هل انتهت أسطورة مقاتلات "إف-35" بعد الاعتراف بفشلها؟.. مجلة أميركية تجيب

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بعد مرور ما يقرب من ربع قرن منذ أن منحت وزارة الدفاع الأميركية شركة "لوكهيد مارتن" عقد تطوير برنامج المقاتلة المشتركة (Joint Strike Fighter) لتصبح "إف-35"، اعترفت الحكومة أخيرا بأن الطائرة لن ترتقي أبدا إلى مستوى الوعود الطموحة التي استخدمتها "لوكهيد" للترويج لهذا المشروع البالغ قيمته 2 تريليون دولار والذي بيع لما يقرب من 20 دولة حول العالم.

وفي مقال نشرته مجلة "ريسبونسبل ستيتكرافت" الأميركية، أشار دان غرايزيَر، وهو زميل أول ومدير برنامج في مركز "ستيمسون" الأميركي، إلى أن فشل المشروع قد يوقع الولايات المتحدة في مشكلات دبلوماسية.

والكاتب هو نقيب سابق في سلاح مشاة البحرية الأميركية، خدم في العراق وأفغانستان، وتضمنت مهامه أثناء خدمته جولات مع الكتيبة الثانية للدبابات في "كامب ليجون" بولاية نورث كارولاينا، والكتيبة الأولى للدبابات في "توينتي ناين بالمز" بولاية كاليفورنيا.

اعتراف بالفشل

وكان مكتب المساءلة الحكومية الأميركي (GAO) قد أصدر تقريرا في سبتمبر/أيلول 2025، يوضح التحديات المستمرة التي يواجهها البرنامج. وتضمن الفقرة الأولى من صفحة الملخصات هذه الجملة:

"يخطط البرنامج لتقليص نطاق القدرات المخطط لها ضمن Block 4، بحيث تُسلم للمقاتل بوتيرة أكثر انتظاما وقابلة للتوقع مقارنة بالماضي".

وقال غرايزيَر: "قد يتجاوز القارئ العادي هذا السطر بسبب صياغته الحذرة، لكنه في الواقع اعتراف صريح بأن "إف-35" لن تحقق أهداف القدرات المحددة للبرنامج".

فـ "تقليص نطاق Block 4" يعني أن مسؤولي البرنامج يتخلون عن القدرات القتالية المخطط لها للطائرات.

ويشير مصطلح (Block 4) إلى أعمال التصميم المستمرة ضمن برنامج "إف-35"، والتي بدأت عام 2019 ووُصفت بأنها مرحلة "تحديث البرنامج".

وفي الحقيقة، (Block 4) ليس أكثر من استمرار لعملية التطوير الأصلية للطائرة. ولم يتمكن المسؤولون من إتمام التصميم الأساسي للطائرة ضمن الميزانية والجدول الزمني الأصليين.

وقال غرايزيَر: "بدلا من الاعتراف بهذا الفشل المحرج وطلب مزيد من الوقت والمال من الكونغرس، زعم المسؤولون في البنتاغون أن مرحلة التطوير الأولية قد اكتملت (وهي لم تكتمل)، وأنهم انتقلوا إلى مرحلة "التحديث".

ما حدث فعليا -بحسب المقال- كان مجرد إعادة تصنيف أعمال التطوير الأولية باسم جديد.

لذلك، عندما يقول المسؤولون إنهم يخططون لـ "تقليص نطاق Block 4"، فإن ذلك يعني ضمنيا أن "إف-35" لن تمتلك جميع القدرات القتالية التي كان من المفترض أن تتضمنها التصميمات الأصلية للطائرة، وفق غرايزيَر.

وقال: "هذا تطور لافت، فقد دفع الشعب الأميركي أموالا باهظة لأكثر من عقدين لتطوير وبناء أكثر طائرة مقاتلة هجومية تعقيدا في التاريخ".

وتابع: "طوال هذه السنوات، كرر مسؤولو البنتاغون والسياسيون والتنفيذيون في صناعة الدفاع أن الولايات المتحدة بحاجة إلى "إف-35" وكل قدراتها المخطط لها للحفاظ على أفضلية تكنولوجية نوعية على المنافسين المحتملين".

وتشمل القدرات القتالية التي كانت على قمة نطاق (Block 4) بعض المجالات المتعلقة بالحرب الإلكترونية، والأسلحة، والاتصالات، والملاحة وفقا لتقرير مكتب المحاسبة الأميركي.

وكانت هذه القدرات رفيعة المستوى هي التي يُفترض أن يدفع الشعب الأميركي ثمنا باهظا مقابلها، بحسب المقال.

وأردف: "الإقرار بأن البرنامج لن يتمكن من تسليم الطائرات المقاتلة التي وُعِد بها هو في الحقيقة اعتراف بأن المشروع بأكمله فشل. وتترتب على ذلك تداعيات عميقة تتجاوز الأموال المهدورة خلال ربع القرن الماضي".

وتابع: "هناك 19 دولة إما تشغل حاليا أو ستبدأ قريبا تشغيل "إف-35" بعد شرائها من الولايات المتحدة. بعض الدول مثل المملكة المتحدة والنرويج وإيطاليا كانت مشاركة في البرنامج قبل فوز لوكهيد مارتن بعقد تطوير الطائرة".

"استثمرت هذه الدول بشكل كبير في البرنامج على أمل الحصول على أكثر الطائرات القتالية قدرة في التاريخ. ومع مرور الوقت، ارتفعت تكاليف البرنامج على هذه الدول، والآن تكتشف أن الطائرات لن ترتقي أبدا إلى مستوى الدعاية والتوقعات المبالغ فيها".

كذلك، فإن تركيا كانت جزءا من برنامج التصنيع المشترك لطائرات "إف-35"، إلا البنتاغون قرر، خلال ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأولى عام 2021، إزاحتها من البرنامج، بسبب شراء أنقرة منظومة الدفاع الجوي الروسية "إس-400".

وما زالت المفاوضات جارية بين إدارة ترامب الحالية والحكومة التركية بهذا الخصوص، ولهذا حذّر مسؤول إسرائيلي رفيع، في يوليو/تموز 2025، من خطورة حصول تركيا على مقاتلات "إف-35"، مشيرا إلى أن هذه الخطوة قد تُستخدم لأغراض هجومية ضد إسرائيل.

كارثة خارجية

وأضاف غرايزيَر: "إذن، بالإضافة إلى كونه كارثة عسكرية، قد يثبت برنامج "إف-35" أنه كارثة على صعيد العلاقات الخارجية أيضا".

فقد قام المؤيدون للطائرة في الولايات المتحدة ببيعها لقادة هذه الدول عبر عروض مبالغ فيها توضح قدرات قتالية كانت مقررة للتسليم. كما قُدّمت وعود في المراحل المبكرة بخصوص جدوى البرنامج المالية وقدرته على التكاليف، وهو ما يبدو اليوم مضحكا، بحسب الضابط الأميركي.

واستطرد: "في المرة القادمة التي يحاول فيها أميركي بيع سلاح "يغير قواعد اللعبة" إلى الخارج، لا ينبغي أن يتفاجأ إذا أعرب العميل المحتمل عن الشك والريبة".

"فقد دفع زبائن "إف-35" ثروة تتجاوز السعر المعلن، وحصلوا على جزء ضئيل فقط من ما وُعِدوا به. وربما تجد الولايات المتحدة سوق صادرات الأسلحة في تقلص مستقبلي خلال السنوات القادمة".

وأكّد على أن "هذه يجب أن تكون لحظة للتأمل العميق لكل مؤسسات الأمن القومي. لم يكن من الممكن أن يرقى مشروع "إف-35" إلى مستوى التوقعات؛ لأن فكرته الأساسية كانت معيبة منذ البداية".

وأوضح أن "محاولة بناء طائرة واحدة لتأدية مهام متعددة لتلبية احتياجات فرع عسكري واحد فقط أمر محفوف بالمخاطر".

وختم بالقول: "عندما تحاول بناء طائرة واحدة لتلبية احتياجات مهام متعددة لما لا يقل عن 15 جيشا مختلفا، بينما تتحول أيضا إلى برنامج عالمي للوظائف وآلية للمنح السياسية، يتحول المشروع إلى عبء ضخم بقيمة 2 تريليون دولار".