استثمارات سنوات طارت بالهواء.. ما انعكاسات تحرير سوريا على إيران وأذرعها؟
"القلق الإيراني الأكبر ناتج عن خسائر استثمارات الحرس الثوري في سوريا"
مع سقوط نظام الطاغية بشار الأسد في سوريا فجر 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 على يد فصائل المعارضة السورية المسلحة، تتصاعد بصورة لافتة صيحات الغضب في إيران.
وفي هذا السياق، نشر مركز دراسات إيران التركي مقالا للكاتب أورال توغا سلط فيه الضوء على موقف إيران من سيطرة المعارضة على الحكم في سوريا، والأهمية الإستراتيجية لحلب في شبكة النفوذ الإيراني وتأثيراتها الإقليمية.
قطع الشبكة
وفي مستهل المقال أوضح الكاتب أن الكثافة السكانية في سوريا تتركز بشكل رئيس في الغرب، خاصة على محور حلب-إدلب-اللاذقية-حمص-دمشق.
حيث يضم نحو 75 بالمئة من السكان، بالإضافة إلى ذلك هناك بيروت التي تعد امتدادا لهذا المحور حيث تبعد عن دمشق نحو 100 كم فقط. ولذلك فإن هذا المحور يعد حيويا من حيث الموارد الاقتصادية والبنية التحتية.
وقد كانت قوات النظام السوري، بدعم روسي وإيراني، قد استعادت السيطرة على حلب والتي تقع في شمال هذا المحور في 2016، مما أمّن طريق دمشق.
إضافةً إلى هذا المحور فإن الطرق التي تربط إيران بالعراق وسوريا هي ذات أهمية إستراتيجية كبرى لإيران، مع وجود ممرات شمالية ووسطى وجنوبية.
حيث تسيطر إيران على هذه الممرات لتأمين دعمها لحزب الله والمجموعات الموالية لها في المنطقة، كما تمثل هذه الطرق شريانا لوجستيا حيويا يعزز نفوذها الإقليمي.
وإن أحد الأسباب الرئيسة لأهمية هذه الطرق بالنسبة لإيران هو دورها في دعم “محور المقاومة”؛ إذ تتيح هذه الطرق نقل الإمدادات إلى حزب الله في لبنان.
ثانيا، تشكل هذه الطرق أساس إستراتيجية إيران للوصول إلى شرق البحر المتوسط. فبفضل هذه الطرق توفر إيران الخدمات اللوجستية لبلدها بالإضافة إلى وكلائها.
وإن هذه الشبكات، التي تعد أحد أسس التعاون بين إيران وحزب العمال الكردستاني والسليمانية، توفر للإيرانيين وصولا مباشرا إلى دمشق واللاذقية ولبنان، وتوفر منفذا إلى شرق البحر الأبيض المتوسط.
بالإضافة إلى ذلك تُستخدم هذه الطرق في تهريب بضائع محظورة نتيجة العقوبات الدولية، بما في ذلك الأسلحة والمخدرات، ما يسهم في تمويل المجموعات المرتبطة بإيران.
وأردف توغا: تشمل هذه الممرات ثلاثة مسارات رئيسية في العراق: الشمالي؛ الذي يمتد من شمال غرب إيران إلى الموصل عبر أربيل وكركوك. وقد أصبح هذا الممر نشطا منذ عام 2017 مشكلا مربعا بين إيران والعراق وسوريا وتركيا. وقد لوحظ زيادة في تهريب الميثامفيتامين والهيروين عبر هذا المسار.
ثانيا الأوسط؛ الذي يربط سوريا بمحافظات الأنبار وبغداد، ومن هناك يتجه فرع له إلى نينوى وآخر إلى بغداد. بينما يصل الخط الرئيس إلى الجنوب وصولا إلى السعودية والكويت. ويتم نقل حبوب الكبتاجون المنتجة في سوريا عبر هذا المسار.
ثالثا الجنوبي؛ الذي يبدأ من ميناء خرمشهر الإيراني وصولا إلى البصرة في العراق، ويُستخدم لتهريب المخدرات والبضائع، خاصة خلال فترات زيارة العتبات المقدسة.
باختصار، تُعد هذه الشبكات اللوجستية أساسية لإيران، ليس فقط لتعزيز نفوذها في سوريا ولبنان، بل أيضا لتطبيق إستراتيجيتها العسكرية الإقليمية.
وهذا يدل على أهمية حلب ودورها المحوري في هذه الشبكات، التي تشكل جزءاً من خطة أوسع لضمان استمرار ما يُعرف بـ"محور المقاومة" ونفوذ إيران في المنطقة.
انعكاسات تحرير حلب
وأشار الكاتب التركي إلى أن تقدم المعارضة السورية السريع في حلب قوبل برد فعل قوي داخل إيران منذ اللحظة الأولى.
حيث بدأت بعض الشخصيات المعروفة التي تسعى للحفاظ على تأثيرها في وسائل التواصل الاجتماعي بإطلاق إهانات شديدة تجاه تركيا والرئيس أردوغان.
في المقابل، اتخذت السلطات الإيرانية موقفا أكثر اعتدالا وابتعدت عن التصريحات التي تلوم تركيا، وأعلنت دعمها لسوريا والإدارة السورية.
وأدان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي الهجومَ على القنصلية الإيرانية في حلب، ويرى أن هذا الهجوم يعد انتهاكا لاتفاقيات أستانا.
وأكد أن هجمات "الجماعات الإرهابية" على مناطق خفض التصعيد تهدد مكاسب الاتفاقية.
من جانبه صرح محمد باقر قاليباف، وهو رئيس مجلس الشورى الإسلامي، بأن تحركات "الجماعات الإرهابية" تأتي ضمن مخطط أميركي-إسرائيلي، مشددا على استمرار دعم إيران لسوريا ضد أي "مؤامرات" جديدة.
كما أكد السفير الإيراني في بيروت أن روسيا وإيران وسوريا لن يسمحوا بتكرار ما حدث في السنوات السابقة.
وفي اليوم التالي، اتخذت وسائل الإعلام الإيرانية خاصة المحافظة منها لهجةً أكثر حدة، حيث تمحورت الاتهامات حول التعاون بين تركيا وإسرائيل، واتهام تركيا بإثارة الفتنة بين المسلمين ودعم السلفيين.
كما أُثيرت تساؤلات حول غياب التدخل التركي في غزة، رغم الحديث عن "مؤامرة مشتركة" ضد سوريا.
وبعد اجتماع بين هاكان فيدان وعباس عراقجي في 2 ديسمبر/ كانون الأول 2024 تراجعت حدة الخطاب الإعلامي، وبرزت قضايا أخرى مثل دعوات الحوار التي أطلقها وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف.
ومع ذلك، استمرت قضية حلب في الظهور على أجندة الإعلام الإيراني. فعلى سبيل المثال، نشرت وكالة تسنيم تقريرا يحذر تركيا من خمس مخاطر محتملة بسبب دعمها للمعارضة في سوريا؛ تشمل خطر التورط في خطط أميركية-إسرائيلية، وتدهور العلاقات مع "محور المقاومة"، واحتمالية خروج الجماعات الإرهابية عن السيطرة.
كما نشرت صحيفة "اعتماد" مقالا يتهم تركيا بتجنيد مقاتلين من آسيا الوسطى والقوقاز وتدريبهم في مخيمات اللاجئين السوريين، وبتوظيف عضويتها في الناتو للعب دور مزدوج بين الغرب والعالم الإسلامي.
وألقى الكاتب باللوم على النظام السوري لفشله في كسب الدعم الشعبي بسبب عدم تنفيذ إصلاحات ديمقراطية، مما أسهم في استمرار الأزمة الاقتصادية والسياسية في البلاد.
مخاوف إيران
وأوضح الكاتب التركي أنه منذ اندلاع الاشتباكات فضّلت وزارة الخارجية الإيرانية التعامل مع الأزمة عبر القنوات الدبلوماسية، حيث زار نائب وزير الخارجية عباس عراقجي دمشق أولا، ثم توجّه إلى أنقرة للقاء وزير الخارجية التركي هاكان فيدان.
وفي المؤتمر الصحفي الذي أعقب الاجتماع شدّدت تركيا على أهمية العلاقات المتنامية بين البلدين، وأكدت على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وعدم التساهل مع التهديدات الإرهابية التي تواجهها، وأشارت إلى أن استمرار الصراع بين المعارضة والنظام السوري هو السبب الرئيس للأزمة.
من ناحية أخرى، طلب الجانب الإيراني الدعم من قبل تركيا تجاه سوريا وقال: "كدول مجاورة نحتاج إلى اتخاذ مبادرات فعالة وسريعة لمنع الإضرار بالأمن والاستقرار في سوريا".
ولفت الكاتب النظر إلى أنه منذ وفاة إبراهيم رئيسي أظهرت إيران موقفا نشطا ومرنا ومنفتحا دبلوماسيا تجاه الحوار في كل تطور.
ففي هذه الأزمة اتخذت السلطات الإيرانية إجراءات سريعة، وبدلا من تنفيذ العملية بتصريحات صحفية عن بعد، اختارت إقامة حوار مباشر مع تركيا وناقشت البحث عن حل مشترك.
وذكر الكاتب التركي أنّ تركيا لا تعد إيران خصما، بل تسعى دائما إلى تخفيف التوتر والتوسط في النزاعات. وفيما يتعلق بسوريا فإن أولويتها هي حماية أمنها القومي.
لذلك، فإن الاتهامات الإيرانية حول تعاون تركيا مع إسرائيل أو الولايات المتحدة ضد إيران تُعَدّ غير صحيحة، خاصة مع التكلفة الكبيرة التي تحملتها تركيا بسبب الحرب السورية المستمرة منذ 15 عاما.
وأشار إلى أن التحركات الأخيرة في شمال سوريا كانت تحت مراقبة الإعلام والاستخبارات الإيرانية منذ شهرين، لكن لم يتوقع أحد سقوط حلب بهذه السرعة.
وتفسير هذا التطور على أنه "مؤامرة تركية ضد إيران وسوريا" يتجاهل الحقائق الميدانية ومعاناة النازحين. فالهدف من عملية أستانا كان تقليل التوتر وتهيئة الظروف للحل، لكن تجاهل مطالب المعارضة المشروعة أوصل الأوضاع إلى هذه النقطة.
وأكّدت تركيا مرارا استعدادها لدعم عملية تطبيع العلاقات السورية-السورية بين النظام والمعارضة. وقد سبق للرئيس أردوغان أن دعا دمشق للحوار.
وختم الكاتب التركي مقاله قائلا: إن القلق الإيراني الأكبر ناتج عن الخسائر المحتملة لاستثمارات الحرس الثوري الإيراني في سوريا، خاصة بعد الضربات التي تلقاها حزب الله.
حيث تعكس بعض الأصوات الإيرانية مثل التصريحات ضد تركيا هذه المخاوف.