عروض مغرية وإزاحة الصين.. أسرار التقارب الاقتصادي بين أميركا وسوريا

مصعب المجبل | منذ ٨ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تعمل الحكومة السورية الجديدة على تقديم عروض للشركات الأميركية للنزول إلى سوريا والبدء بمشاريع استثمارية في هذه المرحلة المهمة من إعادة الإعمار.

ومع أن العقوبات الأميركية هي الأشد وطأة على الاقتصاد السوري التي تراكمت زمن حكم نظام بشار الأسد الذي انهار في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024 إلا أن إصلاح علاقة دمشق مع واشنطن ليست بالمهمة الصعبة، وفق الخبراء.

ففي خطوة تصبّ في هذا الاتجاه، بدأت بعض الشركات الأميركية تلمس حظوظها في سوريا، مستفيدة من البيئة الخصبة لمشاريع إعادة الإعمار المربحة. 

جذب الشركات الأميركية

وفي السياق، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أن الرئيس السوري أحمد الشرع بدأ تحركات حثيثة تهدف إلى كسب دعم الولايات المتحدة لخطط إعادة إعمار سوريا، عبر اتخاذ خطوات تُرضي واشنطن وإجراء اتصالات غير مباشرة مع إسرائيل، وطرح فرص استثمارية مغرية أمام شركات أميركية في قطاعي النفط والغاز.

وقالت الصحيفة في تقرير لها نشر في 7 مايو/ أيار 2025: إن سوريا الجديدة تسعى لعلاقة إستراتيجية قوية مع الولايات المتحدة.

وأشارت الصحيفة إلى أن الشرع يسعى للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمشاركة رؤيته لإعادة إعمار على غرار خطة مارشال.

وخطة مارشال هي مشروع اقتصادي لإعادة إعمار أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وضعه الجنرال جورج مارشال رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي أثناء الحرب العالمية الثانية.

ولاحقا أصبحت خطة مارشال مصطلحا يستخدم كناية عن موضوع إعادة الإعمار في مناطق أو دول دمرتها الصراعات والحروب الأهلية.

وكشفت "وول ستريت جورنال" في تقريرها ذاته أن "جوناثان باس" وهو ناشط جمهوري مؤيد لترامب ورئيس تنفيذي لشركة Argent LNG للغاز الطبيعي ومقرها لويزيانا، زار مطلع مايو 2025 دمشق وعرض خطة شراكة لتطوير موارد الطاقة السورية وإنشاء شركة نفط وطنية مدرجة في الأسواق الأميركية. 

وقد سافر مع جوناثان باس إلى دمشق لتقديم خطة إلى الرئيس السوري أحمد الشرع لتطوير موارد الطاقة في البلاد مع شركات غربية وشركة نفط وطنية سورية جديدة مدرجة في الولايات المتحدة.

وأفاد باس، ومعه معاذ مصطفى رئيس "قوة الطوارئ السورية" المرخصة في الولايات المتحدة، بأن الشرع رحَّب بالخطة.

ولفتت الصحيفة إلى أن وزير الطاقة السوري محمد البشير رافق "جوناثان باس" في طريق العودة إلى إسطنبول لحضور قمة الموارد الطبيعية التي عُقِدت في 2 مايو 2025.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول سوري كبير قوله: إن "سوريا الحرة الجديدة تسعى لبناء علاقة إستراتيجية مع الولايات المتحدة تقوم على المصالح المتبادلة، خصوصا في قطاع الطاقة". 

وأضاف المسؤول أن دمشق تأمل أن تصبح حليفا مؤثرا لواشنطن في الشرق الأوسط خلال المرحلة المقبلة.

وتطالب الحكومة السورية الجديدة المجتمع الدولي برفع العقوبات المفروضة على قطاعات ومؤسسات رئيسة في البلاد منذ عام 2011، وتعدها خطوة أساسية لتعافي الاقتصاد والشروع في مرحلة إعادة الإعمار.

وخففت بعض الدول الأوروبية والغربية جزءا من العقوبات عن سوريا، بينما ربطت واشنطن تخفيف عقوباتها بالتأكد من إحراز تقدم في عدة ملفات تشكّل أولويات بالنسبة لها، من بينها اتخاذ إجراءات ضد "الإرهاب".

ورأى الشرع خلال مؤتمر صحفي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس في 7 مايو 2025 أن بقاء العقوبات الاقتصادية الأوروبية ليس "مبررا".

وقال الشرع: "هذه العقوبات وضعت على النظام السابق بسبب الجرائم التي ارتكبها وقد زال هذا النظام، وزوال النظام يجب أن تزول معه هذه العقوبات، وليس هناك أي مبرر لبقاء العقوبات".

والولايات المتحدة لها وجود عسكري في سوريا يتركز في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا التي يسيطر على غالبيتها قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.

إضافة إلى وجود عسكري في "قاعدة التنف" وهي إحدى القواعد العسكرية الأميركية المتكاملة بسوريا والواقعة عند المثلث الحدودي مع العراق والأردن.

إلا أن الولايات المتحدة أعلنت في أبريل 2025 عزمها خفض عدد الجنود الأميركيين المنتشرين في سوريا إلى أقل من ألف جندي تقريبا في الأشهر المقبلة.

وسبق ذلك، تسليم واشنطن لدمشق في مارس 2025 قائمة شروط تطالبها بتنفيذها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات.

 وأعلنت دوروثي شيا القائمة بأعمال المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة هذه الشروط علنا، وقالت: إن الولايات المتحدة تريد من السلطات السورية “نبذ الإرهاب وقمعه بشكل كامل، واعتماد سياسة عدم الاعتداء على الدول المجاورة، وإبعاد المقاتلين الإرهابيين الأجانب عن أي أدوار رسمية".

إضافة إلى "منع إيران ووكلائها من استغلال الأراضي السورية"، وتدمير أسلحة الدمار الشامل، والمساعدة في استعادة المواطنين الأميركيين المختفين في سوريا، وضمان الأمن والحريات لجميع السوريين.

وعقب ذلك ذكرت وكالة رويترز في 26 أبريل 2025 أن سوريا ردت كتابيا على قائمة الشروط الأميركية لرفع جزئي محتمل للعقوبات، قائلة: إنها طبقت معظمها لكن البعض الآخر يتطلب "تفاهمات متبادلة" مع واشنطن.

"حصان السبق"

كثيرا ما خرجت أصوات أميركية مقربة من ترامب في الفترة الأخيرة وتحدثت عن أن هذه هي اللحظة التي تستطيع فيها الولايات المتحدة، للمرة الأولى منذ عقود، إقامة علاقات تجارية واستثمارية نابضة بالحياة مع سوريا وبالتالي جلب السلام إلى الشرق الأوسط.

 كذلك عمل نواب أميركيون بتحريك من "اللوبي السوري" في الولايات المتحدة على محاولة مد جسور التواصل بين واشنطن ودمشق.

 وقد استقبل الشرع في 19 أبريل/ نيسان 2025 عضوا جمهوريا بالكونغرس وهو "كوري لي ميلز" في أول زيارة يقوم بها مشرعون أميركيون إلى البلاد منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024.

وذكرت وكالة بلومبيرغ أن ميلز سافر إلى دمشق لتقصي الحقائق، حيث أجرى محادثات مع الشرع حول العقوبات الاقتصادية والسلام بين سوريا وإسرائيل، مؤكدة أن ميلز حمل معه رسالة من الشرع إلى ترامب.

وصرّح ميلز للصحيفة بأنه تحدث مع الشرع لتوضيح توقعات إدارة ترامب بشأن رفع العقوبات الصارمة.

وأشار ميلز إلى أن ألمانيا واليابان كانتا في السابق أعداء للولايات المتحدة، لكن "يتعين علينا أن نتحرك إلى ما هو أبعد من ذلك إذا أردنا تحقيق الاستقرار" في سوريا.

وضمن هذا السياق، قال المحلل الاقتصادي السوري رضوان الدبس لـ "الاستقلال": إن "الشركات الأميركية مستعدة للمساهمة في إنعاش الاقتصاد السوري، خاصة أن الحكومة السورية الجديدة تقوم بتقديم عروض لكي تدخل في عمليات استثمارية بما يناسبها عبر تقديم لها عدد من الخيارات الاستثمارية على الأراضي السورية".

وأضاف أن "تقديم الحكومة السورية مثل هذه العروض للشركات الأميركية في هذه المرحلة هي في سبيل المساهمة في رفع العقوبات الأميركية عن البلاد، والسعي لإطلاق عجلة إعادة الإعمار".

وأردف الدبس "ما تقوم به الحكومة السورية هي وضع عدد من الخيارات أمام الشركات الأميركية في مجالات الطاقة وتطوير حقول النفط السورية". 

ورأى الدبس أن "من أكثر الأمور التي تشجع واشنطن على رفع العقوبات عن سوريا هو وجود فوائد كبيرة للشركات الأميركية للاستثمار في سوريا عبر منحها حصان السبق في ملف إعادة الإعمار بالبلاد".

 وألمح الخبير الاقتصادي إلى أن "زيارات وفود الشركات الأميركية إلى سوريا في الفترة الأخيرة هي بمثابة جولات استكشافية على الأرض لمعاينة مدى القدرة على استفادة الطرفان".

وذهب الدبس للقول: "إن هذه التحركات تدل على وجود بوادر أميركية لرفع العقوبات عن سوريا على المدى القريب أو المنظور؛ لأن حضور طواقم الشركات الأميركية الكبرى إلى سوريا يقرأ في سياق إعداد خطط وبرامج للمشاريع المحتملة للعمل وحجم العوائد المادية المحتملة لسوريا وللشركات، خاصة في مجال الطاقة". 

ورأى الدبس أن "دخول الشركات الأميركية فيه انعكاس إيجابي كبير على الاقتصاد السوري كونها شركات عملاقة متطورة ولديها ثقل اقتصادي عالمي مما يشجع بقية الشركات الغربية على الدخول في سوق المنافسة بسوريا".

واستدرك "هناك بقع استثمارية كبيرة في سوريا بحاجة لاستغلالها، خاصة في مجال الغاز والنفط في الساحل السوري فضلا عن الصناعات المختلفة وقطاع الاتصالات والتكنولوجيا".

بدوره يؤكد أسامة القاضي هو مستشار اقتصادي وإداري ومالي دولي لـ "الاستقلال" "أن هناك الكثير من الشركات الأميركية التي ترغب في الدخول في السوق السورية وتتنظر رفع العقوبات الاقتصادية عن البنك المركزي السوري وإعادة سوريا لنظام التحويل المالي العالمي (سويفت) حتى تتمكن الشركات من تحويل الأموال والبدء بالمشاريع".

ولفت القاضي إلى أن "هناك الكثير من المشاريع التي يمكن أن تستثمر فيها الشركات الأميركية بسوريا سواء في قطاعي الغاز والنفط أو الطاقة البديلة أو الطرقات وحتى في مسائل التصنيع الزراعي والصناعة بشكل عام".

 ونوَّه القاضي إلى أن "عملية تأهيل اليد العاملة السورية عامل مهم في هذه المرحلة في استقطاب الشركات العالمية بشكل عام إذ إن العمالة الفيتنامية التي تدير الشركات الأميركية التي يتجاوز عددها 20 ألفا في فيتنام وتعمل فيها ليست بأفضل تأهيلا من العمالة السورية".

وأردف "لهذا يجب أن يكون هناك معاهد فنية لتخريج الكثير من العمالة والاستفادة منها في النهوض الاقتصادي". 

"إبعاد الصين"

لقد أعطت الولايات المتحدة إشارة إيجابية لمساعدة سوريا على الانطلاق من جديد وتحسين عيشة المواطن السوري.

فقد أعلن وزير المالية السوري محمد برنية في 7 مايو 2025 تلقي سوريا منحة من قطر لتسديد جزء من أجور القطاع العام، مضيفا أن الخزانة الأميركية أعطت استثناء من العقوبات بهدف تسهيل العملية.

وتشمل المنحة القطرية وفق ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية السورية "سانا" عن برنية تسديد جزء من فاتورة الأجور والرواتب الحالية، والبالغة 29 مليون دولار أميركي شهريا لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد.

وأوضح الوزير السوري أن "المنحة ستغطي رواتب العاملين في قطاع الصحة وقطاع التعليم وقطاع الشؤون الاجتماعية والمتقاعدين من غير العسكريين".

وأشار برنية إلى أنه جرى استثناء منحة دولة قطر من العقوبات الأميركية، منوها إلى أن المنحة ستدار من قِبَل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وهي تغطي قرابة خمس فاتورة الأجور والرواتب الحالية.

وأمام هذا التحرك الأميركي الجديد نحو إضافة حزمة جديدة من التسهيلات للحكومة السورية الجديدة، يربط خبراء تسارع الخطوات الأميركية إلى سوريا التي لها فيها ثقل عسكري لمنع دول مثل الصين لملء الفراغ هناك خاصة على الصعيد الاقتصادي.

وضمن هذه الجزئية يرى غوردون تشانغ الخبير في القضايا الصينية ومؤلف كتاب "انهيار الصين القادم" في مقال له على موقع "فوكس نيوز" نشر في 7 مايو 2025 أن "الصين التي دعمت نظام الأسد المُريع حتى النهاية، تحاول الآن التأثير على الحكومة الجديدة في دمشق لتتمكن في نهاية المطاف من السيطرة على البلاد".

وأردف "يقاوم الشرع محاولات بكين.. لقد أخبرني جوناثان باس، الذي أجرى مناقشات مطولة مع الشرع في دمشق حول الحرية الدينية ومواضيع أخرى، أن سوريا الآن بقيادة مصلح حقيقي".

ويرى تشانغ أن الشرع في هذه المرحلة "يريد التجارة والاستثمار وهذه فرصة تاريخية للشركات الأميركية، التي حُرمت من هذا الجزء من المنطقة خاصة أن سوريا مُدمرة، والأميركيين قادرون على البناء والبيع وتوفير كل شيء تقريبا".

ونقل تشانغ عن معاذ مصطفى، من فرقة عمل الطوارئ السورية قوله: "سوريا مفتوحة على مصراعيها. يواصل الصينيون الضغط بقوة لملء الفراغ، مدركين أنه كلما تأخرت الولايات المتحدة في التدخل، زادت احتمالية احتلال الصين اقتصاديا لسوريا".

وسيزور ترامب السعودية في 13 مايو/أيار 2025 ويسعى المسؤولون السوريون لترتيب لقاء بين الرئيس الأميركي والرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في العاصمة الرياض لمناقشة دخول الشركات الأميركية إلى سوريا. 

وسبق للشرع خلال إرساله رسالة تهنئة للرئيس الأميركي دونالد ترامب على توليه رئاسة الولايات المتحدة في يناير 2025 أن قال له فيها "نحن على ثقة بأنه القائد الذي سيجلب السلام إلى الشرق الأوسط ويعيد الاستقرار إلى المنطقة".