فتح الإعلام الحكومي أمام الشباب والمعارضة بالمغرب.. احتواء للاحتقان؟

منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

على غير عادتها في التسويق للحكومة وإقصاء كل صوت معارض، فتحت القنوات التلفزيونية المغربية أبوابها أمام الشباب المحتج والمعارضة، وبدأت تطرح أسئلة محرجة للأغلبية الحاكمة، ما خلف تساؤلات عدة بالمشهد السياسي والإعلامي المغربي؛ إذ شرعت القناة الأولى والثانية "دوزيم" وميدي1 في بث برامج حوارية وتفاعلية، مع استضافة إعلاميين وسياسيين وممثلين عن الجيل الجديد من الشباب المحتج بالشارع منذ 27 سبتمبر/أيلول 2025، والمطالب بإصلاح التعليم والصحة ومحاربة الفساد وضمان العيش الكريم لعموم المواطنين.

ووصل الأمر بالإعلامي في ميدي1 نوفل العواملة إلى أن سأل الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس إن كانت الحكومة برئاسة عزيز أخنوش ستقدم استقالتها استجابة لطلب الشباب والشارع.

كما حضر نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، وزير التجهيز والماء، إلى جانب النائبة البرلمانية نجوى كوكوس عن حزب الأصالة والمعاصرة ونائب الكاتب الوطني  لشبيبة العدالة والتنمية رضا بوكمازي، ومجموعة من الشباب والطلبة، إلى برنامج "نكونو واضحين"، في 5 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، والذي وُجهت فيه انتقادات شديدة للحكومة.

وشهدت قناة ميدي1 تنظيم برنامج "صدى الأحداث" والذي خصصته لحوار بلا حدود بين الحكومة والشباب، بمشاركة شباب وإعلاميين والوزير السابق والقيادي بحزب رئيس الحكومة "التجمع الوطني للأحرار" أنيس بيرو.

وبثت القناة العمومية الأولى برنامجا خاصا حول الشباب ومطالبهم، بمشاركة برلمانية عن الأغلبية وأستاذ جامعي وممثل عن الشباب.

تحول نوعي

خلق هذا التحول تفاعلات واسعة من مراقبين وفاعلين، وفي هذا الصدد، قال الصحفي بأسبوعية الأيام الحسان أيت بيهي: إن ما يجري عبر الإعلام العمومي هو تحول نوعي في التعامل مع حراك شباب جيل زد.

وأضاف بيهي في تدوينة عبر حسابه على فيسبوك، في 3 أكتوبر، أن يأتي هذا التفاعل متأخرا خير من أن لا يأتي أبدا، متسائلا إن كان ما يجري "مقدمة لقرارات حاسمة مزلزلة"، مردفا: "الأيام القادمة ستوضح دواعي هذا التحول".

أما المدون والكاتب نجيب الأضادي، فقال: إن ممثلي الشباب في هذه البرامج عبروا عن مواقف جريئة، متحدثين عن هيمنة لوبيات المال على القرار الحكومي وغياب العدالة في توزيع الثروات، ويرون أن الحكومة الحالية تشتغل بمنطق المصالح الخاصة لا المصلحة العامة.

ورأى الأضادي في تدوينة عبر فيسبوك في 6 أكتوبر، أن النقاش عبر برنامج "نكونو واضحين" جرى بحرية غير مسبوقة، سمحت بتمرير رسائل نقدية مباشرة للحكومة، ضمن إطار مؤسساتي مسؤول.

وشدد أن "هذا البرنامج يؤكد أن المغرب يدخل مرحلة جديدة من الوضوح في النقاش العمومي، عنوانها الكبير هو جيل واعٍ يطالب بالإصلاح في إطار الوطنية والاحترام، وإعلام عمومي يسعى إلى استعادة الثقة وبناء الجسور بين الشباب والمؤسسات".

من جانب آخر، انتقد رئيس مركز التفكير "أوميغا" للأبحاث الاقتصادية والجيوسياسية، سمير شوقي، في تدوينة في 5 أكتوبر، تنصل نزار بركة من مسؤوليته الحكومية وقوله خلال برنامج القناة الثانية إنه جاء بصفته الحزبية.

وشدد شوقي على أن ما صدر عن بركة غير سليم، لأنه عضو في الحكومة وعليه أن يتحلى بالشجاعة ويواجه النقاش العمومي بقبعته الحكومية التي يحظى بموجبها بأجر وامتيازات وتعويضات سمينة ونفوذ وحظوة.

وأكد أن "القائد هو من يبقى على ظهر السفينة حين تغرق وليس أول من يقفز منها".

في السياق ذاته، وصف مدير نشر موقع "الأنباء بوست"، حسن المولوع، في تدوينة في 5 أكتوبر، الحكومة بأنها أصبحت كالمتخلى عنها، وكطفلة غير مرغوب فيها، وُلدت من “أم عازبة”, لا أب يقرّ بها ولا أم تحتضنها.

واسترسل: "الجميع يتبرأ منها واحدا تلو الآخر، وكأنها عبء ثقيل يبحث كل طرف عن رميه بعيدا".

كذلك رأى الناشط الحقوقي والأستاذ الجامعي خالد البكاري أن "ظهور هذه المواقف داخل قناة عمومية جعل المواطنين يلتقطون رسالة واضحة مفادها أن الحكومة غير مسؤولة".

وأضاف البكاري لموقع "صوت المغرب" في 6 أكتوبر، كما تأكد المواطنون أن الحكومة غير قادرة على الدفاع عن حصيلتها، وأنها حكومة شكلية عاجزة عن مواجهة الرأي العام.

وزاد، الرسالة أيضا تضمنت أن بعض أعضاء الحكومة يستغلون مناصبهم لحماية مصالحهم الخاصة وتقديم امتيازات للمقرّبين منهم، ويرى أن "هذا الوضع يُعدّ أكبر إهانة للمؤسسات".

من زاوية أخرى، قال الناشط السياسي مصطفى بوكرن، إن التكتيك الذي تستعمله الدولة الآن في قمة الذكاء، فهي في برنامج القناة الثانية مثلا تريد إرباك هذا التناقض: "جيل زد في مقابل الحكومة".

وأضاف بوكرن في تدوينة عبر فيسبوك، في 6 أكتوبر؛ حيث تسعى الدولة إلى صناعة تناقض جديد عنوانه "ليس جيل زد فقط ضد الحكومة، بل هناك إعلاميون وأحزاب وشباب وغيرهم".

واسترسل، بمعنى أنها تقوم بالترويج لكثيرين ممن هم ضد الحكومة، بل حتى نزار بركة أصبح ضد الحكومة.

ورأى بوكرن أن هذا التكتيك سيربك جيل زد، خاصة أنهم يريدون أن يروجوا "لحصرية الزد"، في المقابل، تريد الدولة توسيع المعارضين للحكومة، وبالتالي سيتم عزل "جيل زد" لكي تتحول إلى طائفة شبابية أمام معارضين كثر للحكومة، وسيكون لزد مجرد صوت واحد.

استقلالية غائبة

دفعت حالة الإعجاب بأسئلة الصحفيين بالقنوات العمومية ومحاصرة المسؤولين الحكوميين بمطالب الشارع، الباحث الأكاديمي علي فاضلي، إلى القول إن ما يجري يشير إلى أننا نعاني من أزمة ذاكرة.

وأضاف فاضلي لـ "الاستقلال"، لأن البعض أصبح يتحدث عن صحفيي القناة الثانية وميدي1 وكأنهم أفضل ما أنجب الجسم الصحفي في بلادنا.

واسترسل، بل إن البعض شارك تهديد الناطق الرسمي باسم الحكومة للصحفي نوفل العواملة وكأن الأخير أو غيره من صحفيي القنوات العمومية قد امتلكوا الشجاعة ذاتيا لطرح الأسئلة التي ينبغي طرحها على الأغلبية الحكومية.

ونبَّه فاضلي إلى أن فعل الصحفيين قبل أو بعد ما يجري من احتجاجات هو فعل مؤطر بتوجه تلك القنوات الإعلامية، ولا علاقة له مطلقا بشجاعة الصحفي؛ لأن الصحفي يعبر من توجه القناة المشغلة له.

وزاد، ولا ننسى أن القناة الثانية نفسها هي التي استضافت أخنوش قبل أسابيع فقط، وساعده الصحفيان في الإجابة، واليوم ولأن السياق مختلف فقد جاء الأمر "بطحنه".

ودعا فاضلي إلى الوعي بكل هذه التفاصيل لأجل بناء موقف سليم تجاه تطورات المشهد الإعلامي المغربي، وعدم الانجرار خلف بعض التحولات المتحكم فيها من السلطة، والتي لا تعكس تغييرا جذريا أو بعيد المدى في السياسة التحريرية للإعلام العمومي.

من جانبه، قال الباحث في التواصل السياسي عبد الصمد بنعباد: إن الإعلام العمومي في ملكية "طرف/جهة فوق حكومية"، مقدرا أن ما يجري هو ممارسة غير ديمقراطية ينبغي النضال ضدها، من باب الواجب الأخلاقي قبل أن يكون التزاما سياسيا.

وشدد بنعباد لـ "الاستقلال"، أن الإعلام العمومي الذي أمره "جهاز سامسونغ" بخوض حرب شاملة على رئيس الحكومة عزيز أخنوش، سيُسلط على غيره مستقبلا إذا بقي الإعلام في ملكية جهات غير معلنة.

وأضاف، ولذلك عندما أناشد إخوتي وأصدقائي أن افتحوا عقولكم، فمعناه أن نعطي أخنوش "حجمه" الطبيعي، أي بكونه أداة استُعملت من جهات نافذة ومتحكمة.

واسترسل بنعباد، طبعا نريد إسقاطه وحكومته، حتى وإن كان مجرد أداة، لكن يجب ألا تخفى علينا الجهة "المُحركة"، لأن أي تغيير في الإعلام لصالح الشعب لا بد وأن يتم بعد تحييد هذه الجهة وجعل الإعلام كما يجب حقا، أي أن يتصف بالتعددية والانفتاح والتفاعل مع المجتمع.

baraka-960x540.jpg

تحركات تكتيكية

في قراءته العلمية لهذه التطورات، يرى الباحث الإعلامي والأكاديمي عبد الله أموش، أن الأصل في الإعلام العمومي هو تقديم الخدمة العمومية بإحداث قطيعة مع منطق الإعلام الرسمي القائم على الدعاية والبروبغاندا.

واستدرك أموش لـ "الاستقلال"، لكن ظهر أن القطب الإعلامي يتعامل مع الأحداث الحالية بمنطق تكتيكي، وهناك سوابق على ذلك، ومنها حراك 20 فبراير/شباط 2021 وحادثة سقوط الطفل ريان في بئر في فبراير 2022.

وأردف، ما يقع يؤكد أنه ليس هناك تخطيط قادر في الإعلام العمومي يجعله قائدا للنقاش السياسي، أو قادرا على القيام بالمهام التي يقوم بها الإعلام العمومي في الدول الإسكندنافية الرائدة في هذا المجال.

وشدد أموش أن المسألة لا تتعلق بالموارد البشرية والمالية والتقنية، بل بالرؤية والإرادة والتخطيط.

وأوضح، ذلك أن القطب العمومي اليوم يضم أزيد من 10 قنوات و18 إذاعة، منها الوافد من الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، وشركة صورياد دوزيم، وشركة ميدي 1 تيفي، وشركة ميدي 1 راديو، وغيرها.

ونبه الباحث الأكاديمي إلى أن متابعة هذا الكم من القنوات والإذاعات يكشف عن اختلالات عدة، ومنها الضعف والتكرار والرتابة والتحول إلى إدارة ومغادرة المغاربة لها, والأخطر البقاء خارج التاريخ، لكن هذا لا يعمم.

أما الضريبة فهي صرف أموال على ترددات على الأقمار الاصطناعية وعدم تقديم الخدمات المنوطة  بها.

يدفع كل هذا إلى المطالبة بحكامة هذا القطاع، وتقليص عدد القنوات والإذاعات، وتحويل هذه الأخيرة إلى إذاعات القرب، فلا يعقل أن تشتري الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة إذاعة كي تضيفها إلى إذاعات كثيرة، ولا يعقل أن تشتري شركة مفلسة.

IMG_6758-1-e1759433584286.jpeg

صفحة جديدة

على المستوى السياسي، وبحثا عن منفذ دستوري للأزمة الحالية بالشارع المغرب، قال عبد الصمد حيكر، عضو المجموعة النيابية للعدالة والتنمية: إنه من المناسب جدا إحياء مبادرة ملتمس الرقابة لإيجاد مخرج دستوري وديمقراطي للوضع.

وأضاف حيكر لموقع "العدالة والتنمية"، في 5 أكتوبر، لكن ذلك مشروط بأن تتحلى مكونات مجلس النواب بالروح الوطنية العالية، بما يسهم في فتح صفحة جديدة للثقة في المؤسسات.

واسترسل، وهو ما يمكن أن يجنب بلدنا قلاقل من قبيل حل البرلمان أو أحد مجلسيه، خاصة أن هذا الخيار الثاني يشكل عنوانا لأزمة عميقة لها كلفتها الكبيرة.

وتابع الباحث في العلوم السياسية، بينما ملتمس الرقابة قد يتيح فرصة حتى لمكونات الأغلبية، خاصة منها تلك التي تصدح بأن الحكومة لم تنجح أو أنها لن تتمكن من تحقيق بعض التزاماتها في البرنامج الحكومي مثل خلق مليون منصب شغل، فرصة الاعتذار للمواطن وإتاحة مخرج قد يشكل انفراجا سياسيا مطلوبا.