يهدد ممتلكات المسلمين.. لماذا أقر البرلمان الهندي "قانون الوقف المُعدّل"؟

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

يواجه قانون “الوقف المعدل” المثير للجدل في الهند، والذي يتيح للحكومة تحديد كيفية إدارة الأوقاف الإسلامية، طعنا أمام المحكمة العليا.

وأقرّ البرلمان، الذي يهيمن عليه حزب "بهاراتيا جاناتا" برئاسة رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحلفائه، مشروع القانون في أبريل/نيسان 2025، وصدّقت عليه رئيسة الهند دروبادي مورمو في اليوم التالي.

سلب ممتلكات المسلمين

وقد يؤثر هذا القانون، وفق تقرير مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، على آلاف الممتلكات الدينية والخيرية في جميع أنحاء البلاد، المعروفة باسم “الأوقاف”.

بما في ذلك المساجد والمعاهد الدينية والأضرحة التي تبرع بها المسلمون الهنود على مر القرون، وكانت خاضعة سابقا لقانون الأوقاف لعام 1995.

ويمنح القانون الجديد، الذي هو تعديل على قانون عام 1995، نيودلهي سلطة إضافة غير المسلمين إلى الهيئات التي تُدير الأوقاف. 

كما يمنح حكومة حزب “بهاراتيا جاناتا” دورا أكبر في تحديد وضع ملكية الأراضي.

ورغم أن قانون الوقف الأصلي كان يعترف بالممتلكات، بما في ذلك تلك التي تفتقر إلى الوثائق الرسمية، إلا أن القانون الجديد يفتح الباب أمام الطعن في ملكية هذه العقارات.

وبالنسبة لكثير من المسلمين في الهند، يبدو تعديل قانون الوقف محاولة مدروسة لإضعافهم.

ويُعدّ المسلمون أكبر أقلية دينية في الهند، حيث يشكلون 14 بالمئة من سكان البلاد البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة. 

ووفقا لتقرير صدر عام 2023، فإن المسلمين في الهند يسجلون أدنى مستويات امتلاك الأصول والاستهلاك بين الجماعات الدينية الرئيسة الأخرى في البلاد.

ورغم أن حكومة مودي تُصرّح بأن التشريع يهدف إلى القضاء على الفساد، وتعزيز الشفافية، وضمان حصول المرأة المسلمة على نصيبها الشرعي من الميراث، إلا أنه أثار انتقادات شديدة من المعارضة والمسلمين، الذين يخشون أن تستغل الحكومة الهندوسية القانون للاستيلاء على ممتلكات المسلمين.

وخلال العقد الأخير، أدى حكم مودي إلى تصاعد ملحوظ في النزعة القومية الهندوسية. 

ومن بين نتائج هذا التوجه، أن الجماعات الهندوسية اليمينية أصبحت تلجأ بشكل متزايد إلى المحاكم للمطالبة بأخذ المساجد في أنحاء الهند، بحجة أنها شُيّدت على أنقاض معابد هندوسية.

دوافع طائفية

وفي العام 2024، أشرف مودي على مراسم تدشين "معبد رام" المثير للجدل في مدينة أيوديا، والذي أُقيم على أرض مسجد بابري الذي يعود للقرن السادس عشر، وقد هدمه قوميون هندوس عام 1992.

وجاء افتتاح المعبد بعد حملة استمرت لعقود قادتها جماعات يمينية متطرفة لبناء المعبد.

وفي عام 2019، قضت المحكمة العليا في الهند بمنح الأرض المتنازع عليها للهندوس لإقامة معبد، بدلا من تخصيصها لبناء مسجد جديد.

كما سعى قادة حزب بهاراتيا جاناتا إلى إعادة تصوير "تاج محل"، المصنف كموقع تراث عالمي لدى "اليونسكو"، على أنه معبد هندوسي، في محاولة لطمس إرثه المغولي وتقديمه كرمز للهندوسية بدلا من ذلك.

ومن خلال تعديل قانون 1995، يقول كثير من المسلمين في الهند إن حزب بهاراتيا جاناتا قد خطا خطوة أخرى نحو تحويلهم إلى مواطنين من الدرجة الثانية، عبر الاستيلاء على ممتلكات أجدادهم لخدمة أجندته السياسية.

واحتجّ "مجلس قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لعموم الهند"، وهو منظمة إسلامية بارزة، على قانون الوقف الجديد، واصفا إياه بأنه "تمييزي، ذو دوافع طائفية، ويمثل انتهاكا صارخا للحقوق الدستورية للمواطنين المسلمين".

بدوره، أوضح عضو مجلس الأوقاف في ولاية غوجارات غرب الهند، محمد توفيق، أن "هذا القانون سيجبر المسلمين الهنود على الوقوف في طوابير لإثبات ملكية العقارات التي وهبها لهم أجدادهم".

وفي مارس/آذار 2024، هدمت حكومة ولاية غوجارات، المعقل التقليدي لحزب بهاراتيا جاناتا، مزارا إسلاميا في مدينة جوناغاد، خلال عملية ليلية وسط انتشار مكثف للشرطة، وفي سبتمبر/أيلول من العام نفسه، هدمت السلطات في الولاية تسع منشآت إسلامية أخرى.

أما في نوفمبر/تشرين الثاني، فقد أصدرت محكمة مدنية في شمال الهند إشعارا يزعم أن مزار أجمير -أحد أقدس المزارات الصوفية الإسلامية في البلاد- كان في الأصل معبدا هندوسيا. 

وكانت منظمة "هندو سينا"، وهي جماعة هندوسية متطرفة، هي التي تقدمت بالالتماس.

محو الهوية

وبالإضافة إلى هدم المواقع الإسلامية، أعادت السلطات المحلية في الولايات والمدن تسمية المعالم والشوارع والمدن التي تحمل دلالات إسلامية.

ففي عام 2018، أُعيدت تسمية مدينة "الله أباد" الشهيرة في ولاية أوتار براديش الشمالية، إلى "براياجراج" بعد أن صرّحت حكومة الولاية -بقيادة الراهب الهندوسي المتعصب يوغي أديتياناث- بأن هذه الخطوة ستعيد هوية المدينة القديمة كمركز للحج الهندوسي.

وقد لوحظ هذا التوجه الهندوسي في إعادة تسمية المواقع في ولايات أخرى يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا، مثل ماديا براديش وغوجارات وماهاراشترا.

وبحسب "فورين بوليسي"، يخشى العديد من المسلمين في الهند أنه إذا كانت الأضرحة الإسلامية المسجلة معرضة للخطر حتى قبل صدور القانون الجديد، فإن أوقاف الأراضي ستكون حاليا عرضة لمزيد من التدقيق.

ومن القضايا الأخرى المثيرة للقلق، أن هذا التشريع قد يُقلل من دور المسلمين وسيطرتهم على إدارة ممتلكات الأوقاف، علما بأنه يوجد أكثر من 870 ألف عقار وقفي في جميع أنحاء الهند، بقيمة تزيد عن 14 مليار دولار، ووفقا لتقديرات حكومية.

وقال ظفر الإسلام خان، الرئيس السابق لمجلس مسلمي عموم الهند، وهو الهيئة الجامعة للمنظمات الإسلامية في الهند، إن التعديلات على قانون الأوقاف لعام 1995 تفتح الباب أمام الحكومة الوطنية وحكومات الولايات، بالإضافة إلى الأفراد، لـ"الاستيلاء على أراضي وممتلكات الأوقاف".

وأضاف أن هذا يشمل أيضا الأراضي والممتلكات التي تخدم أكثر المسلمين ضعفا، مثل الفقراء والأرامل والأيتام.

وبحسب المجلة، فالتشريع الجديد ليس المحاولة الأولى لحزب بهاراتيا جاناتا لتعديل القوانين التي تؤثر بشكل مباشر على ظروف معيشة المسلمين في الهند، فقد سبق أن حاولت مجموعات هندوسية يمينية وسلطات حكومية تدنيس المزارات والمساجد الإسلامية.

لكن استخدام القانون كسلاح على نطاق وطني أثار انتقادات واسعة من المسلمين في جميع أنحاء الهند، الذين يحتجون حاليا ضد هذا القانون.

ومنذ صدور التشريع، أدت الاحتجاجات على تعديل قانون الأوقاف إلى سقوط ما لا يقل عن ثلاثة قتلى واعتقال أكثر من 150 شخصا في مختلف أنحاء الهند.

فرض الهندوسية

وعلى مدار العقد الماضي، سعى حزب بهاراتيا جاناتا أيضا إلى إنشاء "السجل الوطني للمواطنين" (NRC)، الذي يهدف إلى تحديد هوية المهاجرين غير النظاميين وترحيلهم؛ وأدخل تعديلات على قوانين الجنسية.

كما ألغى الطلاق الإسلامي "الفوري البائن" (الطلاق بالثلاثة)؛ وجرّد كشمير -المنطقة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في الهند- من وضع الحكم الذاتي الخاص.

كل هذه التشريعات قوّضت الأمن الدستوري للمسلمين الهنود، وفق مجلة "فورين بوليسي".

وأوردت أن السياسة التي تهدف إلى تحويل الهند إلى دولة ذات طابع هندوسي اكتسبت زخما أكبر بعد انتصارات مودي الانتخابية في عامي 2019 و2024.

وقد أقرت "اللجنة الأميركية الدولية للحرية الدينية" بسجل حكومته الحافل بالمضايقات المُستهدفة للمسلمين، واتهمت نيودلهي بسن قوانين قد تُعرّض ملايين المسلمين الهنود للاحتجاز أو الترحيل أو فقدان الجنسية إذا أكملت الحكومة إنشاء "السجل الوطني للمواطنين".

ووفق مجلة "فورين بوليسي"، سيُقوّض قانون تعديل الوقف فكرة الهند العلمانية، ويُرهق العقد الاجتماعي الذي عاش في ظله الهنود، بمن فيهم الأقليات الدينية، لعقود.

وقد دأبت حكومة حزب بهاراتيا جاناتا على توظيف أغلبيتها البرلمانية أو التذرّع بمخاوف الأمن القومي كوسيلة لتعزيز أجندتها القومية الهندوسية.

وفي كشمير التي تخضع للإدارة الهندية، تسود مخاوف واسعة من قانون الأوقاف الجديد.

وقال كبير العلماء المسلمين في كشمير، ميروايز عمر فاروق، لمجلة "فورين بوليسي": إن "قانون الأوقاف محاولة جديدة لتقويض حريتنا الدينية واستقلال مؤسساتنا.. ويرى مسلمو جامو وكشمير فيه اعتداء على مؤسساتنا الدينية".