مؤتمر القمة العربية الاعتيادية بدورتها الـ 34 في بغداد.. التحديات والأزمات

انتقادات داخلية عراقية لتكلفة انعقاد القمة في بغداد
وسط مشهد إقليمي يَعُجّ بالتحديات، تتجه الأنظار صوب العاصمة العراقية بغداد حيث يجتمع القادة العرب في مؤتمر القمة العربية الاعتيادية بدورتها الـ 34، لمناقشة أبرز القضايا في الشرق الأوسط.
ومن المقرر أن يعقد الزعماء العرب اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في 17 مايو/أيار 2025، في ظل أزمات متعددة أبرزها العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان واليمن، إضافة إلى التحول الجديد في سوريا وتحدياته.
وهذه هي القمة الرابعة من نوعها التي يجرى عقدها في العاصمة العراقية بغداد، بعد ثلاث قمم سابقة في الأعوام (1978، 1990، 2012).

واقع مرير
يأتي انعقاد القمة العربية في ظل استمرار حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والتي أدت إلى استشهاد أكثر من 53 ألف فلسطيني، وجرح ما يزيد على 119 ألفا آخرين، معظمهم من النساء والأطفال.
كما يأتي في وقت لا يزال الاحتلال فيه يخرق التهدئة في لبنان بعد حرب طاحنة مع "حزب الله"، أدت إلى تدمير كبير في مناطق جنوب لبنان وأجزاء من بيروت، قبل أن تدخل الهدنة حيّز التنفيذ في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 دون التزام إسرائيلي بها.
ويرفض الاحتلال وأميركا، إعمار لبنان ما لم يُنزع سلاح "حزب الله"، ويسحب عناصره إلى ما خلف نهر الليطاني، وهذا الأمر يشكّل حاليا أزمة داخلية.
فبينما يؤكد رئيس البلاد جوزيف عون أن حصر السلاح بيد الدولة سيجرى إتمامه في عام 2025، فإن حزب الله يرفض ذلك تماما.
وعلى الجانب السوري، فإن الأوضاع لا تزال غير مستقرة داخليا، منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، وتولي أحمد الشرع رئاسة البلاد.
ويحاول الشرع توحيد سوريا ومنع تقسيمها، في وقت تشن فيه إسرائيل هجمات بين الحين والآخر على الأراضي السورية تحت ذرائع عدة.
وبدوره يشهد اليمن انقساما منذ انقلاب الحوثيين على الشرعية عام 2014، وسيطرتها على صنعاء ومدن أخرى، الأمر تسبب في حرب داخلية، كانت السعودية والإمارات طرفا فيها بتشكيلهم التحالف العربي عام 2015 ودعمهم الجيش اليمني، قبل أن تحصل هدنة في أبريل/ نيسان 2022.
وبعد اندلاع طوفان الأقصى، وشن الاحتلال الإسرائيلي حربا مدمرة على غزة، بدأ الحوثيون في قصف أهداف إسرائيلية مساندة لغزة.
كما بدأوا باستهداف السفن الإسرائيلية أو تلك المتجهة إلى إسرائيل عبر البحرين الأحمر والعربي، مما عرّض اليمن إلى هجمات مستمرة، أميركية- غربية، وأخرى إسرائيلية.
وليس ببعيد عن اليمن السودان فإنها تشهد منذ أبريل/نيسان 2023، حربا داخلية بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي (أعلى سلطة رسمية في البلاد)، ومليشيات "الدعم السريع"، التي يقودها محمد حمدان دقلو "حميدتي"، وتدعمها دولة الإمارات.
وعلى ضوء ذلك، أعلن السودان في 6 مايو 2025، قطع العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات رسميا، وإعلانها "دولة عدوان" وسحب السفارة والقنصلية العامة، مؤكدا احتفاظه بحق رد العدوان بالسبل كافة للحفاظ على سيادة البلاد ووحدة أراضيها ولضمان حماية المدنيين.
إلى ذلك، فإن العلاقات الإماراتية الجزائرية تشهد توترا منذ سنتين، إلا أنها زادت في الأول من مايو 2025، على إثر برنامج بثته قناة "سكاي نيوز العربية" تناول الأمازيغ، وقال الضيف وهو المؤرخ الجزائري محمد الأمين بلغيث إنهم "صنيعة صهيونية فرنسية"؛ لأن أصولهم بربرية عربية.
وهو ما دفع التلفزيون الجزائري الرسمي إلى شن هجوم على الإمارات ووصفها بأنها كيان هجين (..) وأنها تتحول إلى مصانع للفتنة وبث السموم الأيديولوجية"، مشيرا إلى أن "الطعن في وحدة الشعب الجزائري، ليس مجرد إساءة إعلامية بل عدوانا ينال القيم والسيادة والمصير المشترك".
وعلى الصعيد الإقليمي، تتجه جميع الأنظار إلى المحادثات الإيرانية الأميركية التي بدأت في 12 أبريل بشأن برنامج طهران النووي وهي واحدة من أهم الملفات في المنطقة العربية.

تحديات داخلية
وفي الوقت الذي يعيش العالم العربي العديد من الأزمات، فإن العراق الذي يستضيف القمة يعاني من مشكلات داخلية كثيرة.
لذلك فإن البعض وجَّه انتقادات للحكومة بخصوص التخصيصات المالية الكبيرة لاستضافة القادة والزعماء العرب، ورأوا أنها بذخ بلا فائدة.
وبحسب النائب في البرلمان العراقي، زهير الفتلاوي، فإن تكاليف استضافة القمة العربية في بغداد بلغت نحو 600 مليون دولار.
وأكد أن "العراق في غنى عن انعقادها؛ إذ لم تكن هناك جدوى حقيقية منها منذ البداية، لا سيما أن القمم السابقة صرف عليها ملايين الدولارات لكن دون نتائج تُذكر".
وأضاف الفتلاوي خلال مقابلة تلفزيونية، في 21 أبريل، أن "العراق اليوم بحاجة إلى كل فلس من أمواله، بدلا من إنفاقها في اتجاهات غير ضرورية".
وفي السياق ذاته، قال النائب مصطفى سند عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي، إن "المبلغ المخصَّص للقمة العربية تجاوز الـ 250 مليار دينار (190 مليون دولار) ليوم واحد فقط".
وأوضح النائب خلال مقابلة تلفزيونية في 5 مايو، أنه "جرى تخصيص 13 مليون دولار فقط لشراء أدوات مائدة ومطبخ وضيافة من دون تكلفة الطعام"، لافتا إلى أن الأمر لا يستحق كل هذه الخسائر المالية، وبالتالي ستكون القمة فقط لـ"الخريط" من دون أي نتائج.
وفي الوقت الذي لم تعلن الحكومة العراقية بشكل رسمي عن المبلغ المخصص لاستضافة القمة العربية في بغداد، فقد واجهت انتقادات بعد حديث نواب في البرلمان عن تخصيص ملايين الدولارات لها.
وانتقد المحلل السياسي العراقي، سلام الحسيني خلال تدوينة على "إكس" في 6 مايو، بذخ الحكومة العراقية الأموال على القمة، معرجا على العديد من النقاط التي تشخص وجود أزمة مالية عراقية.
وأوضح أنه في وقت تخصص فيه حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني ملايين الدولارات للقمة العربية، فإن مجلس الوزراء يخوّل وزيرة المالية طيف سامي لسحب مبلغ الأمانات الضريبية التي لم يمض عليها 5 سنوات لتمويل وتسديد رواتب الموظفين لأبريل والأشهر اللاحقة.
وأكد أن ذلك يحصل بالتزامن مع طرح سندات مالية بقيمة سبعة تريليونات دينار (1320 دينار لكل دولار) ومناقشة إلغاء موازنة 2025، وتناقص الاحتياطي المالي لأكثر من سبعة مليارات دولار.
وهذا إضافة إلى انخفاض حاد لأسعار النفط الذي وصل لأقل من ستين دولارا بينما حددته الحكومة في الموازنة بسبعين دولارا.
وأشار إلى أن "قيمة العجز في موازنة 2024 وصل إلى 64 تريليون دينار وفقًا لمظهر صالح مستشار رئيس الوزراء"، مؤكدا أن "الدين الداخلي ارتفع بنسبة 17 بالمئة متجاوزا 83 ترليون دينار نهاية العام".
كل ذلك يأتي تزامنا مع تقرير أصدره صندوق النقد الدولي في 23 أبريل، يحذر فيه من انكماش الاقتصاد العراقي، وتوقع وصوله إلى 1.5 بالمئة هذا العام على خلفية تراجع أسعار النفط، مقدرا حاجة العراق إلى سعر نفط يبلغ 92 دولارا للبرميل لتغطية الإنفاق الحكومي العام، وفقا للحسيني.
وتساءل المحلل العراقي في ختام تدوينته، قائلا: “لماذا يُغامر السوداني بعقد قمته المرتقبة ببغداد على حساب اقتصاد الدولة الذي يقترب من الانهيار؟”
نتائج محتملة
وعن النتائج التي يتوقع أن يخرج بها البيان الختامي لقمة الزعماء العرب في بغداد، توقع الباحث في الشأن العراقي، علي المساري، أنه لن يتجاوز بيانات الشجب والاستنكار، خصوصا لما ينفذه الاحتلال الإسرائيلي من مجازر في غزة، وانتهاكات لسيادة الدول العربية.
وأضاف المساري لـ"الاستقلال" أن "الجامعة العربية حتى لو أنها تأخذ قرارات، فإن قراراتها غير ملزمة وليست محترمة من المجتمع الدولي؛ لأنها أساسا ستكون على الورق فقط، دون إجراءات على أرض الواقع، مثل طرد سفراء الاحتلال ومقاطعة الغرب لإيقاف الإبادة في غزة".
وأشار إلى أن "موضوع الخلافات والتقاطعات بين الدول العربية، ستقابلها القمة بكلمات تذهب باتجاه الدعوة إلى ضبط النفس، وذلك دون وضع أي حلول أو فرض عقوبات على أحد".
وتوقع الباحث أن تشهد القمة تمثيلا متدنيا، وقد تقتصر على حضور رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني عبد الله الثاني، والرئيس اللبناني ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس".
واستبعد المساري حضور الرئيس السوري أحمد الشرع، أو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وكذلك رئيس دولة الإمارات، محمد بن زايد، أو أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، إضافة إلى أن باقي الدول معظمها تشهد أزمات داخلية تحول دون حضور قادتها، بالتالي سيرسلون من ينوب عنهم.
ورأى أن "إقامة الحدث في بغداد وعدم الاعتذار عن استضافتها رغم انعقاد قمة استثنائية بالقاهرة في 4 مارس، يشير إلى وجود بُعْد انتخابي داخلي يسعى إليه السوداني".
وأوضح الباحث أن "السوداني يريد أن يثبت من خلال إقامة القمة العربية في بغداد أنه نجح اقتصاديا وأمنيا وسياسيا خلال رئاسته للحكومة منذ عام 2022 وبالتالي يستحق أن يحصل على ولاية ثانية بعد الانتخابات المقبلة المقررة في 11 نوفمبر المقبل (2025)".
من جهته، قال الكاتب العراقي، عباس سرحان، موجّها حديثه إلى الزعماء العرب قائلا: إن "تكلفة استضافتكم في بغداد تكفي لعلاج مليون طفل، وبناء عشرات المدارس لأطفال بلدي المحرومين".
وتساءل الكاتب خلال مقال نشرته شبكة "النبأ" العراقية في الأول من مايو: “ما الذي نجنيه من مؤتمراتكم وخطبكم وشعاراتكم؟ خمسة وسبعون عامًا من القمم العربية ومن الفشل الذريع”.
وأردف: "عشرات المؤتمرات لم تنتج سوى إدانات واستنكارات فارغة حوتها أدراج مكاتب الجامعة. الدم العربي يُباع في أسواق المحتلين الجدد، وثرواتنا تُنهب في وضح النهار، ودموع أطفال غزة سلعة في سوق النخاسة السياسية".
وتابع: “لو كنتم تهتمون للعرب، لحوّلتم ميزانيات قممكم إلى سفن لإنقاذ اللاجئين والجائعين والمتلحفين بالسماء. يا قادة الفشل والهوان، أنتم تختنقون بروائح العطور الفاخرة في قاعاتكم المغلقة، ولكن هل تشمون رائحة الدماء التي تُغرق أوطانكم؟”
وختم الكاتب العراقي حديثه، قائلا: "الأولى لكم أن تعلنوا موت جامعتكم العربية التي لم تحمِ بلدانها ولم تنصر شعوبها ولم تقف وقفة شرف واحدة على مرّ تاريخها. الأجدى أن تصمتوا وتكفوا عن إصدار البيانات التي ملّتها الشعوب المقهورة".
المصادر
- "القمة الصادقة".. صراع الشرق الأوسط يتصدر اولويات القمة العربية في بغداد
- تستمر 5 أيام.. جدول أعمال القمة العربية ببغداد
- السودان يعلن قطع علاقاته الدبلوماسية مع الإمارات
- عقب بث قناة لحوار مع مؤرخ “يطعن في الأمازيغية”.. التلفزيون الجزائري يهاجم الإمارات ويتوعد “بردّ الصاع صاعين”
- كم تبلغ تكلفة القمة العربية في بغداد؟
- انكماش يُنذر العراق بأزمة مالية "الأشد" منذ سنوات