تحولات المشهد العراقي.. النفوذ الإيراني أمام اختبار التحركات الأميركية

منذ ١٠ ساعات

12

طباعة

مشاركة

الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد "الحشد الشعبي" في العراق تنذر بعلاقة أكثر تعقيدا بين واشنطن وبغداد، مع تزايد التداعيات على المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية.

هذا ما خلص إليه مقال نشره "المجلس الأطلسي" الأميركي، للباحث محمد صالح، استعرض فيه التصعيد الأميركي ضد بعض المجموعات المسلحة المدعومة إيرانيا في العراق.

نزع السلاح

وخلال اتصال هاتفي في أكتوبر/تشرين الأول 2025، أكد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على "الحاجة المُلِحّة لنزع سلاح المليشيات المدعومة من إيران والتي تُقوّض سيادة العراق".

وكان استخدام مصطلحي "المليشيات" و"نزع السلاح" ملحوظا وكاشفا -وفق المقال- إذ بدا أن روبيو يُشير إلى جماعات داخل الحشد الشعبي.

وكانت هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها مسؤول أميركي كبير كلمة "نزع السلاح" صراحة لوصف موقف واشنطن من مصير هذه الفصائل.

ويشير غياب أي إشارة إلى الفصائل المسلحة في البيان الصادر عن مكتب السوداني إلى أن الطلب الأميركي لم يُستقبل بشكل إيجابي من الجانب العراقي.

كما بدا أن البيان العراقي تضمن انتقادا مُبطّنا للإجراءات الأميركية "الأحادية" التي تؤثر على بغداد، داعيا بدلا من ذلك إلى "التواصل والتشاور" المُسبق، في إشارة مُحتملة إلى الإجراءات الأميركية الأخيرة التي استهدفت فصائل الحشد الشعبي. 

وقال صالح: إن "واشنطن أعلنت بوضوح مطلبها بنزع سلاح فصائل الحشد الشعبي". 

ومع ذلك، تبقى أسئلة جوهرية: ما معنى "نزع السلاح" تحديدا؟ وكيف ومتى سيُنفَّذ؟ وما الفصائل التي ستستهدفها هذه العملية داخل الحشد الشعبي؟ ومن سيستهدفها؟".

وتابع: "يبدو أن الحكومة الأميركية عازمة على استغلال البيئة الإقليمية لما بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 لتكثيف الضغط على المحور الذي تقوده إيران، بما في ذلك في العراق".

وبحسب المقال، فإن الاختبار الحقيقي لهذه الإستراتيجية سيأتي خلال تشكيل الحكومة بعد الانتخابات، عندما يتضح مدى جدية واشنطن، ومن تُصنِّفهم بأنهم "المليشيات المدعومة من إيران"، وما الدور الذي تسمح لهم به في الهياكل المدنية والعسكرية العراقية المقبلة.

تصعيد أميركي

وشملت الإجراءات الأميركية الأخيرة ضد "الحشد الشعبي" تصنيف وزارة الخارجية في سبتمبر/أيلول 2025 لأربع فصائل شيعية مسلحة -حركة النجباء، وكتائب سيد الشهداء، وحركة أنصار الله الأوفياء، وكتائب الإمام علي- كمنظمات إرهابية أجنبية.

وأشارت الوزارة في إعلانها إلى صلات هذه الجماعات بإيران وهجماتها في جميع أنحاء العراق -بما في ذلك ضد سفارة واشنطن في بغداد والقواعد التي تستضيف القوات الأميركية وقوات التحالف- كأساس لتصنيفها.

كما صاغت هذه الخطوة على أنها تنفيذ لمذكرة ترامب الرئاسية الأخيرة للأمن القومي، الصادرة في فبراير/شباط 2025، لفرض "أقصى قدر من الضغط" على طهران والجماعات الموالية لها.

بالإضافة إلى ذلك، في 9 أكتوبر، فرضت وزارة الخزانة عقوبات على شركة المهندس العامة -وهي تكتل يعمل تحت مظلة الحشد الشعبي- وعلى شبكات مالية تابعة للحرس الثوري الإيراني.

وذلك بتهمة "تحويل أموال من عقود الحكومة العراقية" إلى الحشد الشعبي وتسهيل "غسيل الأموال لصالح إيران".

وردت الحكومة العراقية بوصف الخطوة الأميركية بأنها "مؤسفة للغاية وتتعارض" مع "روح الصداقة والاحترام المتبادل" التي ميزت العلاقات الثنائية بين البلدين.

وسبقت هذه التصنيفات الأميركية حملة دبلوماسية مكثفة شنتها واشنطن لثني الحكومة العراقية والزعماء الشيعة عن إقرار قانون جديد لهيئة الحشد الشعبي، بما في ذلك تحذير من روبيو بأن إقرار التشريع "سيُرسّخ النفوذ الإيراني والجماعات الإرهابية المسلحة، مما يُقوّض سيادة العراق".

ويرى منتقدو مشروع القانون التفصيلي أنه يتجاوز قانون هيئة الحشد الشعبي الصادر عام 2016، الذي كان أكثر اختصارا.

ويؤكد هؤلاء أن المشروع يرسخ النفوذ الإيراني في العراق، ويمنح الحشد وضعا مؤسسيا جديدا ودائما، ويزيد من درجة استقلاليته، كما يتيح له ضمنيا التدخل في السياسة تحت ذريعة "حماية النظام الدستوري والديمقراطي للعراق".

ويشير المنتقدون أيضا إلى أن المشروع يوسّع نشاط الحشد ليشمل المجالات الاقتصادية والثقافية، بما يجعله أقرب إلى نموذج الحرس الثوري الإيراني المعروف بتغلغله الواسع في مفاصل الحياة الإيرانية، بما في ذلك الحكومة.

وكان مشروع القانون قد اقترحه مجلس الوزراء العراقي في البداية، وأُحيل إلى البرلمان في مارس/آذار 2025.

وجمع المشروع بين مشروعين سابقين كانا قد صيغا جزئيا نتيجة صراعات داخلية على قيادة الحشد الشعبي، وجزئيا كمحاولة لاستغلال الأشهر الأخيرة من ولاية البرلمان الحالي، الذي تتمتع فيه المجموعات الشيعية بالأغلبية، لتمرير القانون.

إلا أنه، وسط ضغوط أميركية مكثفة، لم يُجرِ البرلمان العراقي والجماعات الشيعية الرئيسية أي تصويت على القانون بعد فشل محاولات متكررة في يوليو/تموز وأغسطس/آب في الوصول إلى النصاب القانوني، وقد عارضت جماعات كردية وسنية إقرار القانون.

احتواء النفوذ

وقال الباحث: "تشير كلتا الخطوتين إلى اهتمام واشنطن القوي -والذي يُعدّ إلى حد كبير امتدادا لسياستها تجاه إيران- باحتواء نفوذ الفصائل المسلحة الموالية لإيران".

ورغم أن مجموعات الحشد الشعبي ليست جميعها متحالفة مع السياسة الإيرانية، إلا أنها تخضع لسيطرة فصائل وشخصيات موالية لإيران مثل منظمة بدر، وكتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق.

"ونظرا لاندماج الحشد الشعبي في الدولة كركيزة أساسية في الجهاز الأمني ​​والعسكري، وانخراطه المتزايد في السياسة عبر فروعه الحزبية، فإن الموقف الأميركي المواجه قد يزيد من تعقيد علاقات واشنطن مع العراق"، وفق المقال.

وفي ظل تزايد معارضة واشنطن، قد يؤدي توسيع عمق ودور الحشد الشعبي في المجمع العسكري والأمني العراقي -كما يسهل مشروع القانون- إلى زيادة التوتر في التعاون الأمني بين الولايات المتحدة والعراق، بحسب الباحث.

وأضاف: "قد يقود ذلك إلى تشديد القيود على تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتعقيد عمليات التدريب والاستشارات الأميركية، وتحديد الدعم العملياتي للمهام لمكافحة الإرهاب التي تشمل تشكيلات مختلطة تضم وحدات الحشد الشعبي، وزيادة مراقبة استخدام الأسلحة والمعدات الأميركية المقدمة".

والجدير بالذكر أن عام 2017، وُجد أن وحدات الحشد الشعبي امتلكت دبابات أميركية من طراز أبرامز واستخدمتها في عمليات ضد قوات البيشمركة الكردية، ما أثار جدلا في الكونغرس.

كما قد يقلل ذلك من استعداد واشنطن للتدخل لحماية العراق من ضربات محتملة تستهدف الحشد الشعبي من قبل جهات خارجية مثل إسرائيل، وفق المقال.

وأشار إلى أنه نُسب للولايات المتحدة الفضل في المساعدة على إبقاء العراق خارج دوامة الاضطرابات الإقليمية بعد 7 أكتوبر، رغم هجمات الحشد الشعبي على إسرائيل، وذلك أساسا لحماية قواتها من نيران الفصائل المؤيدة لإيران.

ويرجّح الباحث أن يكون للحملة الأميركية ضد فصائل الحشد الشعبي تداعيات كبيرة على العملية السياسية العراقية مستقبلا.

وتلعب الأحزاب المتحالفة مع الحشد الشعبي دورا بارزا منذ عام 2022، وأصبحت جزء رئيسا في الائتلاف الذي شكل الحكومة بعد انسحاب التيار الصدري من البرلمان.

وقد فاز التيار، بقيادة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، بأكبر عدد من المقاعد في انتخابات 2021، لكنه قاطع العملية السياسية بعد فشله في تشكيل حكومة.

وتلعب فصائل رئيسية من الحشد الشعبي، مثل بدر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله، أدوارا مهمة في الحكومة الاتحادية والإدارات المحلية.

ويمهّد استمرار مقاطعة التيار الصدري الطريق أمام فصائل الحشد الشعبي للاحتفاظ بدور بارز في تشكيل الحكومة المقبلة، وربما دفع قانون الحشد الشعبي الجديد في البرلمان المقبل، وفق المقال.

تعقيد العملية 

وقال الباحث: "قد يزيد ذلك من تعقيد العملية السياسية في العراق وتشكيل الحكومة بعد نوفمبر/تشرين الثاني، إذ من المرجح أن تسعى واشنطن لاستغلال الزخم الحالي ضد المحور الإقليمي بقيادة إيران".

"وذلك لمنع دور بارز أو حتى احتمال إدراج فصائل الحشد المؤيدة لإيران في الحكومة المقبلة، كجزء من جهودها الأوسع لمواجهة النفوذ الإيراني".

"ونظرا للتشرذم العميق في السياسة العراقية، فإن معارضة الولايات المتحدة لهذه الجهات الفاعلة قد تُطيل أمد العملية"، وفق المقال.

وأكد أن "من النتائج المحتملة أن تدعم واشنطن رئيس وزراء غير مرتبط بفصائل الحشد، مع عدم معارضتها لبعض أدوار تلك الفصائل في وظائف أخرى داخل الحكومة".

وتساءل الباحث: هل ستدفع الولايات المتحدة باتجاه دمج قوات الحشد الشعبي في الجهاز العسكري والأمني ​​العراقي تحت السيطرة الحازمة للقائد العام للقوات المسلحة العراقية؟"

وتابع: “أم ستحاول حل الحشد الشعبي (على غرار ما يحدث لحزب الله اللبناني حاليا)، ودمج صفوفها في قوات أمنية أخرى، وتوجيه قياداتها العليا نحو السياسة المدنية الرسمية؟”

ويرى أن جميع هذه السيناريوهات مستبعدة في غياب تحول كبير في ميزان القوى الإقليمي، مثل انهيار النظام في إيران أو إضعافه أكثر.

وفيما يتعلق بالحكومة العراقية، صرّح رئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، في أغسطس/آب بأن حل الحشد الشعبي بمثابة "انتحار"، وأنه لا يتوقع أن يصدر عن المرجعية الدينية أو الدولة.

ولذلك يعتقد الكاتب أنه "إما أن تُبدي واشنطن مرونة في مسألة الحشد الشعبي، أو أن تستمر هذه القضية في توتير العلاقات الأميركية-العراقية وتقويضها".

وختم بالقول: "استنادا إلى الخطاب السائد بين الجانبين، قد يكون العام أو العامان المقبلان حافلين بالاضطرابات في العلاقات الثنائية".