الإمارات نموذجا.. كيف تؤثر سياسات ترامب في مجال الطاقة على الحلفاء؟

منذ ١٥ ساعة

12

طباعة

مشاركة

يُتوقع أن يكون لسياسة الطاقة التي أعلنها أخيرا الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والمُؤطَّرة في سياق ما وصف بـ "حالة الطوارئ في قطاع الطاقة"، تأثير كبير على مسار تحولات الطاقة الدولية ومسارات معالجة الاحتباس الحراري.

وبالنظر إلى التزام الولايات المتحدة السابق بأجندة اتفاق باريس للمناخ، فإن تراجعها سيؤدي، على الأرجح، إلى إضعاف الزخم العالمي لتحقيق أهداف خفض الانبعاثات، وإحداث اضطرابات في بنية جهود التخفيف من آثار التغير المناخي، وفق تقرير لمعهد بحثي هندي.

كما أن الفجوات الناجمة عن ذلك -سواء من خلال التخلي عن آليات تمويل المناخ الداعمة للأجندة الخضراء في الدول النامية، أو عبر الحد من دمج الطاقة المتجددة بشكل منهجي في البنية التحتية- قد تقوّض فعليا جهود المجتمع الدولي نحو تحول الطاقة ومعالجة التغير المناخي.

تهديد استثنائي

وفي يناير/كانون الثاني 2025 وقع ترامب، مرسوما بشأن إعلان حالة الطوارئ الوطنية في مجال الطاقة لزيادة الإنتاجية في هذا القطاع.

ويسمح مرسوم حالة الطوارئ بتخفيف متطلبات الحصول على التصاريح اللازمة لمشاريع الطاقة، وتسريع وتيرة بناء محطات توليد الطاقة.

وكان البيت الأبيض قد أعلن أن انخفاض قدرات إنتاج الطاقة والنقل والتكرير والتصنيع في الولايات المتحدة يمثل تهديدا "استثنائيا" لاقتصاد البلاد وأمنها القومي وسياستها الخارجية.

كما ألغى ترامب الأمر التنفيذي الصادر عن سلفه جو بايدن، والذي كان يحظر عمليات حفر النفط والغاز الطبيعي في أجزاء واسعة من المياه الإقليمية الأميركية.

في هذا السياق، قالت مؤسسة أوبزرفر للأبحاث (ORF): إن "الإمارات دولة تمتلك شراكة قوية ومتعددة الأوجه مع الولايات المتحدة، تقوم على توافق كبير في المصالح عبر قطاعات متعددة، وفي الوقت نفسه تُظهر التزاما بقضية التحول عن اقتصاد يعتمد على الوقود الأحفوري".

وأضاف التقرير الذي جاء بقلم الباحثة، كوفيري غاناباثي، أن أبو ظبي قد تكون في موقع فريد يسمح لها بسد بعض الفجوات الناجمة، من خلال مبادرات استباقية وموجهة.

وأفاد بأن الإمارات ظلّت متمسكة بأجندة الطاقة النظيفة لأسباب مستقلة عن التوجه الأميركي، رغم التعاون الوثيق بين الجانبين خلال السنوات الماضية.

وكما أن سياسة الطاقة في عهد ترامب تنطلق من قراءة إدارته لأولويات الولايات المتحدة العاجلة، توصلت الإمارات إلى مقاربة مختلفة عند التعامل مع مجموعة تحديات مشابهة، وإن لم تكن متطابقة.

وتجسد الإستراتيجية المتعددة الأبعاد التي تتبناها الإمارات المفارقة القائمة في أنماط الاستهلاك العالمي للطاقة؛ ففي عام 2024، جرى تركيب محطات طاقة شمسية بقدرة 600 غيغاواط على مستوى العالم، وتجاوزت الاستثمارات في الطاقة النظيفة حاجز التريليوني دولار لأول مرة، بينما شهدت الفترة نفسها استهلاكا قياسيا للفحم بلغ 8.7 مليارات طن.

ومع ابتعاد الولايات المتحدة عن دورها كممول رئيس للتنمية وميسر لمشروعات الطاقة النظيفة، ستظهر فجوات في مسارات تحول الطاقة وجهود الحد من الانبعاثات على المستوى الدولي، ما يستدعي تحالف جهات فاعلة ملتزمة لسد هذا الفراغ، وفق التقرير.

وتابع: "هنا يمكن للإمارات أن تطرح نفسها كطرف رئيس، وأن تعمل على حشد مزيد من الشركاء للحفاظ على زخم التحول نحو الطاقة النظيفة".

فقد تحوّلت الدولة في الوقت نفسه إلى محور عالمي للربط، ووجهة للاستثمار، مع رؤية مختلفة لإدارة المخاطر مقارنة بالجهات التقليدية الممولة للتنمية، الأمر الذي يمنحها موقعا يؤهلها لتكون ركيزة عملية لدفع أجندة الطاقة النظيفة في غياب الدور الأميركي، سواء مؤقتا أو بشكل أطول مدى.

وأكَّد التقرير أن "الدور المحوري للولايات المتحدة في مسار تحول الطاقة لعقود مضت يعني أن أي طرف لن يكون في مأمن من تأثير التغيرات القادمة من واشنطن".

واستدرك قائلا: "لكن التزام الإمارات المستمر بهذا المسار، النابع من أهدافها وطموحاتها طويلة المدى، يبدو أقل عرضة للتأثر بالتراجع الأميركي، بل قد يتسارع، نظرا للقيمة التي توليها الدولة لهذا التوجه".

ويمكن تعزيز هذا الاحتمال من خلال الشراكات الثنائية القائمة مع الولايات المتحدة في قطاع الطاقة النظيفة، إضافة إلى الأهمية الجوهرية التي يُمثّلها تحول الطاقة ضمن أجندة التنويع الاقتصادي للإمارات.

شراكة أميركية-إماراتية

وبحسب المؤسسة البحثية الهندية، فإن التعاون بين الإمارات والولايات المتحدة في مجال الطاقة النظيفة يقوم على ثلاثة مرتكزات رئيسة:

أولا، دور الإمارات كمستثمر يدعم تمويل مشروعات الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة على المستوى الدولي، بالشراكة مع الولايات المتحدة وفي إطار التعاون معها.

ثانيا، تبادل الأبحاث وأفضل الممارسات في مجال الطاقة النظيفة، خاصة في مجالات الطاقة الشمسية وتخزين البطاريات، وأخيرا في مجال الطاقة النووية.

ثالثا، تشكيل شراكة بين البلدين لدفع جهود الحد من تغير المناخ، مع التزام بالعمل على ملفات تمويل المناخ وخفض انبعاثات الميثان وغيرها من القضايا ذات الصلة.

وفي إطار توسيع شراكتهما الثنائية الشاملة على عدة أصعدة، شهد التعاون بين الولايات المتحدة والإمارات في مجال الطاقة النظيفة ذروته عام 2023.

حيث أُعلن عن شراكة تسريع الطاقة النظيفة (PACE)، التي التزمت برصد 100 مليار دولار لتمويل 15 غيغاواط إضافية من مشروعات الطاقة المتجددة بحلول عام 2035.

أما الشريحة الأولى من التمويل، والبالغة 20 مليار دولار، فقد شملت التزاما تقوده شركة مصدر الإماراتية وتحالف من المستثمرين الأميركيين في القطاع الخاص، على أن يُموّل بمزيج من السيولة النقدية من القطاع الخاص الأميركي وقروض تمويلية.

وقال التقرير: "رغم وجود اختلافات بين النهجين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة بشأن تبادل التكنولوجيا المتقدمة، إلا أن هناك التزاما ثنائيا حزبيّا تجاه التعاون مع الإمارات في مجال الطاقة المتجددة والطاقة النظيفة".

وبالنظر إلى الطابع الثنائي لهذا التعاون، فمن المتوقع أن تستمر الشراكة في هذا المجال، التي يمكن أن تستند إلى التكاملات بين الطرفين.

أثر التطبيع مع إسرائيل

وأشار التقرير إلى أن اتفاق التطبيع مع إسرائيل أعاد صياغة رؤية التعاون لتتجاوز الجانب السياسي إلى مجال الربط والاستثمار في الخليج، ويمكن أن يعزز التعاون بين الإمارات والولايات المتحدة هذه الإمكانات بشكل كبير.

فمن خلال هذه الشراكة تستعد الإمارات للعب دور حاسم في تيسير مشروع الممر الهندي الأوروبي (IMEC)، بالإضافة إلى أن تصبح نقطة اتصال مهمة تستفيد منها الولايات المتحدة في الحفاظ على حضور مستدام وفعّال في المنطقة.

ومن خلال هذا الأسلوب في التعاون، يمكن للإمارات أيضا -بحسب التقرير- أن تشارك في الروابط متعددة الوسائط بين آسيا وأوروبا.

علاوة على ذلك، يُعد نشر تقنيات الذكاء الاصطناعي وتوسيع مراكز البيانات ضرورة سياسية مركزية لكل من الولايات المتحدة والإمارات، ويبدو أن الطرفين يسعيان بشكل فعّال لتحقيق تآزر في هذا المجال.

وقد أظهرت إدارة ترامب تجاوبا واضحا مع طموحات الإمارات لتصبح رائدة في صناعة البيانات والذكاء الاصطناعي، وذلك عبر استعدادها لمشاركة تقنيات الرقائق المتقدمة مع الدولة الخليجية. كما تسهم في تسهيل بناء أكبر حرم للذكاء الاصطناعي في العالم خارج الولايات المتحدة.

وعادةً ما تتميز الاتفاقيات المحددة، مثل تلك المتعلقة بالتجارة النووية، بأطر زمنية طويلة للاستثمارات وتنفيذ المشاريع. ولذلك، يمكن تفسير الالتزام بهذه المسارات الإستراتيجية على أنه تطوير لمصلحة مدروسة جيدا في النمو الطويل الأمد لكل من الطرفين.

وألمح التقرير إلى أن الولايات المتحدة تمتلك حضورا عسكريا عالميا، وأنه حتى في حال تقليص هذا الوجود، فمن المرجح أن يستمر بدرجة ما. وفي هذا الإطار، تمتلك وزارة الدفاع الأميركية تفويضا لضمان صلابة قطاع الطاقة في مواجهة أي مخاطر محتملة.

وأضاف بأن التقاء مصالح الولايات المتحدة والإمارات في التعاون مع الهند بشأن قضايا الربط، والهيدروجين الأخضر، وربما تطوير إطار تعاوني للتجارة النووية، قد يشكّل محورا جديدا لتعزيز التعاون المشترك.

وبالمثل، فإن التعاون مع الإمارات يمكن أن يعزز قدرة الولايات المتحدة على الوصول إلى المواد الخام الحيوية لسلاسل الإمداد الخاصة بها من دول الجنوب العالمي، في ظل تصاعد نفوذ الصين وروسيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأجزاء أخرى من إفريقيا.

ويرى التقرير أنه "بينما تختلف الإمارات والولايات المتحدة حول الحاجة والإلحاح والوسائل اللازمة للتصدي للاحتباس الحراري من خلال تسهيل التحول في مجال الطاقة، فمن المنطقي توقع أن يتمكن البلدان من التعاون، بل وتوسيع نطاق تعاونهما في مجال تقنيات المستقبل؛ حيث تلتقي المصالح الوطنية والإستراتيجية الدولية لكليهما".

وأردف: "نظرا لأن الولايات المتحدة تمتلك ثلاثة بالمئة فقط من موارد الطاقة العالمية، بينما تمثّل نسبة الطلب لديها 16 بالمئة من الطلب العالمي، فإن تجاهل الطاقة المتجددة بشكل غير محدود ليس خيارا عمليا على المدى الطويل".

"لذلك، من الممكن أن يقتصر إعادة ضبط سياسة الطاقة في عهد ترامب في النهاية على الجوانب الزمنية المرتبطة بالحكومة الحالية فقط.

ومع ذلك، حتى أوائل عام 2025، ومن المرجح حتى عام 2028، من المتوقع أن تستمر الولايات المتحدة والإمارات في النظر إلى القضية من منظورات مختلفة، وفق التقرير.

وتكمن جذور هذه الاختلافات في تفسير مختلف للمشكلة بناءً على سياقات متباينة، وهو ما يفسّر الفوارق الظاهرة بين الطرفين في هذا الموضوع.

وعليه، قد يكون من الأفضل لكلا البلدين -وفق التقرير- تحديد مجالات مسؤوليات متمايزة، وأيضا مجالات يمكن التعاون فيها، حتى وإن اختلفت الأصول أو القدرات.