الجزائر تتجه نحو "التعبئة العامة".. أي علاقة للجوار الملتهب في المغرب ومالي؟

منذ الاستقلال، لم تعلن الجزائر حالة التعبئة العامة سوى مرتين فقط
بين من يرى أنه جاء لمتطلبات الأمن القومي بالبلاد، ومن يرى أنه رسالة مبطنة لدول الجوار، تعددت آراء المراقبين لقرار الجزائر إصدار قانون يتعلق بالتعبئة العامة، مع ما للمقترح من دلالات عسكرية وسياسية.
حيث صادق مجلس الوزراء الجزائري برئاسة عبد المجيد تبون، بتاريخ 20 أبريل/نيسان على مشروع قانون يتعلق بـ "التعبئة العامة"، والذي يستند إلى المادة 99 من الدستور، يهدف إلى "تحديد الأحكام المتعلقة بكيفيات تنظيم وتحضير وتنفيذ التعبئة العامة".
وتنص هذه المادة على أنه "لرئيس الجمهورية أن يقرر التعبئة العامة في مجلس الوزراء بعد الاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن، واستشارة رئيس مجلس الأمة، ورئيس المجلس الشعبي الوطني".
عرض برلماني
من جانبه، عرض وزير العدل، حافظ الأختام لطفي بوجمعة، أمام لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات بالمجلس الشعبي الوطني، في 30 أبريل، مشروع قانون التعبئة العامة، يتضمن أحكاما شاملة تهدف إلى تعزيز قدرة الدولة على مواجهة التحديات الأمنية والدفاعية.
وأكد الوزير، وفق موقع "أخبار الجزائر"، أن مشروع القانون يتكوّن من 69 مادة موزعة على سبعة محاور رئيسة، ويُدمج في مضمونه جميع القطاعات بما فيها المجتمع المدني، دون الاقتصار فقط على المؤسسات العسكرية، وهو ما يعكس مقاربة شاملة تشرك مكونات الدولة كافة في جهود التعبئة.
وأوضح بوجمعة أن هذا النص التشريعي يأتي استجابة لأحكام المادة 99 من الدستور، والتي تنص على تنظيم التعبئة العامة، حيث يسعى المشروع إلى توضيح مفهوم التعبئة وأهدافها، بما يسمح ببناء منظومة قانونية متكاملة تستجيب للتحديات الراهنة.
وأشار وزير العدل إلى أن مشروع القانون يندرج ضمن جهود الدولة لتعزيز القدرة الدفاعية للأمة، في ظل التهديدات المباشرة التي تمسّ استقرار البلاد، مؤكدا أن تعزيز الجاهزية الوطنية لم يعد خيارا بل ضرورة في سياق الأوضاع الإقليمية والدولية المتقلبة.
وتضمن مشروع القانون عقوبات صارمة تشمل الحبس والغرامات، خصوصا ضد الأفراد الذين يسيئون استخدام الممتلكات المسخرة لأغراض التعبئة أو يمتنعون عن تقديم المعلومات المطلوبة من قبل السلطات.
كما يُعاقب كل من ينشر معلومات من شأنها التأثير السلبي على سير التعبئة العامة أو يمتنع عن تبليغ الجهات المختصة عن الأفراد المشبوهين، إضافة إلى أحكام بالحبس ضد مروّجي الأخبار الكاذبة والمضللة التي قد تخلق الفوضى أو تهدد الأمن القومي، خصوصًا خلال سير العمليات العسكرية أو التعبوية.
وأكد بوجمعة أن القانون يقترح أيضا عقوبات ضد من يرفضون الامتثال لأوامر الاستدعاء في حالة التعبئة العامة، في مسعى لضمان التزام الجميع بواجبات الدفاع الوطني في الظروف الاستثنائية.
ومنذ الاستقلال، لم تعلن الجزائر حالة التعبئة العامة سوى مرتين فقط، في حرب الرمال سنة 1963 وفي العشرية السوداء.

متغيرات دولية
وتفاعلا مع الخطوة، قال خبير التخطيط الإستراتيجي والعلاقات الدولية محمد شريف ضروي، إن الجزائر تعيش العديد من التهديدات على غرار كل الدول العربية والإفريقية وحتى المتوسطية.
وأضاف لـ"الاستقلال"، أن "الوضع والمتغيرات الدولية أصبحت تتسارع، ولكن بطرق متعاكسة، مما يحدث صدامات كبيرة بين الدول الكبرى والنامية وكل بلدان العالم".
وأوضح أن "المتغيرات الدولية ما بين الشرق والغرب، إلى جانب الصدامات العسكرية والأمنية، وحروب الوكالة خاصة في المنطقتين العربية والأفريقية، التي تمثّل الجزائر نقطة التقاء فيها، هي أهم الأسباب التي تجعلها مستهدفة".
وأشار الخبير الجزائري إلى تأثيرات الصدام التجاري الأميركي الصيني والتقارب الروسي الأميركي التي قد تكون لها تأثيرات غير مباشرة على الجزائر.
ونوه إلى نوع آخر من التهديدات المباشرة ضد الجزائر، على غرار تغيرات مختلفة على الحدود والإقليم، والعمق الإستراتيجي للدولة الجزائرية شرقا وغربا وجنوبا، وحتى شمالا الآن، في ظل ما يمكن وصفه بـ "الشيطنة الدبلوماسية" وأزمات دبلوماسية مع المستعمر القديم فرنسا.
كما تطرق إلى ما وصفه بـ "تحرك العديد من الدول للمساس بمصالح الجزائر الحيوية وعمقها الإستراتيجي وحدودها الترابية المباشرة"، مشيرا إلى حادثة الطائرة المسيرة (الدرون) التي أسقطتها الجزائر عند محاولتها الثالثة لاختراق الأجواء الجزائرية، فتحولت لأزمة مباشرة مع دولة مالي.
واسترسل، إلى جانب "إسرائيل التي أصبحت تهديدا مباشرا لاستقرار المنطقة والجزائر".
وخلص إلى أن هذه التهديدات، في مجملها، تفسر اللجوء إلى إقرار قانون التعبئة العامة، استعدادا لكل الاحتمالات الممكنة، في ظل عالم متغير ومنطقة متفاعلة باستمرار.
دعوة للنقاش
من جانبه، دعا حزب "الاتحاد من أجل التغيير" المعارض، الرئيس عبد المجيد تبون عبر رسالة نشرتها رئيسته المحامية زبيدة عسول إلى مناقشة القرار في إطار "لقاء وطني يجمع السلطات وكل القوى الحية في البلاد".
وأوضحت عسول في رسالة مفتوحة للرئيس تبون، 24 أبريل 2025، أن قرار التعبئة العامة إن كان يعد إجراء استثنائيا ونــــادرا، فإنه يبقى قرارا سياسيا وسياديا قبل أن يكون قانونيا، مما يستوجب مرافقته بمبادرة سياسية تكون في مستواه.
وتابعت، "وبما أن قرار التعبئة العامة لا يعني فقط المؤسسات الأمنية ومختلف المرافق العمومية ومقدرات البلاد الاقتصادية والاجتماعية، بل يعني أيضا كل مواطن ومواطنة داخل وخارج الوطن، فإن هذا يتطلب عقد لقاء وطني يجمع السلطات وكل القوى الحية في البلاد من أحزاب سياسية وشخصيات وطنية ومجتمع مدني وممثلين عن جاليتنا في الخارج مادامت المسألة تتعلق بمصير البلاد ومستقبل أجيال بكاملها".
وأضافت مخاطبة الرئيس: "لقد سبق أن أعلنتم في بداية السنة عن حوار مع الأحزاب السياسية، وها هي الفرصة مواتية لإجراء هذا الحوار بغية إدخال الطمأنينة على قلوب المواطنين، وبعث الارتياح لدى شركاء الجزائر من دول ومؤسسات ومستثمرين وطنين وأجانب".
ودعت عسول الرئيس إلى أن لا يضيع هذه الفرصة لعقد لقاء وطني جامع تحت إشرافه للاستماع إلـى شركــائه فـي الوطن، قصد الوصول إلى تحديد أهداف مشتركة لمواجهة تحديات هذا القرن، وزرع الأمل في قلوب المواطنين بمستقبل أفضل.
وجهة نظر مغايرة
ومقدما وجهة نظر مغايرة، قال فتحي غراس، المنسق الوطني للحركة الديمقراطية والاجتماعية الجزائرية، إن "قانون التعبئة العام هو رد مباشر من النظام على مطالب الحرية والديمقراطية التي رفعها الجزائريون خلال الحراك الشعبي".
ورأى غراس في مداخلة على قناة "المغاربية"، 30 أبريل 2025، أن "نظام بلاده يعمل بصفة واضحة على قمع الجزائريين وقمع مطالبهم بالحرية والديمقراطية…".
وشدد المعارض الجزائري أن "كل ممارسات النظام تُقرأ بعلة ومرجعية واحدة وهي عدم تكرار الحراك الشعبي"، مخلصا إلى أن المراد "هو القضاء على أحلام الجزائريين في الحرية والديمقراطية".
من جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري إسماعيل حمودي، أن قانون التعبئة العامة الجزائري ليس مرادفا للتجنيد أو الحرب بالضرورة.
وأضاف حمودي في تدوينة نشرها عبر فيسبوك، في 22 أبريل 2025، لأنه من المرجح أنه يندرج ضمن مسار تقوية الإطار التشريعي، بما يسمح لصانعي القرار هناك تأهيل وإعداد الدولة والمجتمع لكل الحالات الاستثنائية.
واسترسل: "سواء تعلق الأمر بحرب، أو بأي وضعية استثنائية أخرى مثل حالة وباء، أو كارثة طبيعية أو أي خطر أو تهديد داخلي أو خارجي... فهي خطوة تنطوي على الإعداد ورفع الجاهزية لكل الاحتمالات الممكنة".
وأضاف، القراءة الثانية لهذه الخطوة أنها مرتبطة بالسياق الإقليمي، حيث إن الجزائر تبدو مطوقة بعدد من الضغوط الأمنية والسياسية، وهي ضغوط في حالة تصاعد ومفتوحة على كل الاحتمالات، خصوصا بعد ارتفاع حدة التوتر على حدودها الجنوبية مع مالي.
وتابع الأستاذ الجامعي، وأما القراءة الثالثة فمرتبطة بتوقعات القيادة الجزائرية، حيث يمكن القول إن مشروع قانون التعبئة العامة تعبير عن حالة قلق لدى صانعي القرار، وهو القلق الذي عبّر عنه أخيرا الرئيس عبد المجيد تبون في حوار تلفزيوني، حين أشار إلى وجود مخطط عدائي لتطويق الجزائر من الشرق والجنوب.
وخلص إلى أن "هذا الشعور السلبي بالقلق اتجاه تطورات المحيط الإقليمي يدفع صانع القرار الجزائري إلى الانخراط في قرارات سياسية احترازية واستباقية، قد يكون الغرض منها رفع الجاهزية العامة، وربما التفاوض، كما الاستعداد للمواجهة".
تحديدات عديدة
وتواجه الجزائر تحديات سياسية ودبلوماسية على حدودها من جميع الجهات. أزمة دبلوماسية غير مسبوقة مع فرنسا شمالا، وتوتر سياسي مع مالي في الجنوب، وعلاقات مقطوعة مع الرباط على حدودها الغربية، وتهديدات أمنية على الحدود مع ليبيا في الجنوب الشرقي.
ويردد المسؤولون الجزائريون منذ سنوات بأن بلادهم محاطة "بحزام من التهديدات"، وبأنها "مستهدفة من الأعداء" بسبب "مواقفها وقرارتها السيادية".
وعبّرت عن ذلك مجلة "الجيش"، الصادرة عن وزارة الدفاع الوطني، في افتتاحيتها لشهر يناير/كانون الثاني 2025، بقولها: "إن المشهد واضح كل الوضوح، ولا يتطلب تفكيرا طويلا، وتحليلا عميقاً حتى ندرك خبث نوايا أعداء الجزائر".
قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب في عام 2021. واتهمت جارتها الغربية بتدبير "أعمال عدائية" ضدها، بعد اندلاع حرائق غابات مدمرة، في العديد من مناطق البلاد. ووصفت السلطات الجزائرية تلك الحرائق بأنها إجرامية، ومدعومة من الخارج. وهو ما نفته الرباط.
كما زادت حدة التوتر بين البلدين في ظل عودة العلاقات بين المغرب وإسرائيل، وتحول الأخيرة إلى المزود الثالث للمغرب بالأسلحة بعد الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.
وتنفي الرباط أن يكون تقاربها العسكري مع إسرائيل موجها ضد أمن الجزائر أو مصلحتها. وهو ما عبر عنه العاهل المغربي، الملك محمد السادس، في خطاب العرش في عام 2023، إذ قال: "نؤكد مرة أخرى لإخواننا الجزائريين أن المغرب لن يكون مصدر شر أو سوء".
وبشأن مالي، تصاعدت حدة الخلاف بعدما أسقطت الدفاعات الجزائرية مسيرة عسكرية مالية، في ليلة أول أبريل\نيسان 2025، قالت: إنها اخترقت حدودها الجنوبية، بمنطقة تين زواتين، الأمر الذي دفع مالي والنيجر وبوركينافاسو إلى سحب سفرائها من الجزائر.
وتعمق الخلاف بين البلدين، بعدما جلبت السلطات العسكرية في باماكو قوات من مرتزقة فاغنر الروسية إلى شمال البلاد. وشرع الجيش المالي منذ بداية من 2023 في شن هجمات مشتركة مع قوات فاغنر في المناطق المحاذية للحدود الجزائرية.
كما تشترك الجزائر مع ليبيا في 989 كيلومتر من الحدود. وتخشى، مثلما تخشى دول الجوار الأخرى، من تسلل الجماعات المسلحة إلى أراضيها، ومن تهريب السلاح، عبر الحدود الليبية في غياب سلطة مركزية، وأجهزة أمنية قادرة على مراقبة وضبط الحركة بين البلدين.

متابعة دولية
دوليا، قالت وكالة الأنباء العالمية "أسوشيتد بريس" إن مشروع قانون "التعبئة العامة" الذي اقترحته الحكومة الجزائرية، أثار قلقا واسعا في صفوف المواطنين، في وقت تشهد فيه البلاد توترا متصاعدا مع الجارة الجنوبية مالي، وسط مؤشرات على احتمال انزلاق الأوضاع إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين الطرفين، بالإضافة إلى أزمات الجزائر مع المغرب وفرنسا.
وذكرت وكالة "أسوشيتد برس"، في 30 أبريل 2025، أن الحكومة الجزائرية صادقت على مشروع هذا القانون في ظل تحركات ميدانية متواصلة لرئيس أركان الجيش، سعيد شنقريحة، نحو المناطق الحدودية للإشراف على مناورات عسكرية.
كما يأتي هذا التحرك، حسب الوكالة ذاتها، بعد إعلان الجيش الجزائري إسقاط طائرة مسيّرة قرب الحدود مع مالي، في أول حادثة من نوعها بين البلدين اللذين يسيطران على أجزاء واسعة من منطقة الساحل والصحراء.
وأضافت الوكالة، التوتر مع مالي ليس معزولا، بل يتقاطع مع أزمة دبلوماسية مستمرة بين الجزائر وفرنسا، والتي وصلت إلى ذروتها بعد أن أعلنت باريس دعمها لخطة الحكم الذاتي المغربية لحل نزاع الصحراء.
وتأتي هذه التطورات بعد أيام من صدور تقرير لمجموعة الأزمات الدولية، حذر من أن الأزمة الحالية بين الجزائر ومالي قد تتطور إلى مواجهة عسكرية مفتوحة، خاصة في ظل غياب التنسيق الأمني بين البلدين، واستمرار استخدام الطائرات المسيّرة في العمليات العسكرية شمال مالي.
وجاء في التقرير أن الجزائر "فقدت فرصة إستراتيجية لتعزيز نفوذها في الساحل"، عقب انسحاب القوات الفرنسية من عملية برخان في نوفمبر/تشرين ثاني 2022، حيث فضّلت مالي توثيق تحالفها مع روسيا بدلا من التعاون مع الجزائر كشريك أمني رئيسي.
وسجّل التقرير أيضا قلق الجزائر من تدفقات اللاجئين، ومن تصاعد أدوار إقليمية جديدة في المنطقة، مثل تركيا وإيران والمغرب، مشيرا على الخصوص إلى التقارب الأمني اللافت بين الرباط وباماكو، والذي تُوّج بعقد أول اجتماع للجنة العسكرية المشتركة بين البلدين في فبراير/شباط 2025.
كما نبّه التقرير إلى أن القطيعة الدبلوماسية بين الجزائر ومالي تُقلل من فرص التوصل إلى حل سياسي في شمال مالي، خاصة بعد انسحاب باماكو من مسار اتفاق الجزائر، ما قد يدفع فصائل الطوارق إلى التشدد أو التحالف مع جماعات متطرفة.
واقترح التقرير عدة سبل لتفادي التصعيد، من بينها العودة إلى الحوار الدبلوماسي، وتفعيل وساطة إفريقية محايدة، مع إمكانية تعيين شخصية وازنة مثل الرئيس الغاني السابق جون ماهاما، أو إشراك جنوب إفريقيا في جهود الوساطة.
كما دعا إلى إحياء اللجنة المالية الجزائرية المشتركة التي أُنشئت سنة 2005، لتبادل المعلومات الأمنية ومكافحة الإرهاب، مع الانفتاح على دعم دولي من قوى نافذة مثل روسيا لتثبيت الاستقرار ومنع انزلاق المنطقة إلى الفوضى.