حضور إسرائيلي في "بوصاصو" الصومالية يبعثر أوراق القرن الإفريقي.. ما القصة؟

منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

من طرف واحد، أعلنت بونتلاند، وهي منطقة قاحلة تقع في شمال شرق الصومال الغني بالنفط وتضمّ ميناء بوصاصو المهم، الحكم الذاتي في عام 1998، وهي تشهد علاقات متوترة مع الحكومة المركزية في مقديشو.

 وفي السياق، نشرت صحيفة “صباح” التركية مقالا للكاتب "تونتش ديمير تاش"، ذكر فيه أنه في خضم الصراعات الجيوسياسية المتصاعدة لم تعد العواصم وحدها ساحات للصراع على النفوذ، بل امتدت خطوط المواجهة إلى الموانئ الحيوية على طول المحيط الهندي والبحر الأحمر. 

وعلى هذا النحو تحولت مدينة بوصاصو، الواقعة في منطقة بونتلاند بالصومال، إلى مركز لأزمة جيوسياسية.

حيث تشير تقارير إلى تحركات عسكرية وتجهيزات أمنية تمت دون علم الحكومة الفيدرالية الصومالية، ما يثير مخاوف جدية حول سيادة البلاد ووحدة أراضيها.

حضور إسرائيلي

وتشير بيانات مفتوحة وصور أقمار صناعية وسجلات رحلات جوية إلى تركيب نظام رادار متطور من طراز إي إل إم -2084 إسرائيلي الصنع في محيط مطار بوصاصو. 

حيث تظهر صور الأقمار الصناعية بشكل واضح المنصة التي نُصب عليها الرادار، مما يعزز الادعاءات القائلة بأنه تم الحصول عليه بوساطة الإمارات ضمن اتفاق ثنائي بين إدارة بونتلاند والجانب الإسرائيلي، وذلك دون الرجوع إلى مقديشو. 

وتأتي هذه الخطوة في سياق يتسم بزيادة ملحوظة في عدد رحلات الشحن العسكري التي انطلقت من بوصاصو، والتي بلغ عددها 48 رحلة خلال العامين الماضيين، وكان من بينها 44 رحلة توجهت إلى السودان وتشاد. 

وتؤكد سجلات الطيران أن هذه الرحلات كانت مخصصة لدعم قوات الدعم السريع السودانية، المتورطة في نزاعات دموية خاصة في إقليم دارفور، حيث تُتهم بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين. 

وأشار الكاتب إلى أن المثير للقلق هو أن هذه الرحلات، بحسب ما أفادت به مصادر متعددة، لم تقتصر على شحن الأسلحة والذخائر فقط، بل شملت أيضاً نقل مرتزقة كولومبيين.

وهو أمر زاد من تعقيد المشهد وحوّل بوصاصو إلى نقطة عبور عسكرية مشبوهة في قلب نزاع إقليمي أوسع. 

في هذا الإطار، تُطرح تساؤلات جوهرية حول مدى احترام الفاعلين المحليين والدوليين للسيادة الصومالية. 

فوفقاً للدستور الصومالي فإن السياسة الخارجية وشؤون الأمن من صلاحيات الحكومة المركزية فقط، وأي اتفاقات تتم خارج هذا الإطار تُعد خرقا واضحا للقانون والدستور. 

كما أن إعلان أنقرة، الذي وُقع بوساطة تركية، قد أكد على ضرورة احترام وحدة الأراضي الصومالية وشرعية مؤسساتها الفيدرالية. 

وما يجرى في بوصاصو لا يمكن فصله عن السياق الأوسع لصراع المصالح بين القوى الإقليمية والدولية في البحر الأحمر والقرن الإفريقي.

واستمرار مثل هذه التدخلات دون شفافية أو رقابة يهدد ليس فقط أمن الصومال واستقراره، بل أيضا استقرار المنطقة بأسرها.

المصالح الإقليمية

وأوضح الكاتب ما يجرى في بوصاصو لا يقل خطرا عمّا يحدث في عواصم النزاع، بل هو انعكاس صريح لما يُمكن أن نسميه "التحايل على السيادة" عبر الأطراف الهشة. 

فما كشفت عنه صور الأقمار الصناعية وسجلات الطيران أخيرا لا يمكن عده تفصيلا ثانويا: حيث تم تركيب نظام رادار إسرائيلي الصنع، بالإضافة إلى إرسال الأسلحة إلى قوات الدعم السريع في السودان من مطار بوصاصو عبر طائرات شحن ثقيلة، كل ذلك دون علم أو موافقة الحكومة الفيدرالية الصومالية. 

وأضاف: نحن لا نتحدث هنا عن حادث عرضي، بل عن سلسلة عمليات ذات طابع استخباراتي وعسكري منظم، فهي تُدار بغطاء إماراتي إسرائيلي وبتسهيلاتٍ محلية من إدارة بونتلاند.

وشدد على أن ما يجرى في بوصاصو هو اختراق مباشر لسيادة الصومال ويجب أن يُواجَه بما يستحق من إدانة وتحرك.

فمن الناحية القانونية فإن ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي واضحة: لا يجوز تنفيذ عمليات عسكرية أو نشر أنظمة دفاعية على أراضي دولة ما دون موافقتها الصريحة. 

لكنّ ما حدث في بوصاصو يكشف عن نهج جديد تتبعه بعض القوى الإقليمية، وهو تجاوز العواصم الضعيفة والاتفاق مع سلطات محلية على حساب السيادة الوطنية. 

وهذا ما يضع علامات استفهام خطيرة حول وحدة الأراضي الصومالية، ليس فقط قانونيا، بل فعليا على الأرض.

والأخطر من كل ذلك هو أن هذه البنية اللوجستية والاستخباراتية في بوصاصو لا تُستخدم للدفاع عن الصومال أو تنميته، بل تُسخّر في نزاع دموي في السودان عبر دعم مليشيا متهمة بارتكاب مجازر. 

فهل يُعقل أن تتحول أرض صومالية إلى محطة لتصدير السلاح والمرتزقة إلى حرب أهلية في دولة أخرى؟ وإذا سمح العالم بذلك، فما الذي سيمنع تكرار هذا السيناريو في مدن ساحلية أخرى هشة؟.

تركيا في الصومال

وفي السياق ذكر الكاتب أن التجربة التركية في الصومال تبرز كنموذج نادر من الاتساق بين المبادئ والممارسة. 

ففي الوقت الذي تتحول فيه مدينة بوصاصو إلى مسرح لعمليات استخباراتية وعسكرية تجري خارج إطار الشرعية، تلتزم تركيا بمسار مختلف، مسارٍ شفاف ومتزن بحيث يصب في خدمة الدولة الصومالية لا في إضعافها.

وما تقوم به تركيا في الصومال ليس مجرد تحرك دبلوماسي أو أمني، بل هو تجسيد عملي لفكرة "التحالف القائم على احترام السيادة"، وهي فكرة غابت طويلا عن سياسات القوى الكبرى في إفريقيا.

ومن خلال الاتفاقيات الرسمية التي أبرمتها أنقرة مع الحكومة الفيدرالية في مقديشو بما فيها اتفاقية الدفاع والأمن، بالإضافة إلى عدة مشاريع واضحة كقاعدة "تُركصوم" لتدريب الجيش الوطني، ومبادرات تطوير الموانئ والبنية التحتية، فإنّ تركيا تؤكد أنها لا تتعامل مع الصومال كفراغ إستراتيجي أو حديقة خلفية، بل كشريك كامل السيادة.

وهنا يكمن الفرق الجوهري بين السياسة التركية وبين تحركات قوى أخرى كالإمارات وإسرائيل، اللتين تتورطان بحسب تقارير موثقة في تركيب أنظمة رادار سرية وشحنات سلاح إلى مليشيات خارجية عبر بوصاصو دون علم الحكومة الصومالية. 

وشدد على أن مستقبل الصومال يجب ألا يُرسم بناءً على حسابات المصالح قصيرة المدى للقوى الخارجية، بل استناداً إلى إرادة شعبه.

لذلك فإن السياسة التركية في الصومال تسير وفق ثلاثة مبادئ واضحة: احترام السيادة، ودعم التنمية، وبناء الاستقرار طويل الأمد. 

وهذه ليست شعارات فقط. فإن المساعدات التركية ليست محصورة في المجال الأمني، بل تشمل التعليم والصحة والبنى التحتية، ما يعكس رؤية شاملة ترى الأمن ليس مجرد سلاح، بل منظومة تنموية متكاملة.

ولفت الكاتب النظر إلى أن ما تفعله تركيا اليوم يجب أن يكون النموذج المعياري لأي تدخل دولي في الدول الهشة. 

فلا يكفي أن تأتي بمساعدات أو صفقات، بل يجب أن تأتي بشفافية، وباحترام كامل للسلطة المركزية، وبتوجه يعزز الدولة لا ينسفها.

وختم الكاتب مقاله قائلا: إن مستقبل الصومال يجب ألا يُرتهن لحسابات نفوذ دول خارجية، بل يجب أن يُبنى على إرادة الشعب الصومالي، وعلى احترام سيادته ووحدة أراضيه. 

ولا ينبغي النظر إلى الموقف التركي كمجرد دعم من دولة صديقة، بل كخطوة أساسية نحو بناء منظومة أمن إقليمي قائمة على القانون الدولي في إفريقيا.