أسطول الظل النفطي.. هل يشعل فتيل حرب جديدة على إيران؟

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بعد إعادة فرض العقوبات الغربية على إيران، تزايدت التقارير الإعلامية التي تتحدث عن امتلاك طهران أسطولا سريا من ناقلات النفط، يضم ما يصل إلى 150 سفينة.

وتساءل موقع "تيليبوليس" الألماني عما إذا كان هذا الأسطول الذي يهدف للالتفاف على العقوبات التجارية الغربية، قد يصبح لاحقا ذريعة لشن حرب جديدة على إيران.

واستند الموقع في تقريره إلى ما كشفته سلسلة تحقيقات “الأثر” التي نشرها أخيرا "التلفزيون الألماني الثاني ZDF"، ويسلط الضوء فيها على أسطول الظل الإيراني بعد أن تناول سابقا نفس الملف ولكن في روسيا.

وألمح تقرير ZDF إلى أن النظام الإيراني يدير بعض أنشطته النفطية من العاصمة الألمانية برلين، رغم إدراج الولايات المتحدة إيران على قوائم العقوبات.

دوافع سياسية 

ووفق القناة الألمانية، نشر ناشطون من "ويكي-إيران" -وهي منصة إلكترونية يديرها معارضون إيرانيون في الخارج وتُعرف بمصداقيتها في تسريب معلومات حساسة عن أنشطة النظام - بيانات سرية تتعلق بإحدى شركات تجارة النفط الإيرانية.

وتابعت: "الصحفي الألماني أرندت غينتسل، من فريق ZDF، حلل هذه الوثائق، ليكتشف خيطا مثيرا: شركة لتجارة النفط مقرها برلين، على صلة مباشرة بشركة إيرانية يعتقد أنها ترتبط بوزارة الدفاع الإيرانية".

وأردفت القناة: "عثر ضمن الوثائق على عنوان واسم سيدة أعمال ألمانية، بل ونسخة من بطاقة هويتها، ما يضفي على القضية بعدا شخصيا حساسا".

وكشفت أن "التحقيقات أظهرت كيف يُخفي النظام الإيراني عملياته النفطية المحظورة عبر شبكة من الشركات الوهمية والوسطاء، وسط شكوك بأن جهات ألمانية قد تكون متورطة في هذا النشاط".

وتقود هذه الخيوط إلى شبكة معقدة من شركات ومؤسسات، وكيانات اختفت فجأة، وتصريحات متناقضة، ما يطرح تساؤلات جدية: هل أصبحت ألمانيا جزءا من اقتصاد ظل عالمي يضمن للنظام الإيراني تدفق مليارات الدولارات من تجارة النفط الخاضعة للعقوبات؟ تتساءل القناة.

ومنذ انسحابها من الاتفاق النووي عام 2018، فرضت الولايات المتحدة الأميركية العقوبات مجددا على طهران، لا سيما تلك المتعلقة بتجارة النفط.

إضافة إلى ذلك، أُعيد فرض العقوبات المتعلقة بآلية الزناد التي أقرها مجلس الأمن في قراره رقم 2231، لكنها لا تشمل تلقائيا جميع المعاملات التجارية الإيرانية المرتبطة بقطاع النفط. وفقا لموقع "تيليبوليس".

وأعاد مجلس الأمن الدولي نهاية سبتمبر/أيلول 2025 تفعيلَ عقوبات الأمم المتحدة على إيران، بعد انقضاء مهلة ما تعرف بـ"آلية الزناد" أو الـ"سناب باك"، وذلك إثر فشل جهود التوصل إلى اتفاق جديد بشأن البرنامج النووي لطهران.

وبالتالي، يشير الموقع إلى أن "تحديد ما إذا كانت علاقة تجارية ما تقع ضمن نطاق المساءلة القانونية، يستلزم دراسة كل حالة بشكل منفصل، مع الأخذ في الحسبان إمكانية وجود استثناءات".

وهنا يبرز تساؤل: “هل تمثل هذه الاكتشافات الجديدة جزءا من حملة دعائية غربية تهدف إلى شيطنة النظام الإيراني؟ وهل تُمهد الطريق لتبرير عمل عسكري؟” وما دفع الموقع إلى طرح هذه الفرضية، هو التوقيت اللافت لتحقيقات ZDF.

وتابع: "إذ نقلت إذاعة راديو فري يوروب الممولة من الولايات المتحدة ومقرها براغ، أن إيران شرعت منذ عام 2018 في تحويل جزء كبير من تجارتها النفطية إلى شبكة من ناقلات النفط السرية لتفادي العقوبات الغربية". وتذهب مصادر أخرى إلى أن هذا التحول بدأ على أبعد تقدير في عام 2022.

ومع أن الموقع يرى أنه "يصعب تحديد تاريخ دقيق في غياب المعلومات الداخلية الإيرانية"، فقد رجح أن "يكون عام 2018 هو بداية هذا التحول الإيراني، لا سيما أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن في 8 مايو/أيار من ذلك العام انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الذي كان يسهل التجارة مع إيران".

من هذا المنطلق، يقدر "تيليبوليس" أن "إثارة الأمر في الوقت الحالي تحمل دوافع سياسية، خصوصا في ظل تزايد التقارير الإعلامية في مرحلة ما بعد الحرب (بين إيران وإسرائيل لمدة 12 يوما في يونيو/حزيران 2025)، والتي تعزز الرأي القائل بأن هناك توجها إستراتيجيا لإعادة خنق الاقتصاد الإيراني".

ونوَّه إلى أن "العقوبات المفروضة على إيران اكتسبت زخما متجددا بعد توقف الحرب، خصوصا في مجال التكنولوجيا العسكرية".

ووفق الموقع، يبدو أن "الغاية النهائية من هذه التحركات، هو إثارة انتفاضة شعبية تمهد لتغيير النظام لصالح آخر موال للغرب".

غير أنه شكك في فاعلية هذا الأسلوب، قائلا: "هذه المنهجية ليست جديدة، فقد نجح النظام الإيراني بقيادة (المرشد الأعلى) آية الله علي خامنئي، رغم تقدمه بالسن، في الصمود أمام أكثر من أربعة عقود من العقوبات الغربية المتواصلة".

وأكّد أنه بواقع 3616 عقوبة، تُعد إيران من أكثر دول العالم تعرضا للعقوبات.

صمام أمان 

ورغم غياب أي سجل رسمي موحد يمكن الرجوع إليه، تشير تقديرات موثوقة إلى أن الأسطول الإيراني السري يضمّ ما يصل إلى 150 ناقلة نفط تنقل يوميا ما بين 1.3 إلى 1.6 مليون برميل، يقول الموقع.

ويتابع: "أما الجهات المناهضة للنظام الإيراني فتطرح أرقاما أعلى بكثير، لكن في ظل انعدام الشفافية واستحالة الوصول إلى البيانات الدقيقة، يبقى التحقق الموضوعي من هذه الأرقام أمرا مستحيلا".

وأوضح أن "المسار الفني لتشغيل الأسطول الإيراني يعتمد على آليات شبه مطابقة لتلك التي وُثقت خلال التحقيقات المتعلقة بنظيره الروسي".

وبحسب الموقع، "تشمل هذه الآليات شركات وهمية، وتبديل مستمر للأعلام، وتعطيل أنظمة التتبع، بالإضافة إلى عمليات النقل من سفينة إلى أخرى، فضلا عن هياكل ملكية مبهمة في دول ثالثة".

وأردف: "جميع هذه الأساليب باتت جزءا من أدوات العمل الأساسية في قطاع النفط الإيراني".

وذكر أن قطاع النفط يشكل نحو 40 بالمئة من إجمالي الإيرادات الحكومية الإيرانية، ما يجعل هذه العائدات بمثابة "صمام أمان" للاقتصاد الوطني، الذي يعتمد بشكل كبير على تجارة المواد الخام كمصدر رئيس للتمويل الحكومي.

ووفقا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، تُقدر الإيرادات النفطية الإيرانية لعام 2024 بنحو 43 مليار دولار أميركي. ويرى الموقع أن "التوازنات الجيوسياسية تفرض على طهران تبني هذه الأساليب الملتوية".

"فعلى الرغم من الحافز الاقتصادي القوي، فإن العقوبات الغربية وضغوط جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل تجعل من الصعب على إيران تصدير نفطها بشكل رسمي".

ومع ذلك، نوَّه إلى أن "الطلب العالمي على النفط الإيراني شهد ارتفاعا ملحوظا، لا سيما من جانب الصين".

ففي عام 2023، ارتفعت صادرات إيران النفطية بنسبة 50 بالمئة، وكانت بكين الوجهة النهائية لـ 90 بالمئة من هذه الصادرات.

كما قدمت طهران لبكين خصومات كبيرة في الأسعار، في إطار حسابات إستراتيجية تراهن على استثمارات صينية بمليارات الدولارات والتزامات هيكلية طويلة الأجل.

وأردف: "بهذا، تمكنت إيران من سدّ الفجوة التي خلفتها العقوبات المفروضة على روسيا، إلى جانب تخفيضات الإنتاج التي أقرتها منظمة أوبك" النفطية.

ولفت إلى أن "كل ذلك أصبح ممكنا بفضل التوسع المتزايد في استخدام قنوات دفع بديلة خارج نظام سويفت (المالي) والدولار الأميركي إلى جانب رفض دول الشرق الانخراط في منظومة العقوبات الغربية".

فخ تكتيكي

ويرى الموقع الألماني أن "الرواية الإيرانية بشأن تصدير النفط، سواء في مضمونها أو في أساليب التبرير والخطاب الإعلامي والتقنيات المستخدمة، تعكس نمطا مشابها لما اتبعته روسيا في تشغيل أسطولها النفطي غير الرسمي".

مع ذلك، يفرق بين طهران وموسكو قائلا: "في حالة روسيا، قد يُقال إنها بدأت حربا على أوكرانيا، وهو ما يبرر العقوبات جزئيا".

ويتابع: "أما في حالة إيران، فإن مثل هذه الذرائع لا قيمة لها، فقد فُرضت العقوبات على طهران بسبب استقلالها السياسي، ورفضها التبعية للغرب، وتعرضت أخيرا لهجمات عسكرية تنتهك القانون الدولي بشكل واضح".

ويقدر أنه "في حال غياب العقوبات الغربية على طهران، كان من الممكن لإيران أن توسع صفقات النفط والتجارة، وأن يستفيد الاقتصاد الألماني من أسعار الطاقة المنخفضة، وربما كان التقارب السياسي مع بعض الدول الكبرى، مثل ألمانيا، سيشهد تقدما ملموسا".

وفسر الموقع العقوبات الغربية على إيران قائلا: "على الصعيد الدولي، تعد طهران ضحية أكثر منها جانية، ورغم ضعف سياستها الخارجية، يُعد نظامها الديني آخر خصم محتمل للهيمنة الأميركية الإسرائيلية في الخليج، وجزءا أساسيا من مشروع الصين لبناء ثورة في البنية التحتية".

وفي هذا السياق، يشدد على أن "صناعة النفط الإيرانية تظل محورا أساسيا في تحديد مصير البلاد. 

ويكفي التذكير بأن أجهزة الاستخبارات الغربية أطاحت بمحمد مصدق (رئيس الوزراء الإيراني بين عامي 1951 و1953)، بعد أن عمل على تأميم قطاع النفط الذي كان وقتها تحت السيطرة البريطانية.

وأوضح الموقع أنه "على خلاف النموذج الروسي، فإن إيران تدير قطاعها النفطي عبر مؤسسات حكومية وشبه حكومية"؛ إذ تشير تقارير أميركية إلى أن العديد من ناقلات النفط الإيرانية المسجلة تحت أعلام مختلفة وفي دول ثالثة، ترتبط بشبكات شركات تابعة للحرس الثوري الإيراني، وتندرج ضمن منظومة اقتصادية تضم مؤسسات مالية ذات طابع شبه رسمي، تُعرف بنظام "بونيارد".

وتُستخدم هذه العائدات في تمويل المعدات العسكرية والتقنيات، ودعم الحلفاء الإقليميين لإيران، كما تمثل فرصة لتعويض ضعف الاقتصاد المحلي، وتوفير تمويل جديد لحلفائها في مناطق النزاع. وفق الموقع.

وأردف: "وعلى رأس هؤلاء، حزب الله اللبناني الذي يحتاج إلى دعم مالي كبير للحفاظ على نفوذه وسط فوضى الحرب وإعادة الإعمار".

وعلى المستوى الدولي، "يمثل أسطول الظل الإيراني مصدر تمويل مستمر، ويوفر للمشترين في الصين وكوريا الشمالية وقودا بأسعار منخفضة، بينما يشكل للغرب تحديا حقيقيا في الالتفاف على منظومة العقوبات الدولية".

وهو نموذج أكد الموقع الألماني أن "واشنطن وبروكسل وبرلين يسعون إلى منعه من أن يتحول إلى قاعدة يُحتذى بها وتتكرر عالميا".

كما أشار إلى أن "فعالية العقوبات الغربية على إيران تواجه تحديات متزايدة، بسبب غموض الإجراءات المتخذة بحقها، والتي تفتقر إلى وضوح قانوني"؛ إذ نجحت إيران في تصوير هذه التدابير على أنها أعمال قرصنة، ما أسهم في خلق رأي عام دولي مضاد يشكك في شرعية العقوبات.

ومع ذلك، يشدد على أنه "لا يمكن لإيران أن تدعي النصر الكامل، فرغم أن اقتصاد الظل يمنح النظام قدرة على المناورة، فإن المواجهة مع الغرب تتصاعد".

و"الأسوأ من ذلك، أن الالتفاف على العقوبات قد يتحول إلى فخ تكتيكي يستخدم كذريعة لشن مغامرة عسكرية قادمة"، وفق تقدير الموقع الألماني.