مجلة أميركية: تحول زلزالي بين مصر وإيران قد يغير خريطة الشرق الأوسط

منذ ١٥ ساعة

12

طباعة

مشاركة

في قلب القاهرة القديمة في يونيو/حزيران 2025، وُضع حد علنا لأحد أطول الخلافات في الشرق الأوسط.

تجوّل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، برفقة مسؤولين مصريين، في سوق خان الخليلي التاريخي بالقاهرة، وصلّى في مسجد الحسين، وتناول العشاء مع وزراء خارجية مصريين سابقين في مطعم نجيب محفوظ العريق.

وكان عراقجي صريحا عندما أعلن خلال رحلته أن العلاقات المصرية الإيرانية "دخلت مرحلة جديدة".

لم تكن هذه الزيارة مجرد دبلوماسية روتينية، بل كانت -بحسب مجلة أميركية- إشارة إلى تحول زلزالي محتمل بين قوتين شرق أوسطيتين، جمعتهما أزمات مشتركة.

وقالت مجلة "ريسبونسبل ستيتكرافت"، في تقرير لها: "تعمل القوتان الشرق أوسطيتان، اللتان تعانيان من أزمات، على التقارب، وهو ما لن يُرضي بعض الحكومات".

ليست دبلوماسية روتينية

وبدأ الشقاق عام 1979 عندما قطع قادة الثورة الإيرانية العلاقات الدبلوماسية بعد توقيع الرئيس المصري أنور السادات اتفاقيات كامب ديفيد مع إسرائيل، وهو ما عدته طهران خيانة.

وتعمق الشقاق عندما منحت القاهرة حق اللجوء للشاه المخلوع محمد رضا بهلوي، الذي أطاحت به ثورة شعبية أفرزت جمهورية إسلامية جديدة بقيادة آية الله الخميني؛ حيث توفي ودُفن في مصر عام 1980.

وخلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، عزز الدعم المادي المصري لنظام صدام حسين نظرة طهران للقاهرة كعدو. ولعقود تلت ذلك، ظلت العلاقات الدبلوماسية مجمدة، مع محاولات متقطعة وغير مثمرة للحوار.

على خلفية تراكم هذه المشكلات، تكتسب الخطوة الإيرانية الأخيرة بإعادة تسمية "شارع خالد الإسلامبولي" دلالة خاصة. وفق التقرير.

فقد كان الشارع تكريما للمتهم الرئيس في اغتيال الرئيس السادات عام 1981، حيث عدت إيران الإسلامبولي "شهيدا" بعد إعدامه رميا بالرصاص بحكم قضائي.

أما الاسم الجديد، "شارع حسن نصر الله"، فيخلّد ذكرى زعيم "حزب الله" الذي قُتل بضربات جوية إسرائيلية عام 2024، فيما يعد تصحيحا لإهانة دامت عقودا بحق مصر، وفق وصف المجلة.

ووصفت المجلة تغيير الاسم بأنه "تنازل إستراتيجي"، إذ يُذلل ما وصفه عراقجي قبل أسابيع بـ "العقبة الأخيرة" أمام التطبيع.

وقد أظهر ترحيب القاهرة السريع بهذه الخطوة، حيث وصفها المتحدث باسم وزارة الخارجية، السفير تميم خلاف، بأنها "خطوة إيجابية" "تُسهم في إعادة الأمور إلى مسارها الصحيح"، استعداد مصر لطي صفحة الماضي.

وخلال اجتماعات مطولة مع رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، ووزير الخارجية بدر عبد العاطي في يونيو/حزيران، أكد عراقجي أن "الثقة بين القاهرة وطهران لم تكن يوما بهذا المستوى".

وكانت النتيجة الملموسة لهذه الاجتماعات اتفاقا على إقامة مشاورات سياسية منتظمة على المستوى دون الوزاري، وهي قناة تواصل منظمة غابت منذ عام 1979.

والأكثر أهمية من ذلك، أن عبد العاطي حرص على صياغة الزيارة كضرورة عملية، لا كتحالف غير مشروط؛ حيث أكد أن هناك رغبة متبادلة في تطوير العلاقات، مع مراعاة مخاوف ووجهات نظر كل جانب.

هذا الانفراج الوليد لا يعكس مشاعر ود جديدة بقدر ما يجسد حسابات باردة وسط أزمات ناشئة ومتقاطعة، وفق التقرير.

حيث أدت هجمات الحوثيين على الشحن في البحر الأحمر -التي انطلقت تضامنا مع الفلسطينيين في غزة، لكنها جاءت بدعم من الأسلحة والتدريب الإيراني- إلى إصابة الشريان الاقتصادي لمصر في الصميم.

فقد تبخرت مليارات الدولارات من عائدات قناة السويس مع اضطرار السفن إلى تغيير مسارها والدوران حول إفريقيا.

ملف البحر الأحمر

وفي حين قلّل عراقجي علنا من شأن أي سيطرة مباشرة على الحوثيين، مؤكدا أن اليمن "يتخذ قراراته بنفسه"، فإن القاهرة تدرك حاجتها الملحّة للاستفادة من نفوذ طهران لاستعادة الأمن البحري.

ويؤكد التشديد الصريح الذي أبداه عبد العاطي في مكالمته الهاتفية مع عراقجي في مارس/آذار، على "حماية حرية الملاحة في البحر الأحمر"، مدى أولوية هذا الملف.

ورغم احتفاظ الحوثيين باستقلالية تشغيلية عن طهران -وفق المجلة- فإن الدعم الإيراني للجماعة موثق جيدا، وتقديرات القيادة المصرية ترى أن إيران قادرة على ممارسة تأثير كبير عليهم.

أما بالنسبة لإيران، التي ما زالت تتعافى من الضربات الإسرائيلية والأميركية، في يونيو/حزيران 2025، على بنيتها النووية والعسكرية، فإن تطبيع العلاقات مع مصر -قلب العالم العربي الثقافي وحليف مهم للولايات المتحدة- يمثل فرصة لتعزيز شرعيتها الإقليمية وتوسيع خياراتها الدبلوماسية.

وتزداد أهمية هذا الانفتاح في وقت يترنح فيه "محور المقاومة"، مع تراجع حزب الله في لبنان، ومحاصرة حماس في غزة، وإطاحة بشار الأسد في سوريا.

كما أن الديناميات الإقليمية الأوسع باتت أكثر ملاءمة للتطبيع الإيراني-المصري. فنجاح الصين في التوسط للمصالحة السعودية-الإيرانية عام 2023 أزال عقبة أساسية، إذ أتاح استعادة الرياض لعلاقاتها مع طهران للقاهرة هامشا أوسع للتحرك نحو إيران من دون الخشية من إغضاب مموليها الخليجيين الرئيسين.

هذا الهامش الدبلوماسي الجديد يتسارع بفعل الواقع القاسي للحرب في السودان؛ إذ دفع الصراع القوات المسلحة السودانية إلى إحياء تحالف قديم مع إيران في بحث يائس عن دعم عسكري، وفق وصف المجلة.

وبما أن مصر تعد من أبرز داعمي الجيش السوداني، فقد باتت القاهرة وطهران تتشاركان حليفا مشتركا في حرب تدور رحاها على حدود مصر الجنوبية، مما خلق ساحة غير متوقعة للمصالح المشتركة.

هذه التحولات الإقليمية، إلى جانب المعاناة الاقتصادية المشتركة -أزمة الديون المصرية والعقوبات الخانقة على إيران- جعلت التعاون الملموس في مجالات التجارة والسياحة الدينية، خصوصا زيارة الإيرانيين للمواقع الشيعية في مصر، أمرا قد يتحقق فجأة.

كما أن الهجوم الإسرائيلي على إيران، الذي استمر 12 يوما، أسهم في تعميق التعاون بين القاهرة وطهران.

وبحسب التقرير، فقد خلق الهجوم أزمات متوازية لكلا الطرفين. بالنسبة لإيران، فإن الضربات الإسرائيلية -المنفذة بدعم أميركي- ضد بِنْيَتها الدفاعية والنووية عمّقت عزلتها، وانتهكت سيادتها، وعرقلت مسار الدبلوماسية النووية.

وفي الوقت نفسه، تكبدت مصر أضرارا جانبية في أمن الطاقة بعد إغلاق حقول الغاز التي تديرها إسرائيل، والتي توفر ما بين 15 و20 بالمئة من احتياجاتها، مما فرض اتخاذ إجراءات طارئة وأثار مخاوف من انقطاع الكهرباء، كاشفا عن نقطة ضعف مشتركة استغلها الصراع.

كما عززت هذه الهجمات الدور الوسيط لمصر وقرّبتها أكثر من إيران، ذلك أن المكالمة الليلية بين السيسي والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، قبل ساعات فقط من الضربات الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية -والتي أدان خلالها السيسي "التصعيد" الإسرائيلي- أبرزت موقع القاهرة الفريد.

ومنذ ذلك الحين، شرع وزير الخارجية المصري في جولة دبلوماسية مكثفة، منسقا مع سلطنة عمان -التي توسطت في محادثات أميركية إيرانية- والمبعوث الأميركي الخاص لشؤون الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، ومدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، في محاولة لإحياء المفاوضات النووية.

فوارق بنيوية

ورغم الزخم القائم، فإن الثقة الدبلوماسية الكاملة ما تزال مقيدة بفوارق بنيوية -وفق التقرير- فالتوجه الموالي للغرب في مصر، المرتكز على المساعدات العسكرية الأميركية ومعاهدة السلام مع إسرائيل الممتدة منذ 46 عاما، يتناقض مع النهج الثوري لطهران.

كما أن العداء تجاه الولايات المتحدة، التي يصفها مؤسسو الجمهورية الإسلامية بـ "الشيطان الأكبر"- ما زال يمثل ركنا أساسيا، وإن كان مرنا، في السياسة الخارجية الإيرانية.

وقال: "بالنسبة للقاهرة، فإن علاقتها مع إسرائيل غير قابلة للتفاوض، لأسباب إستراتيجية ووجودية في آن واحد، فإسرائيل ليست مجرد مورد أساسي للطاقة، بل شريك لا غنى عنه في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، الهادفة لإنهاء الحرب الدامية المشتعلة على حدود سيناء المصرية".

في غضون ذلك، تشدَّد موقف إيران المناهض للغرب نتيجة سلسلة من التصعيد الإسرائيلي: ضربات مباشرة أسفرت عن مقتل شخصيات عسكرية وعلمية رفيعة، وتهديدات صريحة باغتيال المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي.

وأضاف: "يُعد دعم إيران لحركة حماس -التي تخوض إسرائيل حربا ضدها في غزة منذ ما يقارب العامين- ليس مجرد عامل معقد للعلاقات، بل حاجز بنيوي أمام التقارب المصري-الإيراني".

وتابع: "تُدرك مصر، بصفتها وسيطا رئيسا في صراع غزة، أنها أيضا طرف معني بشكل مباشر وله مصالح أمن قومي حساسة على المحك".

"فأهدافها الرئيسة تتمثل في تثبيت وقف إطلاق النار، وتشكيل سلطة حاكمة لغزة في مرحلة ما بعد الحرب، ومنع أي تدفق جماعي للاجئين الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء".

واستدرك: "لكن أهداف القاهرة تتصادم بشكل مباشر مع التصريحات العلنية لإيران الداعمة للحركة المسلحة. بالنسبة لمصر، فإن حركة حماس ليست شريكا، بل تهديد أمني خطير".

وأضاف: "ترى القاهرة في حماس فرعا لجماعة الإخوان المسلمين، خصمها الرئيس في الداخل، ولطالما اتهمتها بأنها تغذي التمرد الإسلامي في شبه جزيرة سيناء"، مؤكدا: "هذا العداء المتأصل لا يتوافق مع موقف طهران".

وقال التقرير: إن "دعم إيران لحماس، وعداءها الجوهري لإسرائيل، التي تُعدّ بحد ذاتها شريكا ضروريا -وإن كان مُحبطا- لمصر، سيُعقّد العلاقة الناشئة".

لذلك يرى أن "التقارب بين القاهرة وطهران ليس احتضانا إستراتيجيا كبيرا، بل هو زواج مصلحة، ويميل مساره نحو انخراط أعمق، لأن الضرورات المشتركة -تأمين الممرات المائية، وتجنب حرب إقليمية شاملة، والبقاء اقتصاديا- تفوق الآن تكاليف تجنبها".

وختم بأن "من المرجح أن تقوم الدولتان قريبا بترقية بعثاتهما الدبلوماسية الحالية منخفضة المستوى إلى سفارات كاملة، وأن تستمر الروابط الاقتصادية في النمو، وأن تبقى القنوات الدبلوماسية نشطة حول نقاط التوتر مثل أزمة البحر الأحمر والمحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران".

"ومع ذلك، ستظل هذه العلاقة بطبيعتها علاقة عملية ومحدودة بقيود المصالح الوطنية المتنافسة بينهما"، وفق التقرير.