مع عودة النازحين.. كيف تعالج سوريا ملف الألغام والذخائر غير المنفجرة؟

مصعب المجبل | منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

مع عودة النازحين السوريين إلى بلداتهم المدمرة يتكرر مشهد موت الأطفال والنساء كل يوم جراء انفجار الألغام والذخائر من مخلّفات الحرب.

ولا تكفي الجهود الفردية ومن بعض المنظمات في إزالة الألغام من المدن والبلدات التي زرع فيها نظام بشار الأسد ومليشياته آلاف الألغام على مدى أكثر من عقد من الزمن.

ملف شائك

وقتل العشرات منذ سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، جراء انفجار الألغام بمحيط المنازل والأراضي الزراعية في البلدات التي هجرها سكانها؛ هربا من بطش الأسد آنذاك.

كما أظهر مقتل عدد من الأشخاص وهم يحاولون تفكيك الألغام قرب منازلهم غياب إستراتيجية في التعامل مع هذا الخطر المتصاعد.

وفي حادثة جديدة، قتل ثلاثة أشخاص من عائلة واحدة، وأصيب آخرون بجروح متفاوتة، في 3 أبريل/ نيسان 2025 جراء انفجار لغم أرضي من مخلفات الحرب في منطقة بادية الشولا جنوب غربي دير الزور.

​​ومنتصف مارس/ آذار 2025، قتل 16 شخصا بينهم أطفال ونساء في انفجار بمدينة اللاذقية غرب سوريا، بعدما حاول أحد الأشخاص تفكيك مخلفات حرب داخل محل الخردة في مبنى سكني، وفق وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا".

ووثق “الدفاع المدني السوري” (الخوذ البيضاء) منذ 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 وحتى 15 مارس 2025، مقتل 96 مدنيا بينهم 23 طفلا و9 نساء، وإصابة 133 مدنيا بينهم 48 طفلا بجروح بعضها بالغة الخطورة، في انفجار لمخلفات الحرب والألغام.

وتشكل الأجسام المتفجرة ومن ضمنها الألغام بمثابة موت مؤجل للسوريين؛ حيث إن التصدي لهذه الملفات الشائكة بحاجة إلى جهود محلية ودولية بعد سنوات من الحرب اتّبعت خلاله أطراف عدة إستراتيجية زرع الألغام في مختلف المناطق.

وسوريا من أكثر دول العالم تلوثا بالألغام، ولا تزال منطقتها الشمالية الشرقية تعاني بشكل خاص من المخلفات المتفجرة القاتلة.

وتنتشر آلاف الألغام الأرضية والقذائف والذخائر غير المنفجرة في المدن الكبرى والمناطق الريفية التي شهدت عمليات عسكرية وقصفا على مدى 14 عاما.

وحدد مسح أُجري عام 2024، وجود 749 منطقة خطرة تحتوي على مخلفات الحرب شمال شرق سوريا، تغطي مساحة هائلة تبلغ 38 مليون متر مربع.

ومنذ عام 2011، تسببت الألغام الأرضية في مقتل 3472 مدنيا بسوريا، بينهم 919 طفلا.

وتعوق الألغام ومخلفات الحرب المتفجرة حرية الحركة وتُحِدّ من سبل العيش؛ إذ تمنع تطوير مساحات شاسعة من الأراضي وزراعتها، وهذا بدوره يعوق الانتعاش الاقتصادي المستدام وإعادة بناء المجتمع، ويزيد من هشاشة المجتمع ومخاطره النفسية والاجتماعية، لا سيما أن أعدادا كبيرة من الذخائر غير المنفجرة والألغام موجودة بين منازل المدنيين، وفي الأراضي الزراعية وأماكن لعب الأطفال، ناجمة عن قصف ممنهج طوال السنوات الماضية، وستبقى قابلة للانفجار لسنوات أو حتى لعقود قادمة. 

والخطر الأكبر الناتج عن انتشار الألغام والذخائر غير المنفجرة يتعلق بالخسائر البشرية وتهديدها المباشر لحياة السكان، وفي كثير من الأحيان تؤدي إلى فقدان الأطراف وترك عاهات دائمة.

الفرق المتخصصة

وبشكل شبه يومي، تقع حوادث انفجار لمخلفات الحرب في البلدات والمدن السورية؛ إذ تمثل الألغام التي زرعها نظام الأسد ومليشياته تهديدا مستمرا لحياة المدنيين، متسببة في إصابات خطيرة، وتفاقم معاناتهم عبر تقييد تحركاتهم اليومية وإعاقة عودتهم إلى منازلهم.

ويحذر الدفاع المدني باستمرار من خطر الألغام التي خلّفها النظام وحلفاؤه، والمزروعة في الطرقات وبين أنقاض المنازل، مشددا على ضرورة توخي الحذر واتخاذ التدابير اللازمة لتجنب وقوع مزيد من الضحايا.

وبحسب بيان نشرته اللجنة الدولية للصليب الأحمر في 3 أبريل/ نيسان 2025 أكّدت فيه أنه مع عودة المدنيين إلى مناطقهم الأصلية بعد سنوات من النزوح، يدخل كثيرون "عن غير علم" مناطق خطرة وملوثة، في وقت يدفع فيه التدهور الاقتصادي أفرادا إلى جمع الخردة المعدنية، بما فيها بقايا متفجّرات، سعيا لكسب الرزق، وسط غياب برامج شاملة لإزالة الألغام.

وما يثير الخطر المتصاعد كذلك، لجوء الأهالي إلى محاولة تطهير أراضيهم من الألغام لجعلها آمنة لهم للعودة، ولكن من المؤسف أنهم فقدوا حياتهم أيضا نتيجة لذلك.

ومنذ سقوط نظام الأسد، عمد المواطن فهد الغجر (35 عاما) إلى نشر صور بانتظام على “فيسبوك” تُظهر عمله الخطير في إزالة الألغام من مواقع مختلفة في جميع أنحاء سوريا.

وفي أحد منشوراته، عبّر عن فخره بإزالة الألغام من الأراضي الزراعية المستخدمة لرعي الماشية، معلقا: "أجمل ما في الأمر هو النهاية".

وفي فبراير/ شباط 2025، كتب غجر عن وفاة أحد زملائه قائلا: "سوريا حرة، لكننا، نحن فريق الهندسة، نفقد شخصًا كل يوم.. في النهاية، جميعنا أموات؛ المهم هو تنظيف البلاد".

وفي 21 فبراير 2025، قُتل فهد الغجر بانفجار لغم أرضي أثناء تطهير مزرعة شمال سوريا، بعدما نجح في تطهير المنزل، لكن لغما انفجر أثناء تفقده الحقل، ما أدى إلى مقتله على الفور.

واتفاقية الذخائر العنقودية تُلزم أطراف النزاع بالتمييز في جميع الأوقات بين المدنيين والمقاتلين، وتوجيه العمليات ضد الأهداف العسكرية فقط، والحرص الدائم على تجنيب المدنيين والأعيان المدنية.

وتعد الذخائر العنقودية، كالرصاص المتفجر والمتمدد، والألغام المضادة للأفراد، وغيرها، أسلحة محظورة بموجب القانون الإنساني الدولي.

إلا أن سوريا ليست طرفا في أيٍّ من الاتفاقيات الدولية التي وضعت على مدى العقود الماضية؛ حيث وضع القانون الدولي قواعد صارمة بشأن استخدام الألغام الأرضية.

ولهذا فإن سوريا غير مُلزمة قانونا بأحكام تلك الاتفاقيات، مما قد يُفسر الاستخدام الواسع النطاق للألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة في البلاد عقب عام 2011.

خطوات عملية

ومنذ عام 2016، تقود "الخوذ البيضاء" جهود إزالة الذخائر غير المنفجرة؛ حيث تُجري فرقهم مهام التخلص من الذخائر غير المنفجرة، وتُنظم حملات توعية مجتمعية لتثقيف المدنيين حول مخاطرها.

ودمرت المنظمة المذكورة بين عامي 2021 و2022، 900 ذخيرة، بما في ذلك أكثر من 21 ألف قنبلة عنقودية. فيما لقي أربعة متطوعين حتفهم أثناء عمليات التطهير.

ويُعد الاستثمار الفوري في إزالة المتفجرات أمرا بالغ الأهمية لضمان سلامة المجتمعات ودعم تعافي سوريا التي تحتاج في الوقت الراهن إلى دعم دولي عاجل لتمويل جهود إزالة الألغام، والتوعية بمخاطرها، ومساعدة الناجين.

وتُقدر تكلفة إزالة الألغام بعشرات الملايين من الدولارات، ويعد هذا الرقم ثمنا زهيدا مقارنة بالأرواح التي يمكن إنقاذها، لا سيما الأطفال، فهم أكثر عرضة للذخائر غير المنفجرة والألغام الأرضية نظرا لانخفاض وعيهم بالمخاطر وفضولهم الكبير.

وضمن هذا السياق، يرى العقيد المنشق عن جيش نظام الأسد المخلوع إبان اندلاع الثورة، إسماعيل أيوب، أنه "يجب أن تشكل الدولة السورية فرقا لنزع الألغام والذخائر غير المنفجرة والقنابل العنقودية وهي مهمة كبيرة خاصة مع وجود مساحة كبيرة دارت فيها معارك على مدار 14 عاما".

وأضاف أيوب لـ"الاستقلال" قائلا "نظام الأسد ألقى ملايين من القنابل والألغام والقنابل العنقودية، وهذه الأخيرة فيها نسبة تصل إلى 10 بالمئة لا تنفجر، وهو ما يخلف خطرا على الأهالي والأطفال الصغار الذي يعبثون بها دون أي شعور بخطورتها". 

ولفت إلى أن "هناك خبرات كبيرة في سوريا من ضباط مختصين بإزالة الألغام والقنابل غير المنفجرة؛ حيث يمكن جمع هؤلاء والاستعانة بالدول الشقيقة والصديقة للبدء بخطط فعالة لإزالة مخلفات الحرب عبر استخدام أجهزة متنوعة وحديثة".

وكذلك “حث الجهات المانحة الدولية إلى دعم توسيع نطاق توفير المعدات التقنية اللازمة لتحديد مواقع الذخائر غير المنفجرة والألغام وإزالتها”، وفق أيوب.

وأردف "المهمة شاقة لكنها ليست مستحيلة، وتتطلب جهودا من الحكومة وفرض ميزانية مالية خاصة لها، وتفريغ كامل للفرق المتخصصة حتى تضع خطة شاملة لكل منطقة على حدة".

وختم أيوب بالقول "مهمة إزالة الألغام عملت عليها المعارضة قبل سقوط الأسد في الشمال السوري، وبالتالي يمكن استكمال الجهود على كامل التراب السوري، ضمن خطط حيوية وهندسية متقنة وبلا أخطاء عملية".

تجارب الدول

أمام ذلك، ينظر إلى تجارب الدول التي مرت بحروب في إزالة الألغام ومخلفات الحرب المتفجرة أحد أفضل البرامج للاستفادة منها في الحالة السورية لمنع وقوع مزيد من الضحايا.

فعند التوصل إلى اتفاق "دايتون للسلام" عام 1995، شكلت إزالة الألغام من الأراضي في البوسنة والهرسك تحديا رئيسا.

ولمعالجة هذا التحدي، أنشأت سلوفينيا عام 1998 الصندوق الاستئماني الدولي لإزالة الألغام ومساعدة ضحايا الألغام، كمنظمة إنسانية غير ربحية لمساعدة البوسنة والهرسك في تنفيذ اتفاق السلام وتقديم المساعدة والدعم لإعادة التأهيل بعد الصراع.

وبناء على هذه التجربة الناجحة، تدعم سلوفينيا حاليا دولا حول العالم في مجال إزالة الألغام وإعادة التأهيل بعد النزاعات.

وتُخصص سلوفينيا جزءا كبيرا من مساعداتها الإنمائية الرسمية لإزالة الألغام، لا سيما في أوكرانيا وعدة دول في الشرق الأوسط وآسيا.

وفي عام 2021، خصصت سلوفينيا النسبة الأكبر (20.2 بالمئة) من مساعداتها الإنمائية الرسمية المخصصة للسلام لإزالة الألغام الأرضية ومخلفات الحرب من المتفجرات، متجاوزة بذلك متوسط ​​لجنة المساعدة الإنمائية (2.1 بالمئة).

وتتطلب إزالة الألغام التزاما طويل الأمد، وتكون أكثر فعالية عند اقترانها بالمساعدة الاقتصادية والنفسية والاجتماعية لضحايا الألغام.

وتعد زيادة الموارد المالية المخصصة لإزالة الألغام ومخلفات الحرب أهم العوامل في هذا النطاق.

كذلك، من أهم العوامل عامل إزالة الألغام بكفاءة عبر فرق متخصصة تعمل على تطهير الأراضي والعثور على الألغام والذخائر غير منفجرة وتدميرها، وتعزيز التوعية بالمخاطر وتقديم المساعدة لضحايا الألغام عبر توجيه رسائل توعية بالمخاطر إلى أجهزة الهواتف للمواطنين.