إلى أي مدى أسهم التعاون العسكري بين تركيا وباكستان في مواجهة الهند؟

"بلغت قيمة صادرات الأسلحة التركية إلى باكستان بين 2021 و2024، أكثر من 112 مليون دولار"
عندما أقدمت الهند على تنفيذ غارات جوية داخل الأراضي الباكستانية صباح الأربعاء 7 مايو/ أيار 2025، بزعم استهداف معسكرات لجماعات مسلحة، بدت المنطقة وكأنها على وشك الانزلاق إلى مواجهة شاملة بين قوتين نوويتين.
وبينما اعتقدت نيودلهي أن الهجوم سيمر دون رد مواز، وأنها أخذت زمام المبادرة، جاءت عملية "البنيان المرصوص" الباكستانية في 10 مايو لتقلب المعادلة.
وسرعان ما تواردت الأنباء عن إسقاط باكستان طائرات هندية حديثة، مع ضربات مركزة عززت من صورة الجيش الباكستاني داخليا وخارجيا.
لكن خلف هذا الرد المحكم، كان هناك عامل إضافي لاهتمام الدوائر العسكرية، يتعلق بدور تركيا في إعادة تأهيل القدرات الدفاعية الباكستانية.
خاصة عبر المسيرات المتطورة، التي أسهمت في تحسين الرصد الجوي، وإرباك سلاح الجو الهندي خلال ساعات التصعيد.
فمن خلال صفقات المسيرات والدورات التدريبية المشتركة، والدعم اللوجستي لتطوير أنظمة المراقبة والاستطلاع، استطاعت باكستان أن تملأ فجوات كانت تعاني منها في السابق، ما عزز من جاهزيتها للرد السريع.
المسيرات التركية، التي أثبتت فاعليتها في ساحات أخرى كسوريا وليبيا وأذربيجان، أوجدت مظلة دفاعية وهجومية فوق بعض المناطق الحدودية الباكستانية، ووفرت بيانات استخباراتية لحظية عززت دقة العمليات الباكستانية ضد الطائرات الهندية المعادية، بحسب مراقبين.
الشكر لـ "أردوغان"
فبعد أربعة أيام من مواجهات عسكرية دامية، أعلنت الهند وباكستان، يوم 10 مايو، التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
وجاء الاتفاق بعد نحو 12 ساعة فقط من بدء باكستان عملية "البنيان المرصوص"، التي بدت كرسالة واضحة على استعدادها للمواجهة.
قبلها بيومين في 8 مايو، عبر رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف عن امتنانه العميق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تقديرا لموقف أنقرة الداعم لإسلام آباد في لحظاتها العصيبة.
وفي منشور عبر "إكس" أشار شريف إلى اتصال هاتفي جمعه بأردوغان، مؤكدا أن باكستان تعتز بموقف تركيا الداعم ومساندتها في مواجهة التصعيد الأخير مع الهند.
كما أثنى شريف على مشاعر التعاطف والدعاء التي عبر عنها المواطنون الأتراك تضامنا مع ضحايا باكستان خلال الأزمة.
وقال “تحدثت مع أخي العزيز الرئيس رجب طيب أردوغان، وقدمت له شكري العميق على تضامنه ودعمه الصادق لباكستان في هذه المرحلة الحرجة.”

دبابة السماء
وبحسب موقع "صوت باكستان" المحلي، تمكنت الدفاعات الباكستانية من إسقاط أربع مقاتلات "رافال" فرنسية الصنع، وطائرة "سوخوي 30"، بالإضافة إلى طائرة "ميغ 29" خلال المعارك الجوية.
كما أسقطت القوات الباكستانية نحو 77 طائرة مسيرة هندية، بعضها من طرازات متطورة إسرائيلية الصنع.
ودمرت باكستان إحدى منظومات الدفاع الجوي الهندية من طراز "S-400"، والتي تعد من أحدث ما تملكه نيودلهي في مجال الدفاع الجوي.
وامتدت الخسائر لتشمل أربع قواعد جوية هندية رئيسة، فضلا عن تدمير 12 مطارا ومهبطا عسكريا، مما شكل ضربة إستراتيجية لبنية الهند التحتية الجوية.
وفي مؤتمر صحفي عقده الجيش الهندي يوم 10 مايو، أقر المتحدث بخسائر القوات الجوية، وادعى أن نحو 300 أو 400 طائرة مسيرة باكستانية دخلت مجال الهند الجوي.
وأن تلك الطائرات أسهمت في ضرب 36 موقعا خلال عمليات التسلل الجوي التي قام بها الجيش الباكستاني، كما كانت لها مهام استخباراتية وتجسسية، ساعدت في دقة الضربات.
وأضاف أنهم نجحوا في إسقاط واحدة من تلك المسيرات، وتبين أنها من نوع "أسيس غارد سونغور"، أو "أك سونغور" والتي تشتهر بلقب "دبابة السماء".
قدرات مذهلة
وكانت صحيفة "الاستقلال" قد نشرت في 30 يوليو/ تموز 2024 تقريرا عن المسيرة التركية "أك سونغور"، التي أسهمت في التقدم الأخير لباكستان خلال نزاعها مع الهند.
ومما ذكرته أن من قدرات تلك المسيرة أنها محملة بأقوى الذخائر الذكية والأشد تدميرا، مثل صاروخ "كي جي كي سيها 82"، بوزن 340 كجم.
كما يمكنها أن تطير لمدة 40 ساعة دون الحاجة إلى الإمداد أو أي شيء، ومن أهم سماتها أنها تعمل بمحركين محليين، وقادرة على نقل حمولة بوزن يتجاوز 700 كيلو غرام.
أما المهام الأساسية لاستخدام الطائرة المحلية فتتمثل في الاستطلاع والمراقبة والهجوم، كما تتضمن الطائرة المحرك الجديد الذي طورته شركة "توساش"، والذي أطلق عليه اسم "PD170".
ولعبت تلك الطائرة دورا قويا خلال العمليات العسكرية التركية في سوريا والعراق، خلال المواجهات مع حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيا، تحديدا في 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، عندما قصفت 36 موقعا للإرهابيين، وكان لها حضور في الشراكات العسكرية التركية مع حلفاء أنقرة المقربين، لا سيما أذربيجان وباكستان.

فزع الهند
وشكل التقارب المتزايد بين أنقرة وإسلام آباد، قلقا متصاعدا في نيودلهي، وهو ما تناولته وسائل إعلام هندية.
وذكر موقع "فيرست بوست" الهندي في 10 مايو: "برزت تركيا خلال السنوات الأخيرة كأحد أبرز شركاء باكستان في المجالات الدفاعية والدبلوماسية، حيث لعبت دورا محوريا في تعزيز القدرات العسكرية الباكستانية، خاصة عبر تزويدها بطائرات مسيرة مسلحة استخدمت بفاعلية خلال التصعيدات الحدودية الأخيرة مع الهند".
وتابع: "امتد الدعم التركي ليشمل المواقف السياسية، إذ تبنت أنقرة موقفا داعما لباكستان في قضية كشمير داخل المحافل الدولية، مما أضفى بعدا إضافيا على الشراكة بين البلدين".
ثم أورد: "لم تتوقف آثار هذا المحور الجديد عند الجانب العسكري فحسب، بل أسهم التوتر المتزايد في تدهور العلاقات بين تركيا والهند بشكل ملحوظ، خاصة في ظل مواقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المنتقدة للسياسات الهندية في كشمير".
وقد أظهرت التطورات الأخيرة أن العلاقة بين إسلام آباد وأنقرة تجاوزت حدود التصريحات الدبلوماسية، لتنعكس ميدانيا على الأرض، حيث بدت واضحة في الأدوات والتكتيكات المستخدمة على حدود الهند، ما زاد من حدة القلق الهندي من التحولات الإقليمية الجارية، بحسب الموقع الهندي المحلي.
وفي 11 مايو، ذكر موقع "ذا إنديان إكسبريس" أن تركيا تعد ثاني أكبر مورد أسلحة لباكستان، ومن أقرب حلفائها، وقد دعمتها باستمرار في قضية كشمير.
وشدد أنه يجب على نيودلهي أن تعدل شراكاتها الجيوسياسية لمواجهة العلاقة الباكستانية التركية المتقدمة.
وأكمل أن بحفاظ تركيا على الشراكة العسكرية مع باكستان، أصبحت تتبنى موقفا عدائيا ضد الهند خطابيا وفعليا.

مشروع “ملغم”
وباكستان واحدة من أهم الأسواق للصناعات الدفاعية التركية، حيث بلغت قيمة صادرات الأسلحة التركية إليها ما بين أعوام 2021 إلى 2024، أكثر من 112 مليون دولار، بحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI).
وتوسعت الشراكة بين البلدين لتشمل مجالات إستراتيجية عدة، من أبرزها برامج التدريب العسكري، والمناورات المشتركة، إلى جانب اتفاقيات كبرى في مجالات صناعة الطائرات الحربية والمروحيات القتالية.
ففي يوليو 2018، وقعت شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية "توساش" اتفاقية مع وزارة الدفاع الباكستانية لتزويدها بـ30 مروحية استطلاع هجومية من طراز "أتاك T-129".
إضافة إلى طائرات تدريب عسكرية وعقود خاصة بالذخائر وقطع الغيار والدعم اللوجستي، مما عزز مكانة تركيا كثاني أكبر مورد للسلاح لباكستان بعد الصين.
وضمن هذا التعاون الدفاعي المتنامي، جاء مشروع "ملغم" (MİLGEM) ليشكل إحدى أبرز صور الشراكة الإستراتيجية بين البلدين.
ومشروع "ملغم" الذي يعني "السفينة الوطنية" (Millî Gemi)، يهدف إلى تصميم وإنتاج سفن وقطع بحرية عسكرية محليا بإمكانات تركية خالصة، وتديره البحرية التركية بالتعاون مع رئاسة الصناعات الدفاعية وشركة (STM)، إلى جانب شركات محلية بارزة مثل (Aselsan) و(Havelsan).
وفي عام 2020، تم تخصيص أربع طرادات من مشروع "ملغم"، للبحرية الباكستانية.
وكانت القوات المسلحة الباكستانية قد وقعت في يوليو 2018 عقدا مع شركة (ASFAT) التركية لشراء طرادات من فئة "أدا"، ضمن مشروع مشترك يقضي ببناء سفينتين في تركيا واثنتين في باكستان، مع نقل تكنولوجيا التصنيع والخبرات الفنية.
وتتميز طرادات "بابور" بتقنيات متقدمة تشمل أحدث أنظمة القتال السطحي وتحت السطحي، وأجهزة استشعار مضادة للطائرات، مدمجة عبر نظام قتال مركزي متطور.
ويبلغ طول الطراد حوالي 99 مترا، بسعة إزاحة تصل إلى 2400 طن، وقدرة على الإبحار بسرعة تصل إلى 29 ميلا بحريا، مع مستوى عال من التخفي ضد الرادارات.

مسيرات ومقاتلات
وفي 25 مايو 2025، كشف موقع "EurAsian Times" أن باكستان عززت ترسانتها الجوية عبر شراء طائرات مسيرة متطورة من تركيا، تشمل النسختين الشهيرتين "بيرقدار TB2" و"أكينجي" إضافة إلى "أك سونغور".
وقد تسلمت إسلام آباد الدفعة الأولى من مسيرات "أكينجي" عام 2023، حيث بدأت في استخدامها بعمليات الأمن الداخلي، إضافة إلى تنفيذ عمليات عابرة للحدود، لا سيما في المناطق المتاخمة لأفغانستان.
ولم يتوقف التعاون العسكري بين أنقرة وإسلام آباد عند حدود الطائرات بدون طيار، إذ تجرى مباحثات بشأن تصدير تركيا لمقاتلات الجيل الخامس "كان" إلى باكستان، مع بحث إمكانية إطلاق خط إنتاج مشترك لهذا الطراز المتطور، ما يفتح أفقا جديدا للعلاقات الدفاعية بين البلدين.
وفي سياق تعزيز قدرات الضربات الدقيقة، حصلت باكستان على صواريخ كروز "كمانكيش" المطورة من قبل شركة "بايكار" التركية، والتي تتميز بأنها مدعومة بتقنيات الذكاء الصناعي، مع إمكانية دمجها بفاعلية مع المسيرتين "TB2" و"أكينجي"، ما يزيد من قدرة باكستان على تنفيذ ضربات جوية دقيقة وعميقة.
وفي مجال الطيران الحربي التقليدي، اضطلعت تركيا بمهمة تحديث 41 مقاتلة "F-16" تابعة لسلاح الجو الباكستاني، وقد اكتملت آخر عمليات التسليم في عام 2024، مما عزز من جاهزية الأسطول الباكستاني في مواجهة التحديات الجوية.
أما في ميدان التسليح البري، فقد حصلت باكستان على صواريخ مضادة للدبابات من تطوير شركة "روكستان" التركية، مع دخول الطرفين في مفاوضات حول إمكانية الإنتاج المشترك لهذه الأنظمة.
وفي مجال الصواريخ جو-جو، يتبادل البلدان التكنولوجيا ضمن مشروعين رئيسين هما "غوكدوغان" و"Faz-2"، بهدف تطوير أنظمة صاروخية أكثر تطورا ودقة، ما يعكس حجم التقدم في التعاون الدفاعي بينهما.
ولا تثير الشراكة العسكرية التركية الباكستانية الهند فحسب، بل وصلت إلى الغرب، ففي 23 أبريل 2025، أورد موقع "دويتشه فيله" الألماني، أن باكستان وتركيا وضعتا خارطة طريق لتصنيع أسلحة إستراتيجية في إطار مساعيهما لتعزيز التعاون العسكري بينهما.
المصادر
- Hindistan-Pakistan geriliminde Türkiye nasıl bir politika izliyor?
- ما حجم التعاون العسكري بين تركيا وباكستان؟
- Why and how is Turkey doubling down on its support for Pakistan
- Expert Explains: The Pakistan-Turkey nexus and where India stands
- عن التعاون العسكري الباكستاني – التركي المقلق للغرب
- تعزيز التعاون العسكري بين تركيا وباكستان.. هل يقلق الغرب؟
- شهباز شريف يشكر أردوغان لدعمه باكستان بعد التصعيد الهندي