تحركات دفاعية.. هل باتت قبرص ساحة المواجهة القادمة بين تركيا وإسرائيل؟

"القلق التركي يتزايد بسبب تسلح قبرص بتكنولوجيا إسرائيلية متقدمة"
بعد أن رسخت دورها كلاعب محوري في ملف قطاع غزة، باتت تركيا توجه أنظارها نحو هدف جديد، وهو تفكيك التحالف المتنامي بين إسرائيل وجمهورية قبرص.
ويرى موقع "جلوبز" العبري أن "نشر أنظمة دفاع إسرائيلية في الأراضي القبرصية أثار موجة غضب في أنقرة التي تنظر إلى هذا التعاون الأمني على أنه تهديد مباشر لمصالحها الإقليمية".
تطويق إستراتيجي
وقال الموقع: إن "اتفاق وقف إطلاق النار في غزة أدى إلى تحول في دور تركيا الإقليمي، فبعد أن كانت مجرد دولة تستضيف قيادة حركة حماس في إسطنبول، أصبحت -بوساطة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب -طرفا محوريا في جهود إعادة إعمار القطاع".
وأضاف "مع ذلك، فإن الآمال التي علّقها البعض على تراجع الهجوم التركي الرسمي على إسرائيل سرعان ما تبددت".
وبحسبه، "تُعد هذه الجمهورية كيانا فعليا لا تعترف به سوى تركيا، ويعد الجيش التركي هو القوة العسكرية الرسمية فيها، إلى جانب جهاز أمني داخلي يتولى مهام الشرطة".
وتابع: "اليوم، تعود تركيا الرسمية إلى إطلاق سلسلة من الاتهامات المتنوعة ضد إسرائيل، على خلفية علاقاتها الوثيقة مع جمهورية قبرص واليونان، وهو ما تعده أنقرة محاولة إسرائيلية لتطويقها إستراتيجيا".
وما يزيد من قلق إسرائيل أن "وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي يُعدّ من أبرز المرشحين لخلافة الرئيس رجب طيب أردوغان، أطلق تصريحات نارية دعا فيها إلى تفكيك التحالف الثلاثي بين إسرائيل واليونان وقبرص، ملوحا بأن (تركيا ستضرب أولا)". وفق ما ذكره التقرير.
وأوضح فيدان في تصريحاته هيئة الإذاعة التركية الرسمية، أن بلاده تراقب عن كثب ما وصفه بـ"محاولات بعض الدول لتطويقها". مشيرا إلى أن "أنقرة تعمل على تطوير إستراتيجيات دبلوماسية لمواجهة هذا التهديد، وإذا فشلت تلك المساعي فسيتم تحويل الملف إلى الجهات الأمنية".
كما اتهم فيدان إسرائيل باستخدام مطارات قبرص لتنفيذ غارات جوية خلال الحرب على غزة، قائلا: إن طائرات إسرائيلية انطلقت من هناك وقتلت عددا كبيرا من الفلسطينيين.
وأشار الموقع إلى أن "موجة الغضب التركي بدأت بعد نشر أنظمة دفاع جوي من طراز (باراك MX) الإسرائيلية في جمهورية قبرص".
وأردف: "ورغم أن هذه الأنظمة دفاعية بطبيعتها، إلا أن تركيا التي تختلف مع دول شرق المتوسط حول ترسيم الحدود البحرية، تخشى من أن تؤدي هذه الأنظمة إلى تقييد حركتها الجوية في المنطقة، خاصة أن مدى فعاليتها يصل إلى نحو 400 كيلومتر".
وتعليقا على ذلك، قالت الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، غاليا ليندنشتراوس: إن "القلق التركي يتزايد بسبب تسلح قبرص بتكنولوجيا إسرائيلية متقدمة".
وأضافت: "في أنقرة، يقارن هذا التطور بنشر منظومة الدفاع الجوي الروسية إس 300، والتي أجبرت أنقرة قبرص سابقا على نقلها إلى اليونان".
واستطردت: "إن شرق البحر المتوسط يشهد تصاعدا في التوتر، في ظل كون تركيا لاعبا يسعى إلى مراجعة النظام القائم".

موضوع انتخابي
وفي الآونة الأخيرة، أُضيفت إلى هذه التوترات قضية جديدة وغير مسبوقة". يقول الموقع.
وتابع: "فقد أصبحت إسرائيل -على غير العادة- موضوعا محوريا في الانتخابات الرئاسية في جمهورية شمال قبرص التركية".
فخلال المنافسة بين الرئيس الحالي إرسين تتار، المقرب من أردوغان والذي يتولى المنصب منذ عام 2020، ضد منافسه طوفان أرهورمان، الذي فاز بالانتخابات في 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، أشار تتار إلى إسرائيل واليونان "لا تريدانه في منصبه".
وأضاف أن "إسرائيليين استقروا في قبرص لأسباب أمنية، وأن السكان القبارصة اليونانيين يشعرون بالقلق من التسلح المتزايد".
وأشار إلى أن الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس "يواجه صعوبة في احتواء هذا التصعيد".
في غضون ذلك، يرى الموقع أن "نتيجة الانتخابات أثارت قلقا لدى حليف أردوغان في الائتلاف الحاكم، دولت بهتشلي، الذي دعا البرلمان في نيقوسيا إلى التصويت على الانضمام الرسمي إلى الجمهورية التركية".
وفي هذا السياق، أوضح الخبير في الشؤون التركية بمركز موشيه ديان وجامعة تل أبيب، هاي إيتان كوهين يانروجاك، أن "التنسيق الأمني بين قبرص واليونان وإسرائيل، حتى وإن كان دفاعيا، يُنظر إليه في أنقرة كمحاولة إسرائيلية لتطويق تركيا".
وأضاف: "تحاول أنقرة تصوير إسرائيل كتهديد مباشر عبر قبرص واليونان".
من جانبها، ادعت الباحثة ليندنشتراوس أن إسرائيل "لم تكن يوما موضوعا انتخابيا في قبرص الشمالية"، وترى أن "هناك محاولة لتصوير غياب تتار عن المشهد السياسي كفرصة لتوسيع النفوذ الإسرائيلي في الجزيرة".
![]()
إعادة الإعمار
في خضم هذا التشابك الإقليمي، لفت التقرير إلى أن "تصريحات الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس جاءت لتضيف بعدا جديدا للصراع"؛ إذ أعرب عن رغبته في أن تشارك الشركات القبرصية في جهود إعادة إعمار قطاع غزة، والتي تقدرها الأمم المتحدة بنحو 70 مليار دولار.
وبحسب التقرير "تعول نيقوسيا على موقعها الإستراتيجي وانتمائها للاتحاد الأوروبي لجذب مشاريع إستراتيجية تعود بالنفع على شركاتها المحلية".
واستدرك: “لكن هذه الطموحات القبرصية أثارت استياء في أنقرة، التي ترى فيها تهديدا لمصالح شركاتها”. وفق قوله.
ونوه الموقع إلى أن "هذا الاستياء يترافق مع عدم الرضا التركي عن الوجود الإسرائيلي في جمهورية قبرص، والذي لا يقتصر على هجرة الإسرائيليين إلى الجزيرة، بل يشمل أيضا أرقام السياحة الإسرائيلية الوافدة التي تحطم الأرقام القياسية".
وتشير بيانات رسمية من نيقوسيا إلى أن عدد السياح الإسرائيليين الذين زاروا قبرص في سبتمبر/ أيلول 2025 بلغ 80 ألفا و115 زائرا، بزيادة قدرها 46.8 بالمئة مقارنة بنفس الشهر من عام 2024، وللمقارنة، جاءت ألمانيا في المرتبة الثانية بنسبة نمو بلغت 39.7 بالمئة، مع 34 ألفا و348 سائحا.
هذه الأرقام، بحسب التقرير، "وضعت السياح الإسرائيليين في صدارة الطلب السياحي على الجزيرة، إلى جانب البريطانيين والألمان".
واختتم كوهين يانروجاك تحليله بالقول: إن تحركات الأتراك "دفاعية".
وأوضح أنه "منذ اندلاع الحرب (العدوان على غزة) في أكتوبر 2023، تتبنى أنقرة رواية مفادها أن إسرائيل تسعى لتطويقها؛ إذ تنظر لدخول الجيش الإسرائيلي إلى غزة كمقدمة لغزو محتمل للبنان ثم سوريا، وصولا إلى تركيا نفسها".














