رغم خفوت المعارضة.. ذكرى انقلاب قيس سعيد تعيد الشباب إلى الشارع التونسي

"المصلحة كانت تقتضي أن نتظاهر معا لنزيد من وضوح الرسالة"
في الذكرى الرابعة للانقلاب الدستوري الذي قاده الرئيس التونسي قيس سعيد، خرج التونسيون إلى شوارع العاصمة مجددا، في مشهد يعكس استمرار الحراك الشعبي رغم خفوت صوت المعارضة التقليدية.
وبينما شهدت النخبة السياسية انقسامات عميقة أفقدتها القدرة على التعبئة، كانت المشاركة الواسعة من الشباب لافتة للأنظار؛ حيث حملوا رايات الدفاع عن الحريات ورفض القمع، واضعين صورة القاضي المعتقل أحمد صواب في قلب الاحتجاجات، كرمز للمقاومة المدنية.
وفي هذا التقرير الذي نشرته مجلة "جون أفريك" الفرنسية، يسلط الضوء على مشهد سياسي تونسي يفتقر إلى قوى معارضة فاعلة، ويعاني من تشتت المبادرات وخلافات الأيديولوجيات، في وقت باتت فيه المبادرة بيد الجيل الجديد.
وبينما تستمر السلطات في تهميش النقابات وتفكيك القوى التقليدية الوازنة، تشير المؤشرات إلى ولادة حركة شبابية جديدة، أكثر وعيا وتنظيما، تتصدر المشهد في غياب "الكبار".
فهل يشكل هؤلاء الشباب نواة معارضة جديدة تعيد رسم معالم الصراع السياسي في تونس؟ هذا ما يحاول التقرير رصده وتحليله.
حشد شبابي
وفي مستهل التقرير، نقلت المجلة عن الشابة أسماء قولها أثناء حديثها مع صديقتها: "أنا سعيدة، كان هناك حضور جيد، أكثر من المظاهرات السابقة".
وأشارت المجلة إلى أنّ "الحشود من حولها كانت متنوعة ومتحركة، وأن من بين التونسيين الذين تحدوا حرارة الصيف في ذلك المساء، ظهرت وجوه سياسية معروفة إلى جانب عدد كبير من الشباب".
وأكَّد التقرير أن "البعض منهم كان يحمل الطبول، وآخرون ارتدوا الكوفية، بينما ارتدى كثيرون قمصانا سوداء تحمل صورة القاضي أحمد صواب، المعتقل منذ أبريل/ نيسان 2025 بتهم تتعلق بالإرهاب".
وأوضحت المجلة أن "هذا القاضي المتقاعد، الذي ارتدى لاحقا رداء المحاماة للدفاع عن سجناء الرأي، أصبح رمزا وبطلا في تونس".
مشيرة إلى أنه "وقف في وجه السلطة التنفيذية، وندَّد بتوجهاتها الاستبدادية، ودفع حريته ثمنا لرفضه التنازل عن حقه في التعبير".
وأضافت أن "إطلاق سراحه بات مطلبا أساسيا في مختلف أشكال الحراك الشعبي، بما في ذلك المسيرات التضامنية مع غزة".

تشتت المعارضة
ووفقًا للتقرير، فإن مظاهرة 25 يوليو/ تموز 2025، والتي توافق الذكرى الرابعة لانقلاب قيس سعيد الدستوري، كادت أن تلغى.
مشيرا إلى أن "جبهة الخلاص الوطني"، وهو تحالف من أحزاب المعارضة من بينها (النهضة)، أعلنت عن تنظيم مسيرة احتجاجية.
مضيفا أن "الشبكة التونسية للحقوق والحريات"، وهو ائتلاف آخر من جمعيات وأحزاب سياسية، كان يخطّط لمسيرة أخرى في نفس اليوم، من نفس نقطة الانطلاق، وهي ساحة محمد علي أمام مقر الاتحاد العام التونسي للشغل.
وفي المقابل، أعلن الاتحاد أنه لم يُستشر بخصوص هذه التظاهرات، وأنه لا علاقة له بالتجمع الذي أعلن أمام مقره، مؤكدا أنه لا يدعمه، خوفا من التوظيف السياسي.
وهو ما يعني، حسب التقرير، أن المعارضة فقدت أحد أعمدتها الرئيسة، والتي كانت غالبا عنصرا موحدا في الاحتجاجات لا سيما خلال ثورة 2011.
وأشار التقرير إلى أن الجبهتين قررتا تنفيذ كل منهما لمسيرته الخاصة في توقيت مختلف، وهو ما وصفه أحد النشطاء السابقين في الحزب الجمهوري بـ "العبث".
مؤكدا أن "المصلحة كانت تقتضي أن نتظاهر معا لنزيد من وضوح الرسالة".
لكن "الشبكة" رفضت ذلك، بحسب ما أوردت المجلة، خوفا من أن تستغل الدعوة من قِبَل جهات أخرى، في إشارة إلى رفضها التحالف مع الإسلاميين أو حلفائهم.

ضعف الأحزاب التقليدية
وأفاد التقرير بأن "هذا النوع من الانقسام لم يكن يبدو حتميا حتى وقت قريب، لكنه ترسخ مع مرور الوقت".
لافتا إلى أن "الخلافات بين الأحزاب، والشروط التي يفرضها كل طرف، تعيق تشكيل جبهة موحدة على مبادئ مشتركة".
وزعمت المجلة الفرنسية أن "المفارقة تكمن في أن (النهضة) نفسها، حين كانت في السلطة، اعتمدت إستراتيجية تفتيت المعارضة لضرب مصداقيتها؛ مع فارق أن (النهضة) التزمت آنذاك بقواعد اللعبة الديمقراطية ولم تسجن المعارضين".
وفي تعقيبه على الأحداث، قال عضو سابق في حزب "المسار"، كما نقلت المجلة، إن ما تبقى من المعارضة هو "تجمع لأطلال أحزاب لم تكن تملك وزنا حقيقيا، ولم يعد لها أي تأثير اليوم".
وشاركه الرأي أحد النقابيين الذي تظاهر دون الكشف عن هويته، مؤكدا أن "ضعف المعارضة يخدم السلطة، كونها أصبحت متوقعة وغير منظمة، وتفتقر للحس السياسي".
وأرجع النقابي، وفق ما أورد التقرير، هذا الوضع إلى "تهميش الجهات الوسيطة، وإسكات القوى المعارضة التي استُنفدت قواها الحيوية، فضلا عن غياب المبادرات البناءة، إضافة إلى نفي واعتقال رموز سياسية بارزة، من بينهم مرشحون سابقون للرئاسة".
وأكَّد أن "الحركات السياسية لا يمكن أن تستمر دون قيادات كبرى، تمتلك مهارات خطابية عالية، وقدرات استثنائية على استثمار الأحداث المفصلية".
ومع ذلك، قالت المجلة: إن الحزبي السابق، الذي أدلى بشهادته، عبر عن ارتياحه لما وصفه بـ "انسحاب بعض القوى التقليدية" والطابع الذي اتخذته مظاهرة 25 يوليو/ تموز 2025.
ونقل التقرير عنه قوله: "الشباب هم من لبوا نداء نجل القاضي أحمد صواب، وهم من حملوا الحدث وتصدروا لقيادته، والبقية كانوا مجرد تابعين. الجيل الجديد حاضر، وهو يملك عقولا أفضل من الجيل القديم".