إقليم الصحراء الغربية وأطول نزاع في شمال إفريقيا.. هل اقتربت لحظة النهاية؟

"جميع المؤشرات باتت تصب في اتجاه إغلاق ملف عمره أكثر من 50 عاما".
تحولات متسارعة يشهدها ملف إقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه بين المغرب وجبهة "البوليساريو" المدعومة من الجزائر، بعد عقود من الجمود والصراع الإقليمي والدولي.
ورصدت مجلة "جون أفريك" تصاعد الزخم الدبلوماسي المغربي، مقابل تراجع جبهة "البوليساريو" في ظل تغير واضح في مواقف القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا.
كما تناولت تأثير التحركات الإقليمية والدولية، ودلالات تراجع الدعم السياسي للبوليساريو، وصولا إلى طرح تساؤلات جوهرية حول فرص التوصل إلى تسوية تاريخية قبل نهاية عام 2025.

غير مسبوق
وأشارت المجلة إلى أن "ملف الصحراء، الذي ظل عالقا طويلا في المتاهات الدبلوماسية، بدأ منذ شهر تقريبا يشهد تقدما بوتيرة غير مسبوقة".
وتابعت: "حيث توحي سلسلة من التطورات بين واشنطن والرباط والجزائر ونيويورك بإمكانية حدوث تحول حاسم بحلول أكتوبر/ تشرين الأول 2025، أو على الأقل قبل السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني 2025".
واستطردت: "جدير بالذكر أن التاريخ الأخير يحمل رمزية كبيرة؛ إذ يصادف الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء (مسيرة شعبية سلمية، تم تنظيمها للضغط على إسبانيا لمغادرة إقليم الصحراء الذي كانت تحتله)، ولأول مرة منذ نصف قرن، تبدو الظروف مهيأة لحل هذا النزاع".
واستدركت: "ومع ذلك، لم يُحسم شيء بعد، فهذه المرحلة الأخيرة -إن وُجدت- لا تزال محفوفة بالكثير من الشكوك".
وبالحديث عن التطورات الأخيرة، ذكرت المجلة أن "بعثة الأمم المتحدة أُنشئت لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو) عام 1991، وقد تعرَّضت كثيرا لانتقادات بسبب عدم فعاليتها".
وأضافت "اليوم، تبدو هذه البعثة وكأنها وصلت إلى نقطة تحول؛ فإما أن تتغير رؤيتها أو تُلغى تماما"،.
وفي كل الأحوال، تنوَّه المجلة إلى أن "الهيئة الأممية أصبحت هشة".
وأشارت إلى ما حدث في 10 أبريل/ نيسان 2025، ففي ذلك اليوم، وبعد لقاء عُقد في واشنطن مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، قال نظيره الأميركي، ماركو روبيو، بشكل قاطع: "خطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب هي القاعدة الوحيدة لمفاوضات جادة وواقعية".
وتابعت: "وبعد يومين فقط، استقبلت نائبة وزير الخارجية الأميركية، ليزا كينا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، في لقاء يُعد إشارة قوية موجهة إلى العالم بشأن ملف الصحراء".
وأكَّدت كينا في الكواليس أن "الوقت قد حان للتقدم السريع، على أساس خطة الحكم الذاتي المغربية".
علاوة على ذلك، في 14 أبريل/ نيسان 2025، وخلال الإحاطة نصف السنوية التي قدمها في جلسة مغلقة أمام مجلس الأمن، دعا دي ميستورا إلى الاستفادة من "الزخم الجديد" الذي يشهده الملف دبلوماسيا.
وأشار إلى التحول الكبير المتمثل في اعتراف كل من فرنسا والولايات المتحدة -وهما عضوان دائمان في مجلس الأمن- بسيادة المغرب على إقليم الصحراء.
كما دعا دي ميستورا إلى "توضيح تفاصيل خطة الحكم الذاتي التي يدافع عنها المغرب"، في إشارة واضحة إلى أن "خياري التقسيم أو الاستفتاء قد استُبعدا"، وأن "الحل المُفضل اليوم لتسوية هذا النزاع هو بالفعل (خطة الحكم الذاتي المغربية)".
ضغط أميركي
وبالتوازي، سلطت "جون أفريك" الضوء على أن مؤشرات أخرى تصدر من واشنطن، وتحديدا من الكونغرس الأميركي.
ووصف النائب جو ويلسون، رئيس اللجنة الفرعية المعنية بإفريقيا، جبهة البوليساريو بأنها "كيان إرهابي مرتبط بإيران وحزب الله"، ودعا الولايات المتحدة إلى تصنيفها كتنظيم إرهابي.
وهو ما من شأنه -بحسب المجلة الفرنسية- توجيه ضربة قاضية لما تُعرف بـ "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية".
"وهو ما يشكّل كذلك مشكلة خطيرة للجزائر، التي ستعد في هذه الحالة دولة تأوي كيانا إرهابيا"، بحسب وصف “جون أفريك”.
وأشارت إلى أن "الضغط يأتي أيضا من المستشار الخاص للرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مسعد بولص".
بدوره، دعا بولص إلى "حل براغماتي وسريع ومتناغم مع الأولويات الأمنية للولايات المتحدة"، محددا مهلة مدتها ثلاثة أشهر لوضع حد لهذا النزاع.
وبدأت قضية الصحراء عام 1975، بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، ليتحول النزاع بين المغرب وجبهة "البوليساريو" إلى نزاع مسلح استمر حتى 1991، وتوقف بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار.
ويقترح المغرب حكما ذاتيا موسعا في إقليم الصحراء تحت سيادته، بينما تدعو جبهة "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم
وتسعى الأمم المتحدة إلى تفاهمات بمشاركة المغرب والجزائر وموريتانيا وجبهة "البوليساريو" بحثا عن حل نهائي للنزاع بشأن الإقليم، منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار.
دعم الخطة
وفي هذا السياق، سلطت المجلة الفرنسية الضوء على أن "هذا التحول يتزامن في الوتيرة مع اصطفاف دبلوماسي غير مسبوق حول خطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب".
فمنذ عام 2020، أقدمت عدة قوى كبرى على دعم هذه الخطة؛ حيث كانت البداية مع الولايات المتحدة في عهد ترامب الأول، حين اعترفت رسميا بسيادة المغرب، ثم تبعتها إسبانيا عام 2022.
وأخيرا، في صيف عام 2024، أعلنت فرنسا بدورها اعترافَها بسيادة المغرب على الصحراء، ووصفت الخطة المغربية بأنها "الحل الجاد والواقعي الوحيد" لتسوية النزاع.
وقالت المجلة: "كان ذلك بمثابة القشة التي قصمت ظهر الجزائر، التي وجدت نفسها أمام موقف مشترك من قوتين استعماريتين سابقتين تعترفان بسيادة المغرب على الإقليم".
وإلى جانب ذلك، أشارت إلى أن "لعبة الشطرنج تُخاض أيضا على الساحة الإفريقية؛ حيث يتحرك المغرب بخطى مدروسة".
ففي أواخر أبريل/ نيسان 2025، استقبل العاهل المغربي محمد السادس في الرباط وزراء خارجية بوركينا فاسو ومالي والنيجر، وهي دول تعيش توترا في علاقاتها مع الجزائر.
"وقد أبدت هذه الدول الثلاث دعمها المقترح المغربي بالوصول إلى المحيط الأطلسي، في خطوة تمثل تحالفا سياسيا ورسالة جيوإستراتيجية في آن واحد"، وفق المجلة.
وبشكل عام، نوَّهت إلى أن "الصحراء لم تعد في الخطاب المغربي مجرد ملف نزاع، بل تحولت إلى محور إقليمي وممر للتكامل القاري يتجاوز حدود المغرب العربي التقليدي".
تراجع نفوذ
وتحدثت المجلة الفرنسية عن أن "العديد من التطورات الأخيرة تشير إلى أن البوليساريو تمر بمرحلة غير مسبوقة من التراجع والضعف".
ففي مطلع أبريل/ نيسان 2025، أُقيل بشكل مفاجئ وزير خارجيتها محمد سيداتي.
ورغم أن خلفه، محمد يسلم بيسات، يعرف جيدا دهاليز الجبهة، فإن عودته لم تخف التوترات الداخلية.
وذكرت "جون أفريك" أن "الانتكاسات الدبلوماسية تتوالى".
وأضافت: "من هذه الانتكاسات ما تشهده الجبهة من فقدان متتالٍ للاعتراف في أميركا اللاتينية وتهميش متزايد داخل الاتحاد الإفريقي وشبهات حول ارتباطات مع شبكات متطرفة في الساحل وتصاعد التوترات داخل مخيمات (تندوف)".
ومن الإشارات اللافتة أيضا، بحسب المجلة، رفض موريتانيا المشاركة في مناورات "أفريكا بيس 3" العسكرية التي نُظمت في الجزائر، بسبب مشاركة البوليساريو.
وهو الموقف نفسه الذي تبنته مصر، الدولة المحورية في القارة؛ حيث رفضت الدعوة الجزائرية للمشاركة في المناورات للسبب ذاته.
ووفقا لما ورد عن "جون أفريك"، فإن وزارة الخارجية المصرية أكّدت في بيان أن البوليساريو "كيان غير معترف به مصر".
علاوة على ذلك، لفتت المجلة إلى أنه "حتى داخل المؤسسات متعددة الأطراف، بدأ صدى البوليساريو يتلاشى".
ففي القمة الأخيرة للاتحاد الإفريقي بأديس أبابا، غابت قضية الصحراء تماما عن البيان الختامي، في مؤشر رمزي على الإرهاق الدبلوماسي وإعادة تموضع تدريجية للقارة، تشير بحسب عدد من الخبراء إلى احتمال استبعاد "البوليساريو" قريبا من الاتحاد الإفريقي.
ولذلك، بالنسبة للرباط، فإن "جميع المؤشرات باتت تصب في اتجاه إغلاق ملف عمره أكثر من 50 عاما".