حوّل 80 بالمئة منها إلى أنقاض.. لماذا يريد الاحتلال تدمير رفح بالكامل؟

خالد كريزم | منذ ٢٠ ساعة

12

طباعة

مشاركة

مرّ عام كامل منذ أن اجتاح جيش الاحتلال الإسرائيلي مدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة لأول مرة، وتجاوز "الخط الأحمر" الوهمي الذي وضعته الإدارة الأميركية السابقة برئاسة جو بايدن.

وعلى الرغم من التحذيرات الدولية والأممية من اجتياح المدينة التي كانت تعج بمئات الآلاف من المواطنين الذين نزحوا إليها قادمين من شمال قطاع غزة، فقد مضت إسرائيل بخططها تحت ذريعة القضاء على حركة المقاومة الإسلامية “حماس”.

وبعد عام من اجتياح رفح وعدم الانسحاب منها حتى خلال الهدنة الأخيرة (19 يناير/كانون الثاني حتى 18 مارس/آذار 2025)، كيف أصبح حال المدينة اليوم وما أهداف الاحتلال من إبقاء قواته هناك؟

 دمار كبير

تظهر شهادات محلية وصور أقمار صناعية أن مدينة رفح لم تعد موجودة على الخريطة بشكلها المعروف بعد أن أخلى الاحتلال سكانها والنازحين منها إلى المناطق الشمالية منها وبدأ في تدميرها وإحالتها إلى خراب.

وأظهرت صور أقمار اصطناعية أن إسرائيل دمرت نحو 80 بالمئة من المباني في مدينة رفح، في إطار الإبادة التي ترتكبها بدعم أميركي، وفق إعلام عبري.

ونشرت القناة 12 الإسرائيلية، في 8 مايو/أيار 2025، صورا تظهر دمارا هائلا في رفح، التي تقول الحكومة الإسرائيلية إنها ستجبر المواطنين على الانتقال إليها.

ونقلت عن تحليل أجراه “مركز نظم المعلومات الجغرافية” في الجامعة العبرية، أن حوالي 80 بالمئة من مباني مدينة رفح ومخيم اللاجئين فيها قد جرى تدميره.

وكشفت صور الأقمار الاصطناعية حجم الدمار الذي لحق بالمنطقة مقارنة بشهر أبريل/ نيسان 2024، حيث كانت معظم أحياء المدينة لا تزال قائمة قبل بدء الهجوم البري.

وأضافت القناة أن آلاف المباني دمرت بحلول نهاية 2024، لا سيما في المناطق القريبة من محور فيلادلفيا، على الحدود مع مصر.

وأشارت إلى أنه “مع توسع العمليات العسكرية، لم يتبق سوى نحو 20 بالمئة من مباني المدينة، معظمها في الجزء الشمالي”.

وفي مارس/ آذار 2025 وحده، جرى تدمير نحو 1100 مبنى في رفح، وهو الرقم الأعلى مقارنة بباقي مناطق قطاع غزة خلال الفترة نفسها، وفق ذات المصدر.

وذكرت القناة الإسرائيلية أن الدمار يتركز في القطاع في جباليا شمالا، وخانيونس ورفح جنوبا، حيث تجاوزت نسبة التدمير 80 بالمئة.

وفي المقابل، أشارت إلى أن معدل الضرر في “المعسكرات الوسطى” بالقطاع يتراوح بين 5 بالمئة و40 بالمئة بحسب المنطقة.

وبسبب حجم التدمير الكبير للمدينة، باتت وسائل الإعلام العبرية تطلق على رفح اسم “جنوب محور موراج”، في إشارة إلى أنها لم تعد موجودة.

ومحور "موراج" أو "موراغ" باللغة العبرية، أحد الممرات الحيوية جنوب القطاع، ويمتد من البحر غربا حتى شارع صلاح الدين شرقًا، وصولا إلى آخر نقطة على الحدود الفاصلة بين غزة والأراضي المحتلة وتحديدا عند معبر "صوفا".

وسيطر جيش الاحتلال على هذه المنطقة مطلع أبريل 2025، وفق ما أعلن نتنياهو الذي وصف الطريق الجديد بـ "محور فيلادلفيا الثاني"، في إشارة إلى المنطقة الفاصلة بين قطاع غزة ومصر، مضيفا: "لقد غيرنا مسار الأمور".

وجاء هذا الإعلان بعد 17 شهرا من تركيز الاحتلال على شمال القطاع وتدميره بشكل شبه كامل وفصله عن مدينة غزة، في خطة تكررها تل أبيب اليوم في الجنوب.

مدينة خالية

ويقول المواطن أحمد عفانة (45 عاما) من سكان رفح، إن المدينة أصبحت خالية من الأهالي الذين أجبروا على النزوح تحت نيران القصف البري والجوي.

وأوضح لـ"الاستقلال" أنه اضطر مع عائلته المكونة من 5 أفراد إلى النزوح نحو خانيونس القريبة منذ بدء الاحتلال العملية في رفح.

وأعلن جيش الاحتلال بالفعل تطويق المدينة وعزلها كليا عن باقي قطاع غزة عبر إنشاء "محور موراغ"، الذي يفصلها عن مدينة خانيونس.

وجاء ذلك بعد أيام من إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بدء عملية عدوانية واسعة في مدينة رفح، جنوب القطاع، عقب استئناف العدوان على غزة في 18 مارس/أذار 2025.

وأوضح عفانة أنه لم يبق اليوم في رفح سوى بعض العائلات القليلة التي رفضت الخروج مع بداية العملية وبقيت محاصرة.

ونجحت بعض العائلات المحاصرة بالوصول إلى شمال رفح، نحو مدينة خانيونس، مع مواصلة الاحتلال عدوانه على المدينة الحدودية القريبة من مصر.

وقال الناشط الغزي تامر قديح على إكس: “يستكمل الجيش الإسرائيلي تدمير ما تبقّى من رفح خلف الكواليس وبعيدًا عن الأضواء، ولا تزال العديد من العائلات محاصرة فيها حتى هذه اللحظة، ولا نعرف شيئًا عن مصيرهم، ولا إن كانوا ما زالوا على قيد الحياة”.

وفي الأيام اللاحقة، تواصل نزوح عدد من العائلات التي كانت متبقية في منازلها مع إصرار جيش الاحتلال على تدمير المدينة بالكامل والبدء بالجزء الشمالي منها.

وقال الصحفي الغزي ياسر محمد لـ"الاستقلال": إن الشهادات التي نتلقاها من المواطنين الذين وصلوا من رفح حديثا بعد حصار لأيام، تفيد بأنه لم تعد هناك حياة في المدينة وأن كل ما يتحرك فيها يتعرض للاستهداف.

وبدوره، قال الناشط معين الكحلوت: “مدينة رفح، تم تدميرها بشكل كامل، علما أن اهتزازات التفجير كانت تسمع في العريش المصرية والنقب وقد اشتكى المستوطنون من الأصوات المرعبة”.

أما الكاتب أحمد أبو ارتيمة، فقال: “انتهت مدينة رفح وصار اسمها في العبرية - جنوب محور موراج- مدينة كاملة أعدمت بكل مبانيها ومعالمها وهويتها.. كيف يمر هذا الخبر ببساطة في الإعلام!”.

وزعم الجيش في 10 مايو/أيار 2025، القضاء على معظم عناصر المقاومة المتبقية في رفح، على الرغم من استمرار كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس بتنفيذ عمليات قاتلة ضده.

وقال الجيش، في إشارة إلى حي محدد في المنطقة: "الجنينة هي آخر منطقة يُقاتل فيها إرهابيو لواء رفح"، وفق وصفه.

 وقد انتشر جنود إسرائيليون من لواء غولاني في رفح خلال الأيام الأخيرة بهدف تحييد ما تبقى من البنية التحتية لحماس في المدينة.

ولم يكن الهجوم الإسرائيلي على هذه المدينة بلا ثمن، فقد أسفر القتال العنيف الذي شهده مطلع مايو في منطقة الجنينة برفح عن مقتل أربعة جنود إسرائيليين وإصابة آخرين.

مخطط التهجير

ويأتي تدمير رفح ضمن مخطط لإجبار الغزيين على الانتقال إليها لاحقا في عملية جديدة أطلق عليها جيش الاحتلال اسم "عربات جدعون" العسكرية.

وتهدف العملية المذكورة إلى احتلال كامل قطاع غزة، وقد شرعت الحكومة الإسرائيلية بالإعداد لها من خلال استدعاء عشرات آلاف جنود الاحتياط.

وتسمية العملية بـ"عربات جدعون" تحمل دلالات دينية وتاريخية وعسكرية، تشير إلى عزم إسرائيل احتلال القطاع ضمن خطتها وتهجير سكانه تحت اسم ما تطلق عليه "الهجرة الطوعية" المزعومة.

فقد أطلقت إسرائيل على إحدى عملياتها في "نكبة 1948" اسم "عملية جدعون" وهدفت إلى السيطرة على منطقة بيسان الفلسطينية وطرد سكانها.

ولكن قالت هيئة البث الإسرائيلية، إن تل أبيب أرجأت تنفيذ العملية إلى ما بعد زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى المنطقة منتصف مايو 2025، خاصة بعد قيام حركة حماس بالإفراج عن الأسير الأميركي الإسرائيلي لديها عيدان ألكسندر في 12 مايو، وما تبعه من إعادة فريق التفاوض الإسرائيلي إلى الدوحة.

وفي مارس 2025، وافقت وزارة جيش الاحتلال على إنشاء مكتب خاص لتعزيز طرد الفلسطينيين فيما روجت له تحت اسم “هجرة طوعية”. 

في ذلك الوقت، كان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس لا يزال ساريًا، وإن كان هشًا، حيث رفضت تل أبيب الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق والتي كانت ستشمل مفاوضات لإنهاء الحرب نهائيًا. 

ثم، في أوائل أبريل، كشفت إسرائيل عن تدشين محور موراج وقالت: إن كل ما يقع جنوبه بما في ذلك رفح بأكملها، هي جزء من منطقة عسكرية عازلة، مما قلص مساحة القطاع الفلسطيني بمقدار الخمس. 

وأفادت القناة 12 الإسرائيلية أن الهدف من ممر موراج هو تسهيل "الهجرة الطوعية" للفلسطينيين، بينما أعلن وزير الجيش يسرائيل كاتس، أنه يجرى قطع قطاع غزة مع العالم وتنفيذ “خطة الهجرة الطوعية”.

وكرر كاتس الحديث عن هذه الخطة بعد أسابيع، مشيرًا إلى أن إستراتيجية إسرائيل في غزة تشمل تدمير البنية التحتية، ومنع دخول المساعدات الإنسانية، و"تشجيع النقل الطوعي".

وتقوم الخطة على إجبار السكان الذين يتعرضون لمجاعة جراء إغلاق المعابر منذ أكثر من شهرين، على الانتقال لجنوب محور موراج من أجل تلقي الغذاء بهدف عزلهم في تلك المنطقة تمهيدا لتهجيرهم.

ويأتي طرح هذه العملية بعد شهور من فشل خطة الجنرالات التي تركزت على إخلاء شمال قطاع غزة بالكامل عبر تدميره ومنع المساعدات عنه لشهور.

لكن عاد مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى الشمال في مسيرة لافتة خلال وقف إطلاق النار الأخير، وأقاموا خياما بجانب أنقاض منازلهم، موجهين رسالة واضحة مفادها أن نزوحهم لم يكن "طوعياً" على الإطلاق.

ويؤكد الصحفي ياسر محمد أن الاحتلال يعمل على مسح المدينة وتدمير بنيتها التحتية بالكامل تمهيدا لتكديس مئات الآلاف فيها، “ومن لا يقبل لن يجد الطعام، وعلى هذا يراهن الجيش في نجاحه بعدما أصاب أجساد الناس الضعف والوهن”.

وأوضح أن “كل من لا ينتقل إلى موراج سيصبح هدفا للاحتلال بصفته من عناصر المقاومة، وهي عملية يريد من خلالها تسهيل استهدافهم، لكنه يعيد إنتاج الفشل بعد أن أخفق في نفس الخطة بشمال قطاع غزة”.