"براعة فائقة".. كيف حافظت قطر على علاقتها بأميركا رغم دعمها لحماس؟

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

من وسيط بين إسرائيل وحماس وبين الولايات المتحدة وطالبان، أو بين طالبان وباكستان، أو بين الأطراف التشادية في إفريقيا، تبرز قطر في المشهد السياسي العالمي كلاعب متعدد الأوجه، يتعامل بمرونة مع التناقضات ويحسن توظيف موقعها الجيوسياسي. 

ففي العالم الإسلامي، يُنظر إلى الدوحة كدولة حريصة على القضية الفلسطينية، تدعم نضال الفلسطينيين في مواجهة إسرائيل، أما في الغرب، فغالبا ما تُصور على أنها "الوسيط العالمي" أو "المصلح الدولي"، القادر على التدخل لحل أعقد الأزمات.

هذا ما خلصت إليه صحيفة "إسرائيل هيوم" العبرية التي أبرزت في تقريرها كيف تمكنت الدوحة من ترسيخ مكانتها كوسيط دولي فاعل، مستثمرة الأزمات الإقليمية لتحويلها إلى فرص تخدم أهدافها الإستراتيجية.

ووفقا لتقدير الصحيفة، فقد "تفوقت قطر في هذا المجال على الإمارات، في وقت تواصل فيه دعمها لحركة حماس، دون أي نية للتنصل أبدا عن هذا الدعم".

وسيط دولي

وافتتحت الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى نجاح قطر في ترويج روايتها بشأن دعمها لحماس، رغم تصنيف الحركة "منظمة إرهابية" في بعض الدول الغربية.

وقالت: "بعد أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، توقع البعض أن قطر ستعتذر أو ستسعى إلى النأي بنفسها عن حركة حماس في محاولة للتملص من وصمة المجزرة".

واستدركت: "لكن قطر لم تفعل ذلك، بل حافظت على نهجها الثابت طوال فترة الحرب، مؤكدة أن الأموال التي قدمتها لحماس حُوّلت عبر (الباب الأمامي)، وبموافقة إسرائيل، ولأغراض إنسانية لا عسكرية".

وبحسب الصحيفة "فقد لقى هذا السرد قبولا واسعا على المستوى الدولي".

أما في إسرائيل، فذكرت أن "هذا الموقف الدولي من دعم قطر لحماس أثار المفاجأة؛ إذ بدا أن الطريقة التي (حصنت) بها قطر نفسها ظهرت فجأة على السطح".

وتابعت موضحة: "فمن خلال الاعتماد الأوروبي المتزايد على الغاز القطري (نتيجة العقوبات المفروضة على روسيا)، إلى قدرتها على (اكتساب) النفوذ السياسي والإعلامي والأكاديمي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وصولا إلى بناء سمعة حقيقية كدولة موثوقة؛ استطاعت الدوحة أن تُرسخ صورتها كـ(مُصلح) أو (وسيط) تلجأ إليه القوى الكبرى لحل أزماتها".

وتابعت: "يكفي أن نتذكر كيف لم يتوقف الأميركيون عن الإشادة بقطر بعد أن رتبت لهم (انسحابا هادئا) من أفغانستان عام 2021". 

وأردفت: "وأيضا، العمل على حل (وجع الرأس) الأميركي والعالمي المتمثل في حرب إسرائيل على غزة".

وترى الصحيفة العبرية أن "عدم تخلي قطر عن حماس أتاح لها الاستمرار في جني المكاسب من هذا (الأصل المثير للجدل)"، على حد وصفها.

وأوضحت قائلة: "فعلى مستوى الصورة، يُنظر إلى الدوحة في العالم الإسلامي، وحتى خارجه، كدولة تهتم بالقضية الفلسطينية وتدعم نضال الفلسطينيين ضد إسرائيل".

واستطردت: "أما دبلوماسيا، فلا يوجد بديل حقيقي لها في الوساطة بين إسرائيل وحماس، وفي إيجاد حلول لغزة، بفضل علاقتها الوثيقة بالطرفين، وهي ميزة لا تمتلكها أي جهة أخرى".

عبقرية قطرية 

ولفتت الصحيفة إلى أن قطر ليست الدولة الوحيدة التي حاولت لعب هذا الدور؛ فقد عرضت الإمارات عام 2024 خطة تضمنت نشر قوة متعددة الجنسيات في غزة.

وهي خطة ترى أنها "تشبه إلى حد كبير تلك التي اعتُمدت أخيرا ضمن مبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب".

مع ذلك، أشارت الصحيفة إلى أن قطر “نالت الأفضلية في هذا الاتفاق”. 

وفسرت ذلك: "تمتلك الدوحة مفاتيح الاتصال مع حماس، فكل دولة أخرى تتفاوض علنا مع إسرائيل وتتوصل معها إلى تفاهمات تعد في نظر الرأي العام العربي دولة (تطبع) العلاقات مع إسرائيل، وتدفع ثمنا سياسيا لذلك".

أما الدوحة، فُينظر إليها عربيا وإسلاميا على أنها "وسيط من أجل الفلسطينيين، فهي تدعم حماس وتستضيف قيادتها".

ووفق الصحيفة "هنا تكمن العبقرية الحقيقية لإستراتيجية العلاقات العامة القطرية، فالدوحة قادرة على (استيعاب) أي سيناريو، سواء استمرت حماس في الحكم أو استُبعدت، وسواء كانت السلطة الفلسطينية جزءا من المعادلة أم لا".

في المقابل، أشارت إلى أنه "بينما تواجه دول مثل السعودية أو الإمارات انتقادات بسبب أي تعاون مع إسرائيل، فإن قطر تنجو من هذه الانتقادات حتى عندما يظهر قادتها وهم يصافحون علنا شخصيات إسرائيلية بارزة أثناء المفاوضات؛ حيث يدرك الرأي العام العربي أن قطر راعية للقضية الفلسطينية".

مصارع ماهر 

ومع ذلك، واجهت الدوحة حدثين غير متوقعين، تقول صحيفة "إسرائيل هيوم".

وتابعت: "رغم جهودها الدبلوماسية والمالية الهائلة، أدت هذه الجهود خلال ثلاثة أشهر إلى تورطها في تلقي هجمات إيرانية وإسرائيلية جعلتها في قلب دائرة النار".

وبحسب الصحيفة، فإن "هذا الفشل القطري يعكس ثغرات في إستراتيجيتها، ناتجة عن سوء تقدير الواقع، خصوصا فيما يتعلق بنوايا إسرائيل".

واستدركت: "لكن هذا الحدث نفسه كشف عن البراغماتية الباردة للعائلة الحاكمة، فقطر لم تُفسد العلاقات أو (تكسر الأدوات)".

وأردفت: "بل كمصارع ماهر، استطاعت خلال شهر واحد استغلال القوة العسكرية التي مارستها إسرائيل، لفرض وقف إطلاق نار كانت هي والولايات المتحدة تسعيان إليه لما يقرب من عامين".

واستدرك: "صحيح أن الصواريخ التي سقطت في أحد الأحياء الراقية بالدوحة أثارت صدمة غير مسبوقة، لكن الزخم الناتج عنها دفع جميع الأطراف إلى التحرك نحو التهدئة".

واستطرد: "فالولايات المتحدة التي وجدت نفسها في موقف محرج، ضغطت على إسرائيل للتوصل إلى تفاهمات تنهي الحرب، فيما أقنعت قطر حماس بالموافقة على إطلاق سراح الأسرى دفعة واحدة".

واسترسل: "أما اللاعبون الآخرون -مثل الإمارات وتركيا وعدد من دول المنطقة- فقد أصيبوا بالذعر بعد تجاوز الخطوط الحمراء، وساهموا بدورهم في تكثيف الضغط على الحركة".

لذلك، ترى الصحيفة أن “قطر هي الرابح الأكبر في هذه العملية؛ فقد صدر مرسوم رئاسي يمنحها وضعا خاصا، لتصبح واحدة من الدول القليلة في العالم -إلى جانب دول حلف الناتو وكوريا الجنوبية- التي تحظى بوثيقة ضمان عسكري أميركي”.

إضافة إلى أنها "لا تزال تحتفظ بموقعها القريب جدا من مركز القرار في ملف غزة".

واختتمت الصحيفة بالقول: إن "قطر قد تبدأ في مواجهة منافسة محتملة من دول أخرى، فقط في حال تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق والتي تتضمن نشر القوة متعددة الجنسيات".