روسيا وفرنسا والصين وأميركا.. لماذا تتصارع للسيطرة على المعادن النادرة؟

منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

خلال السنوات الأخيرة، سرعت القوى العظمى سباقها من أجل السيطرة على مواقع المعادن النادرة حول العالم؛ سعيا منها لضمان توفير المواد الأساسية للسيارات الكهربائية والأسلحة والتكنولوجيا.

وفي 18 أبريل/ نيسان 2025، أعلنت وزيرة الاقتصاد الأوكرانية يوليا سفيريدينكو توقيع مذكرة تفاهم بين بلادها والولايات المتحدة بشأن اتفاقية المعادن الأرضية النادرة.

وتحتوي أوكرانيا على معادن نادرة عديدة تُستخدم في التقنيات الحديثة مثل التيتانيوم والزركونيوم.

وفي السياق، قالت صحيفة إلباييس الإسبانية: إن أوروبا لها تاريخها في البحث عن المعادن النادرة في البلدان الفقيرة، خاصة في إفريقيا، سواء بالدم أو القوة الناعمة. 

لمحة تاريخية

وتعد ولاية ليوبولد الثاني، الملك البلجيكي الذي حكم ما نسميه الآن جمهورية الكونغو الديمقراطية، وكان يعاملها وكأنها إقطاعيته الشخصية في أواخر القرن 19 وأوائل القرن 20؛ خير دليل على هذا التعطش للمعادن النادرة. 

وخلال فترة حكمه، التي دامت أكثر من عقدين من الزمن، توفي ما بين 10 و15 مليون شخص، في حين أصبح أسيادهم المستعمرون أغنياء، أولا بفضل العاج ثم المطاط، الذي استخدم في صناعة إطارات أولى السيارات التي داست أراضي القارة العجوز. 

لكن، سيستمرّ الكابوس في وقت لاحق عندما يتم اكتشاف الثروة المعدنية في ذلك البلد.

لأنه تبيَّن أنها مليئة بالكوبالت (75 بالمئة مما يستهلكه العالم يتم استخراجه من أراضي البلد الإفريقي)، والكولتان (80 بالمئة من احتياطيات الكوكب موجودة في تلك الأرض)، والحديد والنيكل والمنغنيز والجرمانيوم والذهب والفضة والليثيوم. 

وعلى مدى القرن الماضي، تنافست في هذه المنطقة القوى العظمى في العالم، روسيا وفرنسا والصين والولايات المتحدة، على السيطرة على مواردها.

ونوَّهت الصحيفة إلى أن المعركة لا تزال متواصلة؛ حيث تبحث القوى العظمى في هذه المنطقة وفي أنحاء أخرى من العالم عن المعادن النادرة التي تغذي تعطّشها لحياة تغزوها الرقمنة، والتي تحتاج إلى أشباه الموصلات التي تصنع اعتمادا على العديد من المعادن. 

كما تسعى هذه القوى إلى تصنيع المزيد من الأسلحة، على غرار الطائرات دون طيار، والتي تحتاج أيضا إلى هذه المعادن النادرة. 

وفي هذا السياق، فعّلت الولايات المتحدة أجندتها الاستعمارية، إلى جانب التعريفات الجمركية؛ الأمر الذي دفعها للحديث عن ضم محتمل لكندا، ومحاولة الاستيلاء على غرينلاند.

فضلا عن الضغط على أوكرانيا لقبول الأمن مقابل الموارد الإستراتيجية التي توجد على أراضيها. وهي موارد ظلت منذ فترة تحت المجهر الروسي، طمعا في الاستيلاء عليها. 

وأشارت الصحيفة إلى أن النمط ذاته يتكرر في الكونغو، التي تسعى إلى إحراز تقدم في تجارة المعادن في الوقت الذي تحاول فيه وقف انخفاض أسعار الكوبالت، التي هبطت إلى مستويات تاريخية بسبب العرض الزائد، مما دفع البلاد إلى فرض قيود على التصدير في محاولة لضمان استقرار السوق.

مقايضات أمنية

من جانب آخر، تحدث العديد من الصراعات في المنطقة، وتحوم جميعها حول المعادن النادرة. 

وفي هذا الصدد، عرض رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطي فيليكس تشيسكيدي فرص التعدين على صندوق الثروة السيادية الأميركي مقابل مساعدة بلاده في هزيمة قوات حركة 23 مارس المدعومة من رواندا، والتي تسعى إلى السيطرة على الموارد المعدنية.

وفي الأسابيع الأخيرة، وقعت الكونغو وقف إطلاق النار، لكن تم خرقه على الفور تقريبا. في هذه الأثناء، تدرس الولايات المتحدة العرض الذي قدمه البلد الإفريقي، إلا أن السيناريو لا يزال معقدا. 

في الواقع، تجمع الكونغو الديمقراطية والصين علاقات تاريخية؛ حيث قدم العملاق الآسيوي لذلك البلد، ولغيره من البلدان في القارة، الدعم المالي لبناء البنية الأساسية التي تساعد على استخراج ومعالجة المعادن الحيوية، خاصة الكوبالت. 

وتستخدم هذا المعدن شركات مثل سامسونغ، وأبل، وهواوي، ومايكروسوفت، وجوجل، وديل، وسوني، وتيسلا، وفورد، وجنرال موتورز، وبي إم دبليو، وفولكس فاجن، ودايملر كرايسلر، وغيرها من الشركات في قطاعي السيارات والتكنولوجيا.

 ووفقا لأرقام شركة الاستشارات إيد داتا، صرفت بكين أكثر من 12.8 مليار دولار في شكل قروض من المؤسسات الحكومية لدعم استخراج ومعالجة المعادن الحيوية بين سنتي 2000 و2021. 

ويعادل هذا المبلغ ما يقارب ربع الناتج المحلي الإجمالي للدولة الإفريقية. وأمام هذا الوضع، لا يبدو أن العملاق الآسيوي مستعد للتخلف عن الركب. 

ونوهت الصحيفة إلى أن الصين حافظت دائما على سياسة عدم التدخل في الصراعات الإفريقية لحماية استثماراتها، وتجنبت الانتقادات المباشرة لحكومات المنطقة. 

ولكن في مواجهة عدم الاستقرار المتزايد في الكونغو والتقدم الأميركي، اتخذت بكين موقفا أكثر حزما، وللمرة الأولى، حثّت رواندا بشكل مباشر على سحب دعمها العسكري لحركة "23 مارس".

بيادق القارة العجوز

وأشارت الصحيفة إلى أن القارة العجوز حركت بيادقها أيضا. وفي هذا الصدد، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على مسؤولين روانديين مرتبطين بالاستخراج غير القانوني للموارد الطبيعية، مما دفع الحكومة الإفريقية - التي وقع معها الاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم بشأن المواد الخام الأساسية في عام 2024 والتي تشعر بالقلق بسبب تصاعد الصراع - إلى قطع العلاقات مع بروكسل. 

وهنا يقول آدم ميجينسون، المحلل في شركة "بينشمارك مينرال انتيليجينس": "إن أوروبا، مثل الولايات المتحدة، تريد تأمين إمدادات المعادن الأساسية للتحول في مجال الطاقة".

وفي هذا السياق، أطلق البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، في 2024، آلية لاستثمار 100 مليون يورو في عمليات في مختلف الدول الأعضاء وغيرها من الدول التي وقعت معها اتفاقيات شراكة: تراوحت من كندا إلى رواندا وأوزباكستان. 

فضلا عن ذلك، وقعت بروكسل أكثر من 47 مشروعا إستراتيجيا من أجل استخراج ومعالجة وتدوير المعادن النادرة، وتغطي 10 بالمئة و40 بالمئة و25 بالمئة من طلب الاتحاد الأوروبي بحلول سنة 2030 على أبعد تقدير.

ويشير ميجينسون إلى أنه "عندما نتحدث عن التحول في مجال الطاقة، فإننا نشير بشكل أساسي إلى استخدام هذه المعادن في البطاريات، خاصة بطاريات الليثيوم أيون". 

وجدير بالذكر بأن هذه البطاريات تستعمل بالأساس في المركبات الكهربائية والهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة وطائرات الحرب دون طيار وغيرها من الأجهزة العسكرية، ولكن أيضا في أنظمة تخزين الطاقة المتجددة مثل توربينات الرياح والألواح الشمسية. 

ووفقا لشركة "بينشمارك مينرال انتيليجينس" من المتوقع أن ينمو الطلب على بطاريات الليثيوم أيون أربعة أضعاف بين سنتي 2023 و2040. 

على سبيل المثال، تتطلب بطاريات السيارات القابلة للشحن ما معدله نحو 210 كيلوغرام من المعادن النادرة لكل وحدة، وهو ما يعادل ستة أضعاف الكمية المطلوبة للسيارة التقليدية، وفقا لجولدمان ساكس، التي تستخدم أرقاما من وكالة الطاقة الدولية لإجراء هذا الحساب. 

وستكون وسائل النقل المحرك الأكبر للطلب على المعادن النادرة. 

ومن المتوقع أن تزيد احتياجات الليثيوم بنحو تسعة أضعاف بحلول سنة 2040؛ وبحسب وكالة الطاقة الدولية، فإن الطلب على النحاس سيتضاعف، وكذلك الطلب على النيكل، في حين سيتضاعف الطلب على الجرافيت أربع مرات، وقد يشهد الطلب على المعادن النادرة زيادة تصل إلى سبعة أضعاف.

بشكل عام، تمر معظم هذه المواد، وغيرها، عبر الصين، التي تتمتع بتاريخ طويل في إنتاج وتكرير المعادن الأساسية. ويعد هذا المعطى خطرا للغاية. 

ويحذر ويليام آدامز، رئيس قسم المعادن الأساسية في شركة فاست ماركتس، قائلا: "إذا حظرت الصين تصدير المعادن الأساسية، فسوف يؤدي ذلك إلى إضعاف القدرات العسكرية والصناعية للولايات المتحدة ودول أخرى". 

في المقابل، يشير آدامز إلى أن "البلدان التي لديها القدرة على المساهمة في توفير المعادن الأساسية قد تصبح بؤرا للنزاعات على الموارد".