مرحلة ركود ملحوظة.. لماذا توقف قطار الطاقة الشمسية في المغرب؟

“من الضروري البحث عن بدائل أكثر واقعية من حيث الكلفة والموثوقية”
مشروع الطاقة الشمسية في المغرب يمر بمرحلة ركود ملحوظة، منذ إقالة مصطفى الباكوري، رئيس “الوكالة المغربية للطاقة المستدامة” (مازن) خلال العام 2023.
وأدى قرار إقالة الباكوري من هذه المؤسسة الرسمية، إلى “تباطؤ تنفيذ الأهداف الطموحة التي وُضعت منذ عام 2009”.
وقالت مجلة “جون أفريك” الفرنسية: “رغم الرهان الكبير على تكنولوجيا الطاقة الحرارية المركزة، واجه المشروع تحديات تقنية وإدارية أضعفت مردوديته، وأدت إلى تأخر إنجازات محطات رئيسة مثل (نور ورزازات 3) و(نور ميدلت 1)".
وفي ظل هذه التحديات، أوضحت المجلة أنه "من الضروري إعادة تقييم الإستراتيجية الوطنية للطاقة الشمسية، والبحث عن بدائل أكثر واقعية من حيث الكلفة والموثوقية".
أعطال مستمرة
ونقلت “جون أفريك” عن المسؤول عن القيادة الإستراتيجية والمساهمات داخل “الوكالة المغربية للطاقة المستدامة”، شرف الدين لشهب، قوله: "استؤنفت الإنتاجية في موقع (نور ورزازات 3)، ويرغب والي مدينة ورزازات في جدولة زيارة للموقع".
وأعلن بذلك ببساطة عن إعادة تشغيل محطة "نور ورزازات 3" للطاقة الشمسية الحرارية منتصف أبريل/ نيسان 2025.
وذكرت المجلة أن "العطل الذي أدى إلى توقف المحطة منذ فبراير/ شباط 2024، كان ناتجا عن تسرب في خزان الأملاح المصهورة، الذي يُستخدم لتخزين الطاقة التي تنتجها البنية التحتية".
وبهذا الشأن، قال المدير التنفيذي للهيدروجين الأخضر والعمليات في "مازن"، نوفل الفاضل: "لقد قررنا بناء خزان ثانٍ لضمان قدرة المحطة على التكيف في حال حدوث أي عطل، حتى وإن كان طفيفا".
ولكن لم يكن هذا العطل الأول من نوعه في هذه المنشأة، بحسب ما نوَّهت إليه المجلة.
من جانبه، قال أمين بنونة، الخبير في مجال الطاقة بالمغرب وأستاذ الفيزياء السابق بجامعة القاضي عياض في مراكش حتى عام 2022: "حدث عطل طويل آخر بين ديسمبر/ كانون الأول 2021 ومارس/ آذار 2022".
وأضاف: "عند النظر إلى أرقام إنتاج نور، نلاحظ تذبذبات شهرية، بل وسنوية كبيرة، ما يدل على وجود عدد كبير من الأعطال الصغيرة".
وفي هذا الإطار، قالت "جون أفريك": إنه "رغم عدم تأثير هذه الأعطال على قدرة المغرب في توفير الكهرباء اللازمة لسكانه، إلا أنها تعكس مع ذلك الصعوبات التي تواجهها المملكة في تنفيذ مشروع الطاقة الشمسية".
جدير بالذكر أن هذا المشروع أطلق عام 2009 بهدف تركيب قدرة إنتاجية تصل إلى 2000 ميغاواط بحلول عام 2020.
وبحسب المجلة، بحلول نهاية 2022، أي بعد ثمانية أشهر من قيام “المجلس الاقتصادي والاجتماعي” المغربي بإعادة هيكلة قطاع الطاقات المتجددة، والتي تجسدت بشكل رمزي في إقالة الباكوري، كان هذا القطاع يسهم بنسبة 20 بالمئة من الإنتاج الكهربائي في البلاد.
وفي عام 2023، لم ترتفع هذه النسبة سوى بنقطة واحدة فقط لتصل إلى 21.3 بالمئة، بحسب "الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء".
غير ناضجة
في المقابل، أوضحت المجلة أن "القدرة الشمسية المركبة لا تزال متوقفة عند 831 ميغاواط، أي ما يعادل نحو 5.1 بالمئة فقط من القدرة الكهربائية الوطنية، وإضافة إلى ذلك، لم تُنشأ أي محطة شمسية جديدة".
ويُعزى هذا التباطؤ الحاد في تطوير الطاقة الشمسية إلى "خيار التكنولوجيا الشمسية الحرارية المركزة (CSP)، التي تعد أكثر تعقيدا من حيث التشغيل، وأكثر تكلفة مقارنة بالطاقة الكهروضوئية (PV) وطاقة الرياح".
وفي هذا الصدد، أشارت المجلة الفرنسية إلى أنه في الولايات المتحدة، فشلت محطة "كريسنت ديونز" بقدرة 110 ميغاواط في نيفادا، كما سيُغلق مجمع محطات "إيفانبا" -الواقع في صحراء موهافي- نهائيا عام 2026.
وبهذا الشأن، قال مسؤول التحول الطاقي في شركة "جيم تك مونيتورينغ المغرب"، سعيد كمرة: "التكنولوجيا الحرارية غير ناضجة، ومع ذلك شرع المغرب في بناء واحدة من أكبر المحطات الشمسية الأحادية في العالم بقدرة 150 ميغاواط".
وأضاف: "لقد اختارت وزارة الطاقة المغربية أغلى تكنولوجيا على حساب الكهروضوئية، وذلك قبل إنشاء وكالة مازن".
وفي الوقت نفسه، أوضح الخبير في الطاقة، أمين بنونة: "لا ينبغي أن نقع في فخ الأحكام التاريخية المتأخرة، ففي أواخر العقد الأول من الألفية، كانت الطاقة الكهروضوئية لا تزال مكلفة، كما أن تخزينها في البطاريات كان يكلف 2.5 ضعف تكلفة الكيلوواط/ ساعة".
ومن ناحية أخرى، أكدت المجلة أن "خيار هذه التكنولوجيا لا يزال يشكل عائقا اليوم"؛ إذ لم تنطلق بعد أشغال المشروع الضخم الثاني "ميدلت 1" بقدرة 800 ميغاواط، رغم مرور ست سنوات على منح صفقة المشروع عبر مناقصة لتحالف تقوده شركة "EDF رينوفلابل".
جدير بالإشارة أن هذا المشروع قد أُطلق عام 2016، بعد أشهر قليلة من الافتتاح الرسمي الكبير لمحطة "نور ورزازات 1"، وكان يراهن هو الآخر على مزيج من الطاقة الشمسية الحرارية والطاقة الكهروضوئية.
مفاوضات جارية
ونقلت "جون أفريك" عن المكتب الوطني للكهرباء والماء "ONEE"، المشتري الحصري للكهرباء والمشغل الرئيس للشبكة في المغرب، قوله: إن "سعر البيع المتفق عليه ضمن صفقة (مشروع ميدلت) بات مرتفعا جدا".
وبحسب ما أشار إليه سعيد كمرة، فإن المكتب يطالب حاليا بخفض السعر إلى حدود 0.3 إلى 0.35 درهم لكل كيلواط/ساعة.
ولتحقيق ذلك، يجب تحويل كامل المشروع إلى تكنولوجيا الطاقة الكهروضوئية، غير أن شركة "EDF"، التي التزمت بتطوير محطة مزدوجة التكنولوجيا "حرارية وكهروضوئية"، ترفض ذلك التغيير.
وقال نوفل الفاضل مؤكدا: "لا نرغب في التعليق على مشروع (نور ميدلت) في الوقت الحالي بسبب تعدد الأطراف المعنية بالمفاوضات الجارية".
ومع ذلك، أوضحت المجلة أن "مازن" تفكر في إعادة النظر في خيار الطاقة الحرارية.
فيما أكد الفاضل: "سنختار -مستقبلا- أفضل مزيج تكنولوجي يحقق أفضل سعر مع الحفاظ على قدرات التخزين، لا سيما أن تقنيات البطاريات أصبحت جذابة جدا في السنوات الأخيرة".
وفي هذا الصدد، نوَّهت المجلة الفرنسية إلى أنه "رغم الفشل الواضح لمشروع الطاقة الشمسية الحرارية والصعوبات التي تعترض تنفيذ المخطط الشمسي المغربي، لا تزال (مازن) تطمح إلى تحقيق أهداف كبيرة".
وقال الفاضل: "سنكون قريبا قادرين على الإعلان عن تحقيق قدرة شمسية مركبة تبلغ 3000 ميغاواط بحلول عام 2027، مقارنة بـ831 ميغاواط حاليا".
وفي الوقت ذاته، لفتت المجلة إلى أن "رهان المغرب لا يقتصر على الطاقات المتجددة فقط، بل يتجه أيضا نحو التخلي عن الفحم تدريجيا واستبداله الغاز الطبيعي به عام 2044".
وذلك "لتجاوز مشكلة التذبذب في إنتاج الطاقات المتجددة وتلبية الطلب الأساسي على الكهرباء"، وفقا لما أوضحه بنونة.
واختتمت تقريرها بالقول: "في الوقت الراهن، لا يزال الفحم يغطي حوالي 36 بالمئة من احتياجات البلاد من الكهرباء".