انتعاشة اقتصادية.. لماذا أبدت الإمارات استعدادها للعودة إلى لبنان؟

"الخطوة الأكثر أهمية هي ضم لبنان إلى لائحة مستهدفات صندوق أبوظبي للتنمية"
بعد حظر دام منذ عام 2021، فإن سماح الإمارات لمواطنيها بالسفر إلى لبنان، يحمل مؤشرا جديدا على احتمالية عودة الاستثمارات إلى هذا البلد الذي تغيرت ظروفه السياسية.
وسمحت الإمارات لمواطنيها بالسفر إلى لبنان بدءا من 7 مايو/ أيار 2025، بعد أيام من إلغائها حظر السفر المفروض إثر خلاف دبلوماسي عام 2021.
وضع يتغيّر
وجاء القرار غداة لقاء بين الرئيس اللبناني جوزيف عون ورئيس الإمارات محمد بن زايد بأبو ظبي في 30 أبريل/ نيسان 2025.
وقال عون: إن "لبنان يمر بظروف صعبة، ولكن الدولة بدأت تستعيد اليوم حضورها وقدرتها وسيادتها والوضع يتغيّر، وكل مكونات الدولة تتعاون من أجل مستقبل لبنان".
وأضاف "الماضي أصبح وراءنا ونتذكره فقط لأخذ العِبر منه".
وخلال السنوات الأخيرة تدهورت العلاقات بين الإمارات ولبنان بسبب النفوذ المتنامي لحزب الله ذراع إيران العسكري في هذا البلد العربي.
وفي العام 2021، حظرت الإمارات على مواطنيها التوجّه إلى لبنان وسحبت دبلوماسييها من بيروت تأييدا للسعودية بعد انتقاد وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي حينها التدخل العسكري السعودي في اليمن.
إلا أن خروج “حزب الله” ضعيفا عقب المواجهة المفتوحة مع إسرائيل، منذ الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 "نصرة لغزة"، دفع الإمارات مجددا للاهتمام بالتعاون مع لبنان، على غرار دول خليجية أخرى.
وقد استقبلت بيروت "بالورود" في 7 مايو 2025 ثلاث طائرات هي الأولى التي تقلّ مواطنين إماراتيين إلى بيروت منذ سنوات، مكرّسة بذلك ما وصفت بـ"الصفحة الجديدة" في العلاقات اللبنانية الإماراتية.
علمًا أن رئيس الحكومة اللبنانية الجديد نواف سلام أكد أمام سفراء دول مجلس التعاون الخليجي "العمل لإزالة أي مخاوف أو محاذير لدى دولهم".
ويسعى لبنان في الوقت الراهن لتجاوز سياسة "الانكفاء" عن المحيط العربي؛ بسبب تأثير نفوذ حزب الله سابقا و"وصل ما انقطع" خلال السنوات الماضية.
ولهذا يرمز سماح الإمارات لمواطنيه بزيارة لبنان مجددا ورفع الحظر عنهم، إلى وجود دور مستقبلي لأبوظبي في مساعدة لبنان على أكثر من صعيد، وفق مراقبين.
انتعاشة جديدة
سلطات أبو ظبي ما كانت لتتّخذ هذه الخطوات تجاه لبنان، دون التنسيق مع سائر الدول، وفي مقدمتها السعودية.
فقد كان السائح السعودي يحتل المرتبة الأولى في ترتيب الإنفاق السياحي يليه الإماراتي والكويتي ثم القطري، وقد شكلوا حوالي 40 بالمئة من إجمالي السياح الذين فاق عددهم المليونين، وبلغت إيرادات السياحة أكثر من 9 مليارات دولار عام 2010، وفق مواقع محلية لبنانية.
بينما هرب المال الخليجي من لبنان منذ عام 2021 بوصفه "محتلا إيرانيا"، وقبل أن تحذر الإمارات رعاياها من البقاء فيه منذ بدء عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر 2023.
وعلّق نقيب أصحاب الفنادق في لبنان بيار الأشقر، على عودة السياح الإماراتيين بقوله: "حتما مقدمة لاستعادة الاستثمارات الإماراتية في لبنان، والتي هي أساسا من الأكبر والأهم في لبنان".
ولفت الأشقر خلال تصريحات إعلامية في 8 مايو 2025 إلى أن “ممتلكات الإماراتيين وعقاراتهم ما زالت قائمة في عاليه وبحمدون وكذلك في المتن، حيث تمتد قصور الإماراتيين المقدّرة بمليارات الدولارات من المنصورية وصولا إلى ضهور شوير”.
وعمل الرئيس الجديد عون على إعادة دمج لبنان بمحوره العربي، وتفعيل علاقاته الخارجية مع الدول الخليجية؛ حيث زار كلا من السعودية وقطر والإمارات.
ولهذا ستكون مساهمة الإمارات في دعم اقتصاد لبنان المنهار أصلا منذ عام 2019 أمرا مهما على تحقيق انتعاشة جديدة.
فبحسب ما ذكرت وزارة الاقتصاد الإماراتية عام 2019، فإن رصيد الاستثمارات الإماراتية المباشرة في لبنان حتى عام 2016 وصل إلى أكثر من 7.1 مليارات دولار (نحو 26 مليار درهم).
وشملت قطاعات مهمة، مثل عمليات الموانئ البحرية، وصناعة الأدوية، وخدمات تكنولوجيا المعلومات، والنقل الجوي والسياحة والضيافة والأنشطة العقارية والخدمات المصرفية والطاقة والصناعات البتروكيميائية.
كما أن الإمارات كانت أكبر شريك تجاري عربي للبنان، وسابع أكبر شريك تجاري لها على الصعيد العالمي.
كما تأتي في المرتبة الأولى عالميا في استقبال الصادرات اللبنانية؛ إذ استحوذت على 14 بالمئة من صادرات لبنان السلعية خلال عام 2018.

"خطوة بخطوة"
وفي مطلع مايو 2025، اتفقت أبو ظبي وبيروت على إنشاء مجلس أعمال مشترك بين الإمارات ولبنان، بهدف تعزيز الشراكة الاقتصادية ودعم الاستثمارات المتبادلة.
وفي هذا الإطار، سيقوم صندوق أبوظبي للتنمية بإيفاد وفد إلى لبنان لتقييم المشاريع المشتركة وفرص التعاون المستقبلي، وفق الموقع.
كما جرى الحديث عن أن الرئيس اللبناني جوزيف عون حصل على موافقة أبو ظبي على دعم الجيش والقوى الأمنية الرسمية كلها وفق برنامج تُرك البحث في تفاصيله التقنية للوزراء المختصين.
وبحسب موقع "نداء الوطن" اللبناني المحلي فإن عون ناقش مع رئيس الإمارات خلال الزيارة الأخيرة مسألة تأسيس "مجلس أعمال إماراتي – لبناني"، لما تشكله هذه الهيئات من عناصر فاعلة تسهم في رفع مستوى التعاون الاقتصادي وزيادة حجم الأعمال.
أما الخطوة الأكثر أهمية فهي ضم لبنان إلى لائحة مستهدفات "صندوق أبو ظبي للتنمية"، وهو واحد من صناديق الثورة السيادية الإماراتية، والذي يمول مشاريع تنموية بارزة في العالم؛ حيث من المتوقع أن يرسل وفدا إلى بيروت لبحث إمكانية عودة الاستثمارات الإماراتية، وفق “نداء الوطن”.
ويرى الكاتب اللبناني سامر زريق أن "نتائج زيارة الرئيس عون إلى أبو ظبي تكتسي بأهمية تتجاوز ما جرى الاتفاق بشأنه، لتتصل بعملية ترميم مظلة الدعم السياسي الخليجي والعربي، التي انطلقت من الرياض".
ورأى زريق في مقالة نشرها في 8 مايو 2025 أن "الدعم الإماراتي سينعكس على دول خليجية وإقليمية ستحذو حذوها بنمط متدرج وفق قاعدة خطوة بخطوة".
ورأى زريق أن "بيت القصيد " في مساعدة الإمارات للبنان اقتصاديا، للرد على “أركان الممانعة إبان حقبة تسلط الدويلة (يقصد حزب الله) التي تعمدت الإساءة إلى الأشقاء العرب من أجل تدمير أحد أبرز مصادر قوة لبنان وحرمانه مما كانت تشكله منذ اتفاق الطائف من مظلة حماية سياسية”.
وتابع: "وتاليا مما تضخه من أموال في أوردة اقتصاده المتهالك، تمهيدا لفصله عن عمقه التاريخي وتسريع انضمامه إلى محور ملالي إيران".
سياسة الابتعاد
رغم أن حالة العداء هي السائدة في العلاقة منذ فترة طويلة بين حزب الله والإمارات، إلا أن أبو ظبي خلال فترة المواجهة الأخيرة بين الحزب وإسرائيل بعثت برسائل إلى أن لبنان يواجه "تحديات أمنية" تعيق الاستثمار الإماراتي.
وعملت الإمارات على تطبيق "سياسة الابتعاد الاقتصادي" عن لبنان، وقد كان أحد أشكاله رمي رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور ورقة استثمارية في توقيت حساس حينما أعلن مطلع مايو/ أيار 2024 عن إطلاق قناة تلفزيونية (لم يحدد اسمها) في لبنان.
لكنه تراجع في 13 يونيو 2024 عن إنشاء القناة التلفزيونية في لبنان، وعزا ذلك "للتحديات الأمنية التي واجهت المشروع، بما في ذلك التهديدات الجسدية التي تعرض لها المؤسس والموظفون، مما يجعل الاستمرار في لبنان غير ممكن". وفق بيان “مجموعة الحبتور الإماراتية”.
ولم يكتف الملياردير الإماراتي الحبتور بذلك، بل أعلن في 27 أبريل 2025 عن خطة متكاملة لنقل مبنى فندق "ميتروبوليتان بيروت" إلى موقع جديد عبر بارجة بحرية، بعد اكتمال الدراسة الفنية واللوجستية للمشروع بهدف تقطيعه وتحويله إلى أجزاء يمكن نقلها، باستخدام تقنية سبق تطبيقها في الصين.
وهذا القرار يضاف لسلسلة قرارات سابقة اتخذها الحبتور حيث أعلن في يناير/ كانون الثاني 2024 عن إلغاء جميع مشاريعه الاستثمارية في لبنان، وبيع ممتلكاته هناك، لافتا إلى "غياب الأمن والاستقرار وانعدام أي أفق لتحسن قريب"؛ حيث بين أن خسائر استثماراته المجمدة في لبنان تجاوزت 1.4 مليار دولار، حسبما كتب الحبتور عبر حسابه على منصة "إكس".
وينظر المراقبون إلى أن "الحبتور" رجل أعمال يوجه استثماراته تبعا لسياسة أبو ظبي، حيث ظلت الإمارات تحذر عبر إعلامها أن لبنان مختطفة من حزب الله وإيران ودعت رعاياها لمغادرته عقب عملية “طوفان الأقصى”.
ولهذا بعد إضعاف نفوذ حزب الله عقب المواجهة الأخيرة مع إسرائيل وانتخاب قائد الجيش رئيسا جديدا وتعهده بنزع كل سلاح خارج إطار الدولة بما في ذلك المنتشر في المخيمات الفلسطينية، عاد الحبتور في 23 يناير 2025 للإعلان في منشور له على “إكس” نيته "الاستثمار في مشروع كبير وطموح فور تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة" والتي تشكلت في الثامن من فبراير 2025.
وقال الحبتور وقتها: "هذا المشروع يحمل رؤية للمساهمة في النهضة الاقتصادية وتأمين آلاف الوظائف، ليكون إضافة حقيقية لدعم اقتصاد لبنان وإعادة الثقة به".
وأمام ذلك، يُعتقد أن الخطوة الإماراتية ستستتبَع بخطوات أخرى من سائر دول مجلس التعاون الخليجي، وإن كان الثابت أن العودة الخليجية إلى لبنان لن تكون "كاملة" في المدى المنظور، بانتظار توافر شروطها ومتطلباتها الكاملة، بما يضمن نوعا من الاستقرار والأمان في لبنان.