قطر وتركيا والصين.. كيف أوقفت القصف العسكري بين أفغانستان وباكستان؟

منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بصورة مفاجئة، اتفقت أفغانستان وباكستان على وقف فوري لإطلاق النار خلال محادثات استضافتها الدوحة، بعد أعنف اشتباكات على الحدود بين البلدين منذ سيطرة حركة طالبان على السلطة في كابول عام 2021.

ففي مساء الرابع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول 2025، تعرض أحد المواقع العسكرية في إقليم خيبر بختونخوا الباكستاني لهجوم صاروخي أسفر عن مقتل خمسة جنود. 

وفي صباح اليوم التالي، نفذت طائرات حربية باكستانية غارات جوية عبر الحدود استهدفت مواقع في أفغانستان، مما أثار غضب نائب وزير خارجية طالبان، شير محمد عباس ستانيكزاي، الذي وصف الهجوم بأنه "جبان ووحشي".

ردا على التصعيد، أغلقت باكستان جميع المنافذ الحدودية مع أفغانستان، في حين أعلنت الأخيرة أنها "ستدافع عن كل شبر من أراضيها". 

ومع ذلك، وبعد يومين فقط، في السادس عشر من أكتوبر، سارع نائب وزير الخارجية الأفغاني، محمد نعيم، إلى لقاء السفير الصيني في كابول.

ومع اقتراب الوضع من الانفلات، تدخلت قطر لتلعب دور الوسيط، ففي السابع عشر من أكتوبر، وصل وفدان رفيعا المستوى من طالبان وباكستان إلى الدوحة بشكل سري؛ حيث رتبت السلطات القطرية مكانا للمفاوضات. 

وبحسب موقع "سوهو"، كان الحضور لافتا؛ إذ ضم الوفد الباكستاني وزير الدفاع ورئيس جهاز الاستخبارات، بينما مثّل طالبان مسؤولون من الجيش وجهاز الاستخبارات، كما حضر رئيس جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم قالن المفاوضات.

نهج حاسم 

ويرى الموقع الصيني أن "هذا التمثيل رفيع المستوى أظهر بوضوح أن الأمر لم يكن مجرد لقاء رمزي، بل مفاوضات حقيقية وجدية".

ووفق وجهة نظره، "لم تكن هذه المحادثات تدور فقط حول وقف إطلاق النار، بل كانت في جوهرها تسعى إلى إيجاد مخرج يحفظ ماء الوجه للطرفين".

وأردف: "فحركة طالبان التي تعرضت مواقعها للقصف، لم تكن لتقبل بالرضوخ السريع حتى لا تبدو ضعيفة أمام الداخل، فيما كانت باكستان تبحث عن اعتراف بحقها في الرد، ولا يمكنها أن تتجاهل الهجوم وكأن شيئا لم يحدث".

وهنا برز دور الدوحة، كما يشير الموقع: "لعبت قطر دورا حاسما في الوساطة؛ إذ عملت الدوحة على إقناع طالبان بعدم المضي في التصعيد، وفي الوقت ذاته قدمت لباكستان ضمانات بأن الطرف الآخر سيتخذ خطوات ملموسة لتهدئة الأوضاع". 

ومن ثم، وبعد يومين من المفاوضات في الدوحة، توصل الطرفان إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وجاء في أبرز بنوده: "الوقف الفوري لإطلاق النار وإنشاء آلية مراقبة مشتركة"، وهو ما شكل عمليا تجميدا للصراع ووضع الأزمة مؤقتا على وضع الانتظار.

"لكن طالبان لم تكتف بالتوقيع على الاتفاق، بل اتخذت عقب توقيعه إجراءات داخلية لافتة". يقول الموقع.

وتابع موضحا: "إذ سارعت إلى استبدال عدد من حكام المقاطعات الحدودية، خاصة في إقليم بدخشان الذي شهد أعنف المواجهات".

ولفت إلى أنه "في نظام كطالبان، مثل هذه التغييرات ليست أمرا اعتياديا، ما يشير إلى رغبة حقيقية في تهدئة الوضع ومنح باكستان مخرجا يحفظ هيبتها".

ورغم أن الكثير اعتبر هذه الخطوة من طالبان بمثابة تراجع، إلا أن الموقع أشاد بخطوة الحركة قائلا: "الواقع أن طالبان أدركت حدود قدرتها، فخوض الحرب أمر ممكن، أما السيطرة على تداعياتها فهو الأصعب".

وأضاف: "فالحركة لم تنل بعد اعترافا دوليا، وتعاني من نقص حاد في الأموال والموارد والدعم الخارجي، وأي تصعيد مطول كان سيؤدي إلى إنهاكها قبل خصومها".

أما عن اختيار الدوحة كمكان للمفاوضات، فيرى الموقع أن ذلك له "أسباب واضحة؛ إذ تتمتع الدوحة بمكانة فريدة تتيح لها أن تكون جسرا موثوقا للطرفين، فهي ترتبط بعلاقات وثيقة مع طالبان من جهة، وبشراكات اقتصادية خاصة في مجال الطاقة مع باكستان من جهة أخرى".

"والأكثر أهمية من ذلك، أن الدوحة راكمت خبرة طويلة في مجال الوساطة الدولية؛ إذ نجحت سابقا في التوسط لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس استمر 42 يوما، وشاركت في محادثات حساسة بين روسيا وأوكرانيا وكذلك بين الولايات المتحدة وروسيا". وفق الموقع.

واستطرد: "وهكذا، لعبت قطر مرة أخرى دور الوسيط الهادئ الذي يجيد إدارة الأزمات المعقدة، لتمنع تفجر مواجهة جديدة بين جارين يمتلكان تاريخا طويلا من التوتر، ولتؤكد مجددا مكانتها كعاصمة دبلوماسية قادرة على جمع الخصوم حول طاولة الحوار".

إلا أن الجهود القطرية رافقها دور تركي بارز أيضا، حيث وصف الموقع التدخل التركي قائلا: "لم تطلق أنقرة رصاصة واحدة أو تتدخل عسكريا لكنها لعبت بورقتها الرابحة".

وأرجع هذا الدور البارز إلى العلاقات التركية الراسخة مع باكستان، وقال: "قد يتساءل البعض: كيف أصبحت تركيا، وهي بعيدة جغرافيا عن ساحة الصراع، لاعبا محوريا في هذه الأزمة؟ الحقيقة أن العلاقة بين تركيا وباكستان ليست وليدة اللحظة، بل تمتد جذورها إلى قرون مضت".

فمنذ عهد الدولة العثمانية، وقف المسلمون في الهند البريطانية -التي تُعد النواة التاريخية لباكستان- إلى جانب الأتراك، وقدموا الدعم المالي والمعنوي لنضالهم من أجل الاستقلال. 

وتابع: "وعلى مدار العقود التالية، ظلت العلاقات بين البلدين وثيقة، ولم تنقطع أواصر التعاون في المجالات العسكرية والاستخباراتية والتجارية، وباختصار، يمكن القول: إن تركيا تمثل (الأخ الأكبر) لباكستان".

أما علاقتها مع طالبان، فأشار الموقع إلى أنها "تعززت بفعل القواسم الثقافية والدينية المشتركة، إلى جانب أن تركيا، رغم عضويتها في حلف شمال الأطلسي، لا تعد حليفا تقليديا للغرب، ما يجعلها في نظر طالبان طرفا يمكن الوثوق به والتحاور معه".

لذلك، يرى "سوهو" أنه "لم يكن مفاجئا أن تعلن تركيا، فور توقيع اتفاق الدوحة، عن دعوتها للطرفين لاستئناف المحادثات في أنقرة بتاريخ 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2025". 

مضيفا أن "هذه الخطوة لم تكن مجرد مبادرة عفوية، بل جاءت ضمن ترتيبات مسبقة ومدروسة بعناية".

واستطرد: "الورقة التي لعبتها أنقرة لم تكن عسكرية، بل دبلوماسية بامتياز، فقد وفرت منصة للحوار، وتولت دور الوسيط، مما لبى تطلع طالبان إلى معاملة ندية، وفي الوقت ذاته منح باكستان شعورا بوجود داعم قوي يقف خلفها".

"وبهذا، أثبتت تركيا أن براعتها في إدارة الملفات الإقليمية تتجاوز منطق القوة إلى فنون السياسة". وفق تعبير الموقع.

توازن صيني 

وذكر الموقع الصيني أنه من منظور الدولة الصينية، فإن هذا المشهد مألوف للغاية، فعلى مر السنين، روجت بكين لمبادئ التعايش السلمي الخمسة، التي تهدف إلى تقليل النزاعات بين الجيران وتعزيز الحوار.

وأردف: "تؤمن الصين بأهمية الاستقرار في محيطها الإقليمي، خصوصا في بلدين مثل أفغانستان وباكستان اللذين يشكلان ممرا حيويا في مبادرة (الحزام والطريق)، إذ إن أي اضطراب في هذه المنطقة قد يؤثر سلبا على التنمية الإقليمية بأكملها".

من هذا المنطلق، أبرز الموقع دور الصين في وقف إطلاق النار بين الطرفين؛ حيث أشار إلى طلب نائب وزير الخارجية الأفغاني، شير محمد عباس ستانيكزاي، المساعدة من الصين، في خطوة عدها الموقع "انعكاسا لرغبة طالبان في الحصول على دعم سياسي يعزز موقفها".

وذكر أن هذا هو نهج طالبان خلال الفترة السابقة: "فخلال الأشهر الماضية، سعت حركة طالبان إلى توثيق علاقاتها مع الهند، خاصة في مجالات المساعدات الغذائية ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي، في محاولة منها لاستخدام القوى الخارجية لموازنة الضغط الباكستاني".

"ومن نفس المبدأ، توجه ستانيكزاي إلى الصين؛ حيث تبحث أفغانستان عن طرف قادر على ممارسة ضغط مباشر على باكستان، إلا أن الصين اختارت عدم الانحياز لأي طرف، وفضّلت لعب دور الوسيط المحايد، مساعدة الطرفين على فهم تعقيدات كل منهما". يقول الموقع.

ويكمل: "ففي تصريحاتها، شددت بكين على (احترام سيادة أفغانستان ووحدة أراضيها)، وهو ما منح كابول مساحة من الاعتراف والكرامة السياسية، وفي الوقت نفسه، أعربت عن (تفهمها لاحتياجات باكستان في مكافحة الإرهاب)، ما جعل إسلام آباد تشعر بأنها لم تُهَمّش".

ويرى الموقع إلى أن "هذا الموقف المتوازن لم ينحز إلى أفغانستان ولم يتجاهل تحديات باكستان، بل استهدف بدقة نقاط الضعف لدى كلا الطرفين".

فمن جانبها، تواجه باكستان ضغوطا أمنية هائلة؛ إذ تتعرض لهجمات من حركة طالبان الباكستانية في الغرب، بينما تظل في حالة تأهب دائم تجاه التحركات العسكرية الهندية في الشرق. 

وفي الوقت ذاته، يتعرض ميناء جوادر، أحد أبرز مشاريع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، لهجمات متكررة، ما يضاعف من حجم التحديات الأمنية التي تواجهها البلاد.

وبحسب الموقع، فإنه "في ظل هذا الوضع المعقد، فإن استمرار التصعيد مع أفغانستان سيزيد من تأزم المشهد الأمني في باكستان".

أما طالبان، فيعتقد الموقع أنه "رغم تمسكها العلني برفض الغارات الجوية، إلا أنها تدرك أن عملياتها الميدانية تعتمد في كثير من الأحيان على المعلومات التي توفرها الاستخبارات الباكستانية، وبدونها ستفقد القدرة على تحديد مواقع خصومها بدقة".

"يضاف إلى ذلك أن المساعدات الغذائية التي وعدت بها الهند لم تصل بعد، وأي توتر كامل مع باكستان قد ينعكس سلبا على تدفق هذه المساعدات في المستقبل". وفق تقييم الموقع.

لا للإملاءات

ورغم نجاح عقد المفاوضات، إلا أن الموقع الصيني لفت إلى أن المشكلات بين الطرفين ما زالت قائمة ولن تحل بسهولة.

وأردف: "تم التوصل إلى الاتفاق في اللحظات الأخيرة من مهلة وقف إطلاق النار المؤقت التي استمرت 48 ساعة، ما يدل على استمرار حالة التوجس بين الطرفين، حيث لا يرغب أي منهما في تقديم التنازلات أولا".

وأضاف: "ورغم أن طالبان أظهرت استعدادا للتعاون، إلا أن جوهر الأزمة لم يُحل بعد، فشكوك باكستان تجاه طالبان لن تتبدد بين ليلة وضحاها، وحركة طالبان باكستان لا يمكن احتواؤها بمجرد تغيير بعض حكام الولايات".

في هذا السياق، يقدر الموقع أن باكستان "تأمل أن تقوم طالبان بعملية (حقيقية وحاسمة) لتصفية حركة طالبان الباكستانية".

وحول فرص قيام طالبان بذلك، قال: "الواقع أن هناك تقاربا أيديولوجيا بين الطرفين، وإذا أقدمت طالبان على حملة عسكرية صارمة ضد طالبان باكستان، فقد يؤدي ذلك إلى انقسامات داخلية في صفوفها".

في الوقت نفسه، توقع أنه "إذا لم تقم طالبان بتفكيك البنية الإرهابية داخل أراضيها بشكل جذري، فإن باكستان ستظل في حالة تأهب دائم".

في المقابل، "تطالب أفغانستان باعتراف باكستان بوجود خلاف حول (خط دوراند)، وهو الخط الحدودي الذي رسمته بريطانيا في الحقبة الاستعمارية، وتعده باكستان حدودا رسمية، بينما ترى فيه طالبان قضية سيادية شائكة يصعب التنازل عنها".

ولفت الموقع إلى أنه "لا يمكن تجاهل الدور الهندي في هذه المعادلة، فالهند تسعى بلا شك إلى استخدام علاقتها مع أفغانستان كورقة ضغط على باكستان".

"وبالتالي، فإن نجاح المفاوضات بين كابول وإسلام أباد يبقى مرهونا بعدم تدخل الهند أو تأثيرها في الخلفية، وهو أمر لا يزال غير محسوم". حسب تقديره.

من جهة أخرى، شكك في التزام جميع أفراد حركة طالبان بوقف النار؛ حيث يرى أن "طالبان نفسها ليست كتلة متجانسة؛ فهناك فصائل محلية، وتيارات دينية، وتباينات في الولاء، ما يجعل من الصعب ضمان الالتزام الكامل بوقف إطلاق النار".

واستطرد: "فاليوم تُعلن القيادة عن التهدئة، وغدا قد يرفض أحد القادة الميدانيين ذلك، فتعود الاشتباكات من جديد، مما يهدد الاستقرار الهش".

في المحصلة، يرى الموقع أن "الانتقال من القصف إلى الحوار لم يكن وليد العاطفة، بل نتاج ضغوط واقعية ومواجهة ذكية، فقبول طالبان بالتفاوض لا يعني خضوعا، بل إدراكا لحجم التحديات، أما تشدد باكستان فلم يكن استعراضا للقوة، بل دفاعا عن أمنها القومي".

أما الوساطة التركية والقطرية، فهي تثبت من وجهة نظره أن "دول المنطقة تمتلك القدرة والإرادة لحل خلافاتها بأسلوبها الخاص، بعيدا عن الإملاءات الخارجية".