مواجهة بين الحكومة والجمعيات.. لماذا أثار تعديل "القانون الجنائي" الجدل في المغرب؟

منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

جدل واسع وصراع سياسي وقانوني في المغرب، حول مشروع إصلاح "القانون الجنائي" الذي تقدّم به وزير العدل عبد اللطيف وهبي.

وقالت مجلة "جون أفريك" الفرنسية، إن "المشروع أثار موجة انتقادات بسبب القيود الصارمة التي يفرضها على الجمعيات والمنظمات غير الحكومية في تتبع قضايا الفساد". 

وفي الوقت ذاته، يرى العديد من الناشطين الحقوقيين والمؤسسات الدستورية أن المشروع “يهدّد أسس المشاركة المدنية والشفافية”، ويطرح تساؤلات جوهرية حول "مستقبل الحريات ودور المجتمع المدني في مكافحة الفساد بالمغرب".

تغيير خطير

ووصفت المجلة المشهد قائلة: إن "معركة قانونية شرسة تدور بين وزير العدل وثلاث مؤسسات استشارية، تتمحور حول المادتين 3 و7 من مشروع إصلاح القانون الجنائي، والذي يناقشه حاليا البرلمان، ويعيد تعريف دور المجتمع المدني في مكافحة الفساد".

وذكرت أنه "منذ أكثر من ثلاث سنوات، يقود الوزير وهبي هذا التعديل الكبير، متحديا بشكل مباشر آراء كل من (المجلس الوطني لحقوق الإنسان) و(المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي) و(الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرّشوة ومحاربتها)".

وفي هذا السياق، تساءلت المجلة: “لماذا تثير هاتان المادتان هذا الجدل؟”

وأجابت موضحة أن "المادتين في الواقع تفرضان قيودا شديدة على قدرة المنظمات غير الحكومية في رفع دعاوى قضائية تتعلق بالفساد أو باختلاس الأموال العمومية". 

فبحسب مشروع القانون، وحدها المؤسسات الرقابية -مثل المفتشيات العامة للمالية والوزارات المعنية، أو بناء على إحالة من الهيئة الوطنية للنزاهة أو من أي هيئة مخولة صراحة بموجب القانون- هي التي يمكنها إحالة الملفات إلى النيابة العامة من أجل تحريك المتابعة القضائية.

أما الجمعيات المعترف بها كجمعيات ذات منفعة عامة، "فلن تتمكن من التعامل كطرف مدني إلا إذا كانت قائمة منذ أربع سنوات على الأقل قبل وقوع الجريمة، وبعد الحصول على إذن من وزارة العدل"، وفق ما ورد عن المجلة.

وفي هذا الصدد، أكدت أن "هذا تغيير قانوني جذري، يراه البعض بمثابة ثورة، لكن يعده آخرون تراجعا خطيرا".

وفي 23 أبريل/ نيسان 2025، أصدر "المجلس الوطني لحقوق الإنسان" مذكرة تضم أكثر من 100 توصية، من بينها "الدعوة إلى حذف شرط الإذن المسبق للجمعيات" و"تبسيط الإجراءات التي تتيح لها اللجوء إلى القضاء". 

وبحسب المجلة، حذر المجلس من أن "حرمان الجمعيات من هذه المبادرة سيعادل خنق رافعة أساسية في محاربة الفساد، وهي رافعة كرستها المعايير الدولية والدستور المغربي، لا سيما الفصل 12". 

وأضافت: "من ناحية أخرى، دعا المجلس إلى نموذج أكثر انفتاحا، يقوم على استبدال شرط الاعتراف بالمنفعة العامة بمعيار الأهلية القانونية وتسهيل مشاركة الجمعيات المتخصصة وحذف شرط مدة التأسيس".

وفي اليوم السابق، أي 22 أبريل 2025، أوضحت "جون أفريك" أن "رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، عبد القادر اعمارة، عبر عن موقفه أمام البرلمان، مؤكدا على ضرورة حماية حق الجمعيات في التبليغ عن الجرائم المالية". 

ولفتت المجلة إلى أن المجلس استند إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ويرى أن "المادتين 3 و7 تمثلان خرقا لالتزامات المملكة"، ومحذرا من "المساس بالديمقراطية والشفافية".

لا يتراجع

وفي اليوم نفسه، وفي ذات القبة البرلمانية، اختار رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، محمد بنعليلو، التذكير بمضامين الخطاب الملكي في 30 يوليو/ تموز 2016، الذي جعل من مكافحة الفساد واجبا للدولة. 

ورأى أن "تقليص صلاحيات النيابة العامة يعد عرقلة للعمل القضائي لفائدة تقديرات إدارية صرفة، بعيدة عن الغاية الجنائية". 

علاوة على ذلك، انتقدت هيئته العائق الذي يضعه المشروع أمام المبلغين، مما يحرم القضاء من مصادر موثوقة وأساسية للمعلومة.

ولكن كما أكدت المجلة، فإن الوزير وهبي "لا يتراجع"؛ ففي 25 أبريل 2025، وأثناء جلسة برلمانية عاصفة، وجه الوزير انتقادات حادة لما وصفه بـ"نزعة تدخل" من قبل المؤسسات الاستشارية.

وتساءل بغضب: “هل لها الحق في تعديل القانون وفي فرض نفسها على البرلمان؟”

وبالنسبة له، البرلمان وحده هو من يملك السيادة التشريعية، وأي محاولة لتوجيه عمله من طرف مؤسسات أخرى -مهما كانت دستورية- تُعد "انحرافا خطيرا". 

وفي تلميح مبطن، على حد وصف المجلة، حذر وهبي من أن "التفسير القضائي قد يتحول إلى تهديد للديمقراطية".

وتساءل: "من يستطيع أن يدعي معرفة نية المشرع؟"، في هجوم نظري على تزايد الطعون القضائية ضد المنتخبين السياسيين.

ودق أستاذ القانون الجنائي بجامعة سيدي محمد بن عبد الله في مدينة فاس، خالد الولي العلمي، ناقوس الخطر، فبالنسبة له، يتجاوز الأمر "مجرد تعديلات تقنية".

مساس خطير

ويرى في حديث لـ"جون أفريك" أن اشتراط اعتراف الجمعيات بصفة "المنفعة العامة" وحصولها على إذن مسبق من وزارة العدل لرفع دعاوى، “يُعد تقييدا جوهريا للديمقراطية التشاركية”.

وكما أوضحت الصحيفة، فإن العلمي أكد أن تبرير هذه القيود بذريعة محاربة "الشكاوى التعسفية" يمثل تشويها خطيرا لروح القانون المغربي والتزامات المملكة الدولية.

وأشار إلى أن "اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي صادق عليها المغرب عام 2007، تدعو بالعكس إلى تعزيز دور الجمعيات في الوقاية والتبليغ عن الجرائم الاقتصادية".

ومن جهة أخرى، لفت الخبير إلى أن "مشروع القانون يقترح كذلك تصفية الشكاوى ضد المنتخبين أو الموظفين عبر الإدارة، مما يحول النيابة العامة إلى (مجرد أداة لنقل قرارات سياسية)، وهو ما يشكل قطيعة صريحة مع مبدأ استقلال السلطة القضائية، المكرس في الفصل 107 من الدستور".

وأضاف قائلا بهذا الشأن: "إلزامية مرور أي شكاية ضد منتخب عبر تصفية إدارية يمثل تراجعا خطيرا؛ لأن الجهة الوحيدة المخول لها تقدير مدى قبول الشكاية هي القضاء، وليس الوزارات".

وأمام هذا التحول المقلق، لفتت المجلة النظر إلى أن مؤسسات الحكم سارعت إلى الرد. 

ورفض المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بطلب من البرلمان، فكرة إغلاق الباب الإداري في وجه الجمعيات، دفاعا عن المشاركة المواطنة في الشأن العام. 

كما عبر عن نفس الموقف كل من المجلس الوطني لحقوق الإنسان والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، والتي أكَّدت، مستندة إلى استقلاليتها الدستورية، أن "حماية المبلغين وتشجيع اليقظة المدنية تقع في صميم الالتزامات الدولية للمغرب". 

وفي هذا الإطار، أضاف أستاذ القانون أن هناك هيئة رابعة يستحسن الاستماع لرأيها؛ وهي اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد "CNAC".

جدير بالإشارة إلى أنها رغم تبعيتها لرئاسة الحكومة، إلا أنها، بحسب العلمي، مطالبة بالعمل على احترام مبادئ الشفافية والحكامة الجيدة.

وختم حديثه بالقول: إنه "لا شك لديه في ضرورة إحالة المادتين 3 و7 إلى المحكمة الدستورية". 

وتابع مؤكدا: "أمام هذا المساس الخطير بالمبادئ الأساسية، فإن اللجوء إلى المحكمة ليس فقط مرغوبا فيه بل ضروريا.. إنه السبيل الوحيد لحماية التوازن الهش بين دولة القانون والفعالية السياسية".