إعلانات متكررة وشراكات غائبة.. ما الذي يعطل التعاون العسكري بين الخليج وروسيا؟

منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

في فبراير/شباط 2025، عرضت شركات الدفاع الروسية أحدث منتجاتها في معرض الدفاع الدولي "آيدكس"، الذي تنظمه الإمارات كل عامين.

ومن بين ما عُرض، كشفت مجموعة "روستيخ" الروسية الحكومية عن طائرتها المسيّرة متعددة المهام (Supercam S350)، والتي يُقال إنها أسقطت عددا كبيرا من الأنظمة الغربية غير المأهولة، المنتشرة في ميادين القتال الأوكرانية منذ الغزو الروسي عام 2022.

واستعرض مركز "المجلس الأطلسي" للدراسات، في تقرير له، التعاون العسكري بين روسيا والخليج، محاولا كشف أسباب تراجعه خلال السنوات الأخيرة.

فلك الغرب

وقال المجلس: "تاريخيا، لم تكن روسيا يوما لاعبا رئيسا في سوق الدفاع الخليجي، فبسبب ترتيباتها الأمنية والمتطلبات العملياتية المرتبطة بها، لا تزال الجيوش الخليجية تدور بقوة في فلك الغرب، ونتيجة لذلك، يشتري حكامها معظم منصاتهم من الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة أو فرنسا".

ومع ذلك، أثار الحضور البارز لمصنّعي الأسلحة الروس في معرض أبو ظبي تكهنات بين خبراء السياسة ومراقبي الصناعة بأن صناعة الدفاع الروسية قد تكون على وشك تحقيق اختراق في شبه الجزيرة العربية.

فللوهلة الأولى، يبدو المشهد الجيوسياسي مواتيا -وفق المجلس الأطلسي- إذ يأتي ذلك في أعقاب مساعي واشنطن، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، لإنهاء حرب أوكرانيا، وبالتالي رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على الاقتصاد الروسي.

وقال: "من وجهة نظر الخليج، لطالما كانت الحرب بين روسيا وأوكرانيا قضية غربية لم تؤثر على مصالحها الأمنية؛ حيث تجنبت دول مثل السعودية والإمارات العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بحرص، وحافظت على موقف محايد مماثل لموقف الهند".

هذا بدوره دفع العديد من الشركات الروسية إلى الانتقال إلى دبي هربا من العقوبات الدولية أو التجنيد الإجباري، كما سمح ذلك للرياض بعقد عدة مفاوضات بين واشنطن وكييف وموسكو.

في ظل هذه الظروف، ومع تنامي احتمالات خفض التصعيد، قد تلجأ الرياض وأبو ظبي أيضا إلى الشركات الروسية لنقل الأسلحة.

هذه التكهنات ليست بجديدة -بحسب المجلس الأطلسي- فقد فكرت السعودية في شراء نظام الدفاع الجوي (إس-400) قبل عقد من الزمان، وفي عام 2017، أعلنت الإمارات، خلال اجتماع آخر في "آيدكس"، أنها ستطور طائرة مقاتلة بالاشتراك مع شركة "روستيخ" الروسية.

في ذلك الوقت، كانت روسيا تتمتع بمكانة مرموقة لدى قادة مجلس التعاون الخليجي، وكانت الجيوش الخليجية تدرس إستراتيجية روسيا "الهجينة" في ضم شبه جزيرة القرم عام 2014 كعملية نموذجية.

وبعد عام، جسدت الحملة الجوية الروسية لدعم الرئيس السوري المخلوع، بشار الأسد، الخطوة الجريئة والحاسمة للدفاع عن حليف شرق أوسطي، وهي الخطوة التي لطالما انتظرها قادة الخليج -بمرارة- من الولايات المتحدة.

وفي هذا السياق، كان يُنظر إلى روسيا في الخليج كقوة عالمية قوية وخيار موثوق لتنويع مشتريات الدفاع الخليجية بعيدا عن واشنطن، وفق "المجلس الأطلسي".

والجدير بالذكر أنه في الوقت نفسه تقريبا، كانت تركيا، حليفة واشنطن في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في طريقها أيضا لشراء نظام (إس-400).

مع ذلك، لم تتجسد أي من هذه الآفاق في تعاون عسكري ملموس بين روسيا ودول الخليج، فلم تشترِ الرياض نظام (إس-400) قط، واختفى المشروع الروسي-الإماراتي المشترك للطائرة المقاتلة عن الأنظار.

آثار الحرب 

وقال المجلس: "اليوم، أصبح السياق أقل ملاءمة لصناعة الدفاع الروسية مما كان عليه قبل عقد من الزمان، فقد قوضت حرب أوكرانيا الصورة الإيجابية التي ربما كانت الشركات الروسية تتمتع بها آنذاك".

ومن منظور الخليج، لا تتعلق المسألة بدوافع روسيا لغزوها أوكرانيا، بل بالأداء الضعيف لقواتها المسلحة في ساحة المعركة.

وفي الواقع، تلاشت الهيبة التي اكتسبتها شبه جزيرة القرم عام 2014 أو الحملة الجوية في سوريا عام 2015، وهذا صحيح، لا سيما في ثلاثة مجالات يراقبها صناع القرار في الخليج عن كثب: القوة النارية، والعمليات الجوية، والدفاع السيبراني.

وبحلول خريف عام 2022، أي بعد ستة أشهر من بدء الحرب، استنفدت روسيا 60 بالمئة من ترسانتها من الصواريخ الدقيقة.

ولم تكن النتيجة في ساحة المعركة حاسمة فحسب، بل واجهت الصناعة الروسية أيضا صعوبة في إعادة إمداد القوات المسلحة. 

فقد أظهر سلاح الجو الروسي، الذي بدا لا يُقهر خلال التدخل في سوريا عام 2015، عجزا عن دعم القوات البرية في تحقيق اختراقات حاسمة ضد الجنود الأوكرانيين.

ووفقا لتقرير التوازن العسكري لعام 2025 الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، بحلول نهاية عام 2024، كانت روسيا قد "خسرت ما لا يقل عن 31 طائرة هجومية برية من طراز (Su-34 Fullback) من أصل قوة قبل الحرب بلغت 124 طائرة".

في غضون ذلك، وبينما لعبت الحملة الإعلامية الروسية خلال عملية القرم عام 2014 دورا محوريا في ضمان السيطرة السريعة على المنطقة، كان للهجمات الإلكترونية هذه المرة تأثير إستراتيجي محدود.

وقد أثبتت أوكرانيا أنها أكثر استعدادا للكشف عنها، وقادرة أيضا على شن هجمات إلكترونية خاصة بها ضد روسيا.

حتى نظام (إس-400) الروسي، الذي يُعدّ بلا شك أحد أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطورا في العالم، قد تضررت هيبته، بحسب "المجلس الأطلسي".

فقد استطاعت أوكرانيا، في مناسبات عديدة، تدمير بطاريات (إس-400) باستخدام أسطولها من الصواريخ والطائرات المسيرة.

وتجدر الإشارة إلى أنه في إحدى الحالات، استخدم الأوكرانيون صواريخ (ATACMS) الباليستية الأميركية الصنع، والتي دخلت الخدمة منذ 40 عاما.

وقال المجلس: "صحيح أن القوات الروسية تكيفت مع النكسات الأولية في ساحة المعركة، لكن يبدو أن قدرتها على التحمل ناجمة عن العدد الهائل للقوات الروسية أكثر من براعتها التكتيكية".

علاوة على ذلك، عوّضت روسيا عن نقص قوتها النارية باللجوء إلى إيران لتزويدها بالإمدادات، ونتيجة لذلك، استخدمت روسيا في هجماتها الجوية على أوكرانيا خلال العامين الماضيين صواريخ باليستية وطائرات مسيرة إيرانية.

ويُظهر اعتماد موسكو المتزايد على إيران تراجع مكانة صناعاتها الدفاعية، ومن غير المرجح أن تقتنع دول الخليج باللجوء إلى موسكو في هذا القطاع، بحسب "المجلس الأطلسي".

أداء ضعيف

وبالإضافة إلى عواقب هذا الأداء الضعيف، ستواجه صناعة الدفاع الروسية صعوبة في الحفاظ على قدرتها التنافسية في الخليج بسبب ضغوط مختلفة على سلسلة توريدها.

وأشار المجلس الأطلسي إلى أنه "لا تزال حرب أوكرانيا محور اهتمام اقتصاد الحرب الروسي، وقد حُثّت شركاتها الدفاعية على إعطاء الأولوية لاحتياجات القوات".

وتابع: "هذا يعني أن قدرتها على تطوير وإنتاج الإمدادات للشركاء الدوليين قد انخفضت بشدة، كما تتفاقم هذه المطالب على صناعة الدفاع الروسية بسبب العقوبات الاقتصادية الغربية التي تحد من وصول موسكو إلى بعض المكونات الفرعية لأنظمتها وتُعقّد قدرة الشركات على الإنتاج".

وعلى الصعيد العالمي، تُفسر هذه العوامل الانخفاض الحاد في صادرات الأسلحة الروسية خلال السنوات الخمس الماضية.

فقد شهدت روسيا، وهي لاعب رئيس تقليدي في سوق الدفاع العالمي، انخفاضا في صادراتها من الأسلحة بنسبة 64 بالمئة خلال السنوات الخمس الماضية.

على سبيل المثال، واجهت الصناعات الروسية صعوبة في توريد الإمدادات التي طلبتها الهند، أحد عملائها التقليديين؛ حيث لا تزال روسيا المورد الرئيس للقوات المسلحة الهندية.

ومع ذلك، فبينما زوّدت موسكو الهند بـ55 بالمئة من وارداتها من الأسلحة بين عامي 2015 و2019، انخفضت هذه النسبة إلى 36 بالمئة بين عامي 2020 و2024.

ويرى المجلس الأطلسي أن "حكومة رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، قد لا تُغيّر موقفها الدبلوماسي تجاه حرب أوكرانيا، لكنها تتجه بالفعل إلى موردين آخرين (في المقام الأول فرنسا وإسرائيل والولايات المتحدة) لتزويد قواتها المسلحة".

ونظرا للعلاقات الوثيقة بين الهند ودول الخليج، فمن المؤكد أن الإمارات والسعودية تُقيّمان هذا الأمر.

في نهاية المطاف، هذا يُبرز الفجوة بين التصريحات السياسية الخليجية بشأن روسيا وواقع تعاونها العسكري المحدود مع موسكو.

وقال المجلس: "قد يُشير الظهور البارز لمنتجي الأسلحة الروس في فعاليات الدفاع الخليجية، مثل معرض آيدكس، إلى عكس ذلك".

واستدرك: "لكن دول الخليج فكّرت مرارا وتكرارا في شراء منصات روسية قبل أن تتراجع عن قرارها، ومن غير المرجح أن يتغير هذا الوضع، مهما تطوّرت المفاوضات الجارية بشأن حرب أوكرانيا".