عبر سلاح التجويع.. ما فرص نجاح مخطط إسرائيل لتهجير سكان غزة؟

منذ ٢٠ ساعة

12

طباعة

مشاركة

بدت إستراتيجية الاحتلال الإسرائيلي للسيطرة الدائمة على قطاع غزة واضحة، حيث تقوم على تغييرات ميدانية وسياسية ممنهجة، تهدف إلى إعادة تشكيل الواقع الديمغرافي والسياسي في القطاع من خلال الإبادة، والتجويع، والتهجير القسري، وتفكيك البنية الاجتماعية.

وبدأ هذا الأمر حين نقضت إسرائيل الهدنة مع حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بشكل أحادي، ومنعت دخول المساعدات الإنسانية، ثم عادت إلى تنفيذ قصف واسع النطاق. 

ومع استمرار الإبادة، قالت صحيفة "جام جم" الفارسية: “أصبح الخوف الأكبر لسكان غزة ليس القصف فحسب، بل المجاعة”. 

فالجيش الإسرائيلي، ولأول مرة، تولّى بشكل مباشر إدارة إدخال الغذاء إلى القطاع، وهو ما وصفته الصحيفة بـ"السلاح الجديد" ضد سكان غزة. 

وأوضحت أن الهدف هو دفع السكان نحو النزوح القسري باتجاه الساحل، وتطبيق سياسة "الأرض المحروقة" في الداخل.

سلاح جديد

في 20 مارس/ آذار 2025، خرق الكيان الإسرائيلي، من طرف واحد، وقف إطلاق النار، الذي استمر شهرين مع حركة "حماس"، وأوقف تدفق المساعدات الدولية. 

وبعد أسبوعين فقط، استؤنفت الغارات الجوية الواسعة، وأُعيد نشر القوات البرية التي كانت قد انسحبت خلال فترة الهدنة. 

وفي هذا السياق، أشارت صحيفة “جام جم” إلى أن "السيطرة على خطوط إمداد الغذاء إلى قطاع غزة أصبحت السلاح الجديد لإسرائيل في مواجهة حماس". 

وأوضحت: "فللمرة الأولى، يتولى قادة الكيان مسؤولية نقل وتوفير الغذاء لغزة، وهو ما يعد حيلة جديدة من تل أبيب للضغط على سكان القطاع". 

وتابعت: "تأمل تل أبيب في استكمال احتلال القطاع من خلال تهجير السكان قسرا نحو السواحل، وتطبيق سياسة الأرض المحروقة في مختلف أرجاء غزة". 

وأردفت: "قد تبدو هذه الخطة جذابة على الورق، إلا أن كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري لحماس)، المتمرسة على حرب العصابات، تملك القدرة على قطع ممرات الإمداد الصهيونية إلى سواحل غزة".

وبعد ساعات قليلة من بدء عملية الجيش الإسرائيلي، ادعى رئيس وزراء الكيان المحتل، بنيامين نتنياهو، في رسالة مصورة، أن "إسرائيل بصدد تغيير الوضع في غزة"، كما كشف عن ممر عسكري جديد باسم "موراغ". 

وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الاسم أطلق على الممر العسكري لإرضاء القاعدة القومية المتطرفة لرئيس الوزراء، إذ إن "موراغ" هو اسم مستوطنة صهيونية كانت تقع بين خان يونس ومعبر رفح، قبل أن تنسحب منها إسرائيل في 15 سبتمبر/ أيلول 2005. 

وأوضحت أن "الهدف من هذا المخطط العسكري هو تقسيم قطاع غزة الذي تبلغ مساحته 360 كيلومترا مربعا إلى مناطق منفصلة، ليتم تدمير كل منطقة على حدة باستخدام القوة العسكرية الإسرائيلية". 

وعقبت الصحيفة: "تأمل تل أبيب أن يكون هذا المخطط هو آخر محاولاتها لهزيمة حماس".

التهجير القسري

ونقلا عن صحيفة "الإيكونوميست" البريطانية، أمرت سلطات الاحتلال سكان رفح بمغادرة منازلهم، ويبدو أن الهدف النهائي هو الإخلاء الدائم للجنوب الغزي؛ حيث يعيش 20 بالمئة من سكان القطاع. 

وأشارت "جام جم" إلى أن "عمليات مشابهة يجرى تنفيذها في شمال غزة". 

وأوضحت: "ضمن خطة أكبر، فإن هذه الإستراتيجية تهدف إلى التهجير القسري لمليوني ساكن من غزة إلى الساحل الشرقي للبحر المتوسط". 

وتابعت: "وعلى المدى القصير، تسعى إسرائيل لإنشاء (مناطق قتل) في المدن والقرى، حتى تتمكن من استهداف من تبقى خارج الساحل، بصفتهم مقاتلين من المقاومة". 

وأردفت: "أما على المدى البعيد، فإن إسرائيل تسعى إلى ترحيل سكان سواحل غزة إلى مناطق أخرى حول العالم، لكن هذه التصريحات من مسؤولي الكيان الصهيوني تُعد في الغالب دعاية إعلامية".

وبالنظر إلى التشكيلة الراديكالية في حكومة نتنياهو (مثل وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش)، تستبعد الصحيفة تماما أن تمنح هذه الحكومة الغزيين أي خيار حقيقي.

وأفادت بأن "الممرات الجديدة التي ينشئها الكيان ليست فقط لأغراض عسكرية، بل تُعد لأهداف أخرى أيضا، وفق ما صرح به بعض القادة العسكريين الإسرائيليين".

وأضافت: "أوقفت تل أبيب منذ شهر تدفق المساعدات الخارجية لسكان غزة، وبررت ذلك بالقول إن حماس تحتكر كميات كبيرة من المواد الغذائية". 

وتابعت: "يعتزم الجيش الصهيوني أن يوفر احتياجات المدنيين من خلال هذه الممرات العسكرية بمجرد أن يعاد توطينهم على السواحل". 

وأردفت الصحيفة: "هذه السياسة، التي تبدو إنسانية في الظاهر، تهدف إلى تحقيق هدفين: أولا، خلق وسيلة ضغط جديدة على سكان غزة عبر التحكم في تدفق المساعدات الأساسية مثل الغذاء والملابس، وبالتالي إخضاع السكان لسيطرة الاحتلال". 

وتابعت: "وثانيا، محاولة تقويض شرعية حماس كجهة تمثل الفلسطينيين في إدارة الشؤون اليومية، وذلك عبر تقليل دورها في توفير الخدمات العامة".

تكتيكات مشابهة

وتعقيبا على الخطة الإسرائيلية قالت الصحيفة: "أدرك صناع القرار الصهاينة أنهم لا يملكون فرصة لتحقيق الاستقرار في غزة من خلال الصراع التقليدي مع فصائل المقاومة، لذا نقلوا المعركة من الميدان العسكري إلى ساحة المعيشة والشرعية الشعبية". 

وأشارت إلى أن "المثال التاريخي الشهير على هذه الإستراتيجية كان من قبل الفرنسيين في الجزائر في منتصف القرن التاسع عشر". 

ففي صيف الأربعينيات من القرن التاسع عشر، في غرب الجزائر الحار، توصل الفرنسيون لنفس القناعة التي توصل إليها جيش الاحتلال الإسرائيلي؛ حيث استطاع زعيم المقاومة، عبد القادر الجزائري، باستخدام تكتيكات مشابهة لتلك التي تستخدمها كتائب القسام، حرمان الجنرالات الفرنسيين من النصر الكامل".

وحينها، قام الجيش الفرنسي بقيادة الجنرال توماس روبرت بوغو بتهجير السكان قسرا وإحراق البنى التحتية المعيشية المتواضعة في القرى. 

وعلى المدى البعيد، انقلب بعض أنصار المقاومة ضد عبد القادر، وطالبوا بتسليمه للسلطات الفرنسية.

وتحدثت الصحيفة عن عدد من التحديات التي تواجه الإستراتيجية الإسرائيلية المذكورة أعلاه.

وأشارت إلى أن "الممرات العسكرية الإسرائيلية المخصصة لنقل الإمدادات الغذائية إلى السواحل يمكن أن تتعطل بسهولة من خلال هجمات كتائب القسام".

وأضافت: "كما أن الإقامة الطويلة لسكان غزة على سواحل المتوسط، مترافقة مع قمع كرامتهم وهويتهم، ستوفر بيئة خصبة لتجنيدهم ضمن صفوف حماس، مما يقوي خطاب المقاومة نتيجة السلوك الاستعماري الصهيوني".

إلى جانب ذلك، لفتت الصحيفة إلى "الموقفين المصري والأردني، اللذين أعلنا بوضوح عدم رغبتهما في الانخراط في لعبة تل أبيب".