الهند وطالبان.. تواصلٌ دون اعتراف ورسائل مقلقة لباكستان

منذ ١٠ ساعات

12

طباعة

مشاركة

حين التقى وزير خارجية أفغانستان، أمير خان متقي، بنظيره الهندي سوبرامانيام جايشانكار، بالعاصمة نيودلهي في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2025، برزت بوضوح هشاشة الإطار الذي تقوم عليه علاقة الهند بحركة طالبان.

في هذا السياق، نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية مقالا للباحثين هارش ف. بانت، ووشيفام شيخاوات، يرصد أسباب تقارب الهند مع الحكومة الأفغانية، رغم عدم اعترافها بها بعد.

رمزية نادرة

وأفاد المقال بأنه "منذ 9 أكتوبر، خضعت زيارة أمير خان متقي إلى الهند التي استمرت أسبوعا، لتدقيق واسع واهتمام كبير، نظرا لما تحمله من رمزية نادرة باستضافة مسؤول بارز في طالبان على مستوى رسمي في الهند".

فقد كان من الصعب تصور مثل هذه الزيارة عندما استعادت الحركة السلطة في أغسطس/آب 2021. 

ومع ذلك، دفعت تقديرات الواقعية السياسية والبراغماتية، الهند إلى تعزيز تواصلها مع طالبان تدريجيا خلال السنوات الماضية، رغم استمرارها في الامتناع عن الاعتراف الرسمي بنظامها.

وفي يناير/كانون الثاني 2025 التقى متقي بوزير الخارجية الهندي في دبي، وبعد هجوم باهالجام في أبريل/نيسان - الذي راح ضحيته 26 شخصا واتهمت الهند باكستان بالمسؤولية عنه- اجتمع مع الأمين المساعد لشؤون باكستان وأفغانستان وإيران في وزارة الخارجية الهندية، وفي مايو/أيار، أجرى اتصالا هاتفيا مع وزير الخارجية جايشانكار.

وبحسب المقال، فقد تزايد انخراط الهند مع حركة طالبان بشكل لافت منذ إطلاقها عملية "سندور"، ضد باكستان، وإعادة تعريف مقاربتها العامة في التعامل مع إسلام آباد.

وقد أتاح تدهور العلاقات بين أفغانستان وباكستان بعد عودة طالبان إلى الحكم للهند مساحة أوسع لبناء علاقات مع النظام الجديد، في إطار سعيها لحماية مصالحها الإستراتيجية.

وأضاف: "إلى جانب ذلك، لعبت التحولات الإقليمية دورا إضافيا في دفع الهند نحو هذا المسار؛ إذ بدأت دول عدة في توسيع حضورها وتعزيز علاقاتها مع طالبان".

"فقد أصبحت روسيا، في يونيو/حزيران، أول دولة تمنح اعترافا قانونيا بالنظام، فيما تبادلت الصين وعدة جمهوريات من آسيا الوسطى السفراء مع كابول".

أما بالنسبة لطالبان، فإن سعيها نحو الهند "ينبع من رغبتها في تنويع علاقاتها الدبلوماسيةـ ويتماشى ذلك مع إستراتيجيتها الرامية إلى تقديم نفسها كفاعل براغماتي مستعد للتعاون على أساس المصالح المتبادلة، بغض النظر عن الطابع الرسمي للعلاقات". بحسب تقييم الباحثَين.

وأوضح المقال أن هذا النهج الذي يمكن وصفه بسياسة "ليس عدوا لأحد، وصديق للجميع"، يهدف إلى ترسيخ شرعية نظام طالبان من خلال تصويره كحكومة غير أيديولوجية تركز على التنمية الاقتصادية.

نتائج ملموسة

وفي بيان مشترك صدر عن الجانبين عقب اجتماعهما في 10 أكتوبر، أكد جايشانكار على الروابط الحضارية والثقافية العريقة بين الهند وأفغانستان، والتزامها بدعم تنمية البلاد.

كما أعرب عن تقديره لإدانة طالبان الشديدة للهجوم في باهالجام، وتفهم الحركة لمخاوف الهند الأمنية، والتزام الجانبين "بتعزيز السلام والاستقرار والثقة المتبادلة في المنطقة"، وأكد الجانبان التزامهما بمواصلة اتصالاتهما بانتظام.

كذلك، أسفر الاجتماع عن نتائج ملموسة للعلاقات الهندية الأفغانية. 

فعلى الصعيد السياسي قررت الهند إعادة فتح سفارتها في كابول بالكامل والتي كانت تعمل كبعثة فنية منذ يونيو 2022، واعتماد دبلوماسيي أفغانستان رسميا، لكن لم يذكر أي من الجانبين تعيين سفير.

كما قدمت الهند التزامات إنسانية، ووعدت باستئناف مشاريع البنية التحتية العامة والتنمية المتوقفة في أفغانستان، والمساعدة في إعادة بناء المنازل التي دمرها الزلزال الأخير، ومواصلة تقديم منح دراسية من المجلس الهندي للعلاقات الثقافية للطلاب الأفغان.

وأعلن جايشانكار عن دعم الهند لإنشاء مراكز رعاية صحية جديدة في جميع أنحاء البلاد، ولتطوير مستشفى إنديرا غاندي للأطفال في كابول، وعقب الاجتماع، أهدى 20 سيارة إسعاف لنظيره الأفغاني.

من جانبه، دعا متقي الهند إلى الاستثمار في قطاع التعدين الأفغاني، وهو العرض نفسه الذي استخدمته طالبان لاستمالة دول أخرى، كما طلب التعاون في مشاريع الطاقة الكهرومائية، وناقش سبل الاستفادة من ميناء تشابهار الإيراني رغم العقوبات الأميركية.

وتناول أيضا قضايا تتعلق بالتأشيرات والاستثمار، ودعا إلى إعادة فتح معبر أتاري-واغاه الحدودي بين الهند وباكستان، الذي أُغلق في مايو/أيار 2025، واتفق الجانبان على فتح ممر جوي وزيادة عدد الرحلات بين البلدين.

وخلال زيارته للهند، توجه متقي إلى مدرسة "دار العلوم" في ولاية أوتار براديش، ذات المكانة الدينية الرفيعة لدى المسلمين السنّة، كما التقى بعدد من رجال الأعمال والصناعة في "اتحاد غرف التجارة والصناعة الهندي"، وتواصل مع لاجئين أفغان، وعقد مؤتمرين صحفيين.

وقد مُنعت الصحفيات من حضور المؤتمر الأول، لكنهن حضرن بكثافة المؤتمر الثاني بعد ثلاثة أيام، وطرحن أسئلة حول أوضاع النساء في أفغانستان، ما أظهر أن هذه القضية لا تزال محور اهتمام الرأي العام الهندي.

ومع ذلك يرى الباحثان أنه "لا يزال من المبكر الحكم على ما إذا كانت هذه المخاوف ستنعكس على السياسات الرسمية، إذ يتعين على الهند الموازنة بعناية بين الانخراط مع النظام وعدم منحه شرعية عن غير قصد".

باكستان تراقب

وأضاف المقال: "لم تمرّ دبلوماسية نيودلهي عالية المخاطر مرور الكرام، فحتى أثناء اجتماع متقي مع جايشانكار، شنّت باكستان غارات جوية في العاصمة الأفغانية، يبدو أنها كانت تستهدف زعيم حركة طالبان باكستان".

وردّت طالبان باستهداف مواقع حدودية في باكستان، وأسفرت الاشتباكات عن مقتل العشرات قبل سريان وقف إطلاق النار في 19 أكتوبر 2025.

وبحسب المقال، فإن توقيت الضربات الباكستانية يعكس عدم ارتياحها للعلاقات المتنامية بين نيودلهي وكابول، في الوقت الذي تسعى فيه جاهدة لإقناع طالبان بوقف دعمها لحركة طالبان باكستان.

وأضاف أن "التزام الهند بحماية سيادة أفغانستان وسلامة أراضيها قد يزيد من قلق إسلام آباد، وقد ربطت نيودلهي تعاملها مع طالبان بضماناتها بعدم استخدام الأراضي الأفغانية ضد مصالحها".

وأشار المقال إلى أنه "على المدى القصير، صبّ تدهور العلاقات بين باكستان وأفغانستان في مصلحة نيودلهي، لكن علاقتهما الراسخة لا يُمكن تجاهلها".

فعندما أطلقت الهند عملية "سيندور"، أدانت حركة طالبان التصعيد ودعت الجانبين إلى ضبط النفس. 

وحتى بعد الاشتباكات، حثّ متقي باكستان على التفاوض، وألقى باللوم على فئة صغيرة في باكستان لعزمها على تدمير العلاقات مع أفغانستان".

كل هذا يعني -وفق المقال- أنه في أعقاب زيارة متقي، يتعين على الهند أن تضع توقعات واقعية بشأن علاقاتها مع نظام طالبان. ومع ذلك، يبقى التواصل ضرورة إستراتيجية.