زيارة طويلة تصطدم بمواقف متشددة.. ماذا فعل وزير خارجية العراق في واشنطن؟

يوسف العلي | منذ ٢١ ساعة

12

طباعة

مشاركة

كثير من التكهنات أثارتها الزيارة المطوّلة التي أجراها وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، إلى الولايات المتحدة، والتي تمثّل أولى اللقاءات الدبلوماسية الرسمية بين الجانبين منذ قدوم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 20 يناير/ كانون الثاني 2025.

واستمرت زيارة حسين، برفقته وزيرة المالية طيف سامي، ومحافظ البنك المركزي علي العلاق، مدة أسبوع كامل بداية من يوم 24 إلى 30 من أبريل، في محاولة عراقية لفتح قناة للتواصل مع الإدارة الأميركية الجديدة، التي أبدت مواقف متشددة تجاه ملفات عدة.

"بيانات إنشائية"

رغم أن الزيارة كانت طويلة وتضمن لقاءات كثيرة، إضافة إلى توقيتها الذي جاء في ظل توترات كثيرة تشهدها منطقة الشرق الأوسط، لكن بيانات وزارة الخارجية العراقية وصفتها وسائل إعلام محلية بأنها "إنشائية" ولم تتطرق إلى فحوى ورؤية ورد واشنطن على المطالب العراقية.

ومن أبرز اللقاءات التي أجرائها وزير الخارجية العراقي، كان مع نظيره الأميركي، ماركو روبيو، الذي بحث سبل تفعيل التعاون، لا سيما في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية، وفقا لبيان الخارجية العراقية في 27 أبريل 2025.

وتطرق البيان إلى أهمية تعزيز التعاون الأمني وتبادل المعلومات لمكافحة التنظيمات الإرهابية، مشيدا بدور الولايات المتحدة وقيادتها للتحالف الدولي في محاربة الإرهاب. 

وفي الشأن الاقتصادي، أشار الوزير إلى أن العراق بدأ خطوات فعلية نحو تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الغاز المستورد، موضحا أن العراق سيسعى إلى تحقيق الاستقلال في مجال الغاز، وخلال السنوات القليلة المقبلة سيحقّق اكتفاءً ذاتيا في هذا المجال. 

وأكد حسين أن العراق بدأ في استيراد الكهرباء من الدول الأخرى، ويبحث مع دول أخرى استيراد الغاز، داعيا الشركات الأميركية إلى زيادة الاستثمار في العراق والمساهمة في مشاريعه الإستراتيجية.

وجرى خلال اللقاء الإشارة إلى الجولة المرتقبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب في المنطقة، وما يمكن أن تحمله من فرص لتعزيز التنسيق والتفاهم بشأن القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، بما يخدم استقرار المنطقة، وفقا للبيان.

وفي المقابل، قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، إن "وجود عراق قوي ومستقر وذي سيادة، خالٍ من النفوذ الخبيث، أمرٌ حيوي لاستقرار المنطقة والحفاظ على مصالح الولايات المتحدة وفرصها فيها"، في إشارة إلى إيران. 

ونقل حساب الخارجية الأميركية على "إكس" في 26 أبريل، عن روبيو، قوله: "أجريتُ حوارا قيّما مع نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية العراقي فؤاد حسين. وأُشيد بجهوده في تهدئة التوترات وتعزيز الحوار البنّاء في المنطقة".

والتقى حسين خلال الزيارة، نائب وزير الخزانة الأميركية، مايكل فولكندر، وطالب باستثناء العراق من العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران، والسماح له في استيراد الغاز وتشغيل محطات الكهرباء، والمساعدة في إيجاد بدائل.

وكذلك، التقى حسين بمستشار الأمن القومي الأميركي، مايك والتز، وبحث الجانبان الأوضاع الأمنية في المنطقة والتحديات الراهنة، إضافة إلى مناقشة مسار المفاوضات الجارية بين إيران والولايات المتحدة، وأهمية حل القضايا الإقليمية عبر الوسائل السلمية، وفقا للخارجية العراقية.

"شروط أميركية"

وبخصوص الزيارة وما حققه فؤاد حسين، قال الباحث في الشأن العراقي، لطيف المهداوي، إن "الشروط الأميركية التي طلبت من بغداد تنفيذها لم تزل غير مطبقة على أرض الواقع، وأن العراق لم يستطع تأجيل إرسال وزير خارجية أو إلغاء ذهابه، لذلك فالزيارة تعد فاشلة".

وأوضح المهداوي في حديث لـ"الاستقلال" أن "شروط الولايات المتحدة على العراق منذ قدوم ترامب لإدارة البيت الأبيض كانت واضحة، وهي حل الحشد الشعبي والمليشيات المسلحة، والابتعاد عن إيران، وإيقاف فساد المصارف العراقية وتهريبها للدولار".

وأشار إلى أن "ماركو روبيو قالها صراحة للوزير العراقي، إنهم يريدون عراقا ذا سيادة ومستقرا وخاليا من النفوذ الخبيث، وهذا ما يقصد به إيران، وكذلك أراد إبعاد نفوذ العراق في دول الجوار، ويراد به سوريا".

وتابع: "هذا لن يتحقق، لأن سلاح المليشيات مسألة تتعلق بيد إيران، وأن الأخيرة حاليا تضع سلاح الفصائل والملف السوري والملف النووي على طاولة المفاوضات مع واشنطن".

وتوقع المهداوي أن "الزيارة لن تُجْدِي نفعا في موضوع استثناء العراق من العقوبات الأميركية المفروضة على إيران؛ لأن واشنطن تعلم أن العراق أيضا لا يسعى إلى تغيير مصدر شراء الغاز من الجانب الإيراني، والاستمرار في الحصول على الاستثناء الأميركي".

من جهته، رأى المحلل السياسي العراقي المقيم في الولايات المتحدة، نزار حيدر، أن زيارة وفد العراق برئاسة وزير الخارجية إلى واشنطن لم تكن مفاجئة كما أفادت بعض وسائل الإعلام، وأن العراق عمل منذ أشهر على ترتيب هذه الزيارة.

ونقلت شبكة "الساعة" العراقية في 2 مايو عن حيدر قوله: إن "زيارة الوفد العراقي إلى واشنطن كانت مختلفة عن الزيارات والمباحثات الاعتيادية التي تجرى بين وزراء الخارجية، إذ إن الوفد حضر إلى الولايات المتحدة من دون أن يفاوض أو يناقش، وإنما تلقى التعليمات والرؤية الأميركية لنقلها إلى حكومة السوداني وتنفيذها في العراق".

وأوضح حيدر أن "السبب الذي أوصل العراق إلى هذه المرحلة هو عدم التزام الحكومات العراقية بالتعهدات تجاه الولايات المتحدة رغم التزام واشنطن بما تطلبه بغداد".

وشدد على أن "واشنطن لا يمكن لها أن تتعامل مع بغداد وفق مبدأ (حب من طرف واحد)"، مبينا أن "الأخيرة عندما تستنجد بالأولى في الشدائد، فإن الولايات المتحدة تلبي طلبات العراق، ولكن بالمقابل الأخير لم يلتزم بما تطلبه واشنطن بشأن علاقتها مع إيران وهو ما تسبب بالموقف القوي الأميركي تجاه الحكومة العراقية".

"زيارة فاشلة"

وعلى صعيد آخر، قال رئيس مركز "الفكر السياسي" العراقي، إحسان الشمري: إن “زيارة الوفد برئاسة وزير الخارجية، فؤاد حسين إلى الولايات المتحدة لم تنجح”. مشيرا إلى أن وزارة الخزانة الأميركية وجدّت نشاطا يراد به الالتفاف على عقوباتها ضد مصارف عراقية.

ونقل موقع "كتابات" العراقي في 3 مايو عن الشمري قوله: إن "زيارة الوفد العراقي لم تنجح في إقناع الجانب الأميركي بإخراج العراق من سياستها الضغوط القصوى على إيران، وأن ذات الشروط للولايات المتحد تجاه العراق مستمرة حتى الآن".

ولفت الشمري إلى أن "الهدف من الزيارة كان يتمثل في حماية الأموال العراقية وضمان عدم فقدان الخزين العراقي من الدولار وتجنيّب فرض المزيد من العقوبات الأميركية على المصارف العراقية".

وبيّن الباحث العراقي أن "الزيارة تزامنّت مع قُرب انتهاء الأمر التنفيذي الذي يُصدّره الرئيس الأميركي سنويًا لحماية الأموال العراقية، الذي ينتهي بعد منتصف مايو الجاري، الأمر الذي جعل العراق قلقا جدا من إمكانية ألا يذهب ترمب إلى توقّيع هذا الأمر".

وشدد الشمري على أن "عدم توقيع ترامب للأمر التنفيذي يعني فقدان العراق خزينه من الدولار في البنك الفيدرالي، نتيجة قضايا قد تُرفع ضد العراق، لذلك ذهب وفد حكومي عراقي ليطلب رسميا تجديد هذه الحماية بتوقّيع الرئيس الأميركي".

وأكَّد الشمري أن "الزيارة تهدف أيضا إلى تجنيّب العراق؛ العقوبات الأميركية، على المصارف المحلية، وأن المصارف التي عاقبتها الولايات المتحدة بلغت (37) وقد يرتفع العدد حسب المؤشرات إلى (69) مصرفا؛ لأن هناك طلبا أميركا بغلق المصارف العاملة في العراق بالشمع الأحمر".

وأشار إلى أن "العراق يحتاج إلى المزيد من الوقت لغرض تنظيم هذه العملية؛ لأن هناك تلويحا أميركيا بإيقاف التعامل بالتحويلات من خلال بطاقات الدفع المسَّبق لوجود شبهات عليها".

وفي الوقت نفسه، أكّد الشمري أن "زيارة حسين إلى واشنطن جاءت متزامنة مع قرب تعيّين مسؤول عن الملف العراقي في وزارة الخارجية الأميركية، ويبدو أن العراق يُريد قدر المسَّتطاع أن يكون قريبا إلى واشنطن، لشرح وجهات النظر على أقل تقدير أو طبيعة التوجهات العراقية مع أميركا".

وبحسب الشمري، فإن "وزير الخارجية العراقي أراد أن ينقل رغبة السوداني بزيارة واشنطن واللقاء مع ترامب والعمل معه"، لافتا إلى أنّ "الزيارة تبقى رهن التطورات في المنطقة، سوءا المفاوضات الأميركية- الإيرانية، أو الصدام المحتمل بين إسرائيل وإيران".

وخلص إلى أنه "لا يمكن البناء على زيارة واحدة، فإدارة ترامب تطلب من العراق مزيدا من الإجراءات، وأن الحكومة لم تُحقّق أي تقدم بملف المختطفة الإسرائيلية في العراق؛ (إليزابيث تسوركوف)، الذي كان من المطالب الملحة من الإدارة الأميركية الإفراج عنها".

ووجَّهت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحذيرات رسمية لبغداد بفرض عقوبات سياسية واقتصادية، في حال لم يطلق سراح تسوركوف التي اختفت في العراق قبل عامين، حسبما ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية في 10 مارس 2025.