اعتقالات وإجراءات أمنية.. هل ينجح لبنان في تحجيم نفوذ حزب الله؟

"هناك اتفاق مع رئيس مجلس النواب على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة"
أصبح لبنان الرسمي أكثر جرأة في مواجهة حزب الله بعدما تعرض لنكسة سياسية وعسكرية في البلاد بعد فتحه جبهة مساندة لقطاع غزة ضد إسرائيل.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يتعرض حزب الله لضربات شديدة من إسرائيل، وفي الوقت الراهن تحاول الحكومة اللبنانية بسط سلطتها على أنحاء البلاد كافة من أجل الحفاظ على وقف إطلاق النار.
في هذا السياق، سلطت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الضوء على عدد من الإجراءات الأمنية التي اتخذتها السلطات أخيرا؛ حيث قالت: إن "الجيش أصبح يتحرك بشكل أكثر حسما ضد المنظمة".
وتساءلت عن فرص نجاح الدولة اللبنانية في تحجيم نفوذ الحزب داخل البلاد ومدى نجاحها في نزع سلاحه، وإمكانية التطبيع بين إسرائيل ولبنان في المنظور القريب.

اعتقال مقاومين
وأشارت إلى أن "لبنان ظلّ، على مدى عقود من الزمن، بلدا تحت سيطرة مسلحي التنظيم"، مدعيا أن "قوة بيروت نمت في الآونة الأخيرة".
"وذلك بفضل العمليات الاستخباراتية الإسرائيلية المكثفة؛ مثل عملية (تفجير أجهزة البيجر) واغتيال كبار مسؤولي حزب الله، والغارات الجوية على البنية التحتية له والعملية البرية التي صدمت المنظمة الإرهابية"، بحسب تعبير الصحيفة.
بالتوازي مع ذلك، انتخب لبنان رئيسا جديدا (جوزيف عون) في يناير/ كانون الثاني 2025، بعد أكثر من عامين من شغور المنصب. وبعد فترة وجيزة، عُين رئيس وزراء جديد في لبنان (نواف سلام)، وعلى الفور شُكلت حكومة جديدة تضم 24 وزيرا.
"وبينما يظل توازن القوى بين السلطات وحزب الله هشا"، أعلن لبنان أخيرا عن اعتقال عدد من الأفراد الذين أطلقوا النار على الأراضي الفلسطينية المحتلة في مارس/ آذار 2025.
وهو ما يظهر، حسب الصحيفة أن البلاد "أصبحت أكثر جرأة في حربها ضد الجماعات المسلحة التي زعزعت استقرار أمنها".
وأعلن "الجيش اللبناني أن المقبوض عليهم مشتبه بهم في عملية إطلاق الصواريخ على إسرائيل في 22 مارس 2025، بعد ثلاثة أشهر ونصف الشهر من توقف إطلاقها".
كما أنهم متهمون بإطلاق صواريخ في الثامن والعشرين من الشهر ذاته، ووفق الجيش اللبناني، فإن هؤلاء الأشخاص "فلسطينيون ولبنانيون، كما يوجد أشخاص آخرون متورطون، وهناك جهود جارية لتوقيفهم".
وكان حزب الله، نفى من جهته، مشاركته في إطلاق الصواريخ من منطقة في جنوب لبنان التي كان يسيطر عليها في السابق.
من جانبها، أكدت صحيفة "الأخبار" اللبنانية، المقربة من حزب الله هذه الأنباء؛ إذ ذكرت أن قوات الأمن اللبنانية "أوقفت أكثر من 30 شخصا منذ مارس 2025، بتهمة إطلاق الصواريخ".
ونقلت “يديعوت أحرونوت” عن مصادر، أنه "جرى الإفراج عنهم جميعا فيما بعد، باستثناء فلسطينيين اثنين وامرأة لبنانية، اعتقلوا في منطقة الزهراني جنوب البلاد".
كما أكدت المصادر أن "الأشخاص الثلاثة اعترفوا بتنفيذ عملية إطلاق النار لدعم الشعب الفلسطيني، وأنهم تحركوا بمبادرة شخصية من دون أي توجيه من أي فصيل فلسطيني أو لبناني".
وتابعت: "في حين أشار مصدر أمني آخر إلى أنهم تابعون لحركة (المقاومة الإسلامية) حماس، بينما أفاد مصدر أمني ثالث بأن بصمات المعتقلين تطابقت مع تلك التي وُجدت على إحدى منصات الإطلاق".
فرض النظام
واستعرضت الصحيفة أمثلة أخرى "لمحاولة الدولة فرض النظام على أراضيها؛ حيث شهد المواطنون في مناطق مختلفة من البلاد؛ في الشمال، وفي البقاع شرقا، وفي الجنوب، تشديدا في الإجراءات الأمنية والتنفيذية من قبل الجيش، وتفتيشا للسيارات ذات الزجاج الداكن".
وهو ما أدى إلى "حدوث أزمة مرورية عند مداخل المدن، كما بيّن تسجيل مصور متداول لسيارات عالقة في ازدحام مروري طويل، عند المدخل الشمالي لمدينة صيدا في جنوب البلاد".
"تترافق هذه الإجراءات، مع إعلان الجيش اللبناني تحديد مواقع لنحو 260 منشأة لحزب الله جنوب نهر الليطاني، وتفكيك نحو 200 منها".
من جانب آخر، ذكرت "يديعوت أحرونوت" أن محافظ بيروت مروان فوجي، أمر الشرطة والمسؤولين الآخرين في مدينته، بـ"إزالة جميع الشعارات والصور والأعلام والملصقات واللافتات والإعلانات المعلقة في المدينة، وعلى طول الطريق الممتد من وسط المدينة إلى المدينة الرياضية".
وجاءت أوامر فوجي بناء على توجيهات وزير الداخلية اللبناني أحمد الحجار بهدف "جعل بيروت مدينة خالية من الشعارات والإعلانات الطائفية والسياسية".
ووفق الصحيفة، فبعد الإعلان عن ذلك، "صُور عناصر الأمن في العاصمة اللبنانية وهم يزيلون صور الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله".
بدوره، أوضح الرئيس اللبناني جوزيف عون أن "خطوة إزالة اللافتات الحزبية تمت بالتنسيق مع حزب الله؛ إذ يوجد تواصل مباشر قائم معه".

نزع السلاح
وفي سياق متصل قال عون: إن هناك اتفاقا مع رئيس مجلس النواب نبيه بري -ممثل الطائفة الشيعية والمقرب من حزب الله- على ضرورة "حصر السلاح بيد الدولة".
وتمنى عون أن يكون 2025 عام حصر السلاح بيد الدولة. مشيرا إلى "إمكانية ضم عناصر حزب الله إلى الجيش اللبناني، بعد إجراء اختبارات لهم، والخضوع لدورات استيعاب مثلما حصل في نهاية الحرب (الأهلية) في لبنان مع أحزاب عديدة".
ولفت إلى رفضه "استنساخ تجربة الحشد الشيعي في العراق؛ حيث لن يكون لحزب الله وحدة مستقلة داخل الجيش".
وشدد عون على أن "قرار حصر السلاح بيد الدولة، اتُّخذ بالفعل، وأنه يبقى الاتفاق على آلية التنفيذ عبر الحوار والمشاورات".
وأكد لنائبة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط مورغان أورتاغوس أن مسألة نزع سلاح الحزب حساسة، وأنه "لا يريد تفجير حرب أهلية في لبنان".
وأضاف: "لدينا بصمات مطلقي الصواريخ على إسرائيل، وإذا كانوا لبنانيين فسنعرف هويته".
وتابع: "خلال هذه الفترة، أظهر حزب الله ضبط نفس ووعيا كبيرين ومستوى من المسؤولية بعدم الرد على الخروقات الإسرائيلية".
وأشار في الوقت ذاته إلى أن "هناك آذانا مصغية داخل الإدارة الأميركية تدرك ذلك، وأن حزب الله أبدى مرونة واستعدادا للحوار؛ حيث بات الواقع اليوم مختلفا عن الظروف بعد حرب لبنان 2006".
مع ذلك، شدد الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم في خطاب متلفز على أن "الحزب لن يسمح لأي أحد بنزع سلاحه، وسيواجه من يطلب ذلك؛ حيث إن المقاومة في لبنان هي رد فعل على احتلال إسرائيل للأراضي اللبنانية".
وأردف: "الحزب أبلغ السلطات اللبنانية برفض البحث في تسليم سلاحه ما لم تنسحب إسرائيل بالكامل من جنوب البلاد، وتوقف اعتداءاتها المستمرة رغم اتفاق وقف إطلاق النار".
ووفق الصحيفة، أعرب عدد من كبار المسؤولين اللبنانيين ومسؤولي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عن "شعورهم بالإحباط؛ لأن الجيش لا يتحرك بشكل أسرع لبسط سيطرته على كامل الأراضي اللبنانية، ونزع سلاح حزب الله".

مناورة حزب الله
ويرى الخبير في شؤون لبنان وسوريا البروفيسور إيال زيسر في حديثه للصحيفة، أن تصريحات عون لا تعدو أن تكون مجرد كلام؛ إذ "لا يزال حزب الله يتمتع بالقوة العسكرية حتى بعد هزيمته في الحرب".
ويعتقد أن الحزب "قرر البقاء منصاعا وعدم الرد على الهجمات الإسرائيلية، حتى يهدأ الغضب على أمل أن يتمكن من استعادة قوته العسكرية تدريجيا".
ويقدر الخبير في الشأن اللبناني أن "الحزب يعتزم الحفاظ على الأسلحة التي جمعها، وعلاوة على ذلك، فهو لا يزال يتمتع بدعم بين أفراد المجتمع الشيعي في لبنان، الذين يعدونه ممثلهم وحاميا لهم داخل النظام اللبناني، في غياب أي بديل آخر من شأنه أن يقودهم ويمثلهم".
واستطرد: "في لبنان، لا يفكر أحد في مواجهة حزب الله وإجباره على نزع سلاحه، ويأمل الجميع أن تستسلم المنظمة من خلال عملية حوار مطولة قد تستغرق أشهرا وسنوات، هذا إن تمت أصلا".
واسترسل البروفيسور الإسرائيلي: "يتفق الرئيس اللبناني الجديد ورئيس الوزراء على أنهما يريدان نزع سلاح حزب الله، لكنهما غير مستعدين لمواجهة من شأنها أن تجر لبنان إلى حرب أهلية جديدة".
ولذلك، فإنهم يؤكدون أنهم "لن يستخدموا القوة ضد حزب الله، لكنهم سيواصلون محاولة التحدث معه".
وذكرت الصحيفة أنه "في مثل هذا الواقع، يلعب الجميع على الوقت، لكن على الأرض لا يحدث شيء سوى استمرار الضربات، إذ تشن إسرائيل هجمات محددة ومحدودة على قيادات حزب الله كلما اكتشفت أي نشاط عسكري لأعضائه".
"ورغم ذلك لم يسحب التنظيم مقاتليه من جنوب لبنان، ولم يسلم سلاحه للجيش اللبناني"، وفق الصحيفة.
فرص التطبيع
وبناء على تلك المعطيات، رأت أنه "لا جدوى من الحلم والتخيل بالسلام أو التطبيع بين إسرائيل ولبنان".
وعزت ذلك إلى أن "لبنان كان ولا يزال بلدا ضعيفا وغير مستقر، يخشى اتخاذ قرارات صعبة، وبالتأكيد غير مستعد للتعامل مع حزب الله الذي لا يزال يلقي بظلاله، وإن كان أضعف من ذي قبل، على البلد ومؤسساته".
كما أشارت إلى أن الأميركيين "يشددون على أن شيئا لن يحدث في لبنان؛ لا إعادة إعمار البلاد ولا وقف النشاط الإسرائيلي هناك، إذا لم تنزع الحكومة وجيشها سلاح حزب الله".
واستدركت الصحيفة أنه "من المبكر جدا أن نحكم على المدة التي سيستمر فيها الأميركيون بممارسة الضغوط على لبنان".
وفي الوقت نفسه، أوضحت أن "الإدارة الأميركية تأمل توسيع مناقشات اللجنة الإشرافية على اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل لتشمل دبلوماسيين يتعاملون مع قضايا إضافية مثل ترسيم الحدود للوصول إلى حل جميع النزاعات القائمة وتمكين التقدم نحو السلام"، وفق تعبيرها.
مع ذلك، تقدّر أن ذلك لن يؤدي للتطبيع، بالقول: "يوضح الجانب اللبناني أنه حتى لو تمت تسوية الخلافات الموجودة على جدول الأعمال، وفي مقدمتها مستقبل المناطق المتنازع عليها، مثل قرية راجار ومزرعة شبعا، فإن هذا لن يؤدي إلى السلام".
وفسرت ذلك أن لبنان لن يطبّع "إلا كجزء من تحرك عربي شامل لتعزيز السلام الإسرائيلي العربي، ولكن ليس بشكل منفصل عنه".
واختتمت بالقول: "بما أن حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يبدو حاليا بعيد المنال، فإن إسرائيل عادت لنقطة البداية مع لبنان".
وبرغم ضعف التهديد الذي يشكله حزب الله على إسرائيل، فإنه "من الخطأ أن نفترض أنه أزيل بشكل كامل؛ حيث سيحاول الحزب رفع رأسه في أول فرصة، وعلينا أن نكون مستعدين لذلك".