"تأجيج التوترات وعقوبات أميركية".. هل يستجيب نظام السيسي لضغوط ترامب؟

منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بينما أحدثت الزيارة التاريخية للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط صدى واسعا، يعيش النظام المصري حالة من الارتباك بعد أن طلب منه ترامب السماح بحرية مرور السفن الحربية والتجارية الأميركية عبر قناة السويس.

وفي منشور على منصة "تروث سوشيال" في أبريل/نيسان 2025، كتب ترامب أنه ينبغي السماح للسفن العسكرية والتجارية التابعة للولايات المتحدة بالمرور عبر قناتي السويس وبنما من دون دفع أي رسوم.

وأضاف: “طلبت من وزير الخارجية ماركو روبيو أن يتولى هذا الأمر على الفور”. مدعيا أن قناتي بنما والسويس “ما كان لهما أن يُوجَدا لولا الولايات المتحدة”.

في المقابل، عرض ترامب استمرار الحملة الجوية الأميركية ضد الحوثيين لوقف هجماتهم على السفن في البحر الأحمر، وهي الهجمات التي بدأت بعد اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وبالتحديد في نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

اتساع الهوة

وقال "المجلس الأطلسي" الأميركي: إن "عدم زيارة ترامب إلى مصر يُشير إلى اتساع الخلاف بين واشنطن والقاهرة".

وفي 13 مايو/ أيار 2025، أجرى ترامب أول جولة خليجية بولايته الثانية، واستهلها بالسعودية ثم زار قطر، واختتمها بالإمارات في 16 مايو.

وأوضح المحلل السياسي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، سعيد صادق، أن تصريحات ترامب حول قناة السويس تشير إلى "تحول في العلاقات الأميركية-المصرية"، التي وصفها بأنها "في أدنى مستوياتها منذ عقود".

وأضاف أن هذه التصريحات تمثل أيضا "انعكاسا حادا في الأدوار"، إذ لطالما قدمت الولايات المتحدة لمصر مساعدات اقتصادية وعسكرية مقابل ضمان أمن إسرائيل، لكنها حاليا "تطالب حليفها التقليدي في الشرق الأوسط برد الجميل".

وخلال العام ونصف العام الماضيين، تسبّبت هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر في إرباك كبير لحركة الملاحة البحرية، مما زاد من الضغوط على الاقتصاد المصري المتعثر، وفق التقرير.

فقد تراجعت إيرادات قناة السويس بأكثر من 60 بالمئة نتيجة لتلك الهجمات، التي جاءت كوسيلة للرد على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

أما إعفاء السفن الأميركية من الرسوم -والتي تمثل ما بين 10 إلى 20 بالمئة من حركة المرور في هذا الممر المائي الحيوي وفقا للتقارير- فقد يوجه ضربة جديدة إلى الموارد المالية لهيئة قناة السويس، ومن ثم إلى خزينة الدولة، في وقت تعاني فيه مصر من أزمة حادة في النقد الأجنبي.

ورغم عدم صدور رد رسمي على مطلب ترامب المثير للجدل، فقد أثار طلبه موجة من الغضب في أوساط المعلقين والنواب المصريين.

وفي منشور على حسابه في منصة "إكس"، هاجم الصحفي المقرّب من النظام وعضو مجلس النواب، مصطفى بكري، اقتراح ترامب واصفا إياه بـ"الابتزاز". 

ورجّح أن تصريحات ترامب جاءت ردا على رفض القاهرة لخطة الرئيس الأميركي التي تقضي بنقل الفلسطينيين إلى مصر والأردن.

وهي خطوة حذَّر منها وزير خارجية النظام المصري بدر عبد العاطي، مؤكدا أنها "ستشكل تهديدا بالغا للاستقرار الإقليمي، وقد تؤدي إلى عودة ظهور الجماعات المتطرفة".

وبحسب التقرير، فقد زاد ترامب الطين بلّة حين زعم أن قناة السويس ما كانت لتوجد لولا الولايات المتحدة، وهو ادعاء أثار موجة من الانتقادات في أوساط المحللين والأكاديميين المصريين الذين عدوه مساسا بسيادة القاهرة على القناة.

تهديد بالمساعدات

وفي مقابلة متلفزة بُثت على الفضائية المصرية الخاصة "تن"، وصف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، علي الدين هلال، تصريحات ترامب بأنها "صدامية وخالِية من أي حقائق تاريخية".

وذكّر هلال بأن قناة السويس، التي افتُتحت رسميا عام 1869، حُفرت بأيدي المصريين في وقت كانت الولايات المتحدة لا تزال تتعافى من آثار الحرب الأهلية.

وأشرفت "شركة السويس" -التي أسسها الدبلوماسي الفرنسي فرديناند ديليسبس لهذا الغرض تحديدا- على حفر قناة السويس، وهي طريق تجاري رئيس بين إفريقيا وآسيا.

وعزا صادق إحباط واشنطن المتزايد من القاهرة إلى رفض الأخيرة الرضوخ للضغوط الأميركية للمشاركة في الحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد الحوثيين.

وفي 6 مايو، أعلن ترامب عن توقف العملية العسكرية ضد الحوثيين.

وأوضح التقرير أن العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر توترت بعد تهديد ترامب بقطع المساعدات عن مصر والأردن إذا رفض الحليفان القديمان للولايات المتحدة خطته لتهجير اللاجئين.

ودفعت هذه التهديدات رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى إلغاء زيارته للولايات المتحدة التي كانت مقررة في 18 فبراير/شباط 2025.

ووردت تقارير تفيد بأن السعودية تدرس عرض إنشاء قاعدة عسكرية أميركية على جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر، مما يزيد من حدة التوتر في القاهرة.

ومن شأن وجود قاعدة أميركية هناك أن يُمكّن واشنطن من مراقبة تهريب الأسلحة من إيران إلى لبنان وغزة، ولكنه سيُقوّض سيادة مصر على قناة السويس.

ويرى الخبير الإستراتيجي في المجلس الاستشاري للأمن والدفاع المصري، سمير فرج، أن “هذه شائعات”، قائلا إنه لا يوجد أي حديث عن قاعدة أميركية على الجزيرتين.

كما قلّل فرج من شأن الخلاف بين مصر والولايات المتحدة، قائلا: إن هناك مفاوضات جارية لتسوية أي خلافات.

البديل الصيني

مع ذلك، فقد بدأت القاهرة أخيرا في التقارب مع الخصم الرئيس للولايات المتحدة، الصين. 

وقد شكّلت المناورات الجوية المشتركة الأولى بين القوات الجوية المصرية والصينية -والتي أُجريت في الأجواء المصرية بين 19 أبريل ومطلع مايو/أيار- مؤشرا على تعزيز التعاون الأمني بين البلدين.

ويرى بعض المحللين أن هذه التدريبات العسكرية المشتركة كانت تهدف إلى توجيه رسالة إلى الولايات المتحدة مفادها أن القاهرة تملك خيارات أخرى.

وقال صادق: "إذا نفذ ترامب تهديده بخفض المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر، فإن القاهرة ستتجه إلى أطراف أخرى للحصول على الدعم".

وأضاف أن هذه الخطوة تُعد على الأرجح تكتيكا يهدف إلى تأمين المساعدات العسكرية الأميركية أو دفع واشنطن إلى رفع قيودها المفروضة على تحديث سلاح الجو المصري.

في حين لم تُخفِ القاهرة إستراتيجيتها لتنويع مشترياتها الدفاعية، يبدو أنها تشعر بإحباط متزايد إزاء القيود الأميركية على تحديث أسطولها من طائرات إف-16.

وتفاخر جهاز الإعلام الرسمي المصري بنشر مقطع فيديو يُظهر مقاتلات "J-10C" الصينية وطائرات النقل "Y-20" خلال التدريبات العسكرية المشتركة، في إشارة واضحة ربما إلى طموحات القاهرة في تعزيز قدراتها الدفاعية الجوية، وفق التقرير.

وكانت وزارة الدفاع الأميركية قد تراجعت عن وعد ترامب ببيع مقاتلات "F-36" الشبحية إلى مصر في أغسطس/آب 2024.

ورأى صادق أن الولايات المتحدة تتوخى الحذر في عدم السماح لمصر بالحصول على مقاتلات متطورة؛ "لأن ذلك من شأنه أن يُقوّض التفوق العسكري الإسرائيلي".

وإذا صدقت بعض التقارير الإعلامية التي تتحدّث عن صفقة سلاح مرتقبة بين مصر والصين تشمل بيع مقاتلات "J-10C"، فإن هذه الخطوة من المرجح أن تؤجج التوترات بين الولايات المتحدة ومصر، وربما تعرض القاهرة لخطر العقوبات الأميركية، بحسب التقرير.

ويُصرّ صادق على أن نظام السيسي "لا يسعى إلى مواجهة مع الولايات المتحدة، ويحرص على الحفاظ على السلام مع إسرائيل".

ورغم أن هذا صحيح على الأرجح -وفق التقرير- إلا أن سلسلة الاستفزازات الأميركية الأخيرة "تختبر صبر القاهرة".