بعد سنوات من التجاهل.. لماذا قررت أميركا فجأة العمل على توحيد ليبيا؟

“واشنطن احتفظت بعلاقات مع كل من حكومتي غرب وشرق ليبيا”
في توجه أميركي نحو تعزيز حضورها الإستراتيجي في شمال إفريقيا، رست سفينة بحرية في ميناءي طرابلس وبنغازي بليبيا، هي الأولى من نوعها منذ 56 عاما.
ورأت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية أن “أميركا تسعى من خلال هذه الزيارة، التي قادتها سفينة (ماونت ويتني)، إلى تكثيف التعاون مع الأطراف الليبية المتنازعة ودعم جهود التهدئة والاستقرار في ليبيا، بالتوازي مع استعدادات لاستضافة قادة الفصائل الليبية في واشنطن”.
قلق روسي
وأشارت الصحيفة إلى أن “هذا التحرك يأتي ضمن إستراتيجية أوسع لإدارة الرئيس دونالد ترامب تهدف إلى استعادة النفوذ الأميركي في منطقة المتوسط، في ظل تصاعد التنافس الجيوسياسي مع روسيا والصين”.
وتسعى كذلك لتصحيح ما تعده إدارة ترامب “أخطاء ارتكبتها الإدارات الديمقراطية السابقة”.
وأفادت الصحيفة بأن “الولايات المتحدة استهدفت، من خلال الزيارة التي وُصفت بـ(السلمية)، إلى إظهار التزامها بالتعاون مع الشركاء المحليين، وفق تصريحات القيادة الأميركية”.
وأضافت أن "واشنطن تخطط، خلال أبريل/ نيسان 2025، لاستضافة قادة المعسكرات السياسية والعسكرية المتنازعة في ليبيا، والتي لا تزال حتى الآن غير مبالية فعليا بتوحيد البلاد المقسمة إلى شطرين".
وذكرت "نيزافيسيمايا غازيتا" أن هذا التوجه "قد يثير قلق روسيا، التي تمتلك أصولا عسكرية ودبلوماسية في ليبيا".
فيما أشارت مجلة "ستارز آند سترايبس" العسكرية الأميركية إلى أن زيارة السفينة الرائدة "يو إس إس ماونت ويتني" التابعة للأسطول السادس لموانئ طرابلس وبنغازي “تحمل طابعا تاريخيا”.
ووفقا لبيان رسمي من البحرية الأميركية، فإن هذه الزيارة "تعكس تنامي التعاون بين القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا وليبيا".
وقال المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند، إن "تعزيز الاستقرار الإقليمي والسلام العالمي هو أولوية بالنسبة للولايات المتحدة، ووجودنا في الموانئ الليبية الرئيسة يُظهر التزامنا بالعمل جنبا إلى جنب مع جميع الشركاء الليبيين للحفاظ على السلام والاستقرار".
أما قائد الأسطول السادس، نائب الأدميرال جيفري أندرسون، فأوضح أن زيارة العسكريين لطرابلس وبنغازي تُظهر استعداد الولايات المتحدة للاستثمار في "ليبيا موحدة وسلمية".
ووصفت مجلة "ستارز آند سترايبس" هذه الزيارة بأنها "إشارة واضحة لروسيا والصين بشأن سياسة الولايات المتحدة الحازمة في منطقة البحر المتوسط".
من جانبها، لفتت الصحيفة إلى أن “واشنطن احتفظت، خلال الفترة الماضية، بعلاقات مع كل من حكومتي غرب وشرق ليبيا”.
ووفقا لمصادر إعلامية عربية، من المقرر أن يزور الولايات المتحدة قريبا رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة.
كما يُتوقع مع أواخر أبريل 2025 أيضا زيارة صدام حفتر، رئيس أركان القوات البرية في الجيش الانقلابي، والذي يسيطر على شرق وجزء من جنوب غرب ليبيا (المناطق التاريخية برقة وفزان) ويعارض حكومة طرابلس.
تصحيح الأخطاء
وبحسب مجلة "آراب ويكلي" الصادرة في لندن، فإن زيارات الدبيبة وحفتر ستمنح إدارة ترامب فرصة لعرض خطتها لحل النزاع المسلح الممتد.
وفي هذا السياق، أفاد مستشارو الإدارة الأميركية بأنهم يعملون على مبادرة شاملة لإعادة الاستقرار الأمني والسياسي في ليبيا.
وحول تأثير التحركات الأميركية على المصالح الروسية، قالت صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” إنه "لا يزال من غير الواضح كيف ستؤثر هذه الخطط على مصالح روسيا في المنطقة، رغم ما يشهده التواصل الروسي الأميركي من انتعاش".
وتابعت: "ففي شرق ليبيا، ينشط ما يُعرف بـ(الفيلق الإفريقي)، وهو كيان تابع للقوات المسلحة الروسية، وقد اكتملت عملياته في ليبيا أواخر 2023.. ومع ذلك، فإن موسكو تتبع نهجا متوازنا، حيث أعادت قبل عامين فتح سفارتها في طرابلس".
ووصفت الصحيفة التحركات الأميركية بأنها "مفاجئة"، وفسرت ذلك بالقول: "ما يجعل النشاط الأميركي في ليبيا مفاجئا أكثر هو أن إفريقيا ليست من أولويات إدارة ترامب المعلنة".
وأضافت: "كما أشارت صحف أميركية إلى أن البيت الأبيض يخطط لتقليص كبير في النشاط الدبلوماسي والإنساني في إفريقيا في إطار إعادة تنظيم إدارته".
وتابعت: "كذلك يُعرف ترامب بتشككه تجاه المشاريع في القارة السمراء، حيث ذكر وزير الدفاع الأميركي الأسبق مارك إسبر في مذكراته أن ترامب كان ينظر بريبة إلى مهام القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا، وكان يرغب في (الانسحاب التام منها)".
بدوره، أوضح الباحث في معهد الولايات المتحدة وكندا التابع لأكاديمية العلوم الروسية، بافيل كوشكين، أن "النشاط الأميركي في ليبيا يدل على أن ترامب يصغي إلى الخبراء في القضايا الإستراتيجية".
وأضاف: "رغم الخطاب الانعزالي الذي يتبناه ترامب، فإن هذه الخطوة تبدو منطقية من وجهة نظره، فهو يتبع فلسفة استعادة المجد الأميركي من خلال بسط النفوذ في إفريقيا، في مواجهة تنامي الحضور الروسي والصيني".
وتابع: "إنها مسألة مكانة جيوسياسية وتنافس مع موسكو وبكين".
وأشار كوشكين أيضا إلى أن "تعزيز العلاقات مع ليبيا يعكس رغبة ترامب في إصلاح التعاون العملي مع لاعبين إقليميين"، حيث يرى أن "الديمقراطيين تسببوا في فوضى هناك".
واستذكر أن “إسقاط الزعيم الليبي معمر القذافي تم في عهد باراك أوباما، وأن السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز قتل في هجوم إرهابي ببنغازي عام 2012”.
واختتم كوشكين بقوله: "عودة الولايات المتحدة إلى المنطقة، من وجهة نظر ترامب، تحمل طابعا رمزيا، فهي محاولة لتصحيح أخطاء الإدارات السابقة".