من مناصرة باكستان إلى حساب المصالح.. قراءة في موقف إيران من أزمة كشمير

"رغم تبنيها سياسة توازن، إلا أنه يمكن القول إن كفة ميزان إيران مالت لصالح الهند"
مع تصاعد التوتر بين باكستان والهند في الأيام الأخيرة إلى مستويات خطيرة لم تعد الأنظار موجهة فقط إلى هذين البلدين، بل شُدّت أيضا نحو الفاعلين الإقليميين القادرين على التأثير في مسار الأحداث.
في هذا السياق، نشر مركز الدراسات الإيرانية التركي "إيرام" مقالا للكاتب "إيدن جوفان"، ذكر فيه أن إيران تحظى بمتابعة دقيقة فيما يتعلق بالتوتر الأخير، نظرا لأنها تشترك مع باكستان بحدود تصل إلى نحو 900 كيلومتر.

نهج براغماتي
فلطالما اتبعت طهران نهجا قائما على التوازن في تعاملها مع النزاع بين الهند وباكستان. فقبل الثورة عام 1979 كانت إيران تميل بوضوح إلى جانب باكستان، واستمر هذا الميل حتى تسعينيات القرن الماضي.
لكن مع تطور المصالح الاقتصادية وتبدّل أولويات السياسة الخارجية، بدأت إيران تتجه نحو موقف أكثر توازناً؛ حيث تسعى من خلاله إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع الطرفين، خاصة مع الهند التي تمثل شريكا اقتصاديا مهما في ظل العقوبات الغربية المفروضة على طهران.
من جهة أخرى، تبنت إيران منذ البداية موقفا واضحا تجاه قضية كشمير.
واليوم مع تجدد التوتر على الخط الباكستاني-الهندي، أصبح من المهم تحليل الموقف العام لطهران تجاه هذه القضية وموقفها من التصعيد الأخير، لما لذلك من أهمية في فهم واحدة من أعقد القضايا التي واجهها المجتمع الدولي منذ الحرب العالمية الثانية، وأيضا لفهم كيفية تعامل إيران مع هذا النوع من الأزمات.
فمنذ مطلع الألفية الثالثة اتخذت علاقات إيران مع كلٍّ من باكستان والهند مسارات متباينة، حيث انعكست تحولات السياسة الإقليمية والدولية وتغيرت أولويات طهران الخارجية.
ففي حين طغت التقديرات الأمنية على العلاقات الإيرانية-الباكستانية، سعت طهران إلى تطوير شراكة إستراتيجية مع الهند، رغم الضغوط الأميركية والعقوبات الدولية.
وهذه المعادلة المتناقضة وضعت إيران في موقع حساس، خاصة في ظل اشتداد التوتر بين الهند وباكستان، ووجود قضية شائكة مثل كشمير في خلفية المشهد.
فلم تعد العلاقة بين إيران وباكستان منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين قائمة على التعاون الاقتصادي أو التفاهم السياسي، بل أصبحت في كثير من الأحيان محكومة بسياقات أمنية معقدة.
لا سيما في المناطق الحدودية. فقد وجّهت طهران مرارا اتهامات لإسلام آباد بالتقاعس عن كبح جماح جماعات مسلحة مثل "جيش العدل"، التي تنشط في إقليم سيستان وبلوشستان وتُتهم بتلقي دعم من داخل الأراضي الباكستانية.
في المقابل، لم تتردد باكستان في اتهام إيران بدعم جماعات انفصالية مسلحة، أبرزها "جيش تحرير بلوشستان"، متهمةً طهران بإيواء عناصرها بعد تنفيذهم هجمات في الداخل الباكستاني.
إلى جانب هذه التوترات فقد زادت قضية "لواء زينبيون" الطين بلة؛ حيث أثار تجنيد الشيعة الباكستانيين من قِبل الحرس الثوري الإيراني للقتال في سوريا، ضمن تشكيلات مذهبية داعمة لنظام بشار الأسد، قلقا متصاعدا لدى السلطات الباكستانية.
وأدت عمليات التجنيد هذه إلى اتهام طهران بتغذية الانقسام المذهبي داخل باكستان، خاصة مع رصد نشاطات هذا اللواء داخل المناطق الحدودية.
وتُوِّج هذا التصعيد بقرار باكستان عام 2024 حين تمّ تصنيف "لواء زينبيون" تنظيما إرهابيا، ما مثّل تحولا واضحا نحو موقف أكثر صرامة تجاه الجماعات المدعومة من إيران.
وعلى النقيض من علاقاتها المتوترة مع باكستان، سعت إيران إلى بناء شراكة إستراتيجية مع الهند، خصوصا في الجانب الاقتصادي.
وبلغت هذه الشراكة ذروتها بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، حين ارتفعت واردات الهند من النفط الإيراني بشكل كبير، وأصبحت إيران أحد أبرز موردي الطاقة إلى نيودلهي.
كما شهدت العلاقات التجارية طفرة نوعية، وصلت إلى نحو 12 مليار دولار في فترة قصيرة.

تراجع حاد
غير أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018 وإعادة فرض العقوبات على إيران أدّيا إلى تراجع حاد في هذه العلاقات؛ إذ انخفضت واردات الهند من النفط الإيراني بنسبة 90% خلال عام واحد، حتى تلاشت تقريباً مع نهاية 2019.
ولم تقتصر تداعيات العقوبات على الجانب النفطي فحسب، بل ألقت بظلالها أيضا على مشاريع إستراتيجية كبرى؛ أبرزها مشروع تطوير ميناء تشابهار الذي كانت الهند تأمل من خلاله فتح ممر تجاري يتجاوز باكستان ويوصلها إلى وسط آسيا.
ورغم العقوبات والمخاطر لم تتخلَّ طهران عن شراكتها مع نيودلهي، بل واصلت تطوير المشروع بشكل جزئي، ساعية للحفاظ على موقع الهند كشريك إستراتيجي في رؤيتها الاقتصادية والإقليمية.
وتابع: في خضم هذه العلاقات المتباينة تنتهج إيران سياسة براغماتية تجاه قضية كشمير؛ حيث توازن فيها بين تعاطفها التاريخي مع باكستان من جهة، ورغبتها في عدم الإضرار بمصالحها مع الهند من جهة أخرى.
وقد بدا هذا التوازن جلياً بعد قرار نيودلهي عام 2019 بإلغاء الوضع الخاص لإقليم كشمير، حيث اكتفت إيران بردود فعل محدودة، في مقدمتها تصريحات من المرشد الأعلى علي خامنئي، بينما التزمت الحكومة الصمت أو الحذر لتجنّب توتير علاقاتها مع الهند.
وتُظهر السياسات الإيرانية تجاه كل من باكستان والهند نمطا واضحا من التكيّف السياسي الذي تحكمه الضرورات أكثر من المبادئ. وبينما تزداد العلاقات مع باكستان تعقيدا بسبب البُعد الأمني والطائفي، تسعى طهران إلى الحفاظ على مصالحها مع نيودلهي رغم العقبات الخارجية.
وفي ضوء التوترات المستمرة بين الجارتين، تظل إيران حريصة على إمساك العصا من المنتصف، ملتزمة بسياسة توازن دقيقة تمنحها مرونة في التعامل مع واحدة من أكثر الأزمات حساسية في جنوب آسيا.

التطورات الأخيرة
ولفت الكاتب التركي إلى أنه رغم تبني إيران سياسة التوازن في التوتر الأخير بين الهند وباكستان، إلا أنه يمكن القول إنّ كفة ميزانها مالت في بعض الأحيان لصالح الهند.
ويبدو أن الإستراتيجية الإقليمية الحالية لطهران ترتبط إلى حد كبير بنتائج المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة، وكذلك بإمكانية إحياء العلاقات الاقتصادية مع الهند.
وعلى هذا الأساس، لا يمكن الادعاء بأن إيران تتجاهل باكستان، لكن من الواضح أنها تعطي أولوية للهند في حساباتها. فقد أدانت إيران بشدة هجمات بَهالغام التي وقعت في 22 أبريل، ووصفتها بأنها "عمل إرهابي مروع" وعدتها تهديدا للسلام الإقليمي.
لكنّ اللافت أن إيران لم تُصدر أي إدانة لعملية "سِندور" التي نفذتها الهند ضد باكستان في 7 مايو بزعم أنها رد على تلك الهجمات، وهو ما يعكس حرص طهران على عدم الإضرار بعلاقاتها مع نيودلهي.
وبدلا من توجيه اللوم، اكتفت إيران بالدعوة إلى التهدئة وضبط النفس، محذّرة من مخاطر تصاعد التوتر بين الطرفين. كما قام وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بزيارة إلى كل من باكستان والهند في خضم الأزمة، مقدما عرضا للوساطة بين الجانبين.
وأشار الكاتب إلى أنّ إيران تأمل في أن تُفضي المفاوضات النووية إلى نتائج إيجابية تمكّنها من إعادة تفعيل علاقاتها التجارية مع الهند، بما في ذلك استئناف مشروع ميناء تشابهار والاستثمارات المرتبطة به.
في المحصلة، تتبنى إيران إستراتيجية تقوم على الحفاظ على التوازن في علاقاتها مع كل من الهند وباكستان دون الإضرار بمصالحها مع أي منهما. وفي ظل ما تعانيه من عزلة اقتصادية، أصبحت مساعي طهران للحفاظ على هذه العلاقات أحد أركان سياستها الخارجية.
في هذا السياق، تواصل إيران تعاونها الأمني والاقتصادي مع باكستان من جهة، بينما تبقي آمالها معلقة على تطوير علاقاتها مع الهند في مجالات الطاقة والتجارة، خصوصا في حال عودة الاتفاق النووي إلى مساره الطبيعي.
ويكشف هذا التوجه عن رغبة إيرانية واضحة في تعميق شراكتها الاقتصادية مع الهند مستقبلا، إذا ما تهيأت الظروف الدولية الملائمة، دون أن تغفل في الوقت ذاته عن ضرورات التعاون الإقليمي مع باكستان.