بعد زيارة نائب ترامب إلى الهند.. لماذا دُقت طبول الحرب مع باكستان؟

"التصعيد حدث مباشرة بعد زيارة نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس إلى الهند"
أدى الهجوم الدامي الذي وقع في مدينة باهالغام الخاضعة لسيطرة السلطات الهندية في إقليم كشمير -ذات الأغلبية المسلمة- المتنازع عليه مع باكستان، إلى تفاقم التوتر في العلاقات بين نيودلهي وإسلام آباد.
وفي السياق، نشر موقع "روسيا اليوم" تحليلا أشار فيه إلى أن الولايات المتحدة "تثير حربا جديدة على حدود الصين"، ملمحا إلى دور أميركي في إشعال فتيل الأزمة بين باكستان والهند.
كما قارن التقرير بين القدرات العسكرية للطرفين في سياق تناوله آفاق التصعيد العسكري، وسبل التسوية السلمية بين الدولتين النوويتين.
وتصاعد التوتر بين الهند وباكستان في 22 نيسان/ أبريل 2025، عقب إطلاق مسلحين النار على سائحين في منطقة باهالغام بإقليم جامو وكشمير (شمال) الخاضع للإدارة الهندية، ما أسفر عن مقتل 26 شخصًا وإصابة آخرين.
وقال مسؤولون هنود: إن منفذي الهجوم "جاءوا من باكستان"، فيما اتهمت إسلام آباد الجانب الهندي بممارسة حملة تضليل ضدها.
وقررت الهند تعليق العمل بـ"معاهدة مياه نهر السند" لتقسيم المياه، عقب الهجوم، وطالبت دبلوماسيين باكستانيين في نيودلهي بمغادرة البلاد خلال أسبوع.
كما أوقفت الهند منح تأشيرات للمواطنين الباكستانيين وألغت جميع التأشيرات الصادرة سابقا.
من جانبها، نفت باكستان اتهامات الهند وأعلنت أنها ستعد أي تدخل في الأنهار خارج معاهدة مياه نهر السند "عملا حربيا"، وعلقت كل التجارة مع الهند وأغلقت مجالها الجوي أمامها.

لمسات خارجية
واتهمت الهند السلطات الباكستانية بالمسؤولية عن الهجوم، حيث أعلنت جماعة "جبهة المقاومة" مسؤوليتها عن الاعتداء، وقد تأسست هذه الجماعة في عام 2019 بعد قرار الحكومة الهندية إلغاء المادة 370 من الدستور، التي كانت تمنح إقليم جامو وكشمير حكما ذاتيا خاصا.
وحسب التقرير، تعد السلطات الهندية هذه الحركة فرعا أو غطاء لجماعة "لشكر طيبة"، المتمركزة في باكستان (المصنفة إرهابية والمحظورة في روسيا)، ووفقا للشرطة الهندية، حددت هوية اثنين من الإرهابيين، وكلاهما مواطن باكستاني.
"من جانبها، نفت السلطات الباكستانية بشدة أي تورط في النزاع، بينما لم تقدم الهند حتى الآن أدلة كافية تثبت تورط إسلام أباد في الحادث"، وفقا للتقرير.
وفور وقوع الهجوم، أعلنت الهند اتخاذ سلسلة من الإجراءات الصارمة، فعلقت السلطات الهندية العمل باتفاقية مياه نهر السند الموقعة عام 1960، وقلصت إمدادات المياه إلى باكستان، مما قد يتسبب في الجفاف بالمنطقة.
ونقلت وكالة "أنباء آسيا الدولية" عن مصادرها أن وزارة الداخلية الهندية، تحث حكام الولايات على ترحيل جميع المواطنين الباكستانيين إلى بلادهم.
ردا على ذلك، أغلقت السلطات الباكستانية المجال الجوي أمام طائرات الشركات الهندية ومعبر "واغا" الحدودي، كما أصدرت السلطات الهندية أوامر بتعليق فوري لإصدار التأشيرات للمواطنين الباكستانيين، وتم إلغاء التأشيرات الممنوحة مسبقا اعتبارا من 27 أبريل 2025.
كما أعلنت لجنة الأمن القومي الباكستانية أن إسلام آباد ستوقف جميع التبادلات التجارية مع الهند، وستغلق المجال الجوي أمام شركات الطيران الهندية.
بدوره، صرح وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف أن "باكستان لن تبادر إلى أي عمليات عسكرية ضد الهند ما لم يكن هناك تصعيد من الجانب الهندي".
وأضاف: "ليس لدينا أي نية لاتخاذ أي إجراء، لكن إذا كان هناك أي فعل من الهند، فسيكون هناك رد، وسيكون الرد متناسبا مع الفعل".
في المقابل، أعلنت القوات البحرية الهندية عن إجراء مناورات "ناجحة لإطلاق النار المضاد للسفن" في بحر العرب، بهدف إظهار جاهزية الأطقم والأنظمة والمنصات لتنفيذ ضربات دقيقة بعيدة المدى.

تورط أميركي
ورأى الموقع الروسي أن "وسائل الإعلام العالمية تجاهلت حقيقة أن التصعيد بين الهند وباكستان حدث مباشرة بعد زيارة نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس إلى الهند".
في ذات الوقت، أشار التقرير إلى أن "باكستان تعد الحليف العسكري الأقرب لبكين، وجسر آمن للصين نحو النفط الإيراني، الذي قد لا تسمح الولايات المتحدة والهند بمروره بحرا إذا وصلت المواجهة بين الصين وأميركا إلى مستوى جديد".
مضيفا: "تعد باكستان أكبر مشتر للأسلحة الصينية، والصين هي الشريك التجاري الأكبر لباكستان".
وألمح التقرير إلى ضلوع واشنطن في إشعال التوتر بين الهند وباكستان، فقال: “عندما تتعثر جهود الولايات المتحدة في المسار الأوكراني، حيث تفقد إدارة ترامب نقاطا بوضوح، وتخسر فعليا الحرب الجمركية، فلماذا لا تحاول استخدام الهند لتوجيه ضربة إلى الممر الصيني نحو الشرق الأوسط؟”
وتابع: "هذا من شأنه أن يجبر الصين على أن تكون أكثر مرونة في المفاوضات، وليس بكين فقط، بل وجارة باكستان الأخرى، إيران".
وحذر من أن "الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الهند، والتي أدت إلى قطع المياه عن نهر السند إلى المناطق القاحلة في باكستان لأول مرة منذ عام 1960، تجبرنا على أن نأخذ على محمل الجد التصريحات التي أدلى بها الجيش الباكستاني بأن الصراع قد يتصاعد إلى صراع نووي، وبالتأكيد ليس الآن وليس غدا".
ورجح أن "يكون الصراع بين واشنطن وبكين عاملا رئيسا في تصعيد التوترات"، حيث رأى أن "الزناد الرئيس الذي قد يصعد الوضع إلى مستوى جديد هو التنافس المتزايد بين الولايات المتحدة والصين، وإمكانية نشوب حرب بالوكالة أخرى واسعة النطاق على طول طريق البضائع الصينية إلى أوروبا والنفط الشرق أوسطي إلى الصين".
وشدد على أن "نزاعا نوويا (أو حتى غير نووي) بين قوتين؛ الهند وباكستان، اللتين تربطهما بروسيا علاقات جيدة، ليس في مصلحة الكثيرين، خاصة إذا كان يُغذى من وراء المحيط".
واستطرد: "ففي حالة التصعيد النووي، ستواجه الصين والهند والشرق الأوسط وحتى أوروبا كارثة بيئية، بينما لن تتأثر الولايات المتحدة".
وأوضح الموقع أن "هذا الصراع الجديد، يبرز أهمية مفهوم إطار الأمن الأوراسي ويختبر فعالية منظمة شنغهاي للتعاون كآلية لحل النزاعات في أوراسيا بجهودها الذاتية".

ضربة انتقامية
وأفاد التقرير الروسي بأن "الوضع على الحدود بين الهند وباكستان في إقليم جامو وكشمير المتنازع عليه، لا يزال متوترا للغاية".
فقد شهدت ليلة 27 أبريل/ نيسان 2025 الجولة الثالثة من الاشتباكات المسلحة على خط السيطرة بين البلدين، ووفقا لوسائل إعلام هندية، وقعت الاشتباكات في مناطق توتماري-غالي ورامبور.
في ضوء هذا التصعيد، تناول الموقع آفاق الرد العسكري الهندي المحتمل على باكستان، حيث يعتقد أليكسي كوبريانوف، مدير مركز منطقة المحيط الهندي في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية (IMEMO) الروسي، أن التوتر بين الهند وباكستان "سيستمر في المدى القريب".
مضيفا: "من المرجح جدا أن تُستخدم أسلحة أثقل تدريجيا، على الأرجح، ستكون مدفعية أو هاونات، أو كلاهما معا".
وقد رصد التقرير "انتشار مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر قيام باكستان بنقل مدفعية ثقيلة ومدافع هاوتزر ذاتية الدفع إلى الحدود".
ورجح الخبير "استمرار الاشتباكات بالأسلحة الخفيفة، لكن دون تغييرات جوهرية أو تجاوز للحدود، ولن تكون هناك عمليات عسكرية باستخدام وحدات كبيرة."
ووفقا لتقديرات المحلل: "من المحتمل أن تشن الهند (ضربة انتقامية)، لكن التوقيت وطبيعة هذه الضربة لا تزال غير واضحة".
في هذا الصدد، أشار الموقع الروسي إلى أن صحيفة "إنديان إكسبريس" الهندية ذكرت سابقا خططا لتنفيذ مثل هذه الضربة.
وتوقع المحلل السياسي أن "تُستخدم طائرات مسيرة أو قنابل موجهة، ومن المرجح أن تستهدف الضربات معسكرات تدريب المسلحين".
وقدًر أن "التصعيد سيهدأ عندما تتمكن كل جهة من تفسير ما حدث على أنه نصر لها."

حجم القدرات العسكرية
ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح شكل هذا النزاع المسلح"، يقول الموقع.
ويضيف: وفقا لتصنيف (جلوبال فاير باور Global Fire Power) الذي يقيّم القدرات الدفاعية للدول، تبلغ النفقات العسكرية الهندية 75 مليار دولار، أي عشرة أضعاف ميزانية الدفاع الباكستانية (7.64 مليار دولار).
وأردف: "كما تتفوق الهند بشكل كبير في عدد أفراد القوات المسلحة، 1.45 مليون جندي مقابل 654 ألفا في باكستان، بالإضافة إلى ذلك، تمتلك الهند عددا أكبر من الطائرات والدبابات".
وبحسب التقرير الروسي، "يتفوق الجيش الباكستاني على نظيره الهندي في مؤشرين فقط، عدد أنظمة المدفعية ذاتية الدفع ومنصات إطلاق الصواريخ".
"ومع ذلك، فإن الترسانات النووية للبلدين متقاربة، فوفقا لمصادر مفتوحة، تمتلك الهند 180 رأسا نوويا، بينما تمتلك باكستان 170 رأسا نوويا"، كما أفاد الموقع.
ونقل التقرير عن محللين غربيين "تأكيدهم أن افتقار الهند إلى المعدات الحديثة قد يمنع نيودلهي من التصعيد، ففي عام 2018، صنف تقرير برلماني 68 بالمئة من المعدات الهندية على أنها قديمة، و24 في المائة حديثة، و8 في المائة فقط فائقة الحداثة".
وتابع: "وبعد خمس سنوات، أقر مسؤولون عسكريون في تقرير محدث بأن التغييرات لم تكن كبيرة، لكن نسبة المعدات الحديثة تضاعفت".

سبل التسوية السلمية
أما عن سبل التسوية السلمية للنزاع، أوضح التقرير أن الهند وباكستان "لم ينجحا في حل النزاع الإقليمي على مدى عقود طويلة، حيث تتكرر الاشتباكات في كشمير منذ عام 1947".
مع ذلك، لم يستبعد التقرير جنوح الطرفين للحل السلمي، قائلا: "من المرجح أن يختار الطرفان حلا سلميا للنزاع، وهو ما تحثهما عليه دول مجاورة".
ووفقا له، "عرضت طهران بالفعل خدمات الوساطة لإيجاد مخرج للأزمة، كما تتابع الصين الوضع عن كثب، حيث أكد وزير الخارجية الباكستاني محمد إسحاق دار، في اتصال هاتفي مع نظيره الصيني وانغ يي، أن إسلام آباد دائما ما تقاوم الإرهاب بحزم وتعارض أي أعمال قد تؤدي إلى التصعيد".
وقال دار: “باكستان ملتزمة بالتعامل مع الوضع بحكمة ومسؤولية، وستواصل التنسيق مع الصين والمجتمع الدولي.”
ومع ذلك، أشار أليكسي كوبريانوف إلى أن "باكستان، كونها الطرف الأضعف، غالبا ما تلجأ إلى دول ثالثة، على عكس الهند التي لا تهتم بأي وساطة، ولا ترى ضرورة لها".
وأضاف: "رغم أن باكستان أعلنت سابقا أنها تحتفظ بحق تعليق اتفاقية شيملا لعام 1972، التي تنص على حل الخلافات الثنائية دون تدخل طرف ثالث، إلا أن الهند لا تعتزم تعليقها".
وأكمل التقرير: "ومع أن رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف أكد أن باكستان منفتحة على أي تحقيق دولي محايد في هجوم باهالغام، لكن، وفقا للمحلل، لا تملك أي دولة نفوذا كافيا على إسلام آباد، أو القدرة على ضمان أمن الهند".
وتابع: "منذ الهجوم، حظي رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي بدعم لاعبين سياسيين كبار، فقد أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن تضامنه مع نيودلهي في اتصال هاتفي، كما أدان رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا الهجوم، وأدانته الولايات المتحدة، وعبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تعازيه".
وبالرغم من التصعيد المتبادل بين البلدين أبدى كوبريانوف تفاؤله، مرجحا تمكّن الطرفين من إيجاد حل للأزمة على أساس ثنائي.
مشيرا إلى أن "الهند وباكستان نجحتا، في مارس/ آذار 2019، في تسوية تصعيد آخر بعد أن سلمت إسلام آباد الطيار الهندي أبهيناندان فارثامان، الذي أُسقطت طائرته فوق الجزء الباكستاني من كشمير".