شهادة من الداخل: إسرائيل دولة استعمارية تحكم الفلسطينيين بالقوة

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

نشر الكاتب والصحفي الأميركي اليهودي، والمتعاون مع مجلة ذا أتلانتيك، بيتر بينارت، كتابًا جديدًا بعنوان «أن تكون يهوديًا بعد تدمير غزة»، يقدّم فيه قراءة نقدية للرواية السائدة في دولة الاحتلال الإسرائيلي، ويشكك في الأسس الأخلاقية والسياسية التي تُبرَّر بها الحرب على غزة.

وفي وقت لا تزال فيه الهدنة الهشة بين حركة حماس وإسرائيل قائمة، وسط تبادل الاتهامات بخرقها، يسعى بينارت، في مواجهة الأرقام المتضاربة التي تُفرغ الضحايا من إنسانيتهم، إلى تقديم «منظور مختلف حول إسرائيل وفلسطين والتقاليد اليهودية»، وهو الهدف الذي يصفه بأنه الدافع الأساسي وراء كتابه الأخير.

ومن منزله في نيويورك، عبّر بينارت عن مخاوفه من أن يؤدي التطبيع مع انتهاكات حقوق الإنسان في الشرق الأوسط إلى ترسيخ نموذج سياسي خطير، تسير على نهجه حكومات أخرى، فتقمع شعوبًا تعدها أدنى منها.

وفي حديثه، أقرّ الكاتب بأنه خسر العديد من صداقاته بسبب مواقفه السياسية، مؤكّدًا أن تلك العلاقات لم تصمد أمام الخلافات العميقة حول قضايا إسرائيل وفلسطين.

وحول كتابه، قال بينارت: «أشعر بمسؤولية أخلاقية تفرض عليّ اتباع الحقيقة كما أفهمها، في ضوء ما فعلته إسرائيل. أردت أن أشرح لماذا تُرتكب جرائم بشعة باسم الشعب اليهودي».

فصل عنصري

وحين سُئل عمّا إذا كان يرى أوجه تشابه بين إسرائيل اليوم وجنوب إفريقيا في حقبة الفصل العنصري، قال بينارت: إن «التشابه يكمن في وجود فئات من الناس تُعامل بشكل مختلف بموجب القانون».
وأضاف: «في جنوب إفريقيا كان هناك تمييز قانوني بين البيض والسود، وفي إسرائيل هناك تمييز قانوني بين اليهود والفلسطينيين».

وأوضح أن «الضفة الغربية تخضع لنظامين قانونيين مختلفين تمامًا: أحدهما للمستوطنين اليهود، الذين يتمتعون بالمواطنة وحق التصويت وحرية التنقل وضمانات قانونية كاملة، والآخر للفلسطينيين، الذين يعيشون تحت حكم عسكري».

وأشار في الوقت نفسه إلى وجود اختلافات بين التجربتين، موضحًا أن جنوب إفريقيا كانت تعتمد على العمالة السوداء بدرجة أكبر بكثير مما تعتمد إسرائيل على العمالة الفلسطينية. وقال: «رغم وحشية القمع في جنوب إفريقيا، لم تفكر الدولة حينها في طرد السكان السود أو قتلهم جماعيًا لأنها كانت بحاجة إليهم كقوة عاملة. أما الفلسطينيون، فهم يواجهون خطرًا أكبر، لأن إسرائيل لا تعدهم عنصرًا أساسيًا في سوق العمل، ما يجعل فكرة طردهم الجماعي مطروحة».

وحول جذور الصراع، شدد بينارت على أن «غالبية الفلسطينيين في غزة ينحدرون من عائلات لاجئة طُردت عام 1948، ويعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967».
وأضاف: «في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 شنت حماس هجومًا عسكريًا، لكن معالجة الأزمة تقتضي الذهاب إلى جذورها».

وتابع: «الظلم الأساسي يتمثل في حرمان السكان من حقوقهم الإنسانية الأساسية، وهذا بحد ذاته شكل من أشكال العنف البنيوي. إسرائيل لا تحترم القانون الدولي، وهناك دول، مثل جنوب إفريقيا، تتهمها بارتكاب إبادة جماعية».

الإبادة الجماعية

وفي إجابته عن سؤال حول ما إذا كانت إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، قال بينارت: «نعم، إسرائيل ترتكب إبادة جماعية. هذا ما خلصت إليه منظمات إسرائيلية ودولية، من بينها منظمة بتسيلم، ومنظمة العفو الدولية، والرابطة الدولية لعلماء الإبادة الجماعية».
وأضاف: «رغم أنني لست خبيرًا في القانون الدولي، فإنني أعتقد أن هناك شبه إجماع متزايد حول هذه المسألة».

وفي سياق الحديث عن الاستعمار، قال بينارت: إن «جزءًا كبيرًا من العالم لا يزال عالقًا في مرحلة ما بعد الاستعمار».
وأوضح أن «الشرق الأوسط يشهد استمرار العديد من السمات الاستعمارية في طريقة سيطرة إسرائيل على الفلسطينيين، حيث يتم التعامل معهم كرعايا خاضعين للدولة دون منحهم حق المواطنة، وهو ما ينطبق على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة».

وحول مصداقية أرقام وزارة الصحة في غزة، الخاضعة لسيطرة حماس، أكد بينارت أن «الأمم المتحدة والولايات المتحدة تحققتا من هذه الأرقام، كما أن إسرائيل نفسها تقرّ عادةً بدقة هذه التقديرات».

أما بشأن شعار «من النهر إلى البحر»، فنفى بينارت أن يكون معاديًا للسامية. موضحًا أن «الذين يستخدمونه يقصدون فلسطين محررة من الاستعمار مع وجود اليهود فيها، كما كان الحال تاريخيًا».

في المقابل أشار إلى أن «مؤيدي إسرائيل يفسرونه بوصفه دعوة إلى الطرد أو الإبادة، انطلاقًا من اعتقادهم بأن اليهود لا يمكنهم العيش هناك».

وأكد بينارت أن «الكراهية في الشرق الأوسط تنبع في معظمها من القمع»، موضحًا أن «أي نظام يحرم الناس من المساواة والكرامة يولد الكراهية والعنف، فيما يتغذى نظام القمع ذاته على هذا العنف ليضمن استمراره».

وبشأن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قال: إنه «لا يتمتع بشرعية حقيقية في ظل غياب الانتخابات، فضلًا عن تدني شعبيته»، مضيفًا أنه «تعاون مع إسرائيل للحفاظ على واقع الاحتلال في الضفة الغربية».

وحول رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، رأى بينارت أنه «رسّخ نظام الهيمنة اليهودية، وأسهم في جعل حل الدولتين شبه مستحيل»، مقدرا أنه «يشرف على إبادة جماعية»، ووصفه بأنه «مجرم حرب».

أما عن مروان البرغوثي، فقال بينارت: إن «استطلاعات الرأي تشير إلى أنه السياسي الفلسطيني الأكثر شعبية»، مضيفًا أن «سجنه الطويل منحه مصداقية كبيرة».

وختم بالقول: «قد يكون البرغوثي شخصية قادرة على توحيد الفلسطينيين سياسيًا وبناء قيادة شرعية. وإذا اختاره الفلسطينيون قائدًا لهم، فإن على الحكومات الأجنبية أن تصغي إليه»