أنفق ملايين الدولارات.. كيف ارتدت مهرجانات المرح السعودية على ابن سلمان؟

إسماعيل يوسف | منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

على مدار أسبوعين، عُقد في السعودية مهرجانان للترفيه (جوي فورم) والكوميديا، ضمن سياسة المرح التي يتبعها النظام لتغييب الوعي داخليا، وتلميع صورته خارجيا، بإظهار انفتاحه على الغرب، وتخليه عن محافظته الدينية السابقة. 

الأول: هو "مهرجان الرياض للكوميديا"، وهو مهرجان ترفيهي متخصص بكوميديا “الستاند أب” (عروض كوميدية حية) يُقام في الرياض، استضاف كبار نجوم الكوميديا العالميين والمحليين مقابل مبالغ مالية خيالية.

حيث حضره أكثر من 50 فنانا كوميديا عالميا في عروض مباشرة أمام الجمهور، مع تركيز على الترفيه أكثر من الجانب الصناعي التقني، وأقيم في "بوليفارد سيتي" في الرياض، من 26 سبتمبر/ سبتمبر إلى 9 أكتوبر/تشرين الأول 2025.

والثاني: "جوي فورم" (Joy Forum)، وهو مهرجان للمرح، يُعقد في الرياض أيضا، ضمن سياسة الترفيه، لكنه يضم جلسات حوارية، تضم ممثلين هنود وأجانب مشاهير في مجالات الترفيه، من 16 إلى 17 أكتوبر.

وسبق هذا مهرجان جوي أووردز (Joy Awards) في يناير/ كانون الثاني 2025، وهو حفل سنوي تُنظمه هيئة الترفيه، كجزء من فعاليات موسم الرياض، لتكريم نجوم هوليوود الأميركيين والأوروبيين ومشاهير الموسيقى وغيرهم.

ويشرف على هذه المهرجانات تركي آل الشيخ، رئيس هيئة الترفيه، وهو أيضا مستشار ولي العهد محمد بن سلمان، لكن يبدو أن الأموال التي أُهدرت على هذه الفعاليات، بهدف تلميع النظام، لم تؤتِ أكلها، وارتدت ضده.

فهاجم بعض من تم استضافتهم من النجوم والكوميديين، نظام المملكة وانتقدوا ملفات حقوق الإنسان وقمع الصحافة والحريات، بل وأعلن بعضهم التبرع بجزء مما تقاضوه لصالح دعم الحريات في المملكة.

وهو ما جعل الهدف من المهرجانات، وهو تلميع صورة النظام، ينقلب إلى عكس المأمول منه.

وفي السنوات الأخيرة، استثمرت السعودية بشكل كبير في الرياضة والترفيه، وأنفق على هذه الأنشطة تركي آل الشيخ، رئيس الهيئة العامة للترفيه، مليارات الدولارات، وفق تقارير أجنبية.

وتقول المملكة: إن هذه المهرجانات، ضمن إستراتيجية "رؤية 2030" التي تهدف إلى ترسيخ مكانة المملكة كوجهة ثقافية وتنويع اقتصادها، لكن هدفها هو تلميع صورة البلاد خارجيا، وإظهار ابتعادها عن "التشدد الديني".

مهرجانات مليونية

لأن مهرجان "الكوميديا" و"جوي فورم 2025"، استضافا أبرز نجوم الترفيه من أنحاء العالم، وركزا على صناعة الترفيه، فقد تم الإنفاق ببذخ عليهما، سواء لجهة دفع مقابل مالي ضخم لحضور المشاهير والنجوم، أو نفقات التجهيز.

ومع أن النفقات ظلت سرية، ولم يُعرف بدقة كم تقاضي كل الفنانين العالميين والكوميديين، كمقابل لحضور مهرجانات: الكوميديا، وجوي فورم وجوي أوواردز، فقد تسربت بعض المعلومات.

تبين أن أجور الممثلين العالميين، الذين تم إحضار أغلبهم لالتقاط الصور مع تركي آل الشيخ، بلغت ملايين الدولارات.

ما تم الكشف عنه حتى الآن، هو تأكيد الكوميدي "تيم ديلون"Tim Dillon إنه عُرض عليه 375 ألف دولار، لأداء عرض واحد في مهرجان الرياض للكوميديا، وأخذ إجمالي 569 ألف دولار (تتضمن تكاليف الإقامة) مقابل سفر للسعودية.

والمفارقة أنه تم استبعاد تيم ديلون من قائمة المؤدين بسبب النكات التي أطلقها في برنامجه الصوتي حول ما اسماه "العبودية في المملكة العربية السعودية".

وأكدت تقارير صحفية، إن بعض الفنانين الآخرين عُرضت عليهم مبالغ تصل إلى 1.6 مليون دولار لأداء عرض كوميدي واحد، حسبما قالت شبكة "إيه بي سي" الأميركية، 30 سبتمبر 2025.

ولم تصدر أرقام رسمية تبين ما تقاضاه الفنانين، لكن بعضهم حصل على أموال ضخمة، مثل كريغ شوي والمواهب الكبيرة مثل ديف شابل أو كيفين هارت وأخرين، وفق مجلة "نيوزويك" الأميركية، 30 سبتمبر 2025.

وتكرر الأمر في "جوى فورم" الذي استضاف أبرز نجوم السينما في الهند وكوريا وأميركا وغيرها، وأنفقت الملايين على دعوتهم وسط غضب شعبي لإنفاق الأموال ببذخ في مهرجانات لا تفيد السعوديين، وتُعقد للوجاهة السياسية وتلميع النظام.

ولا توجد أرقام رسمية عما تقاضاه نجوم السينما الهندية (سلمان خان، شاروخان، عامر خان، ورزان جمال) مقابل حضورهم مهرجان "جوي فورم"، بسبب سرية العقود.

إذ إن معظم عقود الظهور تحتوي بنود سرية ومبالغ غير معلنة، وفق تقارير هندية وغربية.

وهناك مواقع هندية تقدم قوائم أسعار غير رسمية تقريبية لأسعار ظهور نجوم بوليوود في الفعاليات مثل موقع "سكاي ايفنت إنديا" SKY Events India و"ماني كونترول" Money control، أشارت لتقاضيهم ملايين الدولارات.

أوضحت أن التقديرات تدور ما بين نصف مليون دولار إلى 3 ملايين دولار لكل ممثل، بحسب الظهور في جلسة واحدة، أو مداخلة إعلامية أو المشاركة في حدث دولي مرموق.

وترتفع المبالغ في الأسواق الخليجية (السعودية) حيث يتم دفع مبالغ أكبر للظهور في مهرجانات ذات طابع دولي، مثل مهرجانات موسم الرياض، وفق هذه المنصات التجارية. 

إسراف وغياب الحريات

ورغم هذه الأموال الضخمة، أعلن فنانون وكوميديون رفضهم العرض السعودي المغري للمشاركة في هذه المهرجانات، وانتقدوا حضور زملاء لهم، كما انتقدوا سجل المملكة الحقوقي.

"عزيز أنصاري"، وهو كوميدي أميركي، قال، بعدما تقاضى أجرته، وعاد إلى أميركا، إن: "الذين دفعوا للكوميديين ليسوا أشخاصًا جيدين، والنظام السعودي وحشي جدًا وفعلوا الكثير من الأشياء الرهيبة والفظيعة".

وأكد أن المجتمع السعودي يتعرض للقمع، وسأتبرع بجزء من الأموال لدعم حرية الصحافة وحقوق الإنسان، وآمل أن يكون للمجتمع السعودي القدرة على المعارضة.

وانسحب الكوميدي الهندي–الأميركي نيميش باتيل من مهرجان الرياض للكوميديا قبل أيام من موعده، بعد حملة ضغط من جمهوره الرافضين لتعاونه مع حكومة ابن سلمان.

وذكر الممثل الكوميدي شين جيليس في برنامجه البودكاست Secret Podcast، أنه رفض الدعوة ومبلغا كبيرا لتقديم عرض بالمملكة، وقال ستافروس هالكياس في حلقة بودكاست إنه رفض أيضًا العرض السعودي.

ونشرت الكوميدية "أتسوكو أوكاتسوكا" لقطات لما وصفته بدعوتها للمهرجان على منصة التواصل الاجتماعي، معلنه رفضها الذهاب، كما أكد الكوميديان "مايك بيربيجليا" و"ليزلي لياو" رفضهما تقديم عرض في السعودية.

وكان من المقرر أيضًا أن يشارك نيميش باتيل في المهرجان، لكنه أعلن على وسائل التواصل الاجتماعي أنه سينسحب "لأسباب أخلاقية"، فيما انتقد الفنانان الكوميديان مارك مارون وديفيد كروس الكوميديين المشاركين في المهرجان.

وبسبب الخلاف بين من ذهب للسعودية من الكوميديين مقابل مبالغ طائلة، وبين من رفضوا الحضور، أشارت مجلة "تايم" الأميركية، 29 سبتمبر 2025، لما أسمته: “كيف أحدث مهرجان سعودي مثير للجدل انقسامًا في عالم الكوميديا؟”

وأوضحت أن مهرجان الكوميديا السعودي الذي ترعاه الدولة في المملكة العربية السعودية أدى إلى انقسام عالم الكوميديا، حيث هاجم الكوميديون أقرانهم لقبولهم مبالغ ضخمة من المال من حكومة متهمة بالقمع الوحشي لحرية التعبير.

وشهد مهرجان الكوميديا كارثة أخلاقية تبين الانحدار الأخلاقي الذي يتم تطبيعه منذ أن تولى تركي آل الشيخ هيئة الترفيه، فقد اشترطت الكوميدية الشاذة جنسيا "جيسيكا كيرسون" أن تعلن علنا عن شـذوذها على المسرح وتقدم مواد تعبر عن مجتمع الشواذ.

وبالرغم من نزول هيئة الترفيه عند رغبتها، إلا أن جيسيكا نشرت رسالة اعتذار لجمهورها بعدما أنهت عرضها، لأنها شاركت في حدث "تحت رعاية الحكومة السعودية".

وقررت التبرع بكامل المبلغ الذي حصلت عليه من هيئة الترفيه لمنظمة حقوق إنسان تدعم حقوق الشــواذ، وفقًا لموقع "هوليود ريبورتر".

واشتكي سعوديون من أن العروض تضمنت "محتوى بذيئًا" تخللته نكات عن "المثليين والمتحولين جنسيًا"، و"نكات عن النقاب، وعن قيادة النساء"، و"اعتقاد سكان الرياض أنهم هدية الله للأرض."

قالوا: إن الكوميديين في الرياض لا يجرؤوا على إطلاق نكات عن الدولة أو قادتها، لكن المملكة استأجرت كوميديين أجانب بمبالغ باهظة كي يسخروا من السعوديين ودينيهم. 

وعقب عودته من السعودية، تحدث الكوميدي بيل بير عن تجربته في مهرجان الرياض للكوميديا، عن النكت الفاحشة التي استطاع أن يؤديها بلا تدخل من المنظمين، وعن مشاركة كوميدية "شاذة" في الحدث.

وقالت مجلة "ذي أتلانتيك"، 15 أكتوبر 2025، إن السعودية استضافت كوميديان آخر مشهور ببذاءة لسانه وحركاته الجنسية، هو "لويس سي. كي".

وفي نقدها للمهرجان، قالت المجلة: "ماذا يعني استاند أب كوميدي في مملكة دينية صارمة؟"، و"هل تكفي نكات عن سفاح القربى والتحرش والشذوذ لنشر الديموقراطية الليبرالية في السعودية؟"

نتائج عكسية

وقد أثارت هذه المهرجانات ردود فعل غاضبة بسبب سجل حقوق الإنسان في السعودية، وحثت منظمات عديدة الفنانين على انتقاد سجل المملكة في انتهاكات حقوق الإنسان، وفق "مجلة "نيوزويك" الأميركية.

وأصدرت "هيومن رايتس ووتش" بيانًا، 15 أكتوبر 2025، قالت فيه: إن الحكومة السعودية تستغل المهرجانات "لصرف الانتباه عن قمعها الوحشي لحرية التعبير وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان المتفشية". 

ذكرت "أن على الكوميديين الذين يقدمون عروضهم في الرياض أن يتحدثوا ضد الانتهاكات الحقوقية الخطيرة التي ترتكبها المملكة العربية السعودية، وإلا فإنهم يخاطرون بتعزيز جهود الحكومة السعودية الممولة جيداً لتبييض صورتها".

وأوضحت: "يأتي هذا التبييض في ظل زيادة كبيرة في القمع، بما في ذلك حملة قمع حرية التعبير، التي يدافع عنها العديد من هؤلاء الكوميديين، لكن الناس في المملكة العربية السعودية محرومون منها تمامًا."

وكتبت صحيفة "واشنطن بوست" عن مهرجان الرياض للكوميديا تقول: "من المثير للاشمئزاز أن ينتقد الكوميديون قيود حرية التعبير في أميركا بينما يتقاضون أموالًا طائلة من نظام يجبر الكوميديين على توقيع عقودٍ تُلزمهم بتجنب المواضيع الحساسة".

أضافت، 30 سبتمبر/أيلول 2025: "يبلغ النفاق ذروته عندما نعلم أن ممارسة حرية التعبير أو حتى السخرية في السعودية قد تؤدي إلى قطع الرأس حرفيًا، لا مجرد الإلغاء أو المنع".

وقالت صحيفة "نيويورك تايمز"، 2 أكتوبر 2025، "إذا كان هدف مهرجان الرياض للكوميديا هو إسكات الانتقادات الموجهة للحكومة السعودية، فقد أتى بنتائج عكسية".

وأشارت إلى أن تخفيف السلطات السعودية للقيود الاجتماعية، واكبه تقليص مساحة الحوار السياسي الداخلي، ولذلك، واجه الكوميديون المشاركون في المهرجان انتقادات لاذعة وجرى اتهامهم بـ "التضليل الفني".

"أي السماح لعروضهم بلفت الانتباه بعيدًا عن سجل الحكومة السعودية المقلق في مجال حقوق الإنسان"، خاصة قتلها الصحفي جمال خاشقجي عام 2018، في القنصلية السعودية في تركيا، وسجن وتعذيب نشطاء.