"الضربة الأكبر".. هل تمكنت إسرائيل من اختراق الحوثي بعد اغتيال محمد الغماري؟

"الحوثي أعلن مقتل الغماري مع نجله دون ذكر تاريخ ومكان استهدافه"
في ثاني أكبر ضربة يتلقاها الحوثيون في اليمن خلال أقل من شهرين، أعلنت الجماعة مقتل رئيس هيئة أركانها، محمد الغماري، في هجوم إسرائيلي، وذلك بعد استهداف سابق نال حكومة الحوثيين في صنعاء (غير معترف بها)، وأودى بحياة رئيسها وعدد من وزرائها.
إعلان الحوثي مقتل الغماري، في 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، أثار العديد من التساؤلات بخصوص ما مدى تأثير مقتله على فاعلية الجماعة العسكري في حربها مع إسرائيل، وما مصير هذه الحرب بين الطرفين بعد اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
ولم يذكر الحوثيون أي تفاصيل بشأن مقتل الغماري الذي أُعلن خلال فترة هدوء من المواجهة مع إسرائيل، مع سريان اتفاق غزة في 10 أكتوبر، بعد عامين من حرب إبادة شنها الاحتلال، وارتقى على إثرها أكثر من 67 ألف شهيد فلسطيني.

اختراق كبير
وبخصوص مقتل الغماري وما يمثله من أهمية للحوثيين، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي: إن “اغتياله يُعد اختراقا مهما كونه استهدف رئيس هيئة الأركان، الذي يفترض أنه منصب عسكري ضمن هيكلية الجماعة التي أصبحت شبه دولة في صنعاء”.
وفي الوقت الذي استبعد فيه التميمي أن يُحدث مقتل الغماري خسارة فادحة للحوثيين، أكد لـ"الاستقلال" أن "الأهمية تكمن في وصول إسرائيل إلى مستويات قيادية رفيعة في الهيكل العسكري للجماعة، وهذا يمثل اختراقا كبيرا، أما أن يقتل هذا الشخص أو ذاك فإنّ المسألة لا تتوقف على أحد، وإنما هي خبرات عسكرية بإمكان شخصية أخرى تسد مكانه".
ورأى أن "أخطر ما في الأمر هو أنه ثمة اختراق، وأنه ليس من الجو وإنما على الأرض، بمعنى أن الجماعة ليست محصنة، وأنها تتعرض لنفس الظروف والملابسات التي مر بها حزب الله اللبناني قبل أن يتم القضاء على هيكله القيادي بالكامل، لكن مع ذلك بقي حزب الله وبقي له سلاح وأعيد هيكلته وترميمه".
وشدد الخبير اليمني على أن “هذا الاختراق الذي أودى بحياة الغماري، يعني أنه بالإمكان تكرار العملية، ويجعل الحوثيين عرضة للانكشاف والملاحقة من طرف لديه إصرار على إلحاق الأذى بها، على عكس الحروب التي خاضتها الجماعة مع بقية الأطراف”، في إشارة للتحالف السعودي الإماراتي.
وتوقع أنه "وفقا للتهديدات الإسرائيلية، فإن الضربات من الممكن أن تستمر وتبقى الجماعة هدفا مفتوحا بالنسبة لإسرائيل خاصة أنها والولايات المتحدة يربطان بين الحوثي وطهران، وهناك حديث عن مواجهة عسكرية مع إيران لن يكون الحوثيون في منأى عنها".
وفي تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، في 17 أكتوبر، أوضحت أن مقتل الغماري يُعد خسارة كبيرة لهيكل القيادة لدى الحوثيين، مرجحة أن يكون له تأثير إستراتيجي يتجاوز أي عملية اغتيال سابقة، رغم مقتل عدد من القيادات البارزة سابقا.
من جانبها، وصفت صحيفة "نيويورك تايمز" مقتل الغماري بأنه "إحدى أقسى الضربات" التي تعرضت لها قيادة الحوثيين منذ سنوات، لكنها أشارت في الوقت نفسه إلى أن هذا الاغتيال لن يشلّ قدرات الجماعة بشكل كامل؛ نظرا لأنها لا تقوم على قيادة فردية فقط.
وأعلنت الحوثي تعيين اللواء الركن يوسف حسن إسماعيل المداني رئيسا لهيئة الأركان العامة، خلفا للغماري، الذي كان يُعد أحد أبرز القادة العسكريين في صفوفها، وبرز اسمه مرارا في الهجمات ضد إسرائيل، كما أدرجته الأخيرة ضمن قائمة الشخصيات المستهدفة.

"الورقة الحوثية"
وعلى الصعيد ذاته، قال المحلل السياسي اليمني، عبد الباقي شمسان لـ"الاستقلال": إن "اغتيال الغماري وغالبية أعضاء حكومة الحوثي يضعنا أمام حقيقة، هو أن هذه الجماعة وغيرها من الجهات المرتبطة بإيران، قادرة على إيجاد بدائل في حال جرى استهداف القيادات وتصفيتها".
وبحسب شمسان، فإنه "مهما كان البديل فإنه يكون غالبا لاستمرار أداء الآليات التنظيمية والقتالية والسياسية والعسكرية، لكن عمليات الاغتيال تحدث هزة معنوية للجماعة خاصة عندما يتم استهداف قيادات".
ويرى أن "الحوثي ستتأثر على المستوى المعنوي والقوة لديها، وحتى في الداخل اليمني الذي كان يعد الوصول للقيادات الحوثية أمرا في غاية الصعوبة نظرا للجغرافيا اليمنية وبعدهم عن إسرائيل".
وتابع: "لكن هذا الاستهداف كان له تداعيات معنوية وعسكرية وأخرى على فائض القوة لدى إسرائيل، بمعنى أنها أنهت حزب الله في لبنان وتستهدف سوريا اليوم، وهي كذلك تضرب الحوثيين على بعد ما يفوق الألفي كيلومتر من الأراضي المحتلة".
وعن مصير الحرب بين الحوثيين وإسرائيل بعد توقف العمليات في غزة، قال شمسان: إن "إيران لم يعد لها غير الورقة الحوثية في اليمن؛ لأن حزب الله في لبنان بوضع حرج وغير قابل للمناورة كما في السابق، وأن الحشد الشعبي في العراق جرى تحييده بشكل مباشر، وأن سوريا اليوم تحت إدارة جديدة".
ورغم أن الحرب في غزة انتهت، "لكن الحوثي اليوم عاد إلى المربع الصفر وذلك باعتقال موظفي الأمم المتحدة بحجة أنهم عملاء وجواسيس ووضعوا في السجون". وفقا لحديث شمسان.
ولفت إلى أن “القبض على هؤلاء الموظفين يخفف الجانب المعنوي، كونهم يريدون أن يصوروا للآخرين أنهم أقوياء وغير قابلين للاختراق، وإنما اخترقوا من مؤسسات دولية، وبالتالي تحميل طرف آخر مسؤولية ما حصل، وليس القدرة التقنية لإسرائيل أو وجود دول إقليمية تتبادل المعلومات مع الأخيرة”.
وأشار شمسان إلى أن “هناك ضغطا وتهديدا حوثيا على السعودية التي لديها مشروع 2030 ويحتاج إلى استقرار أمني، لذلك هذا سيجعل الأخيرة إما أن تدخل في حوار مع الحوثيين، أو إيجاد مخرج لإنقاذ إيران من وضعها الحرج بعد العقوبات الأممية عليها”.
وأعرب عن اعتقاده بأن الحوثيين "فقدوا مكانتهم كورقة مقبولة دوليا؛ لأن المجتمع الدولي قدم لهم فرصا كثيرة، بدءا من محادثات الكويت إلى ستوكهولم والمفاوضات الطويلة حتى يكونوا طرفا في الحقل السياسي اليمني".
وتوقع شمسان أن “تستمر إسرائيل في شن هجماتها على اليمن؛ لأن حكومة بنيامين نتنياهو ستتعرض إلى ضغوط داخلية بأنها لم تحقق شيئا في غزة رغم أنها دمرت وقتلت الآلاف، لكنهم كانوا يطمحون إلى تهجير الفلسطينيين وإعادة احتلال القطاع”.
كما توقع أن “تشن إسرائيل هجمات ضد الحوثيين في أي لحظة، وذلك لتحقيق أهداف معينة أو إعادة لحمة الشارع الإسرائيلي والتحرر من الضغوط بتحقيق بعض الانتصارات الخارجية، والحديث عن أنها قوية وتواجه أعداء إسرائيل”.
وعلى ضوء ذلك، يعتقد شمسان أن "يفتح الحوثي جبهات داخلية في مأرب وتعز، ونحو الداخل اليمني الذي يغلي ولديه أزمة رواتب وقمع، بحجة متابعة العملاء والخونة وإدخال الخصوم السجون، إضافة إلى فتح جبهات على مستوى الإقليم وتحديدا في البحر الأحمر والمياه الدولية".

اختراق الجدار
ولم يكن الغماري أبرز شخصية يستهدفها الاحتلال في صفوف الحوثيين، فقد قتل رئيس حكومة الحوثيين أحمد غالب الرهوي مع 9 وزراء إضافة إلى مدير مكتب رئاسة الوزراء وسكرتير مجلس الوزراء، وذلك خلال قصف على صنعاء في 28 أغسطس.
وعن تداعيات استهداف إسرائيل مسؤولين كبارا للحوثيين، ومدى اختراقها للجماعة، قال الخبير العسكري اليمني، محمد الكميم: إن "هذه الضربة قوية بحجمها ومكانها، ونوعية الأشخاص الذين استهدفتهم، كونهم يشكلون حكومة بكامل أركانها مع رئيس الوزراء".
وأوضح الكميم خلال حديث سابق لـ"الاستقلال" في 5 سبتمبر، أن "الضربة تؤكد أن إسرائيل تمكنت من إحداث ثغرة في جدار الجماعة الحوثية وبنيتها القيادية رغم أن الأخيرة حاولت بكل قوتها أن تتجنب أخطاء إيران وحزب الله، وذلك بتأمين تحركاتها واتصالاتها".
ورأى أن "فشل جماعة الحوثي في تجنب الأخطاء التي كلفتها الكثير، جاء بسبب التفوق التكنولوجي والعسكري الذي تتميز به إسرائيل عن غيرها".
وشدَّد الكميم على أن "هذا الحدث مهم وكبير وله ما بعده، بعدما رأت إسرائيل أن ضرب البنية التحتية اليمنية في السابق لن يغير من سلوك هذه الجماعة، لذلك وجّهت ضربة إقصائية كبيرة جدا لها".
وبحسب الخبير اليمني، فإن "الضربة الإسرائيلية استطاعت أن تشلّ قدرات الحوثيين من الداخل، وهذه الاستهدافات سيكون لها آثار كبيرة جدا في الوضع العسكري للجماعة".
ومنذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، استهدف الحوثيون السفن الداعمة لإسرائيل في البحر الأحمر، ثم وسّعوها بضرب الأراضي المحتلة بالصواريخ، الأمر الذي ردت عليه تل أبيب بضربات مكثفة على منشآت حيوية، وهذه المرة الثانية التي تغتال فيها شخصيات كبيرة.
وأعلن الحوثيون مقتل رئيس أركان الجماعة محمد عبد الكريم الغماري أحد أبرز القادة العسكريين فيها "أثناء تأدية واجبه"، حسبما نقلت وكالة "سبأ" التي تسيطر عليها الجماعة.
وأوضحت الوكالة في 16 أكتوبر، أن الغماري قُتل مع ابنه وبعض مرافقيه إثر غارات أميركية إسرائيلية على اليمن خلال معارك إسناد غزة (من دون ذكر التاريخ)، مؤكدة أن الصراع مع إسرائيل لم ينته، وأن الأخيرة "ستنال عقابها الرادع على الجرائم التي ارتكبتها".
وبعد إعلان الحوثيين مقتل الغماري، قال وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس في بيان: "أعلنت منظمة الحوثي للتو أن رئيس أركان الحوثيين، الذي استهدف في الضربة القوية التي قضت على معظم قيادات الحوثيين في اليمن، قد توفي متأثرا بجراحه، لينضم بذلك إلى زملائه من (محور الشر) المهزوم في أعماق الجحيم".
وفي 24 ديسمبر/ كانون الأول 2024، هدد كاتس علنا بأن تل أبيب ستلاحق كبار قادة الحوثيين أيضا، قائلا: "سنضرب البنى التحتية الإستراتيجية للمنظمة الإرهابية، وسنقطع رؤوس قادتها.. وهذا ما سنفعله في الحديدة وصنعاء أيضا". وفق تعبيره.
وكانت الهجمات الإسرائيلية السابقة قد استهدفت في أغلبها البنى التحتية المدنية في اليمن كالموانئ ومطار صنعاء ومحطات كهرباء ومواقع تخزين وقود، بذريعة أنها تُستخدم من قِبل الحوثيين.














