معركة جديدة.. هل تعيد الانتخابات البلدية قوة "حزب الله" في لبنان؟

"ركز حزب الله قبيل الانتخابات البلدية على دفع تعويضات لمتضرري العدوان الإسرائيلي"
يعمل “حزب الله” اللبناني على تهيئة الأجواء لاستعادة شعبيته التي تراجعت عقب المواجهة الأخيرة مع إسرائيل من خلال محطة الانتخابات البلدية والاختيارية المقررة في 4 مايو/أيار 2025.
وشكّل عدم قدرة حزب الله على فرض نفوذه في اختيار رئيس الجمهورية جوزيف عون في 9 يناير/ كانون الثاني 2025 أولى “الضربات السياسية” التي تلقاها كأحد مفرزات المواجهة مع إسرائيل.
"الاختبار الأول"
وفي الوقت الراهن، تزداد الأجواء ترقبا في مختلف المناطق اللبنانية، لا سيما ذات الغالبية الشيعية قبيل توجه الناخبين لاختيار ممثليهم في المجالس البلدية والاختيارية، وسط تزايد النقاشات حول التحضيرات والمرشحين.
وإداريا، يتوزع لبنان على 8 محافظات تضم 25 قضاء، وهي بيروت، وجبل لبنان، والشمال، وعكار، والبقاع، وبعلبك-الهرمل، والجنوب، والنبطية. ويضم 1080 بلدية تتولى إدارة الشؤون المحلية وتقديم الخدمات الأساسية للسكان، وتشكل ركيزة رئيسة في العمل الإداري والإنمائي.
وستجري الانتخابات البلدية وفق جدول زمني يمتد لـ4 أسابيع موزعة على المحافظات كما يلي: 4 مايو: محافظة جبل لبنان، و11 مايو: محافظتا الشمال وعكار، و18 مايو: بيروت، والبقاع، وبعلبك-الهرمل، و24 مايو: الجنوب والنبطية.
ويؤكد المراقبون أن نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية، ستشكّل انعكاسا للتوجهات السياسية والاجتماعية الجديدة في البلاد التي تطمح لها حكومة نواف سلام الجديدة.
لكن الانتخابات البلدية والاختيارية لعام 2025 لم تعد مجرد محطة لتنمية محلية، بل تحولت إلى ساحة اختبار سياسي وشعبي من قبل حزب الله الذي تراجع نفوذه السياسي والعسكري في لبنان.
وقد رصد موقع "جنوبية" المحلي، أن مناطق الضاحية الجنوبية معقل حزب الله، تشهد مداخلها حواجز لعناصر مسلحة تابعة للحزب، وهذه الحواجز لا يبعد بعضها إلا أمتارا عن حواجز يقيمها الجيش في بعض النقاط على أطراف الضاحية ومداخلها.
وهذه الحواجز بحسب تقرير لـ"جنوبية" نشر في 24 أبريل 2025، تقام في الليل وتختفي في النهار، حيث تطرح تساؤلات حول الغاية من وجودها في ظل وجود الجيش وباقي الأجهزة الأمنية.
وقال الموقع: إن غاية هذه الحواجز لحزب الله، "لا يمكن ربطه بأسباب تتعلق بالمواجهة مع إسرائيل، بل الأرجح بأسباب أخرى، تتركز على سكان الضاحية أنفسهم، أي أن كل الحديث عن الدولة وسلطة الدولة وأجهزتها، يجب ألا يمس واقع أن الحزب موجود أمنيا وعسكريا وبشكل علني".
وأضاف "وبالتالي فإن سلطة الحزب مستمرة بكامل جهوزيتها الأمنية داخل الضاحية وستبقى حارسة من أي مظهر للدولة، خاصة أن الانتخابات البلدية تتم على وقع هذا الواقع الخاطئ".
وقال الموقع: "من سيظن أن الحزب تراجعت سطوته، فستذكره الاتصالات الهاتفية المباشرة عن ضرورة انتخاب لائحة المقاومة في الانتخابات البلدية، وأن الردّ على (رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين) نتنياهو سيكون بتزكية اللوائح أو انتخاب لائحة حزب الله".
"تركيز على التحالف"
الاستحقاق البلدي المنتظر يشكل صورة حقيقية لوزن الحزب في بيئته ومحيطه اليوم في الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب والبقاع، وهذه المناطق المذكورة شهدت دمارا كبيرا جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي لها منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
والانتخابات البلدية هذه ستكون أول مناسبة لاختبار قدرة حزب الله على إدارة قاعدته الشعبية ووجوده بعد خسارة قياداته الأبرز، وهي مؤشر ستؤثر نتائجها على الانتخابات البرلمانية لعام 2026.
ولهذا يركز حزب الله على عدم استثناء أيّ منطقة من الانتخابات البلدية، خصوصا قرى الشريط الحدودي، تحت ذريعة الدمار الذي نجم عن العدوان الإسرائيلي الأخيرة.
لا سيما أن النائب محمد رعد رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" البرلمانية التابعة لحزب الله، حاول إبراز مدى جهوزية الحزب لخوض هذا الاستحقاق البلدي، بقوله لصحيفة “الأخبار” المحلية في 27 مارس/ آذار 2025: إن "المسألة ليست مجرد انتخابات بلدية، بل مسألة وفاء لدماء الشهداء".
وضمن هذا السياق، قال الكاتب والمحلل اللبناني أسعد بشارة: إن "حزب الله في الانتخابات البلدية سيعمل مع حركة أمل على تحالف بينهما لخوض هذا الاستحقاق في معظم البلديات ذات الغالبية الشيعية، وسيكون له تأثير في البلديات التي فيها صوت شيعي بنسبة مقبولة".
وأضاف بشارة لـ"الاستقلال" أن "الانتخابات البلدية في لبنان لا يمكن أن ترمم ما أحدثته الحرب مع إسرائيل بحزب الله، كما أن هذا الاستحقاق لن يعيد للحزب ما خسره خلال الحرب وما كبد لبنان من خسائر اقتصادية كبيرة".
وأردف "لهذا فإن استحقاق الانتخابات البلدية سيكون في التوقيت المقرر من قبل الدولة اللبنانية دون أي تأجيل كما حدث سابقا نتيجة الأزمات السياسية".
وذهب بشارة للقول: "هناك قرى كاملة ستقام فيها الانتخابات في ظروف صعبة يعيشها النازحون وسط الدمار، وبالتالي لن يكون الاستحقاق البلدي مناسبة لإعادة تعويم حزب الله".
ويؤكد مراقبون أن "الثنائي الشيعي" (حزب الله - حركة أمل) يسعى إلى الاحتفاظ بالثقل الانتخابي في المناطق الشيعية خلال الانتخابات البلدية، لا سيما أن تقارير صحفية تحدثت عن أن حزب الله ركز قبيل أشهر من الانتخابات البلدية على دفع تعويضات مالية للمتضررين من القصف الإسرائيلي.
ورأت صحيفة "الأخبار" المقربة من حزب الله أن “الانتخابات البلدية المقبلة جاءت لتكون المحطة الأوضح لترسيخ مساعي حزب الله لتجاوز الارتباك الأخير عقب المواجهة مع إسرائيل”.
وترى أن "الحزب يخوض المعركة ليس كحالة حزبية معزولة، بل كمكوّن أساسي في التركيبة اللبنانية، قادر على الدفاع عن موقعه السياسي والاجتماعي والإنمائي، حتى بعد أخطر ضربة أمنية تلقاها في تاريخه".
"احتكار التمثيل"
وأكد الكاتب اللبناني حسين عطايا أن "العمل على الانتخابات البلدية والاختيارية في الجنوب تجري بطريقة بطيئة جدا وتقتصر على عمل مسؤولي وقيادات الثنائي (حركة أمل – حزب الله) الذي يحتكر التمثيل لأبناء الطائفة الشيعية".
وأضاف عطايا في مقال نشره موقع “جنوبية” في 28 أبريل، أن "المطلوب من الفاشلين المدعومين من الثنائي، مستثمري ثروات المدن والبلدات الجنوبية الابتعاد عن العمل البلدي؛ لأنهم أثبتوا فشلهم وقصورهم في العمل كإدارة محلية".
ومضى يقول: “مازال الثنائي يُمني النفس بالسيطرة على ما قد يأتي من مساعدات إعادة الإعمار من الخارج لتوزيعها على الأزلام والمحاسيب كما حصل عام 2006، وما رافقها من فضائح نهب وسرقة لمستحقات المواطنين”، وفق قوله.
بدوره، أشار رئيس تحرير موقع "أساس ميديا" المحلي، محمد بركات، إلى أن "حزب الله يحاول فرض أسماء مرشحة تتبع له بالتزكية وفرضهم على الناس في القرى الشيعية وضاحية بيروت وإطلاق تهديدات ضد المرشحين الآخرين في تلك القرى لمنعهم من الترشح".
وقال بركات في تصريحات تلفزيونية لقناة “الجديد” في 28 أبريل 2025: إن "حزب الله يعمل في الانتخابات البلدية على منع تشكيل لوائح لا تتبع له في القرى والبلدات جنوب لبنان وفي بيروت".
وأردف "هناك تهديد للسكان من قبل حزب الله عبر الاتصال بهم وتحذيرهم من انتخاب أي لائحة غير لائحة الحزب".
ولفت بركات إلى أن “دفع حزب الله تعويضات مالية للمتضررين لعوائل من بيئته الحاضنة يؤدي إلى عدم تكافؤ في الفرص السياسية”.
وتابع: "بمعنى أن دفع الأموال لتلك العوائل ستعيق ترشح أي شخص في تلك المناطق من خارج قوس حزب الله؛ لهذا يجب أن يكون هناك سقف للإنفاق الانتخابي وأن توكل مهمة تعويض المتضررين وإعادة الإعمار للدولة اللبنانية".
وكان مصدر وزاري قال لصحيفة "الديار" المحلية: إن “الحكومة تعد هذه الانتخابات إنجازا مهما يُضاف إلى رصيدها في مجال إعادة تحريك عجلة التنمية في مختلف المناطق".
وأشار إلى أن "نجاح الحكومة في هذا الاستحقاق يشكّل رسالة إيجابية للداخل والخارج تعكس عودة انتظام عمل مؤسّسات الدولة ومرافقها، وتعزز مسيرة النهج الديمقراطي في البلاد".
وأضاف المصدر أن "النجاح في إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية سيكون نموذجا جيدا يُظهر استعداد الحكومة وقدرتها على التعاطي مع الاستحقاقات المقبلة، لا سيما الانتخابات النيابية المقررة في مايو 2026".