عرفان صديق.. سفير بريطاني طُرد من السودان يُهدد بسيناريو مماثل بالعراق

عرفان صديق أكد أن الحشد الشعبي انتهت مهمته بعد هزيمة تنظيم الدولة
"دبلوماسي مسلم، بريطاني الهوية، باكستاني الأصل"، كل هذه الأوصاف والسمات تطلق على السفير البريطاني الجديد لدى العراق، عرفان صديق، الذي أثار غضب القوى الموالية لإيران في أولى تصريحاته خلال مقابلة مع قناة فضائية عراقية، الأمر الذي وصل إلى التهديد بـ"طرده".
عرفان صديق، سلَّم رسميا أوراق اعتماده إلى وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، في 24 مارس/ آذار 2025، لتولي مهام أعماله سفيرا للمملكة المتحدة في بغداد، وذلك خلفا للسفير السابق، ستيفن هيتشن، الذي أكمل مهامه لمدة عامين.

"مثير فتن"
السفير البريطاني الجديد، أثار حفيظة القوى الموالية لإيران، لا سيما تلك التي تمتلك مليشيات مسلحة، عندما أكد أن بلاده ترفض التعامل معها لأنها متهمة بانتهاك حقوق الإنسان، إضافة إلى حديثه عن انتفاء الحاجة إلى قوات الحشد الشعبي في البلاد.
وقال السفير خلال مقابلة تلفزيونية في 8 أغسطس/آب: إن "العراق لا يزال ضمن أولويات بريطانيا، وهذا بدا واضحا من خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، إلى لندن (13 يناير/كانون الثاني 2025) وتوقيع اتفاقيات شراكة ومشاريع تجارية، وكذلك لدينا شراكات سياسية وأمنية".
وعن رأيه في تولي قوى سياسية تمتلك السلاح مناصب في الدولة العراقية، قال صديق: إن بلاده "لن تقبل بالتواصل مع جهات لديها أجنحة مسلحة احتراما للديمقراطية"، مؤكدا أن "هؤلاء لديهم سجل حافل بالانتهاكات الحقوقية، إضافة إلى دور كبير في قضايا الفساد والاقتصاد".
وانتقد السفير البريطاني بشدة غياب العدالة في العملية السياسية العراقية، وتحديدا ما يحصل في الانتخابات، ذلك أن وجود أحزاب لديها أجنحة مسلحة مقابل أخرى مدينة لا يحقق العدالة بالمنافسة.
وبخصوص قانون الحشد الشعبي الذي تعترض الولايات المتحدة على تمريره في البرلمان العراقي، قال السفير البريطاني: إن "العراق لم يعد بحاجة لإقراره بعد أن انتهت المهمة التي تأسس (المليشيا) من أجلها".
ويُعد مشروع القانون الجديد، تعديلا لقانون هيئة الحشد الشعبي رقم 40 لسنة 2016، ويهدف إلى دمج المليشيا ضمن المنظومة العسكرية الرسمية، مع منحها صلاحيات تنظيمية وأمنية واسعة.
ويقضي القانون بعَدّ الحشد الشعبي جزءا من القوات النظامية العراقية، ويرتبط مباشرة بالقائد العام، وهو ما ترفضه الدول الغربية؛ لأن من شأنه أن يُرسخ النفوذ الإيراني والجماعات المسلحة، مما يقوّض سيادة العراق.
ودافع صديق عن موقف لندن الداعم لواشنطن في معارضة تشريع القانون، ذلك أن "تشكيل الحشد الشعبي جاء لمحاربة الإرهاب ممثلاً بتنظيم الدولة وطالما انتهت مهمته بدحره فلم تعد هناك حاجة إليه".
وأشار إلى أن الحكومة العراقية "هي التي طلبت إنهاء مهمة التحالف الدولي، وبريطانيا شريكة رئيسة فيه، على تقدير أن تنظيم الدولة لم يعد يشكل خطرا، لأنه ما كان للعراق أن يطلب انسحاب تلك القوات لو كان التنظيم يمثل خطرا حتى الآن".
وبحسب السفير، فإن "الحشد الشعبي يمثل تهديدا للعراق نفسه، لأن فصائل منضوية فيه لا تلتزم بقرارات القائد العام للقوات المسلحة، إضافة إلى أنها تهدد دولا أخرى لأن بعضها سبق أن استهدف أهدافا بالمنطقة، وبالتالي فهي تستجلب الخطر للبلد، وهذا خارج إطار سياسة الدولة".
وفي الوقت الذي لم تعلق فيه الحكومة العراقية على تصريحات السفير حتى يوم 9 أغسطس، دعا زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، صديق عبر "إكس" إلى معرفة حدوده، وعدم التدخل في الشؤون العراقية الداخلية، مطالبا وزارة الخارجية بـ"تنبيه".
من جهته، دعا النائب في البرلمان العراقي فالح الخزعلي، عن مليشيا "كتائب سيد الشهداء" عبر "إكس" السفير عرفان صديق، إلى "التزام حدوده"، و"عدم التدخّل في الشأن العراقي"، وهدد بـ"طرده من العراق"، واتهمه بإثارة الفتن في الدول التي كان سفيرا لبلاده فيها.
أصول باكستانية
عرفان صديق، مسلم برلماني من أصول باكستانية، ولد في العاصمة البريطانية لندن عام 1972، حاصل على درجة في السياسة والاقتصاد من جامعة أوكسفورد، ويجيد الحديث بثلاث لغات، هي الإنجليزية، والعربية، واليونانية.
دخل المجال الدبلوماسي منذ تسعينيات القرن العشرين، فهو ذو خبرة واسعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا سيما في الجوانب الأمنية، فقد تسلم مسؤولية أحد الأقسام في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بين عامي 1998 و1999.
بعد ذلك انتقل صديق إلى "نيودلهي" سكرتيرا ثانيا للشؤون الاقتصادية والتجارية من 1999 إلى 2000 ومن ثم مسؤولا في قسم عملية السلام في الشرق الأوسط، ثم خدم في القاهرة من عام 2002 إلى 2003 كسكرتير ثانٍ للشؤون السياسية الصحفية.
وخلال مرحلة الاحتلال الأميركي- البريطاني للعراق عام 2003، عمل صديق مسؤولا للشؤون السياسية في سُلطة التحالف المؤقتة بالعاصمة بغداد حتى العام 2004.
وبعدها انتدبت المملكة المتحدة عرفان صديق، لدى وزارة الخارجية الأميركية كمسؤول للشؤون السياسية لمدة عام، ومن ثم سكرتيرا خاصا لوزير الخارجية البريطاني من 2005 إلى 2007.
شغل منصب نائب السفير في دمشق لثلاث سنوات، ثم شغل نفس المنصب لعام واحد في بغداد، ومن ثم أصبح مدير إدارة الشراكة العربية في الفترة من 2011 وحتى 2013.
انتقل صديق إلى مرحلة السفير، وكانت أولى محطاته أذربيجان من 2013 إلى 2016، وبعدها شغل منصب رئيس وحدة الانتداب لعام، تلاها انتدابه مديرا لشؤون المناصرة الدولية من 2017 إلى 2018.
تولى صديق مهمة سفير بريطانيا لدى السودان في أبريل/نيسان 2019 حتى عام 2021، وبعدها أصبح مبعوثا ساميا في قبرص اليونانية منذ العام 2022 وحتى إعلان توليه منصبه الحالي في العراق.
يتوقع أن يكون لتعيين عرفان صديق تأثير واضح على العلاقات بين بريطانيا والعراق، لا سيما في مجالات الأمن، التنمية الاقتصادية، والتعليم، على تقدير أن المملكة المتحدة شريك تاريخي للبلد.
"أحد الجوانب التي يبرز فيها صديق، اهتمامه بحقوق الإنسان، وهو أمر سيكون له أهمية خاصة في العراق الذي ما زال يواجه تحديات حقوقية على عدة أصعدة"، بحسب ما قال موقع “عراق أوبزيفر” في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2024.

"سفير مطرود"
خلال مدة توليه منصبه سفيرا للمملكة المتحدة البريطانية في السودان (2019 إلى 2021)، تظاهر عشرات السودانيين بالعاصمة الخرطوم في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، للمطالبة بطرد عرفان صديق، احتجاجا على "تدخله في الشأن الداخلي للبلاد".
جاء ذلك على خلفية تغريدة كتبها صديق على منصة "إكس" تعليقا على الشأن السوداني دعا في حينها إلى "استعجال تشكيل المجلس التشريعي، وعدم إشراك الإسلاميين في السلطة خلال الفترة الانتقالية الحالية".
ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها "لا للتدخل في السيادة السودانية"، "لن تحكمنا السفارات"، "لا للتطاول على الشعوب الحرة"، "مبادرون من أجل السيادة الوطنية"، "نطالب برحيل السفير أو الاعتذار".
وقال رئيس حزب "بناة المستقبل" السوداني فتح الرحمن فضيل: "نظمنا وقفة احتجاجية أمام السفارة البريطانية، وطالبنا السفير، بالاعتذار أو المغادرة، لتدخله في الشأن الداخلي، والسياسة السودانية".
ونقلت وكالة "الأناضول" التركية في وقتها عن فضيل، قوله: "اتجهنا مباشرة إلى مقر وزارة الخارجية، وسلمنا مذكرة بشأن تدخلات السفير البريطاني في الشأن الداخلي السوداني".
وجاء في المذكرة،، أنه "تنادينا نحن عدد من أبناء هذا الوطن الحر السودان، ضد التدخلات السافرة في الشأن السياسي السوداني من قبل السفير البريطاني عرفان صديق".
وأفادت بأن صديق "تمادى كثيرا في التصريح في كل قضية سياسية سودانية ووصل به الأمر حد التقريع والتهديد".
وأردفت: "نحن إذ نحتج على هذا السلوك غير المقبول نتقدم لسيادتكم طالبين استدعاءه (صديق) فورا ومساءلته، وإن لم يلتزم، عليه المغادرة فورا انتصارا لكرامة السودان وشعبه".
وبعدها بنحو شهرين، قررت بريطانيا سحب صديق، وتعيين الدبلوماسي جايلز ليفر، بدلاً منه، بعد أن أبدت الحكومة السودانية تحفظاتها بشأنه، حسبما نقل موقع قناة "الشرق" السعودية عن مصادر لم يسمها في 27 يناير 2021.
وأضافت المصادر أن لندن سحبت سفيرها "بشكل غير معلن" عقب اتهامه بـ"تجاوزه للأعراف الدبلوماسية"، إضافة إلى "بعض التحفظات بشأنه من داخل الحكومة في السودان، ووزارة الخارجية إلى جانب بعض القوى السياسية، خاصة تجاه تدخلاته في الشأن السياسي والسيادي بالبلاد".
وقبل ذلك، ذكرت صحيفة "السوداني" في 15 يناير 2021، أن عرفان صديق تعلل بظروف أسرية قاهرة لطلب إنهاء ابتعاثه مبكرا كسفير للمملكة المتحدة في الخرطوم، حيث كان يفترض أن تنتهي مدته في سبتمبر/أيلول 2021.
المصادر
- عرفان صديق
- باكستاني مسلم يتحدث العربية.. هذا عرفان صدّيق سفير بريطانيا الجديد في العراق
- نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية يتسلم نسخة من أوراق اعتماد السفير البريطاني الجديد
- الخرطوم.. متظاهرون يطالبون بطرد السفير البريطاني
- مصادر لـ"الشرق": بريطانيا قررت تغيير سفيرها لدى الخرطوم بعد تحفظات من الحكومة الانتقالية
- قيس الخزعلي يعلّق على تصريحات السفير البريطاني بشأن الحشد: على الخارجية تنبيهه
- عرفان صديق ينهي فترة عمله كسفير لبريطانيا و(السوداني) تكشف بديله
- نائب عراقي يهدد بطرد السفير البريطاني بعد حديثه عن الحشد الشعبي
- بريطانيا وانقلاب السودان.. تدخلات لحلحلة الأزمة أم الحفاظ على نفوذ قديم؟