. 

وخلص تقريره إلى أن فرنسا إن لم تتمكن من سد فجواتها التكنولوجية واللوجستية، فإنها قد تفقد نفوذها داخل التحالفات الغربية مستقبلا.

بل وذهب إلى أنها قد تجبر على لعب دور ثانوي في عالم أصبحت فيه الهيمنة الجوية تحديا صعبا للغاية. 

بين زمنين

وتعليقا على هذه البيانات، قال باحث العلوم السياسية أحمد راغب، إنه "رغم ما تسوقه فرنسا عن طائرتها الحربية (رافال) كمقاتلة متعددة المهام تجمع بين القوة والذكاء الصناعي، فإن تتبع مسار إنتاجها وتصديرها يكشف عن حكاية أخرى مغايرة، تتقاطع فيها الطموحات السياسية الفرنسية مع محدودية القدرة العسكرية".

حيث تبرز “رافال” كأداة ضغط دبلوماسي ونفوذ جيوسياسي، لا كسلاح يفرض واقعا جديدا في موازين القوى العسكرية اليوم، يضيف راغب لـ"الاستقلال".

وتابع: "على الورق، تنتمي رافال إلى الجيل 4++، وتروج لها باريس بصفتها مقاتلة (جو-جو) و(جو-أرض) قادرة على تنفيذ مهام متنوعة، من الهجوم الأرضي إلى اعتراض الطائرات وتوجيه الضربات الإستراتيجية". 

واستدرك بالقول: "لكن هذا الخطاب الترويجي يخفي عيوبا جوهرية يعترف بها خبراء الطيران العسكري ومراكز التقييم المستقلة، فالطائرة ليست شبحية، ولا تقارب حتى مستويات التخفي التي باتت معيارًا في الطائرات الحديثة مثل إف-35 الأميركية أو جي-20 الصينية". 

وأكمل: "هذا النقص يعرضها لكشف مبكر من قبل أنظمة الدفاع المتطورة، غير تكاليف التشغيل والصيانة الباهظة، ما يجعلها مكلفة على الميزانيات الدفاعية، مقارنة بطائرات تؤدي وظائف مماثلة بتكاليف أقل".

لكن الباحث السياسي ذهب إلى بعد آخر خاص بالرافال وهو المتعلق بالصفقات المبنية على حسابات سياسية لا عسكرية، بحسب وصفه.

وتابع: "ما يثير الانتباه في ملف رافال ليس فقط خصائصها الفنية، بل طريقة تسويقها سياسيا من قبل الحكومة الفرنسية، فمن صفقة الهند المثيرة للجدل، إلى صفقات مصر وقطر واليونان، يظهر جليا أن التقديرات السياسية تفوقت على الاحتياجات العسكرية في هذه العقود".

واستطرد: "الهند لم تكن تبحث أساسا عن طائرة غير شبحية، لكنها وقعت الصفقة لأسباب تتعلق بالتوازن مع الصين، وتحت ضغوط متداخلة فرنسية أميركية، ومع ذلك الصفقة لاحقا واجهت اتهامات فساد وتضارب مصالح في نيودلهي". 

وتحدث أيضا عن صفقة مصر، التي جاءت في لحظة اضطراب إقليمي، وبدت كدفعة فرنسية لاستمالة القاهرة إلى صف باريس في ملفات المتوسط وليبيا، خاصة مع تصاعد الدور التركي.

وقال راغب عن صفقة قطر، إنها وقعت في ذروة الأزمة الخليجية، وأتت كرسالة دعم فرنسية لحليف اقتصادي واستثماري رئيس.

وأكمل حتى صفقة اليونان كانت جزءا من سباق تسليح مع تركيا أكثر من كونها اختيارا قائما على التفوق التقني.

ثم علق أن هذه الحالات تكشف أن باريس تستخدم رافال كأداة نفوذ دبلوماسي وأداة مساومة في ساحات السياسة الخارجية، خصوصا في الشرق الأوسط وإفريقيا؛ حيث تحاول تعويض تراجع نفوذها الاستعماري التقليدي.

وهكذا تبدو رافال، بحسب راغب، ليست سوى انعكاس لحالة التراجع الأشمل في المشروع العسكري الفرنسي.

“فبينما تندفع أميركا في تطوير الجيل السادس من المقاتلات، وتنافس الصين وروسيا على إنتاج نسخ شبحية بأسلحة تفوق سرعة الصوت، تبدو فرنسا عالقة بين زمنين، لا تستطيع اللحاق بركب الابتكار، ولا تقوى على التخلي عن إرثها الصناعي العسكري”، يختم راغب.