ضغوط دولية على عباس.. لهذه الأسباب يبدي مرونة لمصالحة دحلان
أعرب ممثلو الجانبين عن رغبتهم في تحقيق المصالحة الداخلية الفتحاوية
تحسبا لسيناريوهات ما بعد الحرب على قطاع غزة، يخطو رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس حاليا وللمرة الأولى خطوات للأمام نحو المصالحة مع منافسيه السياسيين القدامى لتوحيد حركة التحرير الوطني "فتح" المفككة.
فمع عدم وجود أفق لإنهاء العدوان الإسرائيلي ورفض تل أبيب أي دور لحركة المقاومة الإسلامية حماس في مستقبل غزة، عاد الحديث عن إنهاء الخلاف الفتحاوي الداخلي كمقدمة لإدارة القطاع.
وفي نفس الوقت، تجري "فتح" التي يرأسها عباس أيضا محادثات مع حماس في القاهرة لبحث تمكين السلطة الفلسطينية من إدارة غزة بشكل كامل بعد الحرب.
المصالحة الفتحاوية
بدأ هذا الحراك أواخر أغسطس/آب 2024 مع ورود تقارير متزايدة بشأن جهود للمصالحة بين عباس، والتيار الإصلاحي الديمقراطي في حركة فتح، برئاسة محمد دحلان.
ودحلان قيادي في فتح فصله عباس منها عام 2011؛ وكان حينها عضوا في اللجنة المركزية للحركة، وتلاحقه السلطة الفلسطينية اليوم بتهمة الفساد.
وقضت محكمة جرائم الفساد الفلسطينية عام 2016 بسجنه ثلاث سنوات بتهمة اختلاس 16 مليون دولار خلال توليه منصب منسق الشؤون الأمنية للرئاسة.
ويتهم عباس خصمه دحلان بمحاولة الإطاحة به من رئاسة السلطة، والتورط في تسميم الرئيس الراحل ياسر عرفات مما أدى إلى مقتله.
ويقيم دحلان اليوم في دولة الإمارات ويعد أحد مستشاري الرئيس محمد بن زايد الذي يرغب بتوليه رئاسة السلطة الفلسطينية كبديل عن عباس وحماس معا.
ولد دحلان في خانيونس جنوب قطاع غزة، وكان شخصية بارزة في "الجيل الأوسط" من قيادة فتح.
وبعد اتفاقيات أوسلو 1993 وتأسيس السلطة بالعام التالي، شغل مناصب عليا، بما في ذلك رئيس قوات الأمن الوقائي في غزة ووزير الشؤون المدنية.
وكجزء من دوره، شارك في مناقشات سياسية وأمنية مع مسؤولين إسرائيليين، ولكن بعد اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، جرى ذكر اسمه فيما يتعلق بما تصفه إسرائيل بـ “الأنشطة الإرهابية”.
ووفقا لمصادر في فتح نقلت عنها وسائل إعلام عربية، أصبح عباس "مستعدا بشكل جدي" لإعادة القيادات والناشطين المطرودين من الحركة.
يأتي ذلك بعد لقاءات أجراها أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ مع شخصيات بارزة من التيار الإصلاحي الديمقراطي مثل سمير المشهراوي وجعفر هديب، بتوجيهات من محمود عباس.
وبعد اجتماع للجنة المركزية للحركة ترأسه عباس في 9 سبتمبر/أيلول 2024، أفاد "مسؤولون كبار" بأن قيادة فتح قررت تعزيز المصالحة مع جميع الأعضاء المطرودين، بما في ذلك فصيل دحلان.
ووفقا للمصادر، أجرى سمير المشهراوي نائب دحلان، محادثات مع العديد من مسؤولي فتح (في القاهرة)، بما في ذلك حسين الشيخ، وطالب بإعادة جميع الأعضاء إلى الحركة والأجهزة الأمنية، إلى جانب إلغاء إداناتهم.
وفي النهاية، أمر عباس "بمواصلة التقارب" مع التيار الإصلاحي، إلا أنه لم يقرر إعادة أعضاء فتح المفصولين، وفق ما قال موقع ميديا لاين الأميركي في 3 ديسمبر 2024.
ورغم عدم الإبلاغ عن أي تقدم كبير في الأسابيع التالية، فقد أعرب الجانبان عن رغبتهما في المصالحة الداخلية.
وقال المتحدث باسم فتح في غزة منذر الحايك في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2024، إنهم قرروا إعادة دمج جميع من غادروا، كجزء من إعادة بناء الحركة.
وأضاف في استضافة مع راديو علم المحلي، أن اللجنة المركزية تتعامل مع جميع الملفات ذات الصلة، بما في ذلك تلك المتعلقة بمحمد دحلان.
وبدوره، صرح المتحدث باسم التيار الإصلاحي الديمقراطي عماد محسن في نفس اللقاء، أنهم منفتحون على الحوار الذي يؤدي إلى وحدة فتح، مضيفا أن الجميع يسعى إلى الوحدة بغض النظر عن الاختلاف في الآراء والمواقف.
وقال إن الإجراءات التي أدت إلى طرد دحلان وأعضاء فتح الآخرين من الحركة، كانت معيبة وغير قانونية.
وجاءت هذه التحركات في وقت بدأ وفدان من حركتي فتح وحماس اجتماعات في القاهرة بهدف التوصل إلى تفاهم حول تمكين السلطة الفلسطينية من إدارة قطاع غزة بشكل كامل بعد الحرب، وفق ما أعلنه وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2024.
وتأتي هذه الاجتماعات في سياق مساع مصرية متواصلة لإنهاء الانقسام الفلسطيني الذي بدأ عام 2007 عندما سيطرت حركة حماس على القطاع.
وشهدت السنوات الماضية جولات عديدة من الحوار بين الحركتين برعاية مصر ودول أخرى، لكنها لم تنجح في تحقيق المصالحة.
وتعد هذه المرة الأولى التي تطرح فيها فكرة عودة السلطة الفلسطينية لإدارة غزة علنا، وذلك بعد أكثر من 13 شهرا على اندلاع العدوان على غزة.
وفي كلمته خلال المؤتمر الوزاري لإغاثة غزة والذي عقد في القاهرة في 2 ديسمبر، قال عبد العاطي إن الطرفين يناقشان تشكيل لجنة إدارية لإدارة القطاع والإشراف على المساعدات والمعابر، مع ضمان سيطرة السلطة على الأمور الحياتية في غزة بشكل كامل.
ضغوط على عباس
وعاد ملف المصالحة الفتحاوية بالتزامن مع الحديث عن وجود ضغوط على عباس من أجل التصالح مع خصمه الأكبر محمد دحلان.
ويقول مركز القدس للأمن والشؤون الخارجية (إسرائيلي) إن عباس يدرس سبل إعادة توحيد حركة فتح المنقسمة، على افتراض أن السلطة الفلسطينية ستلعب في نهاية المطاف دوراً في حكم غزة.
ويأتي ذلك على الرغم من معارضة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذه الفكرة حاليا، حيث يرفض أي دور لسلطة عباس في غزة.
وخلف الكواليس، تشجع الأردن ومصر والإمارات عباس على تعزيز المصالحة داخل فتح في أقرب وقت ممكن، مع دحلان ومع القيادي الفتحاوي المفصول أيضا ناصر القدوة، وزير الخارجية الأسبق وابن شقيقة ياسر عرفات.
كما يتم حث رئيس السلطة الفلسطينية على التقرب من شخصيات فتح البارزة الأخرى، بما في ذلك توفيق الطيراوي وجبريل الرجوب ومحمود العالول.
وأوضح المركز العبري في 4 سبتمبر أن الدول المذكورة تعتقد أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تعزز مكانة سلطة رام الله في الشارع الفلسطيني وفي نظر المجتمع الدولي.
ووسط معركة خلافة القيادة، تمكن حسين الشيخ، ورئيس المخابرات العامة ماجد فرج، من إقناع عباس بتهميش قادة فتح الرئيسين بعد زعمهما أنهم يقوضون قيادة رئيس السلطة.
وإلى جانب الفساد المستشري في السلطة، أضعفت هذه الصراعات الداخلية فتح بشكل كبير وعززت قوة حماس بالضفة الغربية.
لذلك، ترى الدول العربية المذكورة أنه يجب على عباس أن يسعى إلى المصالحة الداخلية لتعزيز فتح والسلطة بهدف إنهاء قوة حماس في غزة والضفة معا.
وأكثر من ذلك، ذكرت صحيفة رأي اليوم اللندنية في 3 سبتمبر 2024، أن الأردن ومصر تطالبان عباس بحل الحكومة الحالية التي تشكلت حديثا بقيادة محمد مصطفى وتشكيل حكومة جديدة.
فالإدارة الحالية غير مقبولة لدى المجتمع الدولي، الأمر الذي أعاق قدرة السلطة الفلسطينية على تأمين المساعدات المالية من الدول الأوروبية وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.
ويُنظر إلى محمد مصطفى على أنه خادم مخلص لعباس، لكنه متهم باتهامات فساد خطيرة.
كما يتناقض تعيينه مع التفاهمات السابقة بين عباس وإدارة بايدن، والتي دعت إلى تشكيل حكومة ملتزمة بمكافحة المقاومة والفساد والمحسوبية.
ونتيجة لذلك، رفض العديد من الدول، خاصة الولايات المتحدة، تحويل الأموال إلى السلطة الفلسطينية. وقد يجد عباس صعوبة في المناورة سياسيا بدون حكومة مقبولة من المجتمع الدولي، وفق قول المركز العبري.
وبين أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية قلقة للغاية من أن عباس لا يسيطر على الجناح العسكري لحركة فتح والذي ينفذ هجمات بالضفة، بالاشتراك مع حماس والجهاد الإسلامي.
وفي 2005، أعلن عباس حل "شهداء الأقصى" وبدء فتح مسار سياسي مع إسرائيل، لكن مسلحي الكتائب يظهرون بسلاحهم في مختلف المناسبات دون أن تتبناهم الحركة رسميا.
علاوة على ذلك، تورط أعضاء منشقون من الشرطة الفلسطينية في هجمات على إسرائيل، كما شارك مقاتلو فتح في عملية 7 أكتوبر 2023 من غزة، بحسب زعم المركز.
وقالت التقارير في سبتمبر إن الأردن يضغط أيضاً على عباس لحل قضية خلافة القيادة داخل فتح، إما بتعيين نائب له أو إنشاء آلية لاختيار خليفته، لتجنب فراغ القيادة بمجرد تنحيه.
وهو ما استجاب له عباس بإعلان مرسوم دستوري جديد ينص على قيادة روحي فتوح رئيس المجلس الوطني الفلسطيني (برلمان منظمة التحرير)، للسلطة حال شغور المنصب وعدم إجراء انتخابات.
ما الاحتمالات
وبرز اسم دحلان من جديد بشكل بارز بسبب نشاطه في غزة أثناء الحرب من خلال جهود المساعدات الإنسانية الإماراتية وارتباطاته السياسية مع شخصيات مختلفة في القطاع.
ونفى محمد دحلان نفسه التقارير التي تتحدث عن تجهيزه لقيادة السلطة، مدعيًا أنه يرفض تولي أي دور أمني أو حكومي أو تنفيذي وأنه يركز فقط على تقديم المساعدات الإنسانية.
ويُنظر إلى دحلان، على أنه يقف وراء المساعدات الإنسانية الإماراتية لغزة التي أعلن عنها ابن زايد في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 ضمن ما يسمى عملية الفارس الشهم 3. كما أنشأت أبوظبي مستشفى ميدانيًا في القطاع ونقلت المرضى والجرحى إلى مستشفياتها.
ومن هذا المنطلق، يرى موقع ميديا لاين الأميركي أن المساعدات عززت صورة الزعيم المدعوم من الإمارات كشخصية براغماتية قادرة على تحقيق نتائج حيث تعثر آخرون.
وبين في ديسمبر 2024 أن علاقات دحلان الخليجية تمنحه القدرة على الوصول إلى موارد لا تستطيع حماس ولا السلطة الفلسطينية أن تضاهيها.
ويمكن توقع استمرار محادثات المصالحة بين فتح ودحلان، لأنها تخدم كلا الجانبين، وفق ما يقول مركز "مائير عميت الإسرائيلي للاستخبارات والإرهاب".
وأوضح المركز الإسرائيلي في 25 نوفمبر 2024، أن المصالحة تمثل فرصة للسلطة الفلسطينية، من أجل التقرب من الإمارات وباقي دول الخليج، والتي يتوقع أن تلعب دورا مركزيا في إعادة إعمار غزة بعد الحرب.
أما بالنسبة لدحلان، تساعد هذه العملية في تعزيز مكانته داخل السلطة كزعيم محتمل بعد نهاية عهد محمود عباس.
وخاصة إذا ظل مروان البرغوثي الأسير القائد في “فتح” وصاحب الشعبية الجارفة، معتقلا في سجون الاحتلال أثناء المفاوضات مع حماس بشأن عقد صفقة لتبادل الأسرى.
كما يتمتع دحلان بميزة عدم ارتباطه حاليًا بالسلطة، في وقت ينظر إليه كثيرون على أنه منافس بارز لعباس وقيادات رام الله، التي يُنظر إليها على نطاق واسع في الشارع الفلسطيني، على أنها فاسدة.
ومن أبرز الدوافع وراء توجه حركة فتح لإجراء مصالحة داخلية، اندلاع حرب غزة وحجم التهديد الذي بات يواجه الأطراف الفلسطينية بشكل عام.
فخلال الفترة التي أعقبت اندلاع العدوان كان هناك نوع من التهميش لحركة فتح والسلطة الفلسطينية، وغابت نوعاً ما عن المشهد؛ وهذا يعود إلى غياب قدرتها التأثيرية في مسار الحرب، وفق ما قال المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية في 16 سبتمبر.
ولا يستبعد المركز (مقره أبوظبي) أن تكون الحركة قد نظرت إلى ذلك على أنه أمر يهدد مكانتها على الساحة الفلسطينية، وبالتالي يمكن أن تكون خارج التوافقات المستقبلية بين القوى الراعية لمسارات التفاوض لإنهاء الحرب في غزة، ووضع صيغ لليوم التالي بعدها.
وأردف: “نتيجة لذلك يمكن أن ترى فتح والسلطة أنها بحاجة إلى منح زخم لنفسها نوعاً ما، وإظهار أنها تقوم بحركة سياسية كبيرة في إطار الحراك الإقليمي والدولي المتعلق بالقضية الفلسطينية”.
وأوضح مركز “مائير عميت” أن عباس أبدى استعداده للمصالحة لأنه يدرك نفوذ دحلان وفصيله في غزة ومخيمات اللاجئين في الضفة الغربية ولبنان، فضلاً عن رغبته في تأمين الدعم والتمويل من دول الخليج التي تربطها علاقات وثيقة بالقيادي المفصول من فتح.
ويقول مركز القدس للأمن والشؤون الخارجية إنه إذا نجحت هذه الخطوة، فإنها قد تشكل تقدماً كبيراً في عملية المصالحة.
ويستدرك أن انعدام الثقة العميق بين عباس ودحلان، إلى جانب الشروط الصارمة التي يفرضها الأخير، يدفع الكثيرين داخل فتح إلى الاعتقاد بأن فرص المصالحة لا تزال ضئيلة في هذا الوقت.
ويطالب التيار الإصلاحي، الرئيسَ عباس، باتخاذ إجراءات لتوحيد الحركة، تبدأ بإلغاء قرارات "الفصل التعسفية ومنها وقف رواتب آلاف الموظفين المحسوبين على دحلان، وتشكيل حكومة بصلاحيات واسعة لإعادة السلطة الفلسطينية إلى غزة".
وإلى جانب ذلك، يرى المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية أن ما يقلل من أهمية هذه المصالحة نوعاً ما، أنها تأتي بصورة فردية وليست جماعية وأنها قد تعيد عددا قليلا من أعضاء فتح المفصولين.
كما يمكن أن يُنظر إلى هذا الوضع كمحاولة من قبل حركة فتح لمسايرة الضغوط العربية والإقليمية بقبول المصالحة بشكل ظاهري لا جوهري ضمن إطار تنافسي يجري فيها سحب القيادات من تيار دحلان وإضعاف سيطرة الأخير.
وفي ظل محاولات التقارب بين جميع الأطراف، يؤكد موقع ميديا لاين أن مستقبل غزة سيعتمد في نهاية المطاف على الموازنة بين الدعم المحلي والتعاون الإقليمي والمشاركة الدولية والنوايا الإسرائيلية.