الإمارات واستمرار الحرب في السودان.. ماذا وراء دعمها لـ"الدعم السريع"؟

" تمرّ مصالح الدولة الخليجية عبر الدفاع عن فصائل محددة في الحروب الأهلية"
على الرغم من نفيها المتكرر، تؤكد تقارير استخباراتية أميركية دعم السلطات الإماراتية لمليشيا الدعم السريع التي تقاتل الجيش السوداني منذ أكثر من عامين وترتكب جرائم بشعة بحق المدنيين.
وتساءلت صحيفة الإسبانيول الإسبانية عن كيفية تمكن المليشيا التي يقودها محمد حمدان دقلو "حميدتي" من السيطرة على مدينة الفاشر مركز ولاية شمال دارفور في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2025.
وتابعت: كيف يمتلكون هذه القدرة ويحافظون عليها؟ مبينة أن إجابة العديد من الخبراء واضحة: تتمكن هذه المليشيات من البقاء على قيد الحياة بفضل الدعم الذي تُقدمه الإمارات العربية المتحدة.

اقتحام الفاشر
وبعد يوم من السيطرة على الفاشر، أقر قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان بخسارة المدينة، مبينا أن قواته أُجبرت على الانسحاب من آخر المعاقل في إقليم دارفور، وذلك بعد معارك استمرت 18 شهرا.
ويقول الخبراء: إن هذه الخسارة تمثّل نقطة تحول في الحرب التي بدأت في أبريل/نيسان 2023؛ بسبب تمرد مليشيا حميدتي ورفضها الانخراط في الجيش.
وفي الوقت الراهن، تتمثل أكبر مخاوف منظمات مثل الأمم المتحدة في مصير السكان المحليين، الذين يقدّر عددهم حاليا بنحو 300 ألف نسمة، وفقا لأحدث الأرقام.
وجاءت هذه المخاوف إثر الفظائع التي تنفذها مليشيات الدعم السريع في المناطق التي تحتلها؛ بمجرد أن تطأ قدمها هناك.
ووفقا لمختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة ييل الأميركية، تنفذ المنظمة "عمليات تطهير" منذ اقتحام الفاشر، تستهدف في المقام الأول سكان المدينة من غير العرب.
إلى جانب مخاوف المنظمات الإنسانية، يكمن الجانب العسكري البحت. فعندما طُرِدت الدعم السريع من العاصمة الخرطوم قبل بضعة أشهر، توقع بعض المراقبين بداية نهاية الصراع.
إلا أن خسارة الفاشر تشير إلى أن المليشيات ليست في أسوأ حالاتها، بل لا تزال تمتلك القدرة الكافية لشن هجوم. وفق الصحيفة.
وبالعموم، تسببت الحرب في إزهاق أرواح أكثر من 150 ألف شخص، كما دفعت الملايين إلى شفا مجاعة غير مسبوقة.
يُضاف إلى ذلك انتشار العديد من الأوبئة في المناطق النائية، بما فيها العاصمة نفسها، نتيجة تدهور البنية التحتية بمختلف أنواعها. ويتردد الحديث عن وباء الكوليرا المخيف، وكذلك عن فيروس حمى الضنك.

أسلحة ومسيرات
ونوهت إلى أن الإماراتيين نفوا دائما تسليح المليشيات شبه العسكرية، على الرغم من الاتهامات المتواصلة لها من قبل الجيش السوداني.
ومع ذلك، أفادت صحيفة وول ستريت جورنال نهاية أكتوبر 2025 بأن أجهزة الاستخبارات الأميركية لم تؤكد هذا الدعم فحسب، بل رصدت أيضا تزايدا فيه.
ووفقا لمعلومات حصلت عليها الصحيفة، رصدت الاستخبارات الأميركية شحنات “متزايدة من الأسلحة، بما في ذلك طائرات مسيرة صينية الصنع متطورة” إلى قوات حميدتي "منذ الربيع الماضي".
وتحديدا بدأ هذا الدعم منذ أن اضطرت المليشيا الانسحاب من العاصمة، وبالتالي خسارة الميدان.
وهذه التقارير الصادرة من واشنطن تأتي من مؤسستين مختلفتين: وزارة الخارجية ووكالة استخبارات الدفاع، وهي مكتب فيدرالي مرتبط بوزارة الدفاع.
علاوة على ذلك، في أوائل أغسطس/آب، حققت وسائل إعلام أميركية لاتينية، مثل صحيفة "لا سيا فاسيا"، في وجود مئات الكولومبيين في صفوف قوات الدعم السريع، إضافة إلى جنود روس.
ويُزعم أن هؤلاء المرتزقة انضموا إلى قوات حميدتي عبر الإمارات العربية المتحدة، ويعود الفضل في ذلك جزئيا إلى التمويل الإماراتي.
ووفقا لصحفيي "لا سيا فاسيا"، فإن هؤلاء المرتزقة كانوا في السودان ليس فقط كمقاتلين، بل أيضا كمدرّبين.
في ظل هذا الوضع، أجبرت مزاعم الصحيفة اللاتينية الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو على التعهد بإجراء تحقيق، والذي لا يزال مفتوحا حتى الآن. من جانبهم، نفى قادة الإمارات مجددا أي تورط لهم مع مرتزقة كولومبيين.
ونقلت الإسبانيول أن "السودان هو أحدث مثال على كيفية إظهار الدولة الغنية قوتها بشكل سري للتأثير على مسار الصراعات في المناطق الإستراتيجية".
بيَّنت أن اهتمام الإمارات بالسودان ينقسم إلى جبهتين: اقتصادية؛ إذ يمتلك هذا البلد مناجم ذهب ضخمة، وجيوسياسية، مدعومة بوصولها إلى البحر الأحمر.
وفي هذه الجبهة الثانية، تهدف الإمارات إلى تعزيز مكانتها في مواجهة مصالح القوى الأجنبية المتحالفة مع البرهان: مصر والسعودية وإيران.
ولم توجه الولايات المتحدة اتهاما رسميا للإمارات بدعم حميدتي، بل اكتفت حاليا بإدانة دور "الجهات الأجنبية" في تدهور الوضع دون تسمية أي جهة.
علاوة على ذلك، وتماشيا مع نفي الإماراتيين تورطهم في النزاع السوداني، نفت مليشيات الدعم السريع أيضا تلقيها أي دعم منهم.

العصا والجزرة
وتقول الصحيفة الإسبانية: "تتمتع الإمارات، الشريك الرئيس للولايات المتحدة في العالم العربي، بسُمعة طيبة كوسيط في منطقة تهيمن عليها حالة من عدم اليقين والتوتر، خاصة الحروب". وفق تعبيرها.
على سبيل المثال، أسهمت الإمارات في التوسط في اتفاقيات أبراهام التطبيعية خلال الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب مما مكّن العديد من الدول العربية من إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
كما أسهمت - على سبيل المثال لا الحصر - في خطط السلام الأميركية الخاصة بغزة (اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل).
في سياقات أخرى، تمرّ مصالح الدولة الخليجية عبر الدفاع عن فصائل محددة في الحروب الأهلية.
ومن المعروف أنها تدخلت في اليمن لمحاربة الحوثيين، وزودت، وفقا لتقارير أميركية أيضا مليشيا (خليفة حفتر) ليبية مدعومة من روسيا بالأسلحة.
وفي سياق هذا الجانب الثاني، وهو السائد في الحرب السودانية، أبدى الكثيرون في واشنطن معارضتهم للوضع.
وصرّح كاميرون هدسون رئيس الأركان السابق للعديد من المبعوثين الرئاسيين الأميركيين إلى السودان، خلال أكتوبر 2025: "كانت الحرب قد انتهت بالفعل لولا الإمارات".
وأكد أن الشيء الوحيد الذي يُبقي عناصر الدعم السريع في هذه الحرب هو "الدعم العسكري الهائل الذي يتلقونه من الإماراتيين".















