ملامحها تتضح جزئيا.. تفاصيل "صفقة القرن 2" التي يسعى ترامب لتمريرها من السعودية

ترامب يجري جولة لدول الخليج الثلاثة السعودية والإمارات وقطر
مع وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسعودية 13 مايو/أيار 2025، بدأت تتضح جزئيا معالم "صفقة القرن 2"، التي يحملها خلال زيارته لدول الخليج الثلاثة؛ (السعودية والإمارات وقطر).
الحديث يدور هذه المرة عن صفقة اقتصادية وترتيبات إقليمية وحماية أمنية، ولا علاقة لها بحل مشكلة فلسطين إلا جزئيا، عكس صفقته الأولى عام 2020.
تحركات ترامب مع الحوثيين وإيران وسوريا وتركيا، وبصورة ما غزة، تكشف عن معالم خريطته الجيوسياسية الجديدة، التي يمكن وصفها بأنها "صفقة القرن 2"، بعدما حاول في رئاسته الأولى فرض صفقة فاشلة لفلسطين عام 2020.
تحركاته تشير إلى أن طموحات ترامب في الخليج سيطغى عليها ملف الصفقات الاقتصادية، لا فلسطين، وبصورة ما محاولة طرح مسألة التطبيع من باب إنهاء "الحرب الوحشية القاسية" في غزة كما وصفها؛ لأن العدوان الإسرائيلي المستمر لا يسمح بصفقة سلام أو تطبيع.
وتعمد حماس إطلاق الجندي الأميركي/الإسرائيلي "عيدان ألكسندر" بالتزامن مع الزيارة وإرساله له في قطر ليلتقيه، حملت رسائل عدة تحاول استغلال زخم الزيارة ومكافآت الصفقات الاقتصادية التي ستنهال على ترامب، لفرض وقف كامل للحرب على نتنياهو.

معالم الصفقة الثانية
عكس "صفقة القرن الأولي" التي أعلنها ترامب في يناير/كانون ثان 2020، خلال رئاسته الأولى، والتي ارتكزت على حل القضية الفلسطينية بدولتين فلسطينية ويهودية، تأتي الصفقة الثانية متجاهله الدولة الفلسطينية تماما.
فقد أعلنت إسرائيل أنه "لا دولة فلسطينية"، وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو 10 مايو/أيار 2025 إن "تل أبيب ستضم 30 بالمئة من الضفة الغربية، ولن تسمعوا عن دولة فلسطينية"، مشيرا لموافقة ترامب على ذلك.
وأشار المتحدث الإقليمي للخارجية الأميركية، سام ويربيرغ، لمعالم الصفقة حين قال 11 مايو 2025، إن محادثات ترامب في السعودية، وقطر، والإمارات "ستتضمن ملفات الأمن الإقليمي، والدفاع، والطاقة، والاستثمار".
لذا استقبلت إسرائيل الزيارة بوجوم، لأنها كانت تستعد لتشكيل ولقيادة "شرق أوسط جديد" كما وعد نتنياهو، بعد تحصيلها مكاسب من حزب الله وغزة وإيران، وهو ما لن يتحقق، لأن صفقة ترامب تعني تقوية المحور الخليجي وخلق كفة توازن مضادة، مقابل البيزنس.
وأشارت لهذا ضمنا صحيفة "يسرائيل هيوم" 11 مايو/أيار 2025 مؤكدة أن الجيش والموساد والشاباك "قلقون حيال الأضرار التي قد تلحق بالأمن القومي نتيجة للتقارب مع الخليج والتباعد بين إسرائيل والولايات المتحدة".
وأكدت أن مبعث هذا القلق ثلاثة مواضيع مركزية، هي اتفاق نووي أميركي مع إيران، وصفقات أمنية واقتصادية مع السعودية، والوضع في غزة، خاصة ما يتعلق بتبادل أسرى، وما يتبعه من وقف محتمل للحرب.
ما يقلق إسرائيل، حسب الصحيفة، أن الاتفاق النووي الجديد سيجعل إيران تحتفظ بخبراتها وإمكانيات تمكنها من تطوير قدرات نووية مستقبلا، كما ستحصل على أموال مجمدة بالعقوبات الاقتصادية، وتعيد ترميم قدراتها وتمويل منظمات موالية لها.
أما الأمر الثاني الذي يقلق إسرائيل، فيتعلق بالصفقات الأمنية (الأسلحة والحماية) التي سيبرمها ترامب مع دول الخليج، والتي من شأن قسم منها أن "يهدد التفوق النوعي الإسرائيلي"، وفق "يسرائيل هيوم".
ويرى معظم الخبراء الإسرائيليين، أن أي برنامج نووي مدني في السعودية كان خطا أحمرا، ولكنهم يقولون إنه "يتم تجاوزه الآن"، لأن إدارة ترامب قررت التقدم في هذه الصفقة مع السعودية وحدها، وبدون إسرائيل (التطبيع).
ويقول الخبير السياسي "سايمون تيسدال"، في تحليل نشره بصحيفة "الغارديان"، 11 مايو/أيار 2025، إن "ترامب يعتقد أنه يقوم بإعادة تشكيل الشرق الأوسط، ولكن دول الخليج هي التي تقوم بإملاء السياسة الأميركية عليه".
وقال: إن زعماء الخليج لديهم القدرة على تصحيح مسار ترامب إذا قرروا استخدام قوتهم، لأن الرئيس يعتمد عليهم بدرجة غير مسبوقة، وأكثر بكثير من اعتماده على إسرائيل وأوروبا، بصفتهم محاورين دبلوماسيين وشركاء أمنيين وداعمين ماليين.
وأضاف تيسدال: "يعلم ترامب أنه لا يستطيع أن يتجاهل آراء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ونظراءه الخليجيين بشأن غزة وسوريا واليمن، وهم يعارضون الحرب مع إيران، كما يحتاج ترامب إليهم كحلفاء في نزاعه التجاري والجمركي مع الصين".
أيضا يسعى ترامب جاهدا للحفاظ على أسعار النفط منخفضة، ويرغب بصفقات استثمارية بمليارات الدولارات في الشرق الأوسط وصفقات بيع أسلحة، "وهذا الدعم الخليجي له ثمن يجب دفعه"، وفق "الغارديان".
وكان إعلان الرئيس الأميركي 6 مايو 2025، وقف الغارات الجوية على اليمن، وتطور المحادثات النووية مع إيران، بالتزامن مع سحب الطائرات الإستراتيجية من جزيرة دييغو غارسيا، بمثابة إشارة من الإدارة لتهدئة الأوضاع في الشرق الأوسط قبل وصوله.
ومع أنه حاول تصوير الأمر على أنه "استسلام" للحوثيين، إلا أن استمرار إطلاق الحوثيين الصواريخ على إسرائيل، لا يشي بأنهم قد استسلموا، رغم العدوان الإسرائيلي المستمر عليهم.
وقد وصفت مجلة "إيكونوميست" 8 مايو/أيار 2025 إعلان ترامب وقف الحملة على اليمن، بأنه يعكس عددا من التقديرات، أهمها المالية، إذ بلغت كلفة الحملة 1-3 مليار دولار وفق تقديرات أميركية مختلفة، وهو ما يسعى لتعويضه في الزيارة الخليجية.

صفقة قرن اقتصادية
"ستركز أجندة ترامب على النفط والتجارة وصفقات الاستثمار والصراعات الإقليمية في غزة واليمن ومفاوضات البرنامج النووي الإيراني وغيرها من القضايا"، حسبما يؤكد مراسل صحيفة "الغارديان" في واشنطن "أندرو روث".
لكنه يوضح، نقلا عن مصادره في البيت الأبيض، 11 مايو/أيار 2025، أن "الهدف الرئيس لترامب هو الخروج من المنطقة وصراعاتها والتركيز على الصفقات الاقتصادية فقط".
أيضا أكد الباحث في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، ستيفن كوك، لـ "الغارديان": "أن ما يسعى ترامب بوضوح إلى الحصول عليه هو صفقات متعددة بمليارات الدولارات".
قال: "نهج الرئيس في السياسة الخارجية يتأثر بشكل كبير بنسخته من الحكم الاقتصادي، والتي تقوم على النظر إلى الدول الغنية في الخليج وصناديق الثروة السيادية الضخمة التابعة لها كمصدر للاستثمار في الولايات المتحدة".
بحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، باتت تل أبيب مقتنعة أن الجانب الأكثر أهمية من جولة ترامب الخليجية، يتعلق بصفقات اقتصادية عملاقة تشمل استثمارات كبيرة جدا في الولايات المتحدة.
وأوضح المحلل الإسرائيلي "تسفي بارئيل"، في صحيفة "هآرتس" 9 مايو/أيار 2025 بقوله: إن "صفقة القرن التي يتطلع ترامب لإبرامها هذه المرة ستكون مع السعوديين".
وأكد أن الصفقة ستترك لإسرائيل "مجالًا ضيقًا للمناورة"، وتُحولها إلى "متفرج، بعدما بدأ ترامب يتحرك دون تنسيق مع نتنياهو".
وقال: إن "ما يقلق إسرائيل، إلى جانب المفاوضات النووية الأميركية الإيرانية المباشرة، هو صفقات الأسلحة التي سيبرمها ترامب في الخليج، ومطلب السعودية بتطوير برنامج نووي خاص بها"، وفق قوله.
لذا يتخوف الإسرائيليون أن يوافق ترامب على تخصيب اليورانيوم في الأراضي السعودية، كجزء من المقابل للصفقة الاقتصادية.
"وإذا كان سيوافق على استمرار إيران بتخصيب اليورانيوم في أراضيها، فإنه سيكون من الصعب أن يرفض التخصيب في الأراضي السعودية، والعكس صحيح، وهو ما ترى إسرائيل أنه يشكل خطرا عليها"، بحسب "تسفي بارئيل".
وقد شرحت وكالة أنباء "بلومبيرغ" في 10 مايو/أيار 2025 تفاصيل الشق الاقتصادي الأهم في الصفقة، مؤكده أن ترامب، يضع عينه على تريليونات الدولارات في صناديق الثروة السيادية الخليجية خلال زيارته، إلى السعودية والإمارات وقطر.
وأوضحت أن وزارة الخزانة الأميركية تعمل على إزالة أي عقبات أمام الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة، لتسهيل زيادة الخليجية منها، بعدما وعدت السعودية والإمارات بضخ ما قيمته 2.4 تريليون دولار، في الولايات المتحدة.
ويُقدر حجم صناديق الثروة السيادية لدول الخليج التي يضع ترامب عينه عليها بقرابة 4.9 تريليوناا دولار، واقتصاداتها تحتل المرتبة الـ12 عالمياً، وحققت نمواً يتجاوز 7 مرات الاقتصاد العالمي، وفقًا لشركة الاستشارات "غلوبال إس دبليو إف" (Global SWF).

صفقة أسرى ومساعدات
وفي 29 يناير/كانون ثان 2020، وخلال ولايته الأولي، كشف الرئيس ترامب، عن خطة للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين، أو ما بات متعارفا عليه باسم "صفقة القرن" وتضمنت 9 نقاط أساسية هي:
ضم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لسيادة إسرائيل، وعدم بناء أي مستوطنات جديدة في هذه المناطق لمدة 4 سنوات، وعد القدس بالكامل عاصمة لإسرائيل، ووضع وادي الأردن تحت السيادة الإسرائيلية، والمسجد الأقصى تحت الوصاية الأردنية.
وفيما يخص الدولة الفلسطينية نصت الصفقة على: اعتراف الطرفين بـ "دولة فلسطينية للشعب الفلسطيني"، و"دولة إسرائيلية للشعب اليهودي".
وتكون عاصمة فلسطين في منطقة تقع إلى الشرق والشمال من الجدار المحيط بأجزاء من القدس، ويمكن تسميتها بالقدس أو أي اسم آخر تحدده الدولة الفلسطينية، مع نزع سلاح الدولة الفلسطينية (الضفة وغزة) وحركة حماس.
وإنشاء رابط مواصلات سريع بين الضفة الغربية وغزة يمر فوق أو تحت الأراضي الخاضعة للسيادة الإسرائيلية، ويكون الوصول إلى الأماكن المقدسة في القدس مسموح لجميع الديانات.
لكن هذه المرة وبعدما كان الحديث يدور في الصفقة الأولى عام 2020 عن حل شامل لقضية فلسطين (من وجهة النظر الأميركية)، اقتصر، على إدخال المساعدات ووقف الحرب في غزة.
التصريحات والتقديرات الأميركية أن ترامب سيبحث في الخليج في قضيتين تتعلقان بقطاع غزة: الأولى، المساعدات الإنسانية، وكيفية تمويلها، والثانية، قضية تبادل الأسرى وإنهاء حرب غزة.
والحافز هو أن دول الخليج تشترط، من أجل تمويل المساعدات، إنهاء الحرب على غزة وأن توزع المساعدات منظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة، وإلغاء النظام الإسرائيلي الجديد لتوزيع المساعدات في الجنوب فقط ضمن خطة التهجير.
وتقول صحيفة "هآرتس" 10 مايو/أيار 2025: إن السيناريو المتفائل، هو أن يقدم ترامب خطة مدعومة من الدول العربية لإنهاء الحرب، مع إنهاء حكم حماس لغزة، ثم تبادل أسرى.
أما السيناريو السيئ، فهو ألا يقدم ترامب أي شيء، أو ترفض إسرائيل وحماس المقترح الأميركي، ويفقد ترامب اهتمامه بالموضوع، وتستمر الحرب إلى ما لا نهاية.
وخلال الزيارة، غاب الحديث عن قضية الدولة الفلسطينية، وحضرت تصريحات نتنياهو عن الاستعداد لضم 30 بالمئة من الضفة، ومصادقة الكابينت السياسي الأمني، في 11 مايو 2025، على قرار لنهب الأراضي في المنطقة (C) وفق اتفاق أوسلو.
حيث يسمح بتسجيل حقوق ملكية أراض فلسطينية في المناطق C في الضفة الغربية، للمستوطنين الصهاينة، لأول مرة منذ العام 1967 ، بالمخالفة للقوانين الدولية المتعلقة بالاحتلال، ما سيؤدي إلى نهب أراض يواجه الفلسطينيون صعوبة في إثبات ملكيتهم لها.
وقف الحرب
وعلى الجانب الآخر من الصفقات الاقتصادية، تقف صفقة وقف الحرب في غزة، ومحاولة ربطها بعودة الحديث عن التطبيع واتفاقات أبراهام، ولكن بعيدا عن أعين نتنياهو، بحسب تقارير أميركية وإسرائيلية.
فبعد عملية تخمين وتشويق حول ما قصده ترامب من أنه سيعلن أخبار جيدة قبل رحلته الخليجية، دفعت محللين لتوقع إعلان وقف حرب غزة أو التطبيع بين السعودية وإسرائيل، اتضح أن الخبر هو "تخفيض أسعار الدواء في الولايات المتحدة"، وإطلاق الجندي الأميركي.
لكن اللافت، عقب صفقة إطلاق الجندي الأميركي الإسرائيلي عيدان ألكسندر، هو ربط ترامب صراحة بين إطلاقه، وإنهاء ما أسماه "هذه الحرب الوحشية" وإطلاق سراح جميع الرهائن ما يعني أنه ربما سيضغط على نتنياهو لوقفها.
حيث ذكر صراحة عبارة "إنهاء حرب غزة" كجزء من صفقة إطلاق سراح جميع الرهائن وإنهاء الحرب القاسية جدا على حد قوله.
ويبدو أن حماس تتفهم الصورة الكاملة لجولة ترامب الخليجية، لذا لعبت بكارت الجندي الأميركي، لتحصد إشادة من ترامب، بصفتها مبادرة منها قبل زيارته للخليج، لبحث فكرة صفقة شاملة لوقف الحرب وإدخال المساعدات.
فقد ظهرت كطرف متجاوب مع مساعي ترامب لوقف الحرب واستغلال ما يتردد عن خلاف أميركي إسرائيلي تحدثت عنه صحف أميركا وإسرائيل.
ووفق مراقبين، حققت حماس مكسبا من "أول اتفاق سياسي" بينها وبين واشنطن، ما منحها "شرعية وانتصارًا لا مثيل لهما منذ بداية الحرب"، وفق صحف إسرائيل، كما زرعت الشك بين أميركا وإسرائيل، وربحت هوان نتنياهو أمام ترامب.
وفي 11 مايو/أيار 2025 رصدت شبكة "إن بي سي" تفاصيل الخلافات بشأن إيران وغزة وكيف وترت العلاقة بين ترمب ونتنياهو بعدما كانا متفقين بشدة على كيفية التعامل مع قضايا مهمة مثل الحرب في غزة والنووي الإيراني.
وأرجعت الخلافات بينهما إلى تزايد الخلافات بشأن الإستراتيجية المناسبة للتعامل مع هذه التحديات، خاصة بعدما تم إضعاف حماس وإضعاف إيران، ولم يعد هناك داع لاستمرار الحرب التي تخسر بموجبها أميركا اقتصاديا.
المؤكد حسب الشبكة البريطانية، أن لدى ترمب أجندته الخاصة، التي لا تحترمها إسرائيل لذا بدأ يتحرك بعيدا عن نتنياهو في قضايا مثل وقف الحملة العسكرية الأميركية ضد الحوثيين في اليمن، والتفاوض مع إيران والتفاوض مع حماس، لتهيئة الأجواء لصفقات الخليج الاقتصادية.