77 بالمئة زيادة في هجرة الإسرائيليين خلال آخر عامين.. هذه أبرز الأسباب

منذ ١٦ ساعة

12

طباعة

مشاركة

خلال العامين الماضيين شهدت هجرة الإسرائيليين من الأراضي الفلسطينية المحتلة تضاعفا ملحوظا، مما دفع الخبراء إلى حثّ الحكومة على تعزيز الروابط مع مواطنيها في الخارج.

وقالت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية: إن إسرائيل تواجه أزمة اجتماعية عميقة تنعكس بشكل متزايد في موجة متصاعدة من الهجرة.

أوضحت في مقال لـ"ماريان ماتياش"، وهي باحثة مساعدة في مركز جوان وإيروين جاكوبس للمجتمع المشترك (Joan and Irwin Jacobs Center for Shared Society) التابع للمعهد الإسرائيلي للديمقراطية أن هذا الارتفاع الحاد في الهجرة "يثير مخاوف من تسرب الأدمغة".

ما الأسباب؟ 

وتُعرّف دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية "المهاجر" بأنه الشخص الذي أمضى ما لا يقل عن 9 أشهر متفرقة خلال العام خارج البلاد، على أن تكون الأشهر الثلاثة الأولى متتالية.

ووفقا لبيانات دائرة الإحصاء، شهد العامان الماضيان اتساعا ملحوظا في صافي الهجرة السلبية، أي الفجوة بين عدد الإسرائيليين المغادرين والعائدين. وبين عامي 2022 و2023، سجلت هذه الظاهرة زيادة تقارب 77 بالمئة.

 وبينما لم تُنشر البيانات النهائية لعام 2024 بعد، تشير التقديرات إلى أن الزيادة بالمقارنة مع سنة 2023 تجاوزت بكثير 100 بالمئة.

إضافة إلى ذلك، فإن نسبة كبيرة تفوق المعدلات المعتادة من المغادرين هم من حملة الشهادات العليا ويعملون في تخصصات مطلوبة بشدة، ما يثير قلقا حقيقيا من احتمال هجرة الأدمغة، وفق الباحثة الإسرائيلية.

وأرجعت هذا الارتفاع في الهجرة بشكل رئيس إلى تصاعد التوترات السياسية والأمنية، والتي -إن تُركت دون حل- فمن المرجح أن تتعمّق الأزمة على المدى الطويل.

وتتطلب السياسات الفعالة معالجة الأسباب العميقة للهجرة، مع إعطاء أولوية موازية لتعزيز الروابط مع الإسرائيليين في الخارج، إذ إن تقوية هذه الصلات يزيد من فرص عودتهم في المستقبل.

وتُظهر الأرقام أن 52 بالمئة من العائدين يعودون خلال 4 سنوات من مغادرتهم، في حين يعود نحو ربعهم بعد أكثر من عقد في الخارج، ما يعكس ارتباطا طويل الأمد بإسرائيل يستحق أن يُصان ويُعزَّز، بحسب وصف الباحثة.

وقالت: "للحضور العالمي للإسرائيليين قيمة كبيرة، ويُعدّ قطاع التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلي، من نواحٍ عديدة، نتاجا للهجرة مزدوجة الاتجاه".

ففي ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، عاد عدد من الإسرائيليين من الولايات المتحدة حاملين معهم خبرات ومهارات أسهمت في وضع أسس هذا القطاع وبنائه حتى وصل إلى صورته الحالية.

التوسع في الخارج

ووفقا لدراسة نُشرت عام 2023 للباحثَين الألمانيين سوزان شيفر وسيباستيان هون، فإن نحو 10 بالمئة من أصل 200 شركة ناشئة إسرائيلية تحصل سنويا على تمويل كبير، تواصل التوسع في الخارج.

وترى الباحثة أن "هذه ليست خسارة"، فرواد الأعمال هؤلاء يشكّلون جسورا للمعرفة ورؤوس الأموال بين الشتات ومراكز للتطوير داخل إسرائيل، وغالبا ما يمهدون الطريق لآخرين يسيرون على خطاهم.

وأحدث الأمثلة على ذلك هي شركة "ويز" (Wiz)، التي سجَّلت أكبر عملية خروج لشركة ناشئة في تاريخ إسرائيل، فرغم تسجيلها في الولايات المتحدة، لا يزال مركز البحث والتطوير التابع لها في تل أبيب.

فيما تواصل خبرات مؤسسيها وشبكاتهم العالمية إثراء المنظومة التكنولوجية الإسرائيلية، وفتح الأبواب أمام المبتكرين في المستقبل. وأوضحت الباحثة أنه في أوقات الأزمات، تزداد أهمية الشراكة بين إسرائيل ويهود الشتات.

فقد أظهر استطلاع رأي أُجري لصالح قسم العلاقات مع الإسرائيليين في الخارج التابع للمنظمة الصهيونية العالمية، أنه عقب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، شارك 85 بالمئة من المشاركين في أنشطة داعمة لإسرائيل، سواء من خلال المناصرة أو المشاركة في المسيرات أو عرض ملصقات الأسرى.

وأضافت الباحثة أن "الإسرائيليين المقيمين في الخارج منذ فترة طويلة يتمتعون بنفس إمكانية الوصول إلى السلطات المحلية والحكومات والمسؤولين المنتخبين التي يتمتع بها مواطنو ذلك البلد، مما يُمكّنهم من العمل كسفراء غير رسميين، وكثير منهم هو كذلك بالفعل".

وترى الباحثة الإسرائيلية أن "للدولة نفسها دورا حاسما في تعزيز الإسرائيليين في الخارج كجاليات متميزة. فبدلا من الارتهان لقلق وجودي، يجب عليها إدراك قيمة الشتات الإسرائيلي، وتبني سياساتٍ تُشدد على أهمية الحفاظ على ارتباطها بإسرائيل".

وأضافت: "بنفس القدر من الأهمية، يُعرب العديد من الإسرائيليين المقيمين في الخارج عن رغبتهم بالعودة، ويمكن للدولة أن تفعل الكثير للمساعدة في تحويل هذا الطموح إلى واقع".

إحدى طرق تحقيق ذلك هي المساعدة في بناء جاليات قوية عبر تطوير أطر تعليمية إسرائيلية؛ حيث تستثمر إسرائيل موارد كبيرة في الجاليات اليهودية في الخارج، خاصة في تعليم اللغة العبرية والدراسات اليهودية في المدارس.

ومع ذلك، أظهرت الأبحاث المستمرة على مر السنين أن الصلة بين الإسرائيليين والمجتمعات اليهودية المحلية ليست طبيعية دائما، ويفضل معظمهم التواصل مع زملائهم الإسرائيليين.

ومع مرور الوقت، غالبا ما تكتسب الهوية اليهودية للإسرائيليين في الخارج بروزا أكبر من هويتهم الإسرائيلية، إلا أنهم في تلك المرحلة يكونون قد اندمجوا ورسّخوا جذورهم في مجتمعاتهم، ومع اندماجهم، تتضاءل احتمالية عودتهم إلى إسرائيل، خاصة بالنسبة للجيل الثاني. 

تعزيز التعليم

وقالت الباحثة: "إن إنشاء أطر تعليمية ذات طابع إسرائيلي واضح في المدن التي تضم جاليات كبيرة –تتيح للطلاب مثلا اجتياز امتحانات البجروت (الإنهاء أو التوجيهي) إلى جانب المتطلبات الأكاديمية المحلية– من شأنه أن يسهم ببناء هياكل مجتمعية متماسكة، وتعزيز الهوية الإسرائيلية لدى جيل الشباب".

وتابعت: "تزداد احتمالية احتفاظ أطفال الإسرائيليين المقيمين في الخارج بهويتهم ورؤيتهم للعودة إلى إسرائيل بشكل كبير إذا التحقوا بمدرسة تضم غالبية من الطلاب الإسرائيليين الناطقين بالعبرية، بدلا من مدرسة يهودية يومية مدمجة في المجتمع اليهودي المحلي".

هذا الأمر يكون أكثر وضوحا في الأماكن التي لا توجد فيها جاليات تحافظ على ارتباط قوي بإسرائيل، وبالنسبة للعائلات الشابة التي تفكر في العودة، فإن قدرة أطفالهم على الاندماج بسلاسة في المجتمع الإسرائيلي غالبا ما تكون عاملا حاسما، وفق الباحثة.

وأكدت أنه "عند توزيع مواردها، يجب على الدولة أن تدرك أيضا أن عدد الإسرائيليين العائدين إلى البلاد سنويا يفوق بكثير عدد اليهود الأميركيين أو البريطانيين أو الفرنسيين الذين يهاجرون إليها".

ففي عام 2023 مثلا، عاد نحو 28 ألف إسرائيلي، في حين بلغ العدد الإجمالي للمهاجرين من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة مجتمعين 4,174 فقط، وفقا لمعطيات دائرة الإحصاء المركزية.

وهذا لا يعني، وفق الباحثة، أن على إسرائيل تقليص استثماراتها في الجاليات اليهودية في الخارج.

فبصفتها دولة يهودية، كانت إسرائيل دائما -ويجب أن تظل دائما- على ارتباط وثيق وعميق بهذه الجاليات، وفق تعبيرها.

واستدركت: "مع ذلك، فقد تبلورت على مرّ السنين هوية إسرائيلية مميزة، تتجلى في لغتها وعاداتها وملامحها الثقافية، والتي تشكلت تحت تأثير الطبيعة المحلية، وأصواتها، ونكهاتها، ومن خلال شعور بالمصير المشترك، يتجاوز الحدود والقارات".

وتابعت: "أولئك الذين يحملون هذه الهوية معهم حتى أثناء إقامتهم في الخارج، يُعدّون شركاء طبيعيين، ومصدر قوة إضافية للمجتمع الإسرائيلي".

وقالت: "حان الوقت للنظر إلى المهاجرين الإسرائيليين كما هم بالفعل: قوة عالمية، منخرطة ومترابطة وفاعلة في الخارج، وتحمل إمكانات كبيرة للعودة"، وفق وصفها.

وختمت بأنه "يجب على الدولة أن تهيئ الظروف التي تجعل هذه العودة ممكنة، بما يعود بالنفع على الاقتصاد والمجتمع ومستقبل إسرائيل".