صراع سياسي في ردهات البرلمان.. لماذا تجدد التوتر بين أخنوش وبنكيران؟

منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في سياق سياسي يتسم بالتوتر والترقب، عاد الصراع بين رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، وزعيم حزب "العدالة والتنمية" عبد الإله بنكيران إلى الواجهة مع اقتراب الانتخابات التشريعية لعام 2026. 

ورغم مرور سنوات على بداية الخلاف بين الرجلين، ترى صحيفة جون أفريك الفرنسية أن ما يجرى ليس فقط خصومة شخصية، بل أزمة أعمق يعيشها المشهد الحزبي المغربي، تتجلى في فقدان الثقة وركود الخطاب السياسي وغياب البدائل المقنعة.

يشهد المغرب انتخابات برلمانية وبلدية خلال عام 2026 (لم يحدد موعدها بدقة ويتوقع أن تكون في سبتمبر/أيلول)، في وقت تحاول فيه أحزاب الأغلبية والمعارضة إعادة التموقع السياسي للظفر بالمرتبة الأولى وتشكيل الحكومة المقبلة.

توتر متجدد

ووصفت الصحيفة المشهد قائلة: إن "الصراع، في ردهات البرلمان كما في الساحات العامة، يتصاعد بين بنكيران وأخنوش بشكل متزايد مع اقتراب الانتخابات".

وهذه الخصومة، التي تعود جذورها إلى أزمة ما يسمى بـ "البلوكاج" السياسي في سنة 2016، لم تفقد شيئا من حدتها، وفق ما ورد عن الصحيفة. 

وعلى العكس، تذكر أنه في ذلك الوقت، كان أخنوش، الذي عزز مكانته حديثا في قيادة حزب "التجمع الوطني للأحرار"، قد عرقل تشكيل حكومة بنكيران، مما اضطر الملك محمد السادس إلى تعيين شخصية أكثر قابلية للتفاوض؛ وهو سعد الدين العثماني.

"ورغم ذلك، لم يقل عبد الإله بنكيران كلمته الأخيرة بعد"، خاصة بعد إعادة انتخابه في أبريل/ نيسان 2025 على رأس حزبه لأربع سنوات أخرى، ورغم أزمة مالية خانقة وتراجع كبير في صفوف مناضليه.

إذ يعول بنكيران على هذا الصدام لـ "يعيد تموقعه كخصم سياسي رئيس، بل وربما كملاذ محتمل في حال خاب أمل الشارع".

"وبعد مرور تسع سنوات منذ أول مواجهة، يعيد الرجلان تمثيل الصراع نفسه، ولكن في سياق جديد يتسم بتوترات متجددة". 

إذ بات حزب "العدالة والتنمية" ممزقا اليوم بعد أن خسر بشكل مدو في انتخابات 2021، متراجعا من 125 مقعدا إلى 13 فقط، بينما يتزعم أخنوش حكومة مدعومة بأغلبية برلمانية قوية.

بنكيران يهاجم

وفي هذا الإطار، تشير "جون أفريك" إلى أن "المواجهات الكلامية بين الزعيمين أصبحت، منذ بداية عام 2025، أكثر تكرارا وحدة، بل وأكثر طابعا شخصيا". 

ففي يناير/ كانون الثاني 2025، ندد الزعيم الإسلامي بنكيران بما عده "تضاربا صارخا في المصالح" في منح مشروع تحلية مياه الدار البيضاء الضخم إلى تكتل مرتبط بمجموعة "أكوا" العائلية. 

كما أنه دعا رئيس الحكومة عزيز أخنوش إلى "الاستقالة حتى يتمكن المغرب من التنفس".

وبعد أسابيع قليلة، خلال انعقاد المجلس الوطني لحزبه، اتهم بنكيران الحكومة بخيانة الأرامل والفئات الهشة، مستنكرا ما وصفه بـ "تدبير اجتماعي قائم على الريع الاقتصادي".

ووفقا لما تقوله الصحيفة، تصاعدت نبرة الخطاب في مطلع مايو/أيار 2025، حين خاطب بنكيران جمعا من النقابيين، متهما الإدارة الحالية بـ "شراء الانتخابات بالمال".

كما وصف زيارة رئيس الحكومة لمدينة أغبالة بأنها خطوة غير لائقة، بل "تقريبا فاحشة"، بسبب "ذبح 60 خروفا" في وقت "أعفى فيه الملك الناس عام 2025 من الأضحية". 

وهذا الحدث، في نظر زعيم حزب "العدالة والتنمية"، دليل على انفصال الحكومة الحالية عن هموم المغاربة الحقيقية.

هجوم مضاد

وفي الجهة المقابلة، يفضل عزيز أخنوش اللعب بورقة "الازدراء المحسوب"، كما أسمته الصحيفة الفرنسية.

ففي سبتمبر/أيلول 2024، خلال التجمع الصيفي لحزب "التجمع الوطني للأحرار"، وجه أخنوش انتقادات لاذعة من دون تسمية خصومه، متحدثا عن "الشعبويين" و"المهرجين" الذين يسيئون لصورة العمل السياسي. 

وبينما كان محاطا بشباب حزبه، دعاهم للدفاع عن "الأغلبية الحكومية" و"عدم الانجرار وراء الشائعات". 

وفي الكواليس، توضح "جون أفريك" أن المقربين منه يتهمون حزب "العدالة والتنمية" بمحاولة التغطية على إخفاقاته، خصوصا فشله في إنجاز مشاريع كبرى مثل مشروع "الدار البيضاء"، عندما كان في سدة الحكم.

وذلك في إشارة إلى خطة بناء محطة جوية جديدة في مطار الدار البيضاء بتكلفة استثمارية تبلغ 15 مليار درهم (1.55 مليار دولار) بهدف زيادة عدد المسافرين ثلاثة أمثال بحلول موعد استضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2030.

وهنا، تبرز الصحيفة أن "هذا السجال السياسي يأتي في سياق من الجمود المؤسسي، حيث تجد السياسة المغربية صعوبة في تجديد نخبتها وخطابها".

والمواجهة بين أخنوش وبنكيران -في رأي الصحيفة- هي "أبرز تجليات هذا الوضع، بل تكاد تكون صورة كاريكاتورية له". 

وتابعت: "فمن جهة، خطيب إسلامي منهك، لكنه لا يزال فعالا على الساحة، ومن جهة أخرى، رئيس حكومة ملياردير يجسد سلطة تكنوقراطية لا تبدي حساسية كبيرة تجاه النقد".

مأزق مزدوج

وأردفت الصحيفة: "وقبيل عام من الاستحقاق الانتخابي، تتحول هذه المواجهة أيضا إلى صراع على الشرعية السياسية".

إذ إن حزب "العدالة والتنمية" يكرر القول إن "حكومة أخنوش فقدت ثقة المواطنين"، مستشهدا بتجارب حدثت في بريطانيا وفرنسا لتبرير دعوته إلى انتخابات مبكرة. 

في المقابل، يكثف بنكيران من خطاباته وظهوره الإعلامي وتجمعاته، ليقدم نفسه كبديل جدي لسلطة يعدها منفصلة عن الواقع، على حد وصف الصحيفة.

ورغم هذه العواصف، تقول "جون أفريك": إن "رئيس الحكومة يظل واثقا، بل وربما غير مبال". 

ومن ناحية أخرى، تعكس الصحيفة أن "هذا الصراع يكشف عن مشكلة أعمق؛ أزمة مشهد سياسي منهك وعاجز عن التجديد".

فعبد الإله بنكيران يعيد تدوير وصفات الأمس، بينما يراهن عزيز أخنوش على استقرار أغلبيته، رغم الشعور المجتمعي المتزايد بخيبة الأمل.

وفي النهاية، تختتم الصحيفة بالقول: "في بلد تزداد فيه الحاجة إلى إصلاحات ملموسة، يبقى المستقبل مفتوحا حتى عام 2026".