لماذا تبدو فكرة "اليوم التالي" في غزة ضربا من الخيال؟ خبير إسرائيلي يجيب

"تُعتبر خطة ترامب الخيار الأمثل على الأرجح، إلا أن جدواها مشكوك فيها"
“الاعتقاد بإمكانية تحويل غزة إلى كيان سلمي منزوع السلاح ليس إلا ضربا من التفكير الرغائبي”. بحسب البروفيسور الإسرائيلي "إفرايم إنبار"، مدعيا أن القوة الإسرائيلية المستدامة هي وحدها القادرة على منع عمليات المقاومة وفرض نزع السلاح.
جاء ذلك في مقال لـ "إنبار"، الذي ترأس معهد القدس للإستراتيجية والأمن (JISS) بين أكتوبر/تشرين الأول 2017 ويناير/كانون الثاني 2025، ويشغل حاليا منصب رئيس برنامج الإستراتيجية والدبلوماسية والأمن القومي، في "كلية شاليم" بالقدس المحتلة.

هندسة قطاع غزة
وأورد المقال، الذي نشره معهد القدس، أنه سيكون من قبيل الأوهام الاعتقاد بأن "اليوم التالي" للحرب في غزة سيجلب إلى القطاع كيانا سياسيا منظما قادرا على احتكار استخدام القوة العسكرية ومنع الهجمات ضد الأهداف الإسرائيلية.
وأضاف أن "وجود كيان سياسي قوي يقبل بإحباط العنف ضد إسرائيل هو رغبتنا، ولكن هناك العديد من الأسباب التي تدعو إلى الشك في إمكانية تحقيقها".
وأكد إنبار أن "قدرة إسرائيل -أو حتى القوى العظمى العالمية- على هندسة دول الشرق الأوسط سياسيا محدودة للغاية".
فبعد غزوها لبنان عام 1982، فشلت إسرائيل في تنصيب حكومة جديدة صديقة، كما لم تتمكن الولايات المتحدة، رغم قوتها العسكرية والاقتصادية الهائلة، من إقامة أنظمة ديمقراطية في أفغانستان والعراق.
حتى الاتحاد السوفيتي، رغم تمتعه بقيود أقل من تلك التي تكبل الديمقراطية الأميركية، فشل في تحويل أفغانستان إلى دولة تابعة له بعد تدخله العسكري هناك.
ويرى "إنبار" أن "حرب إسرائيل على غزة قد تنجح في القضاء على معظم القدرات العسكرية لـ (حركة المقاومة الإسلامية) حماس وطرد قيادتها من غزة -كما فعلت مع منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان عام 1982- لكنها لن تُحوّل غزة إلى كيان سياسي منظم طالما بقي الفلسطينيون هناك، إذ إن لاستخدام القوة حدودا".
وأضاف: "لا يمكن للقوة العسكرية الإسرائيلية أن تخفف من العداء المتجذر في الحركة الوطنية الفلسطينية تجاه الصهيونية، وهو عداءٌ يكمن في صميم القومية الفلسطينية".
وقد “عززت الحماسة الدينية لدى حركة حماس المشاعر الدينية السلبية تجاه اليهود، وغرست في نفوس الشبان الغزيين رغبة في الانتقام من أعدائهم المكروهين”، وفق وصف إنبار.
وادعى أن "من دون إصلاح النظام التعليمي الفلسطيني، سيستمر الإرهاب ضد إسرائيل حيثما وُجد الفلسطينيون".
علاوة على ذلك، أشار البروفيسور الإسرائيلي إلى أن العديد من الدول العربية فشل في فرض احتكارها لاستخدام القوة داخل حدودها؛ حيث تعاني سوريا ولبنان والعراق واليمن وليبيا والسودان من حروب أهلية أو من مليشيات مسلحة لا تخضع للحكومة المركزية.
وأوضح أن هذا هو حال الكيانين الفلسطينيين: السلطة الفلسطينية وقطاع غزة الخاضع لحكم حماس، على حد تعبير الخبير بالكيان الإسرائيلي.
ففي الضفة، تنشط جماعات مسلّحة متعددة تسعى لتحقيق أجنداتها الخاصة، وحتى في غزة، توجد حركة الجهاد الإسلامي والعشائر المسلحة إلى جانب حماس.
وعلى هذا، أكد "إنبار" أنه "لا يوجد ما يدعو إلى الافتراض بأن اليوم التالي في غزة سيكون مختلفا، أو أن القطاع سيُجرَّد من السلاح، وبالتالي فإن الأنشطة العسكرية الإسرائيلية المتواصلة هي وحدها القادرة على فرض نزع السلاح".

فشل إقناع العرب
ونوّه إلى فشل محاولات إسرائيل حتى الآن في إقناع دول عربية ذات خلفيات سياسية مختلفة بإرسال جنود أو عناصر شرطية لتأسيس حكم فعّال في غزة.
كذلك، فإن التزام هذه الدول تجاه إخوانهم الفلسطينيين يثير شكوكا، فضلا عن الشكوك حول مدى تصميمها فعلا على مواجهة ما تبقى من حماس، وفق المقال.
وقال: إن "أنقاض غزة، وإمكانية تولي مسؤولية حكم سكانها، لا تشكّل إغراءً حقيقيا لأي طرف. لذا، فإن خيار تولّي تحالف عربي إدارة القطاع يبدو ضعيف الاحتمال، خصوصا قبل أن تُحقق القوات الإسرائيلية هدفها باجتثاث حماس من غزة".
أما حماس، من جانبها، فلن تسارع إلى التعاون مع أي خطة تهدف إلى إنهاء حكمها في القطاع، بحسب المقال.
وأضاف أن إفراغ قطاع غزة من سكانه، كما هو مقترح في خطة الرئيس دونالد ترامب، هو نقطة انطلاق جيدة لمستقبل جديد، ومع ذلك، فمن شبه المؤكد أن حماس ستشن مقاومة مسلحة لمنع التهجير.
وأضاف: "في الوقت نفسه، قليل من الدول على استعداد لاستقبال الغزيين؛ فليس من المستغرب أن العديد من الدول متردد في استيعاب خريجي نظام حماس التعليمي".
كما أنه من غير الواضح من سيكون على استعداد للتبرع بمئات المليارات من الدولارات اللازمة لإعادة إعمار القطاع، وفي غياب بنية تحتية سياسية فاعلة، من المرجح أن تُهدر أي مساعدات أو استثمارات خارجية، وفق زعم إنبار.
وعلى هذا، يخلص إلى أنه "بينما تُعد خطة ترامب الخيار الأمثل على الأرجح، إلا أن جدواها مشكوك فيه للأسباب المذكورة أعلاه".
وقال البروفيسور الإسرائيلي: "أحد الخيارات المطروحة هي إعادة السلطة الفلسطينية إلى غزة، وهو الخيار المفضل لدى معظم المجتمع الدولي؛ غير أن السلطة ضعيفة وتشجع على النشاط الإرهابي ضد إسرائيل".
"فهي تشرف على المناهج التعليمية، بما في ذلك في غزة، التي تحرّض على الإرهاب وتغذّي مشاعر الكراهية تجاه إسرائيل، كما تدفع رواتب للمعتقلين في السجون الإسرائيلية بتهم الإرهاب، ولعائلات القتلى أو الجرحى في عمليات ضد إسرائيل"، بحسب وصفه.
وأضاف أنه "في الوقت نفسه، دفعها ضعفها إلى استيعاب حرية عمل الجيش الإسرائيلي على أراضيها، والتعاون مع إسرائيل في سياقات معينة ضد حماس، ومن الواضح أن هذا ليس الحل الأمثل، لكن الحلول المثالية ليست دائما في المتناول".
وأشار إلى أن "بعض التيارات اليمينية داخل الحكومة الإسرائيلية تدعو إلى إعادة الاستيطان في قطاع غزة، بل وضمّه، متجاهلين في حماستهم الأيديولوجية المخاطر السياسية المترتبة على هذا الخيار".
فالسير في هذا الاتجاه -وفق المقال- قد يصرف الانتباه عن أولويات استيطانية أكثر إستراتيجية، وعلى رأسها القدس -التي تُعدّ أهم تلة في إسرائيل- حيث ينمو عدد السكان العرب ولا توجد غالبية صهيونية.
كما أنه يرى أن "استيطان غزة وضمّها من شأنه أن يصعّد الصراع مع الفلسطينيين، ويثير توترات غير ضرورية مع الدول العربية التي تربطها بإسرائيل معاهدات سلام أو علاقات غير رسمية".
كذلك، فإن فرض الوجود العسكري الدائم عبر الحكم العسكري أو الضمّ لن يحلّ المعضلات الأمنية الناجمة عن وجود سكان معادين بشدة، وفق المقال.
وفوق ذلك، وفي ظل غياب توافق وطني حول هذا المسار، فليس من الحكمة -بحسب إنبار- إضافة نقطة خلاف جديدة إلى مجتمع إسرائيلي يعاني بالفعل من انقسام داخلي.
وعلى هذا، يعتقد أنه "ربما على إسرائيل أن تعتاد فكرة أن غياب جهة مستعدة لتحمّل مسؤولية قطاع غزة سيجعل الفوضى هي الحالة السائدة فيه، وهي ليست بالضرورة كارثة كما قد يظن البعض".
"فوجود حالة من الفوضى قد يتيح لإسرائيل إقامة مناطق عازلة على طول حدود غزة من دون معوّقات؛ ذلك أن أي كيان حاكم في غزة سيعارض هذه الخطوات، وسيقاوم الإجراءات التي ترى إسرائيل أنها ضرورية للحدّ من الإرهاب، كما أن الفوضى قد تدفع البعض إلى التفكير في الهجرة"، وفق المقال.
وقال: إن "إسرائيل محكوم عليها بالعيش مع جيران عدائيين في المستقبل المنظور، فلا سبيل للقضاء الكامل على الإرهاب".
وأضاف: "على إسرائيل تجنب اتباع سياسة الاحتواء، وأن "تجزّ العشب" باستمرار لتقليل احتمالات ظهور تهديد كبير عبر الحدود".
وختم بالإشارة إلى أن "الصراعات الدورية قد تكون ضرورة، إذا أراد اليهود دولة في وطنهم، فعليهم أن يُدركوا أن إسرائيل ستعيش تحت وطأة التهديد لسنوات طويلة قادمة".